كتاب أميركي يتساءل عن دور التكنولوجيا في إنقاذ الجامعات

يناقش كيفية خفض تكاليف الدراسة المرتفعة باستمرار

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب
TT

كتاب أميركي يتساءل عن دور التكنولوجيا في إنقاذ الجامعات

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب

صدر أخيرا كتاب «نيو سكول» (الجامعة الجديدة: كيف ستنقذ التكنولوجيا الجديدة الجامعات من تدمير نفسها؟)، الذي كتبه د. غلين رينولدز، أستاذ القانون في جامعة تنيسي (نوكسفيل، ولاية تنيسي)، ويناقش الكتاب الزيادات المستمرة، والمرتفعة، في تكاليف الدراسة الجامعية.
وكتب، في البداية: «بالنسبة للمصروفات الجامعية، فازت السخرية على الواقع».
وأشار إلى عنوان في مجلة «أونيون» (البصلة) الساخرة يقول: «عمره ثلاثون سنة، بعد أن حصل على شهادة جامعية، زادوا راتبه عشر دولارات في الشهر». وجاء في الخبر الساخر: «بعد أن حصل باتريك مورهاوس على هذه الزيادة، جمع وطرح وقسم وضرب. ووجد أن ما صرفه خلال أربع سنوات في الجامعة، وخاصة قروض البنوك، وقيمة الكتب، والأكل والشرب، تساوي عشرة آلاف مرة الزيادة الشهرية في راتبه الجديد».
وقال مؤلف الكتاب: «خلال العقود القليلة الماضية، تركت فقاعة مصاريف التعليم الجامعي، وتراكم الديون، جحافل من الطلاب في أعماق ديون لا قاع لها. دون تحسين أوضاعهم الوظيفية. لهذا، لا بد من إعادة النظر في تكاليف التعليم الجامعي. صار واضحا أن المسؤولين عن الجامعات، والسياسيين في حكومات الولايات والحكومة الاتحادية، لا يريدون، أو لا يقدرون، على حل هذه المشكلة المهمة، والخطرة. لهذا، لا بد للآباء والطلاب أن يشكوا في نوايا هؤلاء، وأن يبحثوا عن حلول أخرى. لحسن الحظ، ظهرت حلول تكنولوجية، خاصة التعليم عبر الإنترنت».
عبر تاريخها، واجهت الجامعات مشكلة بعد أخرى، أولا: في القرن التاسع عشر (عندما تأسست كثير من الجامعات المرموقة حاليا)، كانت المشكلة الكبرى هي الاعتماد على المصادر الخاصة (مثل الكنائس والمنظمات الدينية)، التي كانت، رغم كل شيء، محدودة. وبدأت دعوات لإشراك حكومات الولايات والحكومة الاتحادية.
ثانيا: في النصف الأول من القرن العشرين (بسبب مشكلات التفرقة العنصرية، والتفرقة ضد النساء، وضد الفقراء)، بدأت دعوات لتركز هذه الحكومات على تعليم غير الأغنياء. وتأسست كليات (لا جامعات) خاصة بالزنوج، وبالنساء.
ثالثا: في النصف الثاني من القرن العشرين (بعد نجاح مظاهرات الحقوق المدنية والحقوق النسائية، والتدخلات العسكرية الأميركية في الدول الأخرى مثل فيتنام)، حدث تحسن كبير بفضل برامج مثل «جي آي بيل» (مساعدات من وزارة الدفاع ووزارة المحاربين القدامى للجنود الذين حاربوا في الحرب العالمية الثانية، وحرب كوريا، وحرب فيتنام). وبسبب إدخال مقررات في الجامعات عن الزنوج والنساء والأقليات. وبسبب مساعدات حكومية خصصها الكونغرس للطلاب المحتاجين (مثل برنامج «بيل»).
رابعا: مع نهاية القرن العشرين، وبداية القرن الحادي والعشرين (مع زيادة تطبيق نظرية «ريغانوميكز» لصاحبها الرئيس السابق رونالد ريغان، ومع زيادة قوة الجناح اليميني في الحزب الجمهوري، مثل حزب الشاي)، انفتحت الأبواب أمام البنوك والشركات الاستثمارية لتستثمر في مصاريف الطلاب الجامعية. وزاد اعتماد الطلاب على القروض بعد أن كانت نسبة كبيرة منهم تعتمد على مساعدات حكومية.
