مقبرتنا في براغ

مقبرتنا في براغ
TT

مقبرتنا في براغ

مقبرتنا في براغ

قد تكون رواية «مقبرة براغ» أفضل ما كتبه الروائي والفيلسوف الإيطالي امبرتو إيكو، صاحب رواية «الوردة».
أحداث الرواية تدور في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ومسرحها إيطاليا وفرنسا، وتحديدًا بين تورينو وباليرمو وباريس، وظرفها عندما قامت الوحدة الإيطالية جنوبي أوروبا، وهي المنطقة الغنية بالتنوع البشري بما تمثله من جماعات دينية وطبقية وإقطاعية، وأهل المدن والريف، والصناعيين والمزارعين. قيام الوحدة أدى تبعا لظروف القرن التاسع عشر لانفجار الهويات، حتى أصبح العنوان الأبرز لها هو الكراهية: «إن معنى الهوية يقوم على الكره» كما تقول الرواية. عندما انفجر مخزون الهويات، أصبح التصادم حد التدمير المتبادل بكل وحشية، عنوان المرحلة؛ تلخصها مقدمة الرواية بالقول: «نجد إبليسيّة تملّكتها الهستيريا، وقسًّا يموت مرّتيْن، وبعض الجثث في بالوعة باريسيّة»، وعلى ذكر باريس، فإن الصراع بين الهويات جعلها مسرحا للمجازر «حيث صار الناس يأكلون الفئران، وطعنات بالخنجر».
كان نتيجة هذا الصراع الذي شهدته أوروبا أن تسقط الحقيقة أول ضحايا النزاعات القائمة على الكراهية، حيث تبشيع الخصوم وتحطيم صورتهم ودس الأكاذيب عنهم بعض أدوات ذلك الصراع، ولذلك أنتج «ذلك الزيف المعروف بـ(بروتوكولات حكماء صهيون)، التي ستوحي فيما بعد لهتلر بمعتقلات الإبادة»، وأظهرت تلك المرحلة «يسوعيّين يتآمرون ضدّ الماسونيّين، وماسونيّين وفحّامين ومادزينيّين يخنقون كهنة بأمعائهم نفسها». في أوروبا انفجرت الحروب الدينية في القرنين السادس عشر والسابع عشر، من بينها حرب الثلاثين عامًا بين الكاثوليك والبروتستانت، والأخيرة قامت بوصفها حركة إصلاح ديني وتزعمها الراهب وأستاذ اللاهوت الألماني مارتن لوثر، وكانت ألمانيا مسرح هذه الحرب الأول، لكنها امتدت لتحرق القارة بأكملها، وأدت لارتكاب الفظائع وتهجير الناس، وانتهت بانتشار الأمراض والأوبئة والمجاعة والمشردين. في كتاب «قصة الحضارة» نقرأ: «هبطت حرب الثلاثين بسكان ألمانيا من عشرين مليونا إلى ثلاثة عشر (مليونا) ونصف مليون، وبعد عام أفاقت التربة التي روتها دماء البشر، ولكنها ظلت تنتظر مجيء الرجال. وكان هناك وفرة في النساء وندرة في الرجال. وعالج الأمراء الظافرون هذه الأزمة البيولوجية بالعودة إلى تعدد الزوجات كما ورد في العهد القديم».
أسوأ ما أفرزته حرب الثلاثين عامًا، ظهور التعصب الديني في أوروبا، وإعطاء رجال الدين سلطة مطلقة، كانت واحدة من نتائجها قيام محاكم التفتيش التي ارتكبت مجازر وحشية بحجة محاربة الهرطقة، وسادت أوروبا سنوات من القتل والحرق والصلب والتهجير، كان المسلمون ضمن ضحاياها؛ حيث جرت عمليات تطهير ديني في الأندلس، يصفها المؤرخ الفرنسي غوستاف لوبون، في كتابه «حضارة العرب»: «يستحيل علينا أن نقرأ دون أن ترتعد فرائصنا من قصص التعذيب والاضطهاد التي قام بها المسيحيون المنتصرون على المسلمين المنهزمين (..) لقد تم قتل أو طرد ثلاثة ملايين عربي»، وبالتأكيد كان من نتائج تلك الحقبة الكالحة من تاريخ البشرية، الحروب الصليبية، وحتى الاستعمار. التاريخ الذي تفوح منه رائحة الأشلاء، ما زال طريًا جاثمًا فوق صدورنا كشبح الموت، خصوصا أننا نعيش في عالم ما زالت الحدود فيه ترسم بالدماء، وفي منطقة لديها مخزون من الهويات المتنافرة القابعة في قوالب من الكراهية، فلا شيء أقوى من الكراهية في رسم حدود الهويات. الفارق أن أوروبا شهدت تلك المرحلة البشعة وطوتها، أما نحن فنعيد تصنيعها من جديد وكأننا لا نرث شيئا من التراث الإنساني، وكأن الزمن بات عنصرا جامدا في حياتنا.



الشاعر السوري أدونيس يدعو إلى «تغيير المجتمع» وعدم الاكتفاء بتغيير النظام

أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
TT

الشاعر السوري أدونيس يدعو إلى «تغيير المجتمع» وعدم الاكتفاء بتغيير النظام

أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)

دعا الشاعر السوري أدونيس من منفاه في فرنسا الأربعاء إلى "تغيير المجتمع" في بلده وعدم الاكتفاء بتغيير النظام السياسي فيه بعد سقوط الرئيس بشار الأسد.

وقال أدونيس (94 عاما) خلال مؤتمر صحافي في باريس قبيل تسلّمه جائزة أدبية "أودّ أولا أن أبدي تحفّظات: لقد غادرتُ سوريا منذ العام 1956. لذلك أنا لا أعرف سوريا إذا ما تحدّثنا بعمق". وأضاف "لقد كنت ضدّ، كنت دوما ضدّ هذا النظام" الذي سقط فجر الأحد عندما دخلت الفصائل المسلّحة المعارضة إلى دمشق بعد فرار الأسد إلى موسكو وانتهاء سنوات حكمه التي استمرت 24 عاما تخلّلتها منذ 2011 حرب أهلية طاحنة.

لكنّ أدونيس الذي يقيم قرب باريس تساءل خلال المؤتمر الصحافي عن حقيقة التغيير الذي سيحدث في سوريا الآن. وقال "أولئك الذين حلّوا محلّه (الأسد)، ماذا سيفعلون؟ المسألة ليست تغيير النظام، بل تغيير المجتمع". وأوضح أنّ التغيير المطلوب هو "تحرير المرأة. تأسيس المجتمع على الحقوق والحريات، وعلى الانفتاح، وعلى الاستقلال الداخلي".

واعتبر أدونيس أنّ "العرب - ليس العرب فحسب، لكنّني هنا أتحدّث عن العرب - لا يغيّرون المجتمع. إنّهم يغيّرون النظام والسلطة. إذا لم نغيّر المجتمع، فلن نحقّق شيئا. استبدال نظام بآخر هو مجرد أمر سطحي". وأدلى الشاعر السوري بتصريحه هذا على هامش تسلّمه جائزة عن مجمل أعماله المكتوبة باللغتين العربية والفرنسية.

ونال أدونيس جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس وتحمل اسم شاعر كتب باللغتين الكتالونية والإسبانية.