الهند تخطط لبناء مائة {مدينة ذكية}.. والسكان لا يريدون سوى الماء والكهرباء

شركات أميركية أوكلت لها المهمة: أردنا جلب تقنيات القرن الـ21 فوجدنا أنفسنا بحاجة لتسوية مشكلات القرن الـ19

طفل يستحم في الشارع بالقرب من قناة مياه ملوثة في كلكتا الهندية في 5 يونيو الحالي (رويترز)
طفل يستحم في الشارع بالقرب من قناة مياه ملوثة في كلكتا الهندية في 5 يونيو الحالي (رويترز)
TT

الهند تخطط لبناء مائة {مدينة ذكية}.. والسكان لا يريدون سوى الماء والكهرباء

طفل يستحم في الشارع بالقرب من قناة مياه ملوثة في كلكتا الهندية في 5 يونيو الحالي (رويترز)
طفل يستحم في الشارع بالقرب من قناة مياه ملوثة في كلكتا الهندية في 5 يونيو الحالي (رويترز)

يجذب الضريح الصوفي الشهير بمدينة أجمر الهندية ملايين الزائرين من جميع أرجاء العالم في كل عام. وقد أطلقت المدينة أخيرا موقعا إلكترونيا جديدا يسمى «أجمر الرائعة». غير أن الحياة في المدينة القديمة، التي يبلغ تعداد سكانها 550 ألف نسمة وتقع في شمال الهند، لا تتسم بأي روعة. فالمياه الحالية تتاح لمدة ساعتين فحسب كل يومين للسكان. وهناك 130 منزلا فقط، من بين 125 ألف منزل أخرى في المدينة، هي المتصلة بنظام الصرف الصحي. كما تتدفق مياه الصرف القذرة في المصارف المفتوحة داخل الأحياء المكتظة. وتحولت الآبار والبحيرات إلى مقالب للقمامة. وتنتشر المباني غير المرخص لها مع العشوائيات في كل مكان بالمدينة. ولا تعمل بشوارعها سوى اثنتين فقط من إشارات المرور.
ولكن في القريب، يمكن لمدينة أجمر أن تتحول إلى «مدينة ذكية» من «مدن القرن الحادي والعشرين»، وهو مصطلح للتخطيط الحضري يشير إلى العواصم اللامعة في المستقبل التي يسعى رئيس الوزراء ناريندرا مودي إلى تشييدها بحلول عام 2022.
يتم توصيل تلك المدن الحديثة بشبكات من المياه، والكهرباء، والتخلص من النفايات، والمرور، والمستشفيات، والمدارس، ترتبط جميعها وتندمج بسلاسة مع تكنولوجيا المعلومات التي تديرها بصورة أكثر فعالية.
خصصت الحكومة الهندية مبلغ 7.5 مليار دولار لصالح ذلك المشروع، وأطلق مودي البرنامج رسميا يوم الخميس الماضي. ولكنها رؤية كبيرة لا يبدو أن سكان مدينة أجمر - وهي واحدة من بين مائة مدينة مختارة لبرنامج التحديث - مستعدون لها.
وحتى مع كونها من الكلمات الطنانة، فلا يزال السكان هنا يلوح أمامهم الغموض حول معنى أن تكون مدينتهم «ذكية». ويتساءل آخرون عما إذا كان ولع مودي بالمدن الذكية في كوريا الجنوبية، والصين، وأبوظبي، يمكن تكراره في الهند.
يشير المشروع الطموح كذلك إلى تحول كبير في السياسات الهندية، كما يقول محللون. عبر عقود مضت، طغت القرية على القرارات السياسية والاقتصادية بالبلاد، وهو إرث عنيد صارم يرجع بالتاريخ إلى أيام المهاتما غاندي ورفضه المتواصل لصفة أن «الهند تعيش في قراها». ولكن الآن صارت وتيرة التحضر والتمدن سريعة للغاية حتى إن صناع السياسة لا يمكنهم صرف النظر عنها.
يعيش أكثر من 350 مليون مواطن هندي في المدن. ووفقا لتقرير صادر عن «معهد ماكينزي الدولي»، فإن التوسع الحضري سيزداد خلال السنوات القليلة المقبلة «بوتيرة لا توازي أي شيء آخر شهدته الهند من قبل». وبحلول عام 2030، أكثر من 600 مليون مواطن هندي سيعيشون في المدن المزدحمة تحت وطأة البنى التحتية المتداعية.
وفي تحول جذري من التركيز القروي السابق للحكومات السالفة خلال العقد الماضي، يريد مودي تعزيز المدن بوصفها محركات للنمو الاقتصادي. وبحلول عام 2030، كما يقول المسؤولون، فإن 70 في المائة من الناتج الاقتصادي الهندي يتوقع أن يخرج من المدن.
صرح مودي العام الماضي قائلاً: «كانت المدن في الماضي تشيد على ضفاف الأنهار، وهي تبنى الآن على جوانب الطرق السريعة. ولكن في المستقبل، سوف تشيد المدن بناء على توافر شبكات الألياف البصرية والبنية التحتية من الجيل الثاني».
خلال السنوات الثماني الماضية، صار مصطلح «المدن الذكية» شائع الاستخدام بين مخططي المدن العالمية الذين يريدون استغلال التكنولوجيا الرقمية والبيانات الكبرى لإنشاء نظم رصد ذكية ومعقدة تتحكم في الكيفية التي يعيش بها الناس حياتهم، واستهلاكهم للطاقة، والذهاب إلى العمل، والحفاظ على صحتهم، والبقاء آمنين.
يشتمل البرنامج الهندي على تحديثات جذرية في المدن المتدهورة فضلا عن إنشاء مدن جديدة من البداية، مثالا؛ المجمع المالي الجديد الذي يشبه «وول ستريت»، والمعروف باسم «مدينة غيفت» في مسقط رأس مودي بولاية غوجارات، حيث لا يزال التقدم في العمل أبعد ما يكون عن الدعاية المكثفة للمشروع الموعود.
حينما التقى مودي مع الرئيس الأميركي أوباما في واشنطن في سبتمبر (أيلول) الماضي، اختارت الشركات الأميركية ثلاث مدن هندية، بينها مدينة أجمر، لتحولها إلى مدن ذكية. وفي الشهر الماضي، تقابل مسؤولون من شركات «آي بي إم»، و«أوراكل» وغيرهما من الشركات الأميركية الأخرى، مع مسؤولين من مدينة أجمر لمناقشة استخدام التكنولوجيا الذكية في حل بعض من مشكلات المدينة مثل المياه، والمرور، والنفايات.
يقول موكيش آغي، رئيس مجلس الأعمال الأميركي – الهندي الذي عمل على تنظيم الاجتماع: «في حين نحاول جلب تقنيات القرن الحادي والعشرين، فإننا في حاجة أيضا إلى تسوية بعض من مشكلات القرن التاسع عشر في أجمر؛ حيث إن الخدمات الأساسية مثل الصرف الصحي والرعاية الصحية والطرق والكهرباء لم تكن تواكب مسيرة النمو في تلك المدن القديمة. يمكننا الاستفادة من التقنيات الذكية في تجاوز بعض من هذه المشكلات». ويضيف آغي أن الشركات الأميركية تنظر في تدشين مشروع مبدئي لتنصيب عدادات الكهرباء الذكية التي تساعد المستهلكين في تتبع مستويات الاستهلاك وتعزز الحفاظ على تلك المستويات بأنفسهم.
كان سكان مدينة أجمر قد رفعوا لافتة إعلانية بالفعل تقع في قلب المدينة وتعلن عن أنها «مدينة ذكية». ولكن كثيرين لا يزالون يتساءلون عما إذا كانت تلك المبادرة مجرد خيال حضري من جانب شركات التكنولوجيا والعقارات التي بدأت تتخذ موطئها في المدينة. ويقول سوريش ماثور، متسائلا، وهو مدرس على المعاش ويدير حملة لتنظيف المدينة تسمى «مدرستي النظيفة»: «هل يمكننا أولا العمل لأجل أن نكون (مدينة فعالة) قبل أن نطمح لأن نكون (مدينة ذكية)؟».
رفض بعض النقاد الآخرين خطة مودي للمدن الذكية بوصفها المدن الفاضلة للقرن الحادي والعشرين، من واقع أنه مشروع بعيد المنال وذو وعود واهية. ويقولون إن تلك الفكرة تتناسب مع الدول الغنية التي يعتاد مواطنوها على الخدمات الحضرية الأساسية مثل مياه الشرب ودورات المياه والكهرباء، بوصفها من الأمور المسلم بوجودها.
ويقول غوتام بهاتيا، وهو مهندس معماري ومؤلف حول التصميمات الحضرية، في مقال له في صحيفة «صنداي» الهندية إن «التعريف الغربي لـ(المدينة الذكية) لا أساس له، إن لم يكن بلا معنى بالكلية في ما يتعلق بالهند، وهو ليس إلا مجرد تمويه للخدمات المدنية والبنية التحتية». ويساور البعض القلق حيال تدمير التراث الثقافي الشهير والجميل في مدينة أجمر. ويقول أونكار سينغ لاخاوات، رئيس هيئة المحافظة وتعزيز التراث في راجستان: «لا يمكننا استيراد مفهوم العالم المتقدم لـ(المدينة الذكية) ونزرعه هنا فجأة. لا بد أن يكون متناسبا ثقافيا معنا».
عقد المسؤولون 22 اجتماعا مع السكان المحليين خلال الأشهر الخمسة الماضية لإقناعهم بمميزات خطة «المدينة الذكية». ويقول دارمندرا بتناجر، المفوض الإقليمي: «قبل أن تشارك في الألعاب الأولمبية، عليك الانخراط في تدريبات مكثفة قبلها، لبناء القدرة على التحمل، واللياقة البدنية، وتغير من أسلوب حياتك». وفي خطوة أولى، ينظم مكتبه معرضا للزهور ومنافسة للتصوير.
أما التحدي الكبير، كما يقول آغي، فهو العثور على مصدر لتمويل المشروع؛ حيث إن معظم الشركات المدنية في الهند تعاني من حصار مالي بدرجة ما. ويريد مودي من الشركات الهندية والأجنبية الاستثمار في البرنامج، ولكن ليست هناك تقديرات حول ذلك حتى الآن. إحدى الأفكار المطروحة هي أن تجمع الشركات الخاصة رسومًا من السكان لتغطية الاستثمارات. ولكن ذلك قد يثير المشكلات. فخلال العام الماضي، حين تلقت إحدى الشركات الخاصة في أجمر عقدا لجمع وإعادة تدوير القمامة، احتج السكان المحليون في الشوارع ورفضوا السداد. وصرح كمال باكوليا عمدة المدينة عن ذلك قائلا: «هناك فكرة متأصلة لدى سكان المدينة بأنه ينبغي على الحكومة أن تمنحهم كل شيء بلا مقابل».
تنتشر الأحاديث والنكات في الأزقة والحارات التي تؤدي إلى الضريح الصوفي بمدينة أجمر، حول الشكل الجديد للمدينة. إحدى الزائرات تغطي أنفها بوشاح رأسها بالقرب من أحد المصارف المفتوحة، من شدة الرائحة الكريهة، وتسأل أحد السكان المحليين قائلة: «متى سوف تكون مدينتكم ذكية؟».
في وقت سابق من هذا العام، وقبل اختيار مدينة أجمر لبرنامج «المدن الذكية»، كان مودي قد أدرجها على قائمة المدن التراثية الـ12 التي يخطط لتطوريها. وقبل عدة سنوات، أطلقت الحكومة الهندية برنامجا يحول أجمر إلى «مدينة خالية من العشوائيات». ويقول سيد منور حسين، راعي الضريح الصوفي: «ارتفعت أسعار العقارات منذ بداية الحديث عن (المدينة الذكية). لقد صرنا مدينة مشهورة عالميا، لكننا ما زلنا ننتظر أن نكون مدينة مثل بقية مدن العالم».
* خدمة «واشنطن بوست»
خاص بـ«الشرق الأوسط»



تشييع وزير اللاجئين الأفغاني غداة مقتله في هجوم انتحاري

سيارات همفي تابعة لـ«طالبان» متوقفة أثناء مراسم جنازة خليل الرحمن حقاني جنوب كابل 12 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)
سيارات همفي تابعة لـ«طالبان» متوقفة أثناء مراسم جنازة خليل الرحمن حقاني جنوب كابل 12 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)
TT

تشييع وزير اللاجئين الأفغاني غداة مقتله في هجوم انتحاري

سيارات همفي تابعة لـ«طالبان» متوقفة أثناء مراسم جنازة خليل الرحمن حقاني جنوب كابل 12 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)
سيارات همفي تابعة لـ«طالبان» متوقفة أثناء مراسم جنازة خليل الرحمن حقاني جنوب كابل 12 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

شارك آلاف الأفغان، الخميس، في تشييع وزير اللاجئين خليل الرحمن حقاني، غداة مقتله في هجوم انتحاري استهدفه في كابل وتبنّاه تنظيم «داعش»، وفق ما أفاد صحافيون في «وكالة الصحافة الفرنسية».

يقف أفراد أمن «طالبان» في حراسة بينما يحضر الناس جنازة خليل الرحمن حقاني بمقاطعة غردا راوا في أفغانستان 12 ديسمبر 2024 (إ.ب.أ)

وقتل حقاني، الأربعاء، في مقر وزارته، حين فجّر انتحاري نفسه في أول عملية من نوعها تستهدف وزيراً منذ عودة حركة «طالبان» إلى السلطة عام 2021.

وشارك آلاف الرجال، يحمل عدد منهم أسلحة، في تشييعه بقرية شرنة، مسقط رأسه في منطقة جبلية بولاية باكتيا إلى جنوب العاصمة الأفغانية.

وجرى نشر قوات أمنية كثيرة في المنطقة، في ظل مشاركة عدد من مسؤولي «طالبان» في التشييع، وبينهم رئيس هيئة أركان القوات المسلحة، فصيح الدين فطرت، والمساعد السياسي في مكتب رئيس الوزراء، مولوي عبد الكبير، وفق فريق من صحافيي «وكالة الصحافة الفرنسية» في الموقع.

وقال هدية الله (22 عاماً) أحد سكان ولاية باكتيا لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طالباً عدم كشف اسمه كاملاً: «إنها خسارة كبيرة لنا، للنظام وللأمة».

من جانبه ندّد بستان (53 عاماً) بقوله: «هجوم جبان».

أشخاص يحضرون جنازة خليل الرحمن حقاني القائم بأعمال وزير اللاجئين والعودة في نظام «طالبان» غير المعترف به دولياً العضو البارز في شبكة «حقاني» (إ.ب.أ)

ومنذ عودة حركة «طالبان» إلى الحكم، إثر الانسحاب الأميركي في صيف 2021، تراجعت حدة أعمال العنف في أفغانستان، إلا أن الفرع المحلي لتنظيم «داعش - ولاية خراسان» لا يزال ينشط في البلاد، وأعلن مسؤوليته عن سلسلة هجمات استهدفت مدنيين وأجانب ومسؤولين في «طالبان»، وكذلك أقلية الهزارة الشيعية.

وخليل الرحمن حقاني، الذي كان خاضعاً لعقوبات أميركية وأممية، هو عمّ وزير الداخلية، واسع النفوذ سراج الدين حقاني. وهو شقيق جلال الدين حقاني، المؤسس الراحل لشبكة «حقاني»، التي تنسب إليها أعنف هجمات شهدتها أفغانستان خلال الفترة الممتدة ما بين سقوط حكم «طالبان»، إبان الغزو الأميركي عام 2001، وعودة الحركة إلى الحكم في 2021.