من المعروف أن علماء الطبيعة والطيور يحمّلون في الكثير من الأحيان الطيور إما على ظهرها أو بين جناحيها أجهزة دقيقة وخفيفة الوزن لقياس المسافات التي تقطعها، بالأخص في مواسم الهجرة من الشمال إلى الجنوب، أو لتحديد تحرك أنواع معينة من الحيوانات البحرية لأهداف علمية، ويبدو أن الإنسان استفاد من هذه الفكرة فطورها بجعل هذه المخلوقات تحمل أجهزة تجسس ولا تلفت الأنظار، لذا لا غرابة في سماع قصص كما الخيال عن عمليات تجسس وتنصت عبر طيور أو حيوانات أليفة تربي في المنازل.
* تعددت الوسائل والهدف واحد
عرفت كل الحضارات التجسس لأنه أفضل الوسائل من أجل الحصول على معلومات لا يمكن الحصول عليها بالاتصالات العادية، خاصة إذا ما كان الأمر يتعلق بأسرار دولة أو مؤسسات صناعية أو اقتصادية، وظل الإنسان هو الوسيلة الوحيدة للتجسس وبرع في اختراع أجهزة تساعده على ذلك، كما هي الحال اليوم في الأقمار الاصطناعية أو الأجهزة الإلكترونية والهواتف الجوالة أو زرع أجهزة تنصت في الأثاث المنزلي أو المكاتب أو أجهزة الإضاءة وغيرها، لكن عندما أراد الحصول على المزيد من المعلومات بأقل المخاطر سخر الحيوانات البريئة، مثل الحمام والقردة والقطط أو الكلاب، ما يدفع إلى الشعور بالريبة والقول هل يجب أيضا التوقف عن تربية هذه الحيوانات الأليفة؟ فقد تكون المتاجر التي تبيعها تعمل لصالح إحدى المنظمات التجسسية أو المخابراتية وزرعت فيها أجهزة تنصت دقيقة!
هذا الأمر كشف عنه تقرير نشره خبير الإلكترونيات والناشط في الشؤون الأمنية الإيطالي Claudio Guarnieri كلاوديو جيرنيري خلال زيارته أخيرا إلى برلين.
فحسب تقريره عبر سنوات طويلة أساءت حكومات كثيرة ودوائر مخابرات، من بينها «سي آي إيه»، معاملة حيوانات مختلفة بعد أن استخدمتها في عمليات التجسس والمراقبة دون إعطاء أي اعتبار لفكرة حماية الحيوانات، فاستخدامها لا يمكن أن يلفت الأنظار، وهي بالدرجة الأولى أمينة لأنها لا تتكلم.
* قطط جيمس بوندية
ولكي يدعم تقريره بقرائن ومعلومات تعاون كلاديو غوارنيري مع عدد من زملائه في الكثير من البلدان، منها ألمانيا، يعملون في مجال الأمن والتجسس للتعمق في أرشيف الكثير من دوائر المخابرات الغربية، فعثر على ملف برنامج للمخابرات السرية الأميركية (سي آي إيه) تحت اسم Acoustic Kitty أي «كيتي الصوتية»، تابع لإدارة العلوم التقنية، تم إقرارها في ستينات القرن الماضي من أجل استخدام القطط في عمليات التجسس على سفارات الاتحاد السوفياتي وبلدان الكتل الشرقية. وباعتراف أحد الخبراء الأميركيين فإنه كانت تجري عملية جراحية لزرع جهاز لا سلكي دقيق في قناة أذن القطة مربوط بسلك رفيع جدا يمرر تحت فرائها الكثيف بجهاز بث زرع في أسفل الجمجمة، وكان يتم اختيار القطط الأنثى التي لها فراء أبيض وأسود طويل، ويتم تدريبها كي تدخل السفارات وتجلس أمام باب غرف لها شكل معين، مثل غرفة السفير أو الملحق العسكري. وهذا يوفر إمكانية للقطط دون لفت الأنظار لإيصال كل ما يدور من أحاديث من حولها عبر الجهاز المزروع فيها. لكن واجهت «سي آي إيه» مشكلة عندما كانت القطط تجوع دون حصولها على طعام، فمواؤها كان يؤثر على نوعية الموجات التي كانت تعمل الأجهزة على أساسها. وباعتراف روبرت والس عام 2013 وكان مدير مكتب الخدمات التقنية في دائرة المخابرات السرية (سي آي إيه) تمت الاستعانة بمئات القطط وأجريت لها عمليات زرع أجهزة ووصلت تكاليف هذا المشروع إلى 20 مليون دولار، ومع أن المشروع ألغي تماما عام 2001 لكن ظلت دائرة «سي آي إيه» تدرب قططا وطيورا كي تتحرك ضمن دائرة ضيقة للتجسس مثلا على أجانب يقيمون في الولايات المتحدة ولهم ميول لتربية القطط بشكل خاص.
وفي كتابها بعنوان «قطط فرانكشتاين» قالت الكاتبة الأميركية إميلي انثيز: «لم تكن القطط هي الوسيلة الوحيدة غير البشرية التي استخدمت من أجل التجسس والتنصت، بل الكلاب أيضا، ووظفت أيضا في تصوير مواقع في عمليات عسكرية مهمة بعد تزويدها بأجهزة تصوير وتقنيات عالية الدقة والتطور وصغيرة الحجم إما بزرعها في الجسم أو بإلصاقها على الظهر. ولم تتردد مخابرات الجيش الأميركي في زرع أجهزة تنصت في حيوانات بحرية مثل سمك القرش والدلافين التي تسبح من دون مراقبة أمام شواطئ الخصم الذي يجب التجسس عليه».
ويدعم هذه المعلومات أخبار انتشرت قبل فترة تقول إن إسرائيل حمّلت نسورا من فصيلة غيفيرين أو النسر الأسمر أجهزة GPS - Tracking ذات تقنية تجسسية عالية وأرسلتها إلى مناطق معينة لنقل الأخبار والصور وإرسالها إلى أقمار صناعية إسرائيلية، حتى إنه يقال إن المملكة العربية السعودية أسرت بعضا من هذه النسور وكانت تحلق في أجوائها.
ومع أن عالم الطيور الإسرائيلي يوشي ليشم من جامعة تل أبيب لم ينكر وجود مثل هذه الطيور التي تحمل أجهزة GPS لكنه أكد أن لها مهمات ذات مضمون علمي، وهذه الأجهزة تستقبل وتخزن البيانات الأساسية حول أماكن وجود الطيور ليس إلا.
وسبق وأسرت السلطات السودانية في سبعينات القرن الماضي نسرا مصريا، وفي أواخر الثمانينات بجعا أبيض يحمل أجهزة إسرائيلية قيل يومها إنها لتعقب الطيور، وفي مايو (أيار) عام 2012 عثر سكان قرية غازي عنتاب جنوب شرقي تركيا على طير آكل النحل نافق، وهو من الطيور جميلة الشكل متعدد الألوان، وكان في قدمه رقاقة صغيرة إسرائيلية، ما أصاب السكان بالخوف، لكن السلطات التركية أكدت بعد ذلك أن الرقائق لتتبع الطيور المهاجرة. وفي سبتمبر (أيلول) من العام نفسه نشرت صحف سودانية أن السكان في بلدة كرينك التقطوا نسرا يحمل أجهزة إلكترونية كتب عليها باللغة العبرية، فانتشر الاعتقاد بأنه من طيور التجسس، لكن معهد البحوث البيئية والحدائق والطبيعة في إسرائيل أكد أن هذا الطائر هو واحد من مائة طائر وضع في ساقهم GPS - Chip أي رقائق إلكترونية صنعت في ألمانيا وليس لديها الإمكانية لالتقاط صور، عقب ذلك في عام 2013 تم تأكيد السلطات التركية بعد تشريح طير في جامعة فيرات وهو من فصيلة صقر الجراد ويعرف أيضا باسم العوسق، أنه طائر تجسس إسرائيلي.
* شامبانزي يبرهن ذكاءه
وفي شهر أبريل (نيسان) من هذا العام أظهرت حيوانات الشامبانزي في حديقة الحيوانات البرغر الملكية في بلدة ارنهيم الهولندية عن ذكائها الفائق وإمكانية قيامها بمهمات تدرب عليها؛ فبعد تدريبات طويلة لإظهار ردة فعل أرسلت إدارة الحديقة طائرة تجسس من دون طيار لتحلق فوق المكان الذي يوجد فيه الشمبانزي، فاكتشفت بسرعة وتسلحت بأغصان أشجار كانت تقف فوقها لصد هذا الدخيل الإلكتروني.
ليست هذا فقط، بل إن أحد هذه الحيوانات كان يجلس فوق شجرة يراقب تحركات الحيوانات الأخرى حيال الجسم الغريب، لكنه فجأة وبسرعة البرق أظهر غصنا طويلا كان يخفيه وراء ظهره وضرب الجسم وأوقعه فهجمت بقية الحيوانات وبدأت بتفكيكه بدقة.
* منظمات حماية الحيوانات
تعترض ومنذ فترة طويلة تنتقد منظمات حماية الحيوانات استغلال دوائر المخابرات السرية الحيوانات للتجسس وقدمت عدة اعتراضات، وحسب تقرير منظمة حماية الحيوانات في ألمانيا استخدمت القطط والكلاب والحمام والدلافين وأسماك القرش من قبل البحرية الأميركية ليس فقط أثناء الحرب العالمية الثانية، بل حتى اليوم، وبالأخص الحيوانات الثديية البحرية، ولم تتردد وكالة المخابرات المركزية الأميركية ووكالات مخابرات أخرى في العالم إبان الحرب الباردة وفيما بعد، في تسخير حيوانات لخدمتها مثلا في إطار برنامج «كيتي الصوتية» فأخضعت قططا وكلابا للجراحة من أجل زرع ميكروفونات وهوائيات وتدريبها على التنصت على شخصيات أجنبية، وتوفي خلال عمليات الجراحة الكثير من الحيوانات دون رحمة بعد أن عانت التعذيب والانتهاك بكل أنواعه.