لم تعد تصريحات حكومة النظام حول أسباب قطع الماء والكهرباء تقنع السوريين، وكما غدت عبارة «انقطاع التيار الكهربائي بسبب اعتداء إرهابي على خط التغذية الجنوبي» التي دأبت وكالة سانا على بثها لتبرير قطع الكهرباء مثار سخرية باتت أيضا عبارة «المسلحين يقطعون الماء عن دمشق»، إذ إن التجربة المريرة التي يعيشها السوريون في الداخل أكدت لهم تزامن انقطاع المياه مع فترات الحر الشديد والتي يزيد فيها معدل استهلاك المياه، تماما كما يحصل في تقنين الكهرباء في الفترات التي يزيد فيها الاستهلاك شتاء أيام البرد القارص وصيفا أيام الحر الشديد، ويقول سامر وهو أحد سكان حي ركن الدين، إن انقطاع المياه جاء مع بداية شهر رمضان، تماما كالعام الماضي، لافتا إلى أنه لم يعد يصدق ادعاءات المسؤولين حول وجود خلل فني أو وقوع مزود المياه في منطقة تقع تحت سيطرة المسلحين الذين يمنعون وصول عمال الصيانة لإصلاح الخلل. ويضيف ساخرا «غريب أن يحصل العطل حصرا خلال الشهر الكريم، إلا إذا كان هناك مؤامرة على الصائمين من قبل مؤسسة المياه والمسلحين».
ومع أن مقاتلي وادي بردى، أعلنوا عن عودتهم لضخ مياه الشرب إلى العاصمة دمشق بعد خمسة أيام من قطعها عن المدينة بداية شهر رمضان الحالي، بعد تلبية النظام لبعض مطالبهم، ومنها إطلاق سراح نساء معتقلات، إلا أن عددا من أكبر أحياء العاصمة وريفها ما تزال تعاني من شح شديد في المياه الشرب وانقطاعها لساعات طويلة، كأحياء المزة والزاهرة وركن الدين والميدان والعباسيين والبرامكة وكفرسوسة، إضافة إلى كامل مناطق ريف دمشق الواقعة تحت سيطرة النظام، كصحنايا وأشرفية صحنايا وقدسيا ودمر والجديدة وعرطوز وجديدة الفضل والسومرية وغيرها. وبحسب مصادر محلية في العاصمة فإن ضخ المياه يتم لفترات قليلة ويحصل عادة بالتزامن مع انقطاع الكهرباء، حيث لا يمكن استخدام شفاطات المياه الكهربائية لملء الخزانات المنزلية. ويقول أبو صبحي «بتنقطع الكهربا بتجي المي بتجي الكهربا بتروح المي. وهكذا نمضي أيامنا من طلوع الشمس وحتى غيابها في حالة انتظار بين كلمتين «جاءت.. انقطعت».
ويصب سكان دمشق غضبهم على مدير مؤسسة المياه بدمشق المهندس حسام حريدين الذي بات ثاني شخصية يجمعون على ذمها بعد وزير الكهرباء، ويتهمونه بسوء الإدارة والتخبط وسوء توزيع المياه على الأحياء، فيحرم منها الأحياء المكتظة ويغدقها على أحياء المسؤولين. ورغم ما يحمله كلام العامة عن المسؤولين الحكوميين من صحة، إلا أن الواقع الذي تعيشه سوريا تحت وطأة الحرب والانفلات الأمني يجعل من الصعب على أي مسؤول حكومي الالتزام بتعهداته بإيجاد حلول لمشاكل مزمنة ليست وليدة حالة الحرب، بل هي مستمرة منذ عقود لكن الحرب عمقتها، وفق ما قالته رانية الموظفة الحكومية. التي ترى أن مدير المؤسسة العامة للمياه في وضع محرج وهذا مبرر ومفهوم. وتؤكد أن أي شخص في هذا الموقع سيتصرف بالطريقة ذاتها «لأن ما يجري أكبر من الجميع». وكان مدير مؤسسة مياه دمشق حسام حريدين قد نفى بداية في اتصال مع إذاعة «شام إف إم» المحلية أي علاقة لمسلحي بردى في قطع مياه نبع الفيجة عن العاصمة. وقال إن «السبب في ذلك يعود إلى التقنين». إلا أنه عاد وتراجع عن كلامه في تصريح لإذاعة «ميلودي إف إم» المحلية وقال إن «عطلاً فنيًا في نبع الفيجة أدى لتخفيض كميات الضخ في الشبكة، ووجود النبع في منطقة غير آمنة آخر من إصلاح العطل، حيث منع المسلحون فرق الصيانة من الدخول لحرم النبع، إلا أن المشكلة حلت».
هناك من اعتبر تراجع حريدين عن أقواله تخبطا، وهناك من رده إلى تلقي حريدين لتأنيب من سلطات «عليا» على «تصريحاته الفاضحة لدعايات النظام وتغطية قصوره في إدارة المؤسسات الخدمية باتهام الإرهابيين وتسويقها للخارج، استجداءً للدعم في مواجهة معارضيه»، وفق رأي معارض دمشقي رفض الإفصاح عن اسمه. ويؤكد المتحدث أن «هذه هي سياسة النظام السوري في معالجة أزماته منذ أربعين عاما، فبدل البحث عن حلول للأزمة يعالجها باختلاق سلسلة أزمات تغرق المواطن في قضاياه الحياتية اليومية».
وتشرف على نبع عين الفيجة في الريف الغربي لدمشق، لجنة من المقاتلين ومن أهالي المنطقة ومجالسها، أعلنت التزامها بعدم قطع المياه عن سكان العاصمة إلا في حالات الضغط الاستثنائي.
وجاء هذا التعهد بعد أن قطع مقاتلون معارضون العام الماضي مياه نبع الفيجة عن دمشق لمدة 4 أيام، ردا على خرق قوات النظام هدنة تقضي بوقف العمليات العسكرية في وادي قرى بردى. وعادت المعارضة لتهدد بقطع المياه عن العاصمة مع ازدياد القصف وإلقاء البراميل على المنطقة.
دمشق: رمضان آخر بلا ماء.. ومبررات الحكومة لم تعد مقنعة
مشاكل مزمنة ليست وليدة حالة الحرب لكن الأزمة عمقتها
دمشق: رمضان آخر بلا ماء.. ومبررات الحكومة لم تعد مقنعة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة