تمر أيام شهر رمضان الكريم، كقطار مسرع يتشوق للوصول لمحطة العيد، ولا يختلف الأمر في كل عام، فأيقونات الأعياد والاحتفالات تقاوم بضراوة الحياة العصرية السريعة التي تقضي على مظاهر الاحتفال التراثية في حياة المصريين.
ولكن تبقى مشاهد الجدة وهي تجلس وسط بناتها وزوجات أبنائها وأحفادها، يخلطون الزبد مع الدقيق الأبيض مع الخميرة، في معزوفة متناغمة من الحب والخير، لتخرج حبات الكعك المغطى بالسكر الناعم، تفرح قلب الكبير قبل الصغير.
ففي الأحياء الشعبية، تخصص العشر أيام الأخيرة من رمضان للصلاة والعبادة وكذلك خبز الكعك وحلوى العيد المختلفة، وتتشارك الجارات مع بعضهن البعض في إتمام تلك المهمة الشاقة، بتخصيص يوم للخبز لكل أسرة في العقار، حيث يجتمعون من بعد صلاة العشاء حتى موعد صلاة الفجر، يشكلون الكعك السادة وآخر يكون محشوا بالمكسرات أو العجوة أو الملبن، ثم ترص الحلوى في «صاجات» (قوالب كبيرة للخبز)، ويذهب بها الرجال إلى مخابز الحي الصغيرة، حيث تعمل الأفران بها على مدار 24 ساعة، في حالة طوارئ مبهجة، تغلفها رائحة الحلوى الطازجة.
وتتبارى السيدات في إتقان إعداد الكعك، ويعتبرها البعض من علامات الفخر والمهارة والتربية الصالحة، إذ ما أتقنت فتاة شابة الوصفة تلقب بأنها ممتازة مثل أمها، وقد تحصل على عريس بسبب جودة ما صنعت.
وفي شارع الهندي بحي الهرم، تجمعت السيدة منال مع شقيقتها السيدة حنان، واشتروا المكونات من زبد ودقيق وخميرة وسكر ومكسرات وملبن، وذهبوا إلى مخبز قريب من البيت، ليصنع لهم الكعك والبسكويت والغريبة، في محاولة منهم للحفاظ على طقوس والدتها وجدتها، وكذلك لمواجهة الأسعار المرتفعة لكعك العيد.
وفي المقابل، وفي قلب شارع الهرم الرئيسي بحي الجيزة، تزين أشهر محلات الحلوى، واجهات نوافذها بأطنان من الكعك الأبيض والبسكويت، في تنافس شديد لبيع حلوى العيد، وتزداد حدة المنافسة مع اقتراب ليلة العيد.
ويعود الكعك إلى الدولة الطولونية، التي كانت تصنعه في قوالب منقوشة عليها عبارة «كل واشكر»، وكان الوزير «أبو بمر المادرالي» مهتمًا بصناعة الكعك في العيد، فكان يحشوه بالذهب.
وفي العصر الفاطمي، كان الخليفة الفاطمي يخصص 20 ألف دينار لصناعة كعك العيد، فكانت بداية صناعته في شهر رجب إلى العيد.
وهناك آراء تقول إن الفراعنة هم أول من عرفوه فقد اعتادت زوجات الملوك على تقديم الكعك للكهنة القائمة على حراسة هرم خوفو في يوم تعامد الشمس على حجرته، وقد أحسن الخبازون في البلاط الملكي الفرعوني صناعة الكعك بأشكال مختلفة، مثل الكعك اللولبي، والمخروطي، والمستطيل، والمستدير، وكانوا يخلطونه بالعسل الأبيض، ووصلت أشكاله إلى 100 شكل نقشت جميعها بأشكال متعددة على مقبرة الوزير «خميرع» في الأسرة الثامنة عشرة بطيبة، وكان يسمى بالقرص.
كعك العيد.. بهجة مصرية تتوارثها الأجيال
من الفراعنة إلى الفاطميين
كعك العيد.. بهجة مصرية تتوارثها الأجيال
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة