إيران تستبق انتهاء المهلة الجديدة للمفاوضات النووية برفع سقف المطالب

طهران تسعى لرفع العقوبات عن برنامج الصواريخ الباليستية.. والغرب يعارض

جانب من اجتماع الدول الست الكبرى مع الوفد الإيراني خلال المحادثات النووية في فيينا أمس (رويترز)
جانب من اجتماع الدول الست الكبرى مع الوفد الإيراني خلال المحادثات النووية في فيينا أمس (رويترز)
TT

إيران تستبق انتهاء المهلة الجديدة للمفاوضات النووية برفع سقف المطالب

جانب من اجتماع الدول الست الكبرى مع الوفد الإيراني خلال المحادثات النووية في فيينا أمس (رويترز)
جانب من اجتماع الدول الست الكبرى مع الوفد الإيراني خلال المحادثات النووية في فيينا أمس (رويترز)

مع اقتراب موعد انتهاء المهلة الجديدة للمفاوضات النووية، يواصل وزراء خارجية الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا اجتماعاتهم المطولة، مع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف والوفد المرافق له. وبينما أكد وزير الخارجية الأميركي جون كيري أول من أمس أنه «من الممكن التوصل إلى اتفاق»، إلا أنه مساء أمس شهد تصريحات من أطراف عدة مطلعة على المفاوضات في فيينا يحذرون من تعقيد المفاوضات مع بقاء عراقيل أمام التوصل إلى اتفاق نهائي حول برنامج إيران النووي. وكشف أمس عن رفع إيران لسقف مطالبها أمام توقيع اتفاق يضمن سلامة برنامجها النووي، إذ تصر على رفع عقوبات تفرضها الأمم المتحدة على برنامج إيراني للصواريخ الباليستية وحظر أوسع على الأسلحة.
وشرح دبلوماسي غربي لوكالة «رويترز»: «يريد الإيرانيون رفع العقوبات عن برنامج الصواريخ الباليستية. ويقولون إنه لا يوجد سبب لربطها بالمسألة النووية وهي وجهة نظر من الصعب قبولها.. لا توجد رغبة في ذلك من جانبنا».
وأكد مسؤولون إيرانيون وغربيون وجهة النظر تلك بينما التقى وزراء خارجية القوى الست - بريطانيا والصين وفرنسا وألمانيا وروسيا والولايات المتحدة - مع وزير الخارجية الإيراني في فيينا، أمس، في مسعى لإبرام اتفاق مع إيران بحلول مساء اليوم.
وقال مسؤول إيراني: «الجانب الغربي لا يصر فحسب على إبقائها (الصواريخ الباليستية) تحت نطاق العقوبات بل أن تعلق إيران برنامجها كذلك»، مضيفا: «إيران تصر على حقوقها وتقول إن كل العقوبات بما في ذلك على الصواريخ الباليستية ينبغي أن ترفع عندما ترفع عقوبات الأمم المتحدة».
وبشكل منفصل أبلغ مسؤول إيراني كبير الصحافيين في فيينا أمس بشرط عدم نشر اسمه أن «طهران تريد رفع حظر الأمم المتحدة على الأسلحة أيضا».
ويريد الغرب أن يظل حظر الأسلحة مفروضا، إذ أكد دبلوماسي غربي رفيع المستوى أن رفع الحظر «أمر غير مطروح للنقاش».
ويهدف الاتفاق الذي تجري مناقشته بين إيران والقوى الست إلى تقييد الأنشطة النووية الإيرانية الحساسة لعشر سنوات أو أكثر مقابل تخفيف العقوبات التي تشل الاقتصاد الإيراني.
وبعد الاجتماع بين ظريف ووزراء خارجية الدول الست، وهو الاجتماع المكتمل للوزراء السبع للمرة الأولى خلال هذه الجولة، كان الموقف الإيراني سلبيا. وقالت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية، أمس، إن «الاجتماع الوزاري كشف عن استمرار وجود خلافات كبيرة بين الجانبين قبل يوم من الموعد المحدد للتوصل إلى اتفاق نووي». وقال مصدر قريب من فريق التفاوض الإيراني لوكالة الأنباء الإيرانية: «كشف الاجتماع الوزاري أنه لا تزال هناك خلافات كبيرة.. لكن الجانبين يتسمان بالجدية أيضا لحل الخلافات».
والسعي للتوصل إلى اتفاق نهائي يأتي بعد 12 عاما من جولات التفاوض جولة تلي أخرى متنقلة من عاصمة لأخرى. وسادت أجواء من التفاؤل بإمكانية تحقيق التقدم في المفاوضات بسبب عزم وزير الخارجية الأميركي جون كيري تحقيق الاتفاق، وعلاقته الإيجابية مع نظيره الإيراني. والأطراف التي تحدث عن التساهل تكرر الإشارة لتصريح سابق لكيري قال فيه ثم نفاه إنهم «يعرفون ما فعلته إيران من أنشطة سرية سابقة وما تهمهم هي أنشطتها المستقبلية».
إلى حينه، لم تبد من وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس المعهود بشكوكه تجاه إيران، أي بوادر لمعارضته التوصل إلى اتفاق. من جانبه لم يتحدث كثيرا وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، المعروف بدعمه لإيران وإن ترك المهمة لنائبه سيرغي ريابكوف رئيس الوفد الروسي الذي صرح قبل 5 أيام، بأن القضايا العالقة قد حلت بنسبة 90 في المائة.
هذا وفيما لم تعرف عن لي وانغ وزير الخارجية الصيني طول البقاء بمواقع التفاوض إلا أنه في هذه الجولة قد كسر تلك القاعدة إذ وصل فيينا منذ الأحد الماضي وما زال باقيا.
وتنتهي المهلة المحددة للتوصل إلى اتفاق نووي غدا، الثلاثاء، لكن المفاوضين يقولون إن المحادثات قد تتجاوز ذلك الموعد على الأرجح. وأوضح البيت الأبيض أن المحادثات التي تهدف للتوصل إلى اتفاق نهائي بشأن برنامج إيران النووي في فيينا يمكن أن تتجاوز المهلة المحددة لها.
والتزمت القوى الدولية وإيران بإبرام اتفاق بحلول، غد الثلاثاء، بعد الإخفاق في الوفاء بالموعد السابق في الثلاثين من يونيو (حزيران) .
ولدى سؤاله عما إذا كانت إدارة الرئيس باراك أوباما تتوقع «تجاوز» المهلة، قال المتحدث باسم البيت الأبيض جوش إيرنست، أمس: «لن أقدم أي توقعات في هذه المرحلة.. أفضل القول إن هذا ممكن بالتأكيد».
في سياق آخر يعود إلى فيينا صباح اليوم وفد خماسي من كبار مسؤولي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بعد زيارة قاموا بها، أمس، إلى طهران والتقوا فيها بوفد يقوده السفير رضا نجفي مندوب إيران لدى الوكالة. وزيارة الوفد الأممي تأتي كمهمة تفصيلية للمباحثات التي قام بها مدير عام الوكالة يوكيا أمانو إلى طهران، الخميس الماضي، والتقى فيها بالرئيس حسن روحاني ورئيس المجلس الأعلى للأمن القومي، علي شمخاني.
وكان أمانو قد أوضح عقب عودته في تصريحات صحافية، السبت الماضي، من أمام مقر المفاوضات النووية بقصر الكوبورغ، أن الوكالة يمكن أن ترفع، بتعاون إيراني، تقريرا عن أنشطة نووية إيرانية سابقة تلاحقها اتهامات بأبعاد عسكرية قبل نهاية هذا العام. وأضاف أن الوكالة وإيران قد توصلتا إلى اتفاق بشأن وضع جدول زمني لإنهاء قضايا ظلت عالقة بينهما. وأوضحت مصادر من داخل الوكالة لـ«الشرق الأوسط»، تحدثت بشرط عدم كشف هويتها، أن أهمية تصريحات أمانو «تتمثل في إطلاق التصريح من موقع المفاوضات التي من أسباب تعثرها رفض إيران للكشف عن الأبعاد العسكرية لبعض أنشطتها».
إلى ذلك، يعكس التصريح الدور المنوط بالوكالة القيام به بعد توقيع الاتفاق، وفيه إشهار أمام العالم الذي يتابع المفاوضات أن التأخير ليس من الوكالة وأن الكرة في مرمى إيران. إضافة إلى ذلك فإن إسراع أمانو بقبول الدعوة لزيارة طهران، بعد يوم من تسلمه الدعوة من وزير الخارجية الإيراني بفيينا، يؤكد أن الوكالة عكس ما تتهمها به إيران مستعدة استعدادا كاملا للتعاون مع الحكومة الإيرانية من أجل حل القضايا العالقة.
ومعلوم أن الوكالة التي بدأت تحقيقاتها بشأن قضية الملف النووي الإيراني منذ العام 2002 قد كلفت من قبل إيران والمجموعة الدولية 5 + 1 بالقيام بمهام التحقق من الالتزام الإيراني بالاتفاق النووي الذي وقعاه 2013، ويعتبر أساس المفاوضات التي ظلت جارية بحثا عن حل يتمثل في قبول إيران بالحد من نشاطها النووي مقابل رفع العقوبات التي فرضت عليها بسبب تجاوزات لاتفاقات الضمانات التي وقعتها مع الوكالة.



إسرائيل تمهد لضربة عسكرية لإيران بعد تدمير قدرات الجيش السوري

نتنياهو وغالانت في غرفة تحت الأرض يتابعان الضربة الموجهة لإيران يوم 26 أكتوبر 2024 (الدفاع الإسرائيلية)
نتنياهو وغالانت في غرفة تحت الأرض يتابعان الضربة الموجهة لإيران يوم 26 أكتوبر 2024 (الدفاع الإسرائيلية)
TT

إسرائيل تمهد لضربة عسكرية لإيران بعد تدمير قدرات الجيش السوري

نتنياهو وغالانت في غرفة تحت الأرض يتابعان الضربة الموجهة لإيران يوم 26 أكتوبر 2024 (الدفاع الإسرائيلية)
نتنياهو وغالانت في غرفة تحت الأرض يتابعان الضربة الموجهة لإيران يوم 26 أكتوبر 2024 (الدفاع الإسرائيلية)

إلى جانب الأهداف المتعددة، بما في ذلك الإقليمية والداخلية، التي حققتها الهجمات الإسرائيلية ضد القدرات العسكرية للجيش السوري، حقق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو خطوة كبيرة نحو التحضير لهجوم واسع على إيران. فالحلم الذي راوده منذ 13 عاماً بتوجيه ضربة للمشروع النووي الإيراني أصبح، من وجهة نظره، أمراً واقعاً. ولديه شريك مهم يشجعه على ذلك، وهو الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

كان نتنياهو، ومن خلفه الجيش والمخابرات، مقتنعين بأن توجيه ضربة قاصمة للمشروع النووي الإيراني هو مشروع ضخم يفوق بكثير قدرات إسرائيل.

لذلك، حاول نتنياهو خلال الحرب جرّ أقدام الولايات المتحدة للقيام بالمهمة، لكنه فشل. فالرئيس جو بايدن ظل متمسكاً بموقفه مؤيداً للحوار الدبلوماسي مع طهران. غير أن الهجوم الذي شنته إسرائيل على إيران في 26 أكتوبر (تشرين الأول) غيّر القناعات. فقد كانت نتائج الهجوم قاسية على القدرات الدفاعية الإيرانية، وإيران أول من يعلم بذلك لكنها تفضل الصمت. وإذا أضفنا إلى ذلك أن خطة طهران لتطويق إسرائيل بأذرع عسكرية فتاكة تلقت ضربة قوية، حيث تم تدمير 60 إلى 70 في المائة من قدرات «حماس» العسكرية في غزة والضفة الغربية، وتدمير نصف قوة «حزب الله» على الأقل، فإنها قلّمت أظافر «الحرس الثوري» الإيراني.

طائرة مقاتلة إسرائيلية في مكان غير محدد في صورة نشرها الجيش في 26 أكتوبر 2024 (أ.ف.ب)

ومع سقوط نظام بشار الأسد، أتيحت لإسرائيل فرصة مفاجئة ونادرة لضرب الجيش السوري، فاستغلتها دون تردد. وفي غضون أيام قليلة، دمرت سلاح الجو السوري وقواعده، وكذلك سلاح البحرية وموانئه، إلى جانب معظم الدفاعات الجوية وبطاريات الصواريخ. وكل ذلك دون أن تتعرض لإطلاق رصاصة واحدة، ليخرج الجيش الإسرائيلي من الهجوم بلا أي إصابة.

كما هو معروف، نفذ الجيش الإسرائيلي هذه العملية ليؤكد مكانته كأقوى جيش في المنطقة، ولإظهار أنه يرد على المساس به بمقاييس ضخمة غير مسبوقة في الحروب. كما كانت رداً على الانتقادات الداخلية في إسرائيل، خصوصاً بعد نقاط ضعفه التي ظهرت في 7 أكتوبر 2023 وخلال الحرب.

بالنسبة لنتنياهو، كانت العملية وسيلة لإثبات قوته السياسية لخصومه الذين يرونه «قائداً فاسداً ومحتالاً»، ولإظهار أنه يدير حرباً تحقق مكاسب هائلة. ومع سهولة انهيار نظام الأسد وتحطيم الجيش السوري، أصبحت هذه العملية تحقق مكسباً استراتيجياً لم تتوقعه أي مخابرات في العالم، ولم تتخيله أعتى الساحرات، حيث مهدت الطريق أمام نتنياهو للضربة التالية: إيران.

القبة الحديدية في إسرائيل تعترض الصواريخ الإيرانية (أرشيفية - رويترز)

اليوم، تناقلت جميع وسائل الإعلام العبرية تصريحات صريحة لمسؤولين كبار في الحكومة والجيش الإسرائيليَّيْن، يؤكدون فيها أن «الهدف المقبل للجيش الإسرائيلي هو توجيه ضربة لإيران». وذكر هؤلاء المسؤولون أن العمليات العسكرية الجارية في سوريا تهدف إلى «تنظيف الطريق، جواً وبراً»؛ لتمهيد الطريق لضربة مباشرة ضد إيران. كما أشار البعض إلى أن سلاح الجو الإسرائيلي يدرس توجيه ضربة قاصمة للحوثيين في اليمن كجزء من هذه الاستعدادات.

بالطبع، يعتقد الخبراء أن ضرب إيران «ليس بالمهمة السهلة. فهي لا تزال دولة قوية، تخصص موارد هائلة لتعزيز قدراتها العسكرية، وتتبع عقيدة لا تعترف بالهزيمة أو الخسارة».

بالنسبة لإيران، حسابات الربح والخسارة ليست محورية؛ إذ تحتفل بالنصر دون هوادة مهما كان الثمن الذي تدفعه باهظاً، خصوصاً عندما يكون الآخرون هم من يتحملون التكلفة.

وفي إسرائيل، كما في دوائر سياسية عديدة في الولايات المتحدة والغرب، يزداد الاقتناع بأن القيادة الإيرانية تدرك التحديات والأخطار المتراكمة ضدها. ويُعتقد على نطاق واسع أنها قد ترى الحل الوحيد أمامها يكمن في تسريع تطوير قدراتها النووية العسكرية، وصولاً إلى إنتاج قنبلتها الذرية الأولى.

صورة جوية تظهر سفناً للبحرية السورية استهدفتها غارة إسرائيلية في ميناء اللاذقية الثلاثاء (أ.ف.ب)

هذا الواقع يشجع إسرائيل على المضي قدماً في تدمير المنشآت النووية الإيرانية، ليس فقط دفاعاً عن نفسها، بل أيضاً نيابة عن دول الغرب وحماية لمصالحها المشتركة. تدعم دول الغرب هذا التوجه. وقد بدأت إسرائيل بطرح هذا الملف منذ عدة أشهر أمام حلفائها، لكنها تطرحه الآن بقوة أكبر بعد انهيار نظام الأسد وتدمير قدرات الجيش السوري.

رغم إعجاب الغرب بالقدرات الإسرائيلية وإشادته بجيشها، الذي استطاع قلب الموازين وتحقيق مكاسب عسكرية بعد إخفاقه المهين أمام هجوم «حماس» في 7 أكتوبر، حيث يُتوقع أن تصبح هذه المكاسب مادة دراسية في الكليات الحربية، فإن هناك تساؤلات ملؤها الشكوك: هل هذه الحسابات الإسرائيلية واقعية ودقيقة؟ أم أنها تعتمد بشكل كبير على الغرور والغطرسة أكثر من التحليل المهني والتخطيط الاستراتيجي؟

إعلان مناهض لإسرائيل في طهران يظهر صواريخ إيرانية أبريل الماضي (إ.ب.أ)

وماذا سيكون موقف إسرائيل إذا تبين أن القيادة الإيرانية بدأت بالفعل الاستعداد للتحول إلى دولة نووية منذ التهديدات الأولى لها، وقد تُفاجئ العالم اليوم بإعلان تجربة نووية ناجحة، على غرار ما فعلته كوريا الشمالية عام 2007؟

وفي الداخل الإسرائيلي، تُطرح تساؤلات صعبة؛ أبرزها: «هل نخوض مغامرة كهذه، نخدم فيها الغرب وكل خصوم إيران في المنطقة، بينما ندفع نحن الثمن كاملاً؟».