آخر ما كان يتوقعه رئيس الحكومة اللبنانية السابق، نجيب ميقاتي، أن يسقط حكومته بنفسه، مقدما استقالته احتجاجا على رفض حزب الله تمديد ولاية المدير العام لـ«قوى الأمن الداخلي» السابق اللواء أشرف ريفي، أسوة بباقي القادة العسكريين، وأن يدخل الأخير بعدها بشروطه إلى حكومة خلفه الرئيس تمام سلام من بابها العريض، متوليا حقيبة العدل بعد وضع «فيتو» على تسلمه حقيبة «الداخلية».
خرج ميقاتي ووزراء طرابلس الأربعة من السراي الحكومي، ودخلها ريفي ديكا مزهوا، مسلحا بقاعدة شعبية في طرابلس لم تتردد في إطلاق الرصاص ابتهاجا عند توزيره، وبدعم من فريقه السياسي الذي لم يمانع اشتراطه الحصول على حقيبة العدل أو الاتصالات، وإلا الإطاحة بتأليف حكومة الرئيس تمام سلام في اللحظات الأخيرة.
ورغم أن اسمه تصدر قائمة «الوزراء الاستفزازيين»، وأثار غضب جمهور فريق «8 آذار» بوصفه وزميله نهاد المشنوق، الذي تسلم حقيبة «الداخلية» بدلا عنه، من صقور قوى «14 آذار»، مما أشعل مواقع التواصل الاجتماعي بتعليقات لم تستبعد إفراج ريفي في المرحلة المقبلة عن الموقوفين المتورطين في تفجيرات الضاحية الأخيرة - بدت لافتة مسارعة قياديي «8 آذار» إلى تبرير موافقتهم لجمهورهم، تزامنا مع زيارة تهنئة قام بها رئيس وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله وفيق صفا إلى منزل ريفي قبل يومين، تخللها بحث جملة من الملفات، يتداخل فيها الشق الأمني بالسياسي.
وبذلك، لم يعد مستغربا أن يطمئن الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، في إطلالته مساء الأحد الماضي غداة تأليف الحكومة، مؤيديه بالقول: «عندما يعترف الشخص فلا أحد يستطيع إطلاق سراحه أيا كان وزير العدل»، في حين غرد رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون، مساء الاثنين الماضي، عبر موقع «تويتر»، ردا على أسئلة مناصريه، قائلا: «مسجونو الإرهاب بعهدة القضاء، وهو الذي يقرر إطلاقهم، ولا أحد آخر»، مؤكدا أن «الوزير ريفي سيسهر على إحالة الإرهابيين الموقوفين إلى القضاء».
وكان لحلفاء سوريا في لبنان موقفهم أيضا من ريفي، فأعلن المدير العام لـ«الأمن العام» السابق اللواء جميل السيد، أحد الضباط الأربعة الذين أوقفوا في قضية اغتيال رئيس الحكومة اللبناني الأسبق رفيق الحريري، قطع علاقته التشاورية بفريق «8 آذار»، اعتراضا على قبوله بريفي وزيرا للعدل. وقال: «كان من الأفضل أن يكون ريفي وزيرا للداخلية وليس للعدل»، عادا أنه «مقابل تسمية ريفي وزيرا، كان من المفترض على الفريق الشيعي أن يسمي وفيق صفا وأحمد بعلبكي للتوزير».
تدرج حزب الله في مواقفه الحكومية من رفضه تشكيل أي حكومة يشارك فيها ريفي وصولا إلى قبوله بتوليه حقيبة «العدل»، التي يقع تحت نظرها إدارة ملفات قضائية كبرى، ليس أولها التجاوب مع طلبات المحكمة الدولية ولا آخرها محاكمة المتورطين في شبكات التفجيرات، بموازاة امتعاض قاعدة الحزب الشعبية تحديدا، لا يأتي ذلك كله من فراغ. فاللواء المتقاعد لم يوفر الحزب من انتقادات حادة، وصلت إلى حد مساواته بين «جبهة النصرة» وتنظيم داعش من جهة وحزب الله، من جهة ثانية.
وكان ريفي قد قال في حديث إذاعي، مطلع العام الحالي، إن حزب الله هو «الوجه الآخر لـ(داعش) و(جبهة النصرة)، انطلاقا من أنه عندما يعلن حزب الله أنه يقاتل في سوريا جهادا، عليه أن يتوقع الجهاد المضاد، ومن يزرع الريح يحصد العاصفة. وللأسف حزب الله يحصد العاصفة، ونحن نحصد العاصفة معه». وشدد في الوقت ذاته على أن «لبنان لا يحميه إلا الاعتدال والتنوع والدولة».
مواقف ريفي التي كبلتها «البدلة» العسكرية خلال مسيرته الطويلة في «قوى الأمن الداخلي»، بدت أكثر وضوحا ومباشرة بعد تقاعده، لا سيما تلك المتعلقة بمدينة طرابلس، التي يتحدر منها، بعد تفجيري مسجد السلام والتقوى خلال شهر أغسطس (آب) الماضي، وتكرار جولات الاقتتال الدموية بين منطقتي باب التبانة السنية وجبل محسن العلوية، في ضاحية المدينة الشمالية.
كان يكفي أن يقول ريفي في شهر مايو (أيار) الماضي، تزامنا مع جولة قتال شهدتها مدينته على وقع معارك القصير السورية: «لا نستطيع أن نرتدي تنانير وسندافع عن شرف طرابلس»، ومن ثم وصفه «قادة المحاور» في التبانة، الذين يتصدرون وسائل الإعلام عند كل جولة قتال (أكثر من 20 جولة اشتباكات بعد أحداث السابع من مايو 2008 في بيروت)، بأنهم «أهلنا وأنا أفاخر بهم، وأحد لن يجعلني أخجل من أهلي»، لتنطلق بعد تصريحاته شرارة انتقادات عاصفة، وصلت إلى حد وصفه من قبل خصومه بـ«قائد ميليشيا» حينا، و«أمير المحاور» حينا آخر. لكن مقربين من ريفي يبررون مواقفه هذه بقولهم إنه وأهالي مدينته كانوا يقفون أمام حالة اعتداء غير مبررة، من قبل مقاتلي جبل محسن، الذين يجاهرون بانتمائهم وولائهم لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، ولا ينفكون عن جعل المدينة «صندوق بريد» لتبادل الرسائل «العابرة للحدود». ويذهبون إلى حد القول إنه أمام تكرار الاعتداءات، وعجز الدولة عن سوق المرتكبين إلى العدالة، لا خيار آخر إلا دفاع أبناء المدينة عن أنفسهم، عادين ما فعله ريفي هو «تسمية الأشياء أسماءها لا أكثر ولا أقل، وهو ما لم يكن قادرا على قوله أثناء قيامه بمهام رجل المؤسسة والدولة».
وارتفعت نبرة المدافعين عن ريفي بعد تفجيرين استهدفا في الوقت نفسه مسجدي السلام والتقوى بطرابلس في شهر أغسطس الماضي، وأسفرا عن سقوط 50 قتيلا وجرح أكثر من 500 شخص، وادعاء القضاء اللبناني على النائب السابق العلوي علي عيد، زعيم جبل محسن، بتهمة تهريب متورطين في التفجيرين من لبنان إلى سوريا. وكان ريفي - ولا يزال - من أشد المطالبين بسوق عيد إلى العدالة، ومعاقبة عناصر حزبه المتورطين في التفجيرين.
ورغم التململ العابر من توزير ريفي ومن مواقفه المناهضة لحزب الله والداعمة لـ«قادة المحاور» في مدينة طرابلس، لكن كثيرين من عارفي ريفي، من أصدقائه وخصومه، يثنون على شخصيته، وأدائه وإنجازاته المهنية، خلال سنوات تدرجه الطويلة من رتبة ضابط إلى رتبة لواء، وصولا إلى تعيينه مديرا عاما لـ«قوى الأمن الداخلي»، نهاية شهر أبريل (نيسان) 2005، بعد شهر ونصف الشهر على اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق رفيق الحريري، وتوقيف سلفه اللواء علي الحاج مع ثلاثة ضباط آخرين قبل أن يفرج عنهم في وقت لاحق.
إن الوزير السابق وئام وهاب، على سبيل المثال، وهو من أبرز حلفاء سوريا في لبنان، اكتفى بعد تشكيل الحكومة اللبنانية بانتقاد خيار فريق «8 آذار» لوزرائه، محيدا ريفي بقوله: «اللواء ريفي صديقي وأنا أغفر لأصدقائي إذا ارتكبوا بعض الأخطاء»، علما بأن وهاب نفسه وفي موقف سابق له قبل إحالة ريفي إلى التقاعد وصفه بأنه «صديق صدوق»، متوقعا له «دورا كبيرا في المستقبل وقد يكون مرشحا لرئاسة الحكومة اللبنانية».
على صعيد «قوى الأمن الداخلي»، تمكن ريفي منذ عام 2005، تاريخ وصوله إلى إدارة هذا الجهاز الأمني التابع لوزارة الداخلية اللبنانية، من بناء جهاز متماسك، بعد أن نجح النظام السوري، خلال سنوات وصايته على لبنان، من خلق تركيبة موالية له في صفوفه.
ويقول مواكبون لعمل ريفي داخل مديرية قوى الأمن الداخلي، إنه رغم كونه محسوبا على «تيار المستقبل» الذي يتزعمه رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري، لكنه نجح في «عصرنة» أداء «الأمن الداخلي» وجعله مؤسسة خاضعة للدولة اللبنانية بشكل أساسي. وتسهب المصادر ذاتها في تعداد نجاحات ريفي المهنية من خلال «تفعيل عمل فرع المعلومات وتطويره»، بعد أن ساهم في عودة وسام الحسن عن استقالته ومن ثم ترؤسه هذا الفرع، الذي كان له دور فاعل في كشف أكثر من 27 شبكة تجسس لصالح إسرائيل، ثلاث منها داخل صفوف حزب الله.
كما أن لريفي بالتنسيق مع اللواء الحسن، الذي اغتيل نهاية عام 2012، الفضل في امتلاك «قوى الأمن الداخلي» و«فرع المعلومات» معدات وتقنيات وأجهزة حديثة لا تحوز باقي الأجهزة الأمنية في لبنان مثيلا لها. وساهما في إرسال عشرات الضباط إلى الخارج للمشاركة في دورات تدريبية حول تقنيات التحقيق وتتبع الاتصالات ومعاينة مسرح الجريمة وكشف الجرائم العابرة للحدود.
ومن أبرز ما يمكن وضعه في إطار «إنجازات الرجلين»، كشف مخطط «سماحة - المملوك»، في إشارة إلى الوزير اللبناني السابق ميشال سماحة، ورئيس مكتب الأمن القومي السوري اللواء علي المملوك، ومدير مكتبه المعروف بـ«العقيد عدنان»، الذين طلب لهم المدعي العام العسكري رياض أبو غيدا تطبيق عقوبة الإعدام خلال شهر فبراير (شباط) الماضي، «بتهمة التحضير لتفجيرات تستهدف معارضين سوريين وسياسيين لبنانيين مؤيدين للمعارضة السورية». ويعد فريق «14 آذار» كشف هذا المخطط عجل باغتيال الحسن، باعتبار أنه لامس «المحظور».
ورغم أن عمر الحكومة المفترض لا يتعدى الثلاثة أشهر، لكن ملفات عدة تنتظر في أدراج وزارة العدل، أبرزها وفق مصادر في «العدلية»، مسألة التعاون مع المحكمة الدولية والتجاوب السريع مع الطلبات التي ترسلها إلى وزارة العدل والنيابة العامة التمييزية، مع انطلاق المحاكمات، علما بأن ريفي وفريق عمل المديرية ساهما في تهيئة ظروف عمل لجنة التحقيق الدولية ومواكبة تأسيس المحكمة الدولية. وتبين أن تحليل بيانات الاتصالات الذي أجراه الرائد في «قوى الأمن الداخلي» وسام عيد، قبل اغتياله في شهر يناير (كانون الثاني) 2008، شكل أساس عمل المحكمة الدولية التي بدأت الشهر الماضي جلسات المحاكمة في قضية اغتيال الحريري في 14 فبراير 2005.
ومن الملفات التي تنتظر ريفي في وزارة العدل، إحالة قضايا الاغتيالات والتفجيرات الأخيرة إلى المجلس العدلي وفق ما سبق وطلب الرئيس اللبناني ميشال سليمان، من دون أن تصدر مراسيم إحالتها بعد، إضافة إلى توفير الغطاء السياسي للقضاء من أجل البت في ملفات حساسة، في مقدمها تفجيرا طرابلس، وإن كانت مصادر «العدلية» تؤكد أن ريفي ليس بوارد «الصدام» مع أي فريق، وليس بوارد «تغطية المجرمين أيا كان انتماؤهم».
وكان ريفي وفي أول تصريحاته بعد تعيينه وزيرا، قال إنه سيتعاون مع وزير الداخلية نهاد المشنوق باعتبار أن «العدل والأمن يتكاملان»، موضحا أن «التعاون مع حزب الله في وزارة العدل سيكون كأي مكون لبناني». وقال: «كما كنت في (قوى الأمن الداخلي)، فأنا لا أميز بين لبناني وآخر في الملفات الوطنية، إنما بالسياسة، وحكما، لدي رأيي الخاص، فأنا من دعاة العودة إلى الدولة والدولة فقط في وجه الدويلة».
وإلى جانب اتهام مصادر مقربة من ميقاتي لريفي بـ«قلة الوفاء»، لكن كثيرين من أهالي طرابلس ينوهون بوفاء ريفي الذي «لا ينسى أهله وأصدقاءه، ولم تغير المناصب من مبدأيته وأخلاقه»، على حد تعبير أحدهم. وتقول سيدة طرابلسية إن ريفي «يتمتع بشعبية لدى أهل المدينة، لا سيما الفقراء منهم، نظرا لخدمات كثيرة قدمها لأبنائهم خلال سنوات تدرجه في السلك الوظيفي». ويشير طرابلسي ثالث إلى أن ريفي لا يتردد في مساعدة كل من يقصده، وآخرهم عائلة سورية لم تجد مأوى لها، فتطوع إلى دفع إيجار منزل تقطنه في طرابلس.
* أشرف ريفي في سطور
* ولد في منطقة الحديد بطرابلس (شمال لبنان) عام 1954. متزوج بالمحامية سليمة أديب، وله أربعة أولاد: أحمد، وكريم، وأمل وهناء.
* حائز شهادتي ماجستير في علم اجتماع الجريمة، وإجازة في العلوم الاجتماعية من الجامعة اللبنانية.
* دخل المدرسة الحربية عام 1973 وتخرج فيها برتبة ملازم عام 1976، متدرجا في الرتب إلى أن بلغ رتبة لواء، وعين مديرا عاما لـ«قوى الأمن الداخلي» بتاريخ 30 أبريل (نيسان) 2005.
* تولى مهمات وظيفية عدة، أبرزها رئيس مكتب العلاقات العامة (1981 - 1988)، قائد سرية حرس رئاسة الحكومة (1988 - 1990)، تولى رئاسة فرع المعلومات (1995 - 1999)، وقيادة مدرسة الرتباء في معهد قوى الأمن الداخلي (1999 - 2001)، وتسلم رئاسة شعبة أمن الدولة الداخلي (1990 - 1993)، ومنصب مدير أمن الدولة الإقليمي في محافظة الشمال (1993 - 1995).
* تابع دورات تدريب وتأهيل في بلدان عدة، وشارك في مؤتمرات وندوات حول مواضيع كثيرة، أبرزها التحقيق في الجرائم المالية والتزوير، وتكنولوجيا المعلومات، ومكافحة الإرهاب الدولي، والإعلام الأمني، وجرائم تبييض الأموال وطرق مكافحتها.
* حائز أوسمة «الاستحقاق اللبناني بدرجاته الأولى والثانية والثالثة، وسام الحرب، وسامي فجر الجنوب والوحدة الوطنية، وسام الأرز الوطني من رتبة فارس، وسام الأرز الوطني من رتبة ضابط، وسام الأرز الوطني من رتبة كوموندور، وسام جوقة الشرف الفرنسية، وسام التقدير العسكري – الدرجة الفضية، وسام الاستحقاق من وزارة الداخلية في جمهورية إستونيا».
* حائز أكثر من خمسين تنويها صادرا عن وزير الداخلية والبلديات، وزير الدفاع الوطني، قائد الجيش، المدير العام لـ«قوى الأمن الداخلي» والمدير العام لأمن الدولة.