ثلاث هجمات إرهابية وعشرات القتلى والجرحى في كل من الكويت وتونس وفرنسا، حولت جمعة مباركة في شهر رمضان إلى يوم تاريخي دامٍ يؤكد تفاقم انتشار آيديولوجية التطرف في الوطن العربي والعالم. ومع أن موجة التطرّف بدأت قبل سنوات عديدة من ظهور محتكرها الأول الحالي «داعش»، فإن هذا التنظيم بات يشكل تهديدا عالميا.
إلى ذلك، نتمعّن في المحاور الثلاثة الرئيسة لأخطار «داعش»، حسبما عدّدها لـ«الشرق الأوسط» منسق فريق رصد «القاعدة» و«طالبان» في مجلس الأمن الدولي. وهي: أولا سيطرته على مناطق جغرافية واسعة في العراق وسوريا - وليبيا أخيرا.. وثانيا الشبكة الواسعة التي كوّنها من خلال تجنيد الأجانب.. وثالثا، وهو الأهم، انتشار آيديولوجية التنظيم السامة. وفي هذا السياق، نعرض الفرق ما بين «داعش» وتنظيمات متطرّفة أخرى مثل «القاعدة»، ومسؤوليات المجتمع الدولي في محاربة الظاهرة ونتاجها. وفي ظل وجود توترات في التنسيق الدولي، ومع غياب تعريف أممي شامل لمصطلح «الإرهاب»، يصبح القضاء على «داعش» وآيديولوجيته تحديا حقيقيا.
ظاهرة التطرّف تحت شعارات الدين موجودة قبل ولادة تنظيم داعش بسنوات. وقد يمثل هذا التنظيم اليوم استمرارا للموجة الفكرية المتطرفة التي بدأها تنظيم «القاعدة» وغيره سابقا. إذ يقول ألكسندر إيفانز، منسّق فريق رصد «القاعدة» و«طالبان» في مجلس الأمن الدولي، خلال مقابلة خاصة مع «الشرق الأوسط»، إن «تنظيم داعش يمثل استمرارية لموجة (القاعدة) ولكن بخصائص جديدة، ذلك أن تنظيم القاعدة كان أكثر صبرا من (داعش) في التوسّع والعمليات». ويضيف «ومع أن التنظيمين لجآ إلى أساليب العنف المتطرف، فإن طاقات (داعش) الدعائية نقلت تلك الأساليب إلى العالم».
خلال جلسة استضافها البرلمان البريطاني الأربعاء الماضي، بالتنسيق مع «جمعية هنري جاكسون»، طرح إيفانز رؤية مجلس الأمن الدولي حول نشاط تنظيم داعش الإرهابي المتنامي في ظل تدفق المقاتلين الأجانب، والآلية التي يتوجب على الدول اتباعها لمحاربة هذا التنظيم ميدانيا وآيديولوجيا. وخلال الجلسة، حذّر إيفانز من أن التهديد الذي يشكله «داعش» بات تهديدا عالميا بعد احتكار هذا التنظيم الدموي «للإرهاب». كذلك حذر المنسّق الدولي من أن التوسع في شبكات تجنيد التنظيم يشكل أيضا عبئا عالميا، ليس بمقدور بعض الدول تحمله لقلة جهوزيتها وعوزها إلى آليات قانونية كفيلة بالتعامل مع التجنيد. وأكد المنسق إيفانز خلال الجلسة أن أخطار «داعش» في «تمدد أفقي وعمودي حول العالم».
وبالأمس، في ظل ثلاث هجمات كانت مسارحها ثلاث قارات يوم الجمعة الماضي، ومع أن التنظيم تبنى رسميا عمليتين منها، نلفت الانتباه لتأثير التنظيم السلبي على مجريات النزاعات في الدول المنكوبة وغير المنكوبة. وفي سياق الحوار مع «الشرق الأوسط» أشار إيفانز إلى أن تهديدات «داعش» فعالة من خلال ثلاثة محاور، هي: أولا المنطقة الجغرافية التي يتمركز فيها وهي العراق وسوريا وليبيا عامة. وثانيا الشبكة التي كوّنها من خلال تجنيد الأجانب. وثالثا آيديولوجية التنظيم المسمومة، بحسب تعبيره. وهذه العوامل الثلاثة قد تكون السبب في تكوين بيئة عالمية حاضنة للتطرّف، ومروّجة لهجمات كالتي أدمت الشهر الفضيل.
معاقل «داعش».. ومصادر تمويله
بعد عام من إعلان «داعش» تأسيسه «دولة الخلافة»، تمكن التنظيم المتطرف من خوض حروب دامية في كل العراق وسوريا، ونفذ أعمال قتل وتخريب وفظائع متعددة. ووفق آخر بيانات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، التابعة للأمم المتحدة، أكدت المفوضية تزايد أعداد النازحين إلى أربعة أضعاف عام 2015 في مناطق النزاع، بعدما كان الرقم مليونا واحدا في العام الماضي. كذلك أوردت صحيفة «الغارديان» البريطانية أن أكثر من 3 ملايين عراقي تركوا بلادهم منذ اندلاع أعمال العنف وتوغّل «داعش» في عدة مناطق من البلاد. وكما هو معروف، تشهد سوريا «سيناريو» مماثلا، فالأسبوع الماضي فقط أعلنت السلطات التركية أن أكثر من 23 ألف لاجئ سوري فروا من القتال الدائر في شمال البلاد، وعبروا الحدود إلى تركيا.
وفي ليبيا، تشهد مدينة درنة، في شرق البلاد، اقتتالا مستعرا منذ مطلع الشهر الحالي بين «كتيبة شهداء أبو سليم» الموالية لتنظيم القاعدة، ومسلحي تنظيم داعش على خلفية خلاف جاء بعد انشقاق عناصر من «كتيبة أبو سليم» وإعلان مبايعتها لخلافة البغدادي، ومن ثم رفضها شرعية «المؤتمر الوطني العام» المنتهية ولايته. في حين يصر الجزء الآخر من «الكتيبة» على شرعيته بسبب الدعم المالي والعسكري الذي يتلقاه منه. وحتى الآن أسفرت الاشتباكات بين الفريقين عن مقتل العشرات. ولذلك يرى مراقبون أن «السيناريو السوري» بدأ ينتقل إلى ليبيا، فالقتال بين الفريقين وصدور فتاوى التكفير شبيهان إلى حد كبير بالقتال الدائر بين «جبهة النصرة» و«داعش» في سوريا. وحاليا يسيطر «داعش» بشكل نهائي على مدينة سرت وبات يدير مرافقها. كما تفيد مصادر محلية بأن التنظيم المتطرّف بات موجودا أيضا في قاعدة الجفرة بجنوب وسط البلاد، التي تعد هي الأخرى من كبريات القواعد العسكرية التي أنشأها القذافي في عهده، إذ تتوفر على مهبط جوي وعشرات مخازن الذخيرة.
إلى ذلك، يقول إيفانز إن «ظهور (داعش) في ليبيا زاد من تنبّه الغرب إلى مدى خطورة التنظيم»، ويضيف أنه {كلفنا من قبل مجلس الأمن كفريق رصد بإصدار تقرير عن الوضع حول ليبيا في سبتمبر (أيلول) المقبل وتقديمه للمجلس».
والواقع أنه مع تزايد أعداد النازحين واللاجئين جراء إرهاب التنظيم وتوغّله على الأرض وظهوره في ليبيا أخيرا، سألنا إيفانز عما إذا كانت الحرب العسكرية على «داعش» فعّالة بعد نحو عشرة شهور من اندلاعها، وحول مدى فائدة ضربات التحالف بقيادة الولايات المتحدة على معاقل التنظيم في سوريا والعراق، فأجاب بالنيابة عن فريق رصد النشاطات الإرهابية لدى مجلس الأمن بأن الفريق «لم يأخذ موقفا حول العمليات العسكرية لأن هذا لا يقع تحت كنفه». لكنه يستطرد في تقييمه موضحا أن «الضربات ركّزت على استهداف مصافي النفط التي تقبع تحت سيطرة (داعش)، مما أسهم في تجفيف موارد التنظيم المالية التي يكسبها من إيرادات النفط».
وحسب معلومات تلقاها خبير الجماعات المتطرفة، فقد أمكن إضعاف طاقات «داعش» في مجال تكرير النفط بالمقارنة مع صيف العام الماضي. ويشير هذا إلى أن النفط الخام متوافر لدى التنظيم لكنه يفتقر لموارد تكرير كافية في المعاقل التي يسيطر عليها في كل من سوريا والعراق، لإنتاج نفط مكرّر. وهنا يذكر أنه في فبراير (شباط) المنصرم، صوّت مجلس الأمن الدولي بالإجماع، وتحت الفصل السابع، على القرار 2199 الذي ينص على تجفيف منابع تمويل الإرهاب وتشديد الرقابة على المناطق الخاضعة لسيطرة الإرهابيين ومحاصرة مصادر تمويل تنظيمي داعش وجبهة النصرة. كذلك شمل القرار منع الاتجار بالنفط والآثار السورية والعراقية مع المنظمات الإرهابية. وشدّد القرار، الذي صدر بعد توصيات من فريق الرصد الذي يشارك فيه إيفانز سلمت لمجلس الأمن في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، على التزام الدول بأن تكفل عدم إتاحة أي أموال أو أصول مالية أو موارد اقتصادية لصالح تنظيم داعش الإرهابي والجماعات المرتبطة بتنظيم القاعدة.
إلى ذلك، يكشف إيفانز أن فريق الرصد «سيبدأ الأسبوع المقبل بالعمل على تقييم فعالية القرار ومدى تأثيره على موارد التنظيمين وذلك لإصدار تقرير في يوليو (تموز) 2015». ومع أن نظام الحظر والعقوبات أداة مفيدة لإضعاف التنظيم المتطرف، فإنه لن يكون فعالا في القضاء عليه أحاديا. وهنا يقول إيفانز شارحا إنه «على الدول الأكثر تضررا من وجود التنظيم مسؤولية تشكيل رد مناسب للتعامل معه لأنها أكثر وعيا بالمشكلة». غير أنه من ناحية ثانية، ينوه بأن الغرب بات على وعي أكبر إزاء تهديدات التنظيم لسبب ثنائي هو «توسع تحركات التنظيم في كل من العراق وسوريا.. تزامنا مع زيادة تدفق المقاتلين الأجانب إلى هناك». وحسب الخبير الأممي، فإن هذين المعطيين هما السبب وراء حشد المجتمع الدولي في صف واحد تجاه مخاطر التنظيم.
25 ألف مجند أجنبي
لقد أصدر مجلس الأمن الدولي لدى الأمم المتحدة، أخيرا، تقريرا يكشف أن أعداد المقاتلين الأجانب الملتحقين بجماعات متطرفة قد تعدت 25 ألف مجند من أكثر من 100 دولة، وأغلب هؤلاء ينتمون إلى «داعش». أيضا أشار التقرير إلى أن عدد المقاتلين قد ارتفع بنسبة أكثر من 70 في المائة من جميع أنحاء العالم خلال الأشهر التسعة الماضية، مما يشكل تهديدا إرهابيا فوريا وعلى المدى الطويل. ويعدّ هذا التقرير هو الأول من نوعه الذي تطرح فيه الأمم المتحدة وجهة نظر عالمية حول مشكلة المقاتلين الأجانب، حيث أشارت الأمم المتحدة إلى أن معدل تدفق المقاتلين يعدّ راهنا أكبر منه في أي وقت مضى، لا سيما الذين يتدفقون إلى سوريا والعراق، مع تفاقم الأزمة الواضح أيضا في ليبيا.
وهنا يبرز خطر ذهاب وعودة المقاتلين الأجانب إلى بلدانهم والتهديدات التي يشكلونها على الأمن الوطني جراء ذلك، إذ تشير الإحصائيات إلى أنه من بين كل تسعة مجندين عائدين، هناك احتمالية أن ينفذ واحد منهم أو أن يحاول تنفيذ عملية إرهابية في بلده الأصلي أو في بلد آخر، وهذا ما يدفع الحكومات حول العالم لتشديد الاحترازات الأمنية تحسبا لأي هجمات متطرفة.
على صعيد آخر، أعلن الأمين العام لمنظمة الشرطة الدولية (الإنتربول) يورغن شتوك، في مدينة برشلونة الإسبانية مطلع الشهر الحالي، أن «الإنتربول» حدّد هويات أكثر من أربعة آلاف مقاتل أجنبي انضموا إلى الجماعات المتطرفة في مناطق النزاع، خصوصا في العراق وسوريا. ويأتي هذا الإعلان بغية تعزيز التعاون في مجال مكافحة الإرهاب على الصعيد الدولي. ولمكافحة ظاهرة المقاتلين الأجانب، دعا شتوك الدول إلى تقاسم وتشارك أفضل لمعلوماتها وإلى تسهيل وصول السلطات الدولية إليها.
وهنا يوضح المنسق الدولي إيفانز آلية مقترحات التعاون من خلال قاعدة بيانات «الإنتربول» بقوله «نعتقد أن هذه أداة ثمينة، فبيانات الإنتربول من الممكن مشاركتها مع جميع الدول». ويضيف قائلا «تظهر أهمية هذه البيانات عند تفتيش الناس في المطارات وفحص جوازات سفرهم؛ ففي أي مطار في العالم ستتاح خاصية مقارنة معلومات الجواز مقابل قاعدة بيانات الإنتربول». ويستطرد «وعندها يظهر فورا اسم أي شخص على لائحة المتطرفين أو المشتبهين بالإرهاب».
أيضا، يؤكد المنسق الدولي أهمية النظام المطروح «في تعقب أي محاولات تجنيد وسفر مقاتلين»، لأنها حسب كلامه «أداة لمشاركة معلومات عن شخوص يجب حظرهم عن السفر أو تعقبهم خلال سفرهم». ومع ارتفاع تدفق المقاتلين الأجانب خلال الأشهر الـ18 الأخيرة، يشير إيفانز إلى «زيادة في النشاط الاحترازي للتعرف على المقاتلين الأجانب واعتراض طريقهم ومنعهم من الالتحاق بالتنظيم قبل سفرهم، أو خلال رحلتهم إلى هناك أو حتى بعد وصولهم. لكن الصعوبة تكمن في التنسيق الدولي إلى الآن». وحول هذا الأمر يضيف «إننا نشهد توترا بين الدول حول تحديد الحد الكافي لجمع بيانات الأشخاص».
من جهة ثانية، يشير مراقبون إلى أن أعداد المجندين الأجانب في نمو متضاعف، ومع أن قاعدة بيانات «الإنتربول» تحتوي على نحو ربع المشتبهين، فإن مراقبة الحدود البرية تظلّ تحدّيا أكثر صعوبة من تعقب الحدود الجوية. وهنا تقع المسؤولية على عاتقي المجتمعين العربي والغربي، إذ يشرح إيفانز مفصلا أن «أغلب ضحايا هجمات الجماعات المتطرفة هم مسلمون أو عرب وليسوا أوروبيين أو أميركيين»، متابعا أن «هناك وعيا عالميا حول الخطر الذي يشكله المقاتلون الأجانب العائدون اليوم أكثر من قبل سنتين، ويوجد اليوم تزايد في تبادل المعلومات المنتظمة حول تلك التهديدات، لكن ما زال ثمة مجال لفعل المزيد».
في المقابل، يشير المنسق الدولي إلى ما يصفه بـ«أهم معضلة يواجهها العالم في الحرب على التنظيمات الإرهابية» فيقول «ليس ثمة إجماع دولي حول آلية التعامل أو مخاطبة تلك التهديدات». وفي ذلك السياق قد نعتبر «داعش» استمرارية للموجة المتطرفة التي بدأها تنظيم القاعدة سابقا واحتكرها الأول بماكينة دعائية مواكبة للعصر تحمل آيديولوجية سامة.
آيديولوجية التنظيم السامة
يعد تنظيم داعش هو أحدث تطور لموجة الحركات المتطرفة، ويوجد العديد من الأسباب وراء نمو هذا التنظيم بالتحديد، ولكن لفهمها لا بد من العودة إلى تاريخ الحركات المتطرفة التي نشأت قبله. وخلال جلسة البرلمان البريطاني قال إيفانز «مَن نبذته (القاعدة) التجأ إلى (داعش).. إن تنظيم القاعدة ما زال قويا على الأرض وتقع تحت مظلته جماعة طالبان في باكستان، وحركة الشباب في الصومال، وفرع (القاعدة) في اليمن. لكن التنظيم تقليدي بأسلوبه، لا يواكب (موضة داعش) الدعائية، إذ إن فارق الأجيال بين (القاعدة) و(داعش) أحد الفوارق بينهما. ففي حين يلجأ تنظيم القاعدة إلى تسجيلات على نمط بث قناة رسمية حكومية، يبتكر (داعش) بإصداراته السينمائية ودعايته الإلكترونية أساليب تفاعلية للوصول لـ(جمهوره) بعيدا عن الخطاب الرسمي الجامد، معتمدا اللكنات المختلفة والمصطلحات العامية».
ويضع هذا الواقع تحديا أمام الحكومات لإعداد خطاب يقابل حنكة خطاب التنظيم بلغة يفهمها «الجمهور». ومع أن هذه الظاهرة ليست جديدة، كما أن آيديولوجية التطرف أقدم من التنظيم نفسه، فإن ما اختلف اليوم هو حجم التهديد الذي بات يشكله «داعش». في هذا السياق يقول إيفانز «يؤكد التحاق أكثر من 25 ألف مقاتل أجنبي بالتنظيم من أكثر من مائة دولة حول العالم، حقيقة تفاقم خطر (داعش)، وكون هذا الخطر قد غدا أفقيا وعموديا.. لتطال آيديولوجيته السامة المتطرفة كما هائلا من الناس».
وهنا نشير إلى يوم الجمعة المنصرم المؤلم عالميا، إذ ضرب الإرهاب ثلاث مدن في الكويت وتونس وفرنسا موزعة على ثلاث قارات حول العالم، حيث تعرضت لهجمات دامية خلّفت عشرات القتلى والجرحى. وكما هو معروف استهدفت تلك الهجمات منتجعا سياحيا في مدينة سوسة التونسية، ومسجدا في مدينة الكويت، ومصنعا للغاز بمنطقة الإيزير قرب مدينة ليون في فرنسا. وكذلك أسفرت الهجمات الإرهابية عن خسائر فادحة.
التحقيقات الأولية أشارت إلى أن منفذ هجوم فرنسا كان خضع للمراقبة الأمنية لمدة سنتين، كما اتضح أن أحد منفذي الهجوم في تونس طالب بلا سوابق. ووصل عدد الضحايا في تفجير مسجد الإمام الصادق بمنطقة الصوابر في الكويت إلى 26 قتيلا على الأقل وأصيب 202 آخرون، في الهجوم الذي وقع في ثاني جمعة من رمضان. وقال شهود عيان إن الانتحاري دخل المسجد أثناء الركعة الثانية، وأطلق تكبيرات قبل أن يفجر نفسه وسط المصلين. وفي تونس قتل 37 شخصا على الأقل في هجوم استهدف فندقين بمدينة سوسة. وأعلن تنظيم داعش مسؤوليته عن الهجومين.
هذه الأحداث الأخيرة تثير مخاوف جديدة حول انتشار تأثير الفكر المتطرف والآيديولوجيات الإرهابية المسمومة التي يحركها «داعش». وحول هذه الزاوية يؤكد إيفانز - وهو في الأصل خبير رصد الجماعات الإرهابية وموظف حكومي بريطاني - أن خطر «داعش» يكمن في لا مبالاته بتنديدات «الأمة» ووحدتها على خلاف منهجية «القاعدة». ففي حين يعتبر زعماء «القاعدة» أنهم يحاربون ضد الغرب، يحارب «داعش» ضد الجميع، العرب والغرب.. المسلمين وغير المسلمين.. على حد سواء. لذلك، يقول إيفانز «ما يعتبره (داعش) جهادا في عقيدته هو في الحقيقة نشر للفساد».
وهو ينبه إلى أن التوسع في شبكات تجنيد التنظيم، جغرافيا وإلكترونيا، من خلال دعاياته لنشر آيديولوجية سامة، يشكل عبئا عالميا، ليس بمقدور بعض الدول تحمله لقلة جهوزيتها وعوزها لآليات قانونية للتعامل مع التجنيد. وهنا يشدد إيفانز على أنه «يجب علينا أن نعي أن سموم ماكينة (داعش) الدعائية الإلكترونية السامة لا تقتصر فحسب على المقاطع الدموية، بل تشمل أيضا مقاطع الفيديو التعليمية حول كيفية صنع القنابل.. إن وجود مقاطع مماثلة على الشبكة العنكبوتية أمر ليس مقبولا، لكن شبكة الإنترنت توفر مساحة شاسعة، من الصعب التوصل لإجماع دولي حول التعامل معها». ويتابع «وفي محاولة للتصدي لهذه المخاطر يجري تشكيل فريق شرطة أوروبي جديد يتعقب ويحجب حسابات مواقع التواصل الاجتماعي التي لها علاقة بالتنظيم. ويهدف عمل الفريق بدأب إلى إغلاق الحسابات الجديدة بعد ساعات من إنشائها، بحسب مصادر مقربة من فريق الشرطة الأوروبي».
ويستهدف الفريق الأمني الأوروبي العثور على عناصر أساسية في حملة نشرت مائة ألف تغريدة على موقع «تويتر» ولها علاقة بجماعة إرهابية سعيا إلى تجنيد مقاتلين أجانب. ومن المقرر أن تبدأ الوحدة الجديدة عملها بعمل مسح للإنترنت من أجل محاصرة شخصيات قيادية مسؤولة عن الحملة الدعائية الخاصة بتنظيم «داعش» على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي استعان بها التنظيم من أجل تجنيد مقاتلين أجانب، وسيدات يسعين إلى السفر إلى سوريا.
وسيسعى هذا الفريق، المكوّن من قوات الشرطة، إلى تتبع الشخصيات الرئيسية المسؤولة عن نشر ما يقدر بنحو مائة ألف تغريدة على موقع «تويتر» يوميًا من حسابات يتراوح عددها بين 45 و50 ألفا يعتقد أنها ذات صلة بتنظيم داعش الذي يسيطر على أجزاء من العراق وسوريا. ويضم فريق الخبراء أفرادا يتكلمون العربية ولغات أخرى لمتابعة عشرات الآلاف من تغريدات المتطرفين. وتشير أحدث المعلومات إلى أن معظم عمليات التجنيد تبدأ على منابر التواصل الاجتماعي. وبعد سنة من ظهور أكثر التنظيمات المتطرفة دموية، وبعد جهود عسكرية وإلكترونية واحترازية للقضاء عليه، نرى أنه ما زال موجودا ومسؤولا عن رفع راية التطرف، ولكن في المقابل، أصبح العالم يعي أخطار «داعش» في الميدان وفي التجنيد.
وثمة شيء آخر غاية في الأهمية هو أنه مع أن الدول تحارب «داعش» إعلاميا وعسكريا، تظل المعركة المهملة نسبيا - مع أنها الأهم - معركة للقضاء على آيديولوجية التطرف التي كانت موجودة قبل ولادته، وقد تستمر حتى بعد اختفاء التنظيم.