تدهور أمني شديد في القدس بعد مقتل فلسطيني برصاص قوات الاحتلال

السلطة الفلسطينية تعتقل عشرات من أطر حماس بتهمة تنفيذ عمليات عدائية

تدهور أمني شديد في القدس بعد مقتل فلسطيني برصاص قوات الاحتلال
TT

تدهور أمني شديد في القدس بعد مقتل فلسطيني برصاص قوات الاحتلال

تدهور أمني شديد في القدس بعد مقتل فلسطيني برصاص قوات الاحتلال

شهدت الجمعة الثالثة من رمضان، توترًا شديدًا في الأراضي الفلسطينية المحتلة، خصوصًا في القدس الشرقية، وذلك بعد أن أقدم قائد القوات الإسرائيلية بشمال الضفة الغربية، على قتل الشاب محمد الكسبة، البالغ من العمر 17 عامًا، بدعوى أنه حاول إسقاط صخرة على سيارة عسكرية، بينما أوضح عدد من الفلسطينيين أنه كان فقط يحاول تسلق الجدار العازل لكي يشارك في صلاة الجمعة داخل الأقصى، التي يحظرها الاحتلال على أبناء جيله.
وانفجرت مظاهرات عفوية ردًا على عملية القتل، بينما حشدت الشرطة أكثر من ألفي عنصر في المدينة المقدسة وضواحيها. وأعلن الجيش الإسرائيلي أنه رفع حالة التأهب في الجنوب لمواجهة تدهور أمني جديد، وقام بنصب بطارية صواريخ «القبة الحديدية» لحماية مدينة إيلات، الواقعة على البحر الأحمر، كما أغلق الشارع الغربي «رقم 12» الممتد من جنوبي قطاع غزة حتى إيلات. وأرسل قوات ودوريات على طول الحدود، علمًا بأن إسرائيل بنت هناك حاجزًا ضخمًا من الأسلاك الشائكة المكهربة.
وكانت الأوضاع في الضفة الغربية والقدس قد تفاقمت، مع تصاعد حملات الاعتقالات الإسرائيلية في صفوف الفلسطينيين، بحثًا عن شبان تتهمهم بتنفيذ العمليات الأخيرة التي وقعت ضد المستوطنين، وأدت إلى مقتل اثنين منهم منذ مطلع رمضان. وزادت الأمور حدة عندما قررت إسرائيل معاقبة الفلسطينيين وإلغاء التسهيلات التي أعلنتها لهم خلال الأسبوعين الماضيين، وتوقعت سلطات الاحتلال في القدس رد فعل غاضب على هذه الإجراءات، فحشدت حرس الحدود، وشرطة الخيالة. كما نصبت عشرات الحواجز في أنحاء المدينة والبلدة القديمة والطرق المؤدية إلى المسجد الأقصى.
ومع أن مئات الآلاف من الفلسطينيين شاركوا أمس في صلاة الجمعة الثالثة من رمضان، إلا أن الآلاف حرموا منها. وحاول الآلاف منهم منذ ساعات الصباح الباكر تسلق الجدار الفاصل في المناطق المحاذية لمدينة القدس بهدف المشاركة في هذه الصلاة، ومن بينهم محمد الكسبة الذي حاول مثل غيره تسلق الجدار العازل فقتله الضابط الإسرائيلي.
من جهة ثانية، دعا مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إسرائيل والفلسطينيين إلى التحقيق في جرائم حرب مزعومة ارتكبت أثناء حرب غزة خلال العام الماضي، والتعاون مع تحقيق أولي تجريه المحكمة الجنائية الدولية.
وناقش المجلس الأمر قبل أيام من الذكرى الأولى لعملية الجرف الصامد التي شنتها إسرائيل على غزة، ردًا على إطلاق نشطاء في قطاع غزة صواريخ عليها.
وتبنى المجلس الذي يضم 47 دولة قرارًا قدمه الوفد الفلسطيني بدعم من دول إسلامية، وذلك بموافقة 41 دولة ورفض دولة واحدة هي الولايات المتحدة، بينما امتنعت خمس دول عن التصويت. وصوتت كل دول الاتحاد الأوروبي في المجلس ومن بينها بريطانيا وفرنسا وألمانيا لصالح القرار.
من جهة أخرى, أكد مصدر أمني فلسطيني، أمس، أن الأجهزة الأمنية، التابعة للسلطة الفلسطينية، اعتقلت، مساء أول من أمس، عشرات من أطر حركة حماس في الضفة الغربية؛ إذ أكد اللواء عدنان الضميري، المتحدث باسم الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية، هذه الاعتقالات، بقوله: «صحيح هناك اعتقالات، ونحن نعتقل على الخلفية القانونية التي نواجه فيها الخارجين عن القانون».
وأوضح الضميري أن «لدى الأجهزة الأمنية الفلسطينية معلومات عن نية حماس والإخوان المسلمين جر الضفة الغربية إلى حرب، سواء مع الاحتلال أو حرب داخلية، والتوصل مع إسرائيل إلى اتفاق هدنة طويلة الأمد في غزة». وأضاف موضحًا: «لذلك لن نسمح لحماس بأن تعمل على تغيير المشهد في الضفة الغربية، وجعله مثلما يحصل في الدول العربية المحيطة» في سوريا والعراق.
غير أن الناطق باسم حماس سامي أبو زهري اعتبر أن حملة الاعتقالات «بحق كوادر حماس تعتبر تصعيدًا خطيرًا يقوض جهود المصالحة» المتعثرة بين فتح وحماس.
وقال أبو زهري في بيان على موقع حماس، أمس، إن الحملة التي استهدفت ما يزيد على مائة شخص من أبناء الحركة تهدف إلى تحقيق التعاون الأمني بين أجهزة الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الفلسطيني رامي الحمد الله مع الاحتلال الإسرائيلي «لضرب بنية المقاومة وتصفيتها».
لكن مصدرًا أمنيًا فلسطينيًا لم يشأ ذكر اسمه، قال إن جميع الذين تم اعتقالهم «لديهم نيات لتنفيذ عمليات عدائية ضد السلطة الفلسطينية، ونبحث معهم عن معلومات».
وأضافت الحركة على موقع تابع لها: «لقد شن جهاز الأمن الوقائي والمخابرات، مساء الخميس وفجر الجمعة، حملة اعتقالات واسعة في صفوف أنصار حركة حماس»، موضحة أن «من بين المعتقلين قادة وطلبة جامعيون وأسرى محررون».
لكن المتحدث باسم الأجهزة الأمنية في الضفة، قال إن السلطات لا تعتبرها حملة «بل إنها مسؤوليتنا الوطنية للحفاظ على السلم الأهلي والاستقرار الداخلي، والحفاظ على أمن بلدنا من أي أيد عابثة تريد أن تجر مدننا وقرانا وفلسطين بالكامل إلى الدمار»، مضيفًا: «نحن لن نسمح لأحد تحت أي شعار كان أن يعمل هدنة في غزة وفوضى في الضفة.
وأوضح الضميري أن من يتم اعتقالهم «إما للتحقيق أو الاستجواب أو تقديمهم للمحكمة بناء على أدلة ضدهم هم من يقومون بتهديد الاستقرار الأمني الفلسطيني الداخلي، ومحاولة جر المنطقة وجرنا إلى مواجهات عسكرية لتدمير منطقتنا. وهذا هو السبب الأساسي وراء كل ما نقوم به في هذه الفترة».
من جانبه، قال عزت الرشق، عضو المكتب السياسي لحماس، «إننا في حركة حماس ندين حملة الاعتقالات التي تشنها أجهزة السلطة الأمنية في الضفة، ونعتبرها طعنة في ظهر شعبنا في هذا الشهر المبارك وخدمة للاحتلال». بينما قالت حماس على صفحتها الرسمية على الإنترنت، إن حملة الاعتقالات «تأتي بعد الاتهامات التي وجهها الاحتلال للحركة بالوقوف خلف عمليات المقاومة بالضفة الغربية ومدينة القدس لتطال الحملة العشرات من أبناء وأنصار حماس».
وشهدت الأراضي الفلسطينية خلال الأسبوعين الأخيرين عمليات إطلاق نار على سيارات إسرائيلية قتل فيها إسرائيليون، وأصيب آخرون، وأعلنت إسرائيل عن اعتقال أربعين عنصرًا من حماس في الضفة الغربية خلال الأيام الماضية للاشتباه في تخطيطهم لشن هجمات، ومحاولة بناء وجود للحركة في الضفة الغربية المحتلة.
وكثيرًا ما يجري اتهام حماس، التي تسيطر على قطاع غزة، بالسعي للسيطرة على الضفة الغربية التي تديرها السلطة الفلسطينية برئاسة الرئيس محمود عباس.
ورغم التفاهم الذي تم التوصل إليه بين عباس وحركة حماس العام الماضي لتشكيل حكومة توافق وطني، فإن انعدام الثقة بين الطرفين لا يزال قائمًا.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».