أصدرت دار «كنوز» للنشر والتوزيع في مصر، أول ترجمة عربية لكتاب وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر «النظام العالمي» الصادر في أواخر العام الماضي، والذي قام بترجمته وعرضه وتحليله المترجم أشرف راضي.
في مقدمة الكتاب، يؤكد المترجم أن الكتاب ليس ترجمة من النسخة الإنجليزية إلى العربية، لكنه قدم عرضا مفصلا لأهم الأفكار الواردة فيه، مشيرا إلى أنه حاول الالتزام قدر الإمكان بالترتيب الذي أراده كيسنجر في كتابه، بحيث يتناول كل أقسام الكتاب التي تتحدث عن مسار التاريخ وطبيعة الأمم، ليساعد القارئ كثيرا على تتبع تطور مفهوم النظام العالمي عبر ثقافات وخبرات حضارية مختلفة على مدى زمني ممتد يتجاوز الخمسة قرون.
كما لجأ تحويل إلى فصول الكتاب إلى أقسام، يتضمن كل منها فصلين تربطهما فكرة واحدة، فجاء أول فصلين بعنوان «الرؤية الأوروبية للنظام العالمي»، والقسم الثاني بعنوان «الإسلام والنظام العالمي»، والثالث الذي يضم الفصلين الخامس والسادس والمخصصين لآسيا تحت عنوان «رؤى وآفاق آسيوية للنظام العالمي، والقسم الرابع بعنوان «التصور الأميركي للنظام العالمي»، وأخيرا القسم الخامس بعنوان «الثورة التكنولوجية والنظام العالمي».
وتيسيرا على القارئ، وضع المترجم تعريفات في هوامش الصفحات ببعض الشخصيات والأحداث والمفاهيم التي قد يكون القارئ العربي بحاجة لمعرفة المزيد عنها.
ويقول في مقدمة النسخة العربية، إن كتاب كيسنجر يدفع للبحث عن سر العودة المفاجئة إلى تعبير غاب لسنوات، وفي العقد الأول من الألفية الثالثة تحديدا كان تعبير النظام العالمي يذكر مقرونا بوصف «الجديد»، لكن سرعان ما تراجع المسؤولون الأميركيون عن استخدامه ربما بسبب التعثر الذي واجهته الولايات المتحدة حربي في أفغانستان والعراق، بعدما حملوا أن تمكنهم قوة النموذج الأميركي من فرض نظاما عالميا جديدا، خاصة في فترة الولاية الأولى للرئيس جورج بوش الابن.
وعن سر استدعاء كيسنجر للنظام العالمي مجددا، يقول مؤلف الترجمة «شحذ كيسنجر كل خبراته في محاولة لإقناع العالم بحاجته لمثل هذا النظام العالمي، والتي يرى أنها حاجة ماسة وملحة أكثر من أي وقت مضى في تاريخ البشرية. وهذا واضح في التوصيات التي قدمها من خلال الكتاب لإخراج العالم من أزمته الشاملة والمتعددة الأبعاد، وهو هنا ينتقل من مبدأ السياسة الواقعية، الذي ظل ملتزما به طوال الوقت إلى نوعه من المثالية التي تميز الفيلسوف المتأمل».
ويتساءل المترجم عما إذا كان كانت هذه حكمة من تقدم به العمر وينتظر الرحيل، ويشير إلى أن كثير من المراقبين يرجحون إن يكون «النظام العالمي» هو آخر كتب كيسنجر البالغ الآن 91 عاما، أيضا لمحاولة وزير الخارجية الأبرز في تاريخ الولايات المتحدة تبرير كل ما اتخذه من مواقف في حياته السياسية الحافلة والتي امتدت لنحو سبعة عقود، وذلك من خلال «رؤية معمقة لجذور التناغم الدولي والاختلال العالمي وإلقاء الضوء على التحدي المطلق للقرن الحادي والعشرين، وهو كيف يمكن بناء نظام دولي مشترك في عالم من الرؤى التاريخية المتباينة والصراع العنيف والتقنية السائدة والتطرف الآيديولوجي».
ويلفت المترجم إلى أن الكتاب الجديد مزج بين كيسنجر الدبلوماسي الذي عرفه العالم العربي في سبعينات القرن الماضي وكيسنجر أستاذ تاريخ الدبلوماسية الذي كتب عن سياسات التوازن في القارة الأوروبية، على حد تعبيره، ليتخذ من ذلك مدخلا إلى سرد سيرة كيسنجر المولود في ألمانيا في مايو (أيار) 1923، وكيف أنها مرتبطة ارتباطا وثيقا بـ«النظام العالمي».
واختلف تناول وعرض كتاب كيسنجر عما جاء في أغلب العروض السابقة للكتاب في الصحافة العربية، والتي ركزت فقط على الجوانب المهمة التي لها علاقة بالمنطقة وأوضاعها الراهنة، وانتزاع هذه الجوانب من السياق العام الذي تناول فيه كيسنجر موضوع النظام العالمي.
وتغطي فصول الكتاب المتعاقبة مفهوم النظام العالمي في بداية ظهور الإسلام وفي بلاد فارس وفي آسيا وصولا إلى النهج الأميركي، مع الإشارة إلى اختلاف هذه المفاهيم عن المفهوم الأوروبي، الذي يستخلصه من استعراضه لتاريخ أوروبا منذ عام 474م وحتى يومنا هذا، والذي كان ركيزته برأي كيسنجر هو صلح ويستفاليا 1648، والذي أنهى حربا استمرت ثلاثين عاما بين الكاثوليك والبروتستانت وعدم تدخل أي من الطائفتين في شؤون الأخرى، لكنه أيضا أسس لنظام دولي حديث قائم على الدولة ذات السيادة كوحدة أساسية للعلاقات الدولية، بدلا من وجود نظام كوني واحد مثل ما حدث في الصين الإمبريالية أو الإسلام، حيث طورت أوروبا نظاما لدول تتنافس فيما بينها، مع الحفاظ على النظام العالمي عبر توازن القوى.
يرى كيسنجر أن التهديد الرئيس للنظام العالمي مصدره صعود الصين وصدامها مع الولايات المتحدة (القطب الأوحد)، فالصين ترفض أن تلعب دورا في نظام عالمي لم تشارك في تشكيله ولا تقبل بقواعد لم تسهد في وضعها، وهكذا يرى إمكانية تجنب تكرار التاريخ لنفسه عبر تدشين علاقة جديدة بين القوى العظمى مبنية على نظام ويستفاليا وعلى مبادئ توازن القوى مع تطبيقه على نظام عالمي وليس إقليميا.
ويبرز المترجم ثلاثة أفكار حكمت حياة كيسنجر السياسية وطريقة تفكيره والتي يحاول تبريرها في الكتاب، والمتمثلة في التنافس السياسي بين الواقعيين والمثاليين، وتوازن القوى، ومبدأ عدم التدخل.
ويختتم المؤلف بأن النتيجة التي خلص إليها كيسنجر بشأن النظام العالمي المنشود مخيبة لتوقعات الولايات المتحدة، على حد تعبيره، فعلى الرغم من اهتمامه الشديد بالتجربة الأميركية التي كان لها النصيب الأكبر من الكتاب، بتوقعه أن تكون الأحادية القطبية التي تعيشها الولايات المتحدة حاليا منذ انهيار الاتحاد السوفياتي مجرد لحظة عابرة في تاريخ الأمم.
لماذا يرى كيسنجر «النظام العالمي» ضرورة ملحّة هذه الأيام؟
أول ترجمة عربية لكتاب وزير الخارجية الأميركي الأسبق
لماذا يرى كيسنجر «النظام العالمي» ضرورة ملحّة هذه الأيام؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة