اتساع رحابة الفضاء الإلكتروني، أتاح فرصة لدى المثقفين للبحث عن طرق لإشباع الرغبة في التعاطي مع المنتج الثقافي والأدبي، وإشاعة الحوار والنقاش مع أكثر من مثقف ومثقفة في مختلف أنحاء العالم بأكثر من لغة وفي أكثر من مكان.
ولكن آخرين، يعتقدون أن التقييد المضروب على المؤسسات الثقافية لا سيما الأندية الأدبية، من حيث نوعية وموضوعية ومواكبة البرامج والفعاليات التي تقيمها، مرده إما الضائقة المالية، أو روتينية الفعاليات والأمسيات والملتقيات التي ينظمها.
الزهراني: نحو الفضاء الإلكتروني
وفي هذا السياق قال لـ«الشرق الأوسط»، الشاعر حسن الزهراني رئيس نادي الباحة الأدبي: «جميعنا نتجه حاليا للفضاء الإلكتروني، لعدة أسباب منها سرعة التواصل وسهولة الحصول على المعلومة، دون عناء كبير والالتقاء بمئات المثقفين والمثقفات من مختلف أنحاء الوطن العربي».
ولفت الزهراني، إلى أنه ينضم حاليا لمجموعة «بيت المثقفين العرب»، مبينا أنها أنموذج للمسرح الثقافي الفضائي، يتم خلاله بعد كل يومين أو ثلاثة أيام تحديد جدول أمسيات شعرية وقصصية ولقاءات أدبية معينة، وذلك مع رموز إبداعية عربية من العيار الثقيل.
وقال الزهراني: «أنا كرئيس ناد أدبي أتعامل مع هذه وسائط التواصل الاجتماعي بشكل مستمر وبشكل جميل مع أكثر من مجموعة أدبية أو ثقافية، سواء على واتس آب أو الوسائط المختلفة»، مؤكدا أن هذا الفضاء أتاح لهم، اختصار الوقت والتواصل دون الحاجة لسيارة للتنقل إلى ناد أدبي ما في مكان ما.
وأقرّ الزهراني أن عدم قدرة النادي الأدبي على إشباع حاجة المثقف حقيقة ماثلة، شارحا أن الأمسية التي تحرك الراكد وتأتي بالجديد من القضايا الثقافية الملحة، والتي تلقى هوى لدى كثير من المثقفين، تنفذ خارج إطار إعانة وزارة الثقافة.
وبجانب قلة الدعم المادي، فإن الزهراني يرى أن هناك حواجز أخرى، منها تعقيد أمر استضافة رموز عربية في ملتقى ثقافي ما، وذلك من خلال المطالبة بتقديم الطلب بإقامة هذه الفعالية بعدة جهات منها وزارة الثقافة ووزارة الداخلية مع أن الضيف مثقف لا يتجاوز حديثه عن المهرجان الثقافي أو الملتقى الأدبي الذي يدعى له بورقة محددة وفي موضوع محدد.
وعاد وأكد الزهراني أن المثقف، يحتاج إلى أفق أرحب وحرية ممتدة ولذا لا بد له من أن يبحث عن متنفس أكثر رحابة من النادي الأدبي، مؤكدا أن النادي نفسه يستطيع أن ينجز الكثير له إذا توفرت له عوامل الإنجاز، غير أنه يرى أن النادي مقيد جدا ومكبل لا يعطي أكثر مما يستطيع.
الفضيل: الهروب من الرسميات
من جهته أقرّ الكاتب الدكتور زيد الفضيل، بانسحاب المثقف من الأندية الأدبية تجاه وسائط التواصل الاجتماعي، قائلا: «طبعا من المفترض ألا يكون الفضاء الافتراضي هو العالم الأمثل لأي مثقف أو مثقفة، بل يفترض أن يكون هناك تلاحم بين المثقف والجهات والمؤسسات الثقافية ولعل هناك أسبابا خلقت هذا الواقع».
ومن هذه الأسباب وفق الفضيل، تباعد الأمكنة الجغرافية بين المثقف وبين النادي الأدبي، معتبرًا أنه من المهم أن تبحث الجهات المعنية بحلول في هذا الصدد، مقترحا ضرورة تعدد الأندية الأدبية بشكل عام، بحيث ينشأ في كل حي ناد، وأن تسمح الجهات المعنية، بفتح مراكز ثقافية أهلية ومؤسسات مجتمع عام يسكن إليها المثقف.
ولفت الفضيل إلى أن المثقف في حاجة ماسة لأن يتواصل مع العالم من حوله، وأن يتابع الأنشطة المختلفة التي تلبي رغباته، إذ النادي الأدبي لا يوفر كل ما يشتهي المثقف من أنشطة ثقافية تساير المستجدات، مشيرا إلى أن الذهاب إلى النادي مشقة ولا يمكن أن يفعل المثقف ذلك إلا إذا كان الموضوع يستحق هذه المشقة.
ثمة سبب آخر يراه الفضيل للجوء لوسائل التواصل الاجتماعي، فالأندية الأدبية لم تعد الوعاء المناسب لتوفير المادة التي تناسب المثقف فيما تطرحه من برامج وفعاليات، مبينا أن أغلب التي تطرحها موضوعات عفا عليها الدهر ولم تعد تحرك المثقف ليتفاعل معها على الصعيد الثقافي بشكل عام مما يتسبب في عزوف المثقف عن حضور فعاليات النادي.
وقال الفضيل: «المشكلة أن البرامج التي تطرحها الأندية، لم تعد تواكب المستجدات وحاجة المثقف المتزايدة والمستجدة على الصعيد الحياتي والسياسي والاجتماعي والثقافي».
ومع ذلك يرى الفضيل، أنه ليست كل جمعيات الفضاء الإلكتروني إيجابية ومهمة، مبينا أن بعضها يوفر المعلومة ويختصر الوقت ويصل المثقف بالعالم حوله في الموضوع المحدد، غير أنه في الوقت بعضها يعتبر مضيعة للوقت لأنه لا يتجاوز كونه مجرد ترطيب خواطر أو سلام عابر أو نقاش غير جدي يفتقد لأسس ومعيار الحوار.
اليوسف: لا قيمة لها
وفي هذا الإطار قال الباحث والكاتب والروائي خالد اليوسف: إن «تحول الملتقيات الأدبية من أرض الواقع إلى الفضاء الإلكتروني من خلال توجه البعض لتأسيس مجموعات أدبية عبر شبكات التواصل الاجتماعي لمناقشة القضايا الثقافية والأدبية والتواصل بين المثقفين مجرد تحولات لا قيمة حقيقية لها».
وقال اليوسف: «من عجائب التقنية الحديثة والعالم الافتراضي، أن تتحول حياتنا الطبيعية والحميمة والعلاقة الوشيجة إلى عالم غيبي وافتراضي يقبل الاحتمالات، وأجزم أنها هروب من الواقع الثقافي في أنديتنا ومنابرنا الثقافية، وإلا كيف نتقوقع على أنفسنا وفي بيوتنا أمام الشاشات ونتحاور عن بعد وتشعر بقيمة هذا الحوار؟ بصراحة لا جدوى من وجودها على حياتنا الثقافية!!».
ولكن إلى أي حد يمكن هذه الجمعيات الفضائية، أن تكون بديلا عن المؤسسات الثقافية على أرض الواقع؟ يعتقد اليوسف، أنه لا بديل عن إدارات الثقافة في الوطن، مشددا على ضرورة التنبه لهذه الموجة والموضة الجارفة التي تسيء للأدب والثقافة الوطنية. فهذه المنتديات الافتراضية لا قائمة لها لخلوها من الروح والأنفاس والصوت وجمال اللقاء الطبيعي، ومهما كانت الحوارات والنقاشات فيها ستبقى مصطنعة غيبية أضحوكة على الواقع. مؤكدا أنه لا يرى أي ميزة لها، إلا إذا كانت للأخبار ونشر النصوص للتعليقات عليها، أما الحوار وطرح موضوعات للنقاشات «فأنا أرفضها بتاتًا»!