باريس تتبرأ من زيارة نائب فرنسي لدمشق ولقائه الأسد

الخارجية الفرنسية: بواسون لم يفوض ولم يكلف نقل أي رسالة

باريس تتبرأ من زيارة نائب فرنسي لدمشق ولقائه الأسد
TT

باريس تتبرأ من زيارة نائب فرنسي لدمشق ولقائه الأسد

باريس تتبرأ من زيارة نائب فرنسي لدمشق ولقائه الأسد

نأت الحكومة الفرنسية بنفسها عن الزيارة التي قام بها النائب اليميني جان فريدريك بواسون إلى سوريا يوم الأحد الماضي، ولقائه على انفراد الرئيس السوري بشار الأسد ورئيس مجلس الشعب جهاد اللحام ومسؤولين دينيين. وقالت الخارجية الفرنسية، في إطار مؤتمرها الصحافي الإلكتروني أمس، إن النائب المذكور، «كغيره من البرلمانيين الذين سبقوه إلى زيارة سوريا لا يحمل أي تفويض من السلطات الفرنسية، كما أنه ليس مكلفًا بنقل أي رسائل رسمية». وكانت الخارجية تشير بذلك إلى الزيارة التي قام بها أربعة برلمانيين فرنسيين من اليمين واليسار ومن مجلسي الشيوخ والنواب، إلى دمشق قبل خمسة أشهر التي أثارت وقتها ردود فعل غاضبة من الرئيس هولاند، ومن رئيس الحكومة مانويل فالس، ومن الحزب الاشتراكي على السواء. لكن زيارة النائب بواسون لم تلقَ كبير الصدى وحظيت برد متواضع من الخارجية، والأرجح لأنه نائب ينتمي إلى المعارضة ولا ترغب السلطات في توفير الدعاية السياسية له عن طريق رد قوي.
بيد أن مبادرة النائب الذي يرأس حزبًا يمينيًا صغيرًا اسمه «الحزب المسيحي الديمقراطي» والمبادرات السابقة المماثلة والانتقادات الموجهة للسياسة الاشتراكية من قبل المعارضة اليمينية، تطرح جديًا مسألة تموضع السياسة الفرنسية إزاء الملف السوري. كما أن الملاحظات التي أثارها بواسون تعكس غياب الوضوح والرؤية في الموقف الفرنسي. وفي تصريحات لوسائل إعلامية في باريس أمس، لجأ جان فردريك بواسون إلى مجموعة من الحجج لتبرير زيارته وإعطائها معنى، أهمها ثلاثة: الأولى أن «هناك رئيسًا (الأسد)، قيل لنا منذ سنوات إنه سيقع الأسبوع القادم، لكنه لا يزال في موقعه»، فضلاً عن أن هناك دولة «صحيح أنها ضعيفة، ولكنها قائمة ولم تسقط». وحجة بواسون الثانية أن «المفاتيح الأساسية للمشكلات القائمة في المنطقة موجودة في سوريا»، ومنها الملف اللبناني، وخصوصًا الإرهاب ووجهه الأبرز «داعش». وبالنسبة للنائب الفرنسي اليميني، فإن الأسد «يملك الجزء الأكبر من الحلول التي من شأنها دحر (داعش)»، كما أن «جميع العناصر (التي يمكن أن تشجع الغرب) للحديث مع الأسد، متوافرة، أكنا نحب أم لا نحب نظامه أو شخصه أو طريقته في الحكم؛ إذ من الأفضل التعاطي معه وليس مع (داعش)». وحجة بواسون الثالثة أن مصلحة الأقليات، وعلى رأسهم المسيحيون، تتطلب بقاء الأسد الذي يحظى بـ«ثقة الطوائف».
الخلاصة التي يتوصل إليها النائب الفرنسي، هي أن الأسد هو «المحاور (لفرنسا والغرب) ولا نستطيع بالتالي إهماله». وبرأيه أن «الخطأ الكبير» الذي ترتكبه الدبلوماسية الأوروبية والأميركية هو تحديدًا عزل الأسد سياسيًا ودبلوماسيًا، خصوصًا أن المسألة «ليست دعمه أو عدم دعمه بل الحوار معه من أجل دحر الهمجية الداعشية».
لكن، بالمقابل، لا يأتي النائب الفرنسي مطلقًا على ما يرتكبه النظام بحق المدنيين ولا استخدامه البراميل المتفجرة والتسبب في سقوط ما لا يقل عن 220 ألف قتيل وتهجير نصف سكان سوريا من منازلهم، لأنه «ليس المحكمة الجنائية الدولية».
يرفض النائب الفرنسي سلفًا كل ما يمكن أن يساق ضد زيارته من قبل رئاسة الجمهورية أو الحكومة؛ إذ إنه يؤكد أن «معرفة ما إذا كانت الزيارة تروق لـ(الرئيس) هولاند، أمر لا يهمه مطلقًا». وجاءت زيارته لدمشق في إطار جولة قادته أيضًا إلى العراق قامت بالتحضير لها جمعية «نجدة مسيحيي المشرق». وكان هولاند وصف لقاء البرلمانيين مع الأسد في شهر فبراير (شباط) الماضي باللقاء مع «ديكتاتور»، فيما اعتبره رئيس الحكومة مانويل فالس «خطأ أخلاقيًا» واصفًا الأسد بأنه «جزار شعبه».
يعد حزب جان فريدريك بواسون المتواضع «لأنه وحده من يمثله في البرلمان» المتحالف مع حزب «الجمهوريون» برئاسة الرئيس السابق نيكولا ساركوزي «قديما الاتحاد من أجل حركة شعبية»، قريبًا من الأوساط اليمينية المسيحية المتشددة. ومنذ أكثر من عام بدأت تسمع أصواتًا في باريس تدعو للانفتاح على الأسد غالبيتها الساحقة تنتمي إلى معسكر اليمين ومنها مسؤولون مخابراتيون سابقون. لكن السياسة الفرنسية الرسمية، كما يعبر عنها الوزير لوران فابيوس، ترفض الاختيار بين النظام و«داعش»، وتدعو لدعم «الخيار الثالث» القائم على مقترحات بيان جنيف لصيف عام 2012 والداعي لقيام سلطة حكومية مؤقتة تتشارك فيها وجوه من النظام، ولكن ليس من الدائرة المقربة من الأسد، إضافة للمعارضة المعتدلة. وتدعم باريس الائتلاف السوري المعارض الذي يرأسه خالد خوجة، عسكريًا وسياسيًا، لكنها تسعى لدفعه من أجل توسيع قاعدة المعارضة عبر الانفتاح على كيانات معارضة أخرى من بينها هيئة التنسيق.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».