وقال الكتاب إنه «من السخرية أن الجامعات استغلت زيادة المساعدات الحكومية للطلاب، وزيادة القروض البنكية للطلاب، ورفعت تكاليف الدراسة فيها. من السخرية أن المسؤولين عن الجامعات الأميركية، وهم قمة الجهاز التعليمي، صاروا طماعين وأنانيين، مثل السياسيين والمستثمرين».
وحسب دراسة في جامعة ميتشيغان أجراها أستاذ الاقتصاد والتمويل الدكتور مارك بيري، خلال السنوات من عام 1978 حتى عام 2011، زادت المصروفات الجامعية بمعدل سنوي قدره 7.45 في المائة. وخلال الفترة نفسها، زادت تكاليف الرعاية الصحية بنسبة 5.8 في المائة فقط. وزادت تكاليف الإسكان، رغم الفقاعة (التي تسببت في الكارثة الاقتصادية التي بدأت عام 2008) بنسبة 4.3 في المائة. وزاد دخل الأسرة بمعدل سنوي قدره 3.8 في المائة. ولحسن الحظ، هي الزيادة نفسها في أسعار السلع الاستهلاكية.
وحسب الدراسة، صار متوسط ديون الطالب اليوم 29400 دولار، لكن تصل بعض الديون إلى 100 ألف دولار.
وحسب استطلاع وسط هؤلاء أجراه مركز «غالوب»، قال أربعة من بين كل عشرة من خريجي الجامعات إن الوظائف التي يشغلونها لا تتطلب شهادة جامعية.
ما الحل؟
يركز الكتاب على التقدم في تكنولوجيا الإنترنت. ويشير إلى أمثلة كثيرة، منها معهد جورجيا للتكنولوجيا (جي آي تي). صار يقدم درجة الماجستير في علوم الكومبيوتر مقابل سبعة آلاف دولار. يبدو هذا كثيرا، لكنه ربما نصف جملة تكاليف الحصول على هذه الدرجة في الجامعات التقليدية.
وتوجد ظاهرة جديدة هي «هوتلينغ» (فندقة). تشير هذه إلى أن جامعات غير قليلة صارت تبني مكاتب، وكأنها فنادق، من دون وجود أساتذة. وصارت تعتمد على التدريس عبر الإنترنت، وبدلا من توظيف أساتذة، تتعاقد معهم. أساتذة في الهندسة من معهد جورجيا للتكنولوجيا (جي آي تي). وفي الفنون والأدب من جامعة ييل (ولاية كونيكتيكت). وفي الأعمال التجارية من جامعة ستانفورد (ولاية كاليفورنيا)، وهكذا.
وأخيرا، قال الخبير الاقتصادي هربرت شتاين: «إذا لن يستمر شيء إلى الأبد، فلا بد أن يتوقف».
وعلق على ذلك مؤلف الكتاب قائلا: «خلال العقود القليلة الماضية، زادت تكاليف التعليم الجامعي أكثر من الزيادة في الدخول. والآن، تستمر هذه المعادلة الظالمة أخلاقيا، والمستحيلة اقتصاديا. ولا يمكن أن تستمر إلى الأبد. ومع زيادة التكنولوجيا، صار الطلاب وأولياء الأمور يبدأون في وضع فرامل لوقف هذا القطار المدمر. لهذا، لا بد للمسؤولين عن الجامعات، والسياسيين في حكومات الولايات والحكومة الاتحادية، من التصرف السريع والعاقل. وذلك حتى يقف القطار المدمر في هدوء، من دون أن يدمر نفسه، ويدمر من فيه».



كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات
TT

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

التحدث عن كلية الطب في «الجامعة الأميركية» وما حققته من إنجازات وتطورات منذ تأسيسها عام 1867 لا يمكن تلخيصه بمقال؛ فهذه الكلية التي تحتل اليوم المركز الأول في عالم الطب والأبحاث في العالم العربي والمرتبة 250 بين دول العالم بالاعتماد على QS Ranking، استطاعت أن تسبق زمنها من خلال رؤيا مستقبلية وضعها القيمون عليها، وفي مقدمتهم الدكتور محمد صايغ نائب الرئيس التنفيذي لشؤون الطب والاستراتيجية الدولية وعميد كلية الطب في الجامعة الأميركية، الذي أطلق في عام 2010 «رؤيا (2020)»، وهي بمثابة خطة طموحة أسهمت في نقل الكلية والمركز الطبي إلى المقدمة ووضعهما في المركز الأول على مستوى المنطقة.

رؤية 2025

اليوم ومع مرور 150 عاماً على تأسيسها (احتفلت به أخيراً) ما زالت كلية الطب في «الجامعة الأميركية» تسابق عصرها من خلال إنجازات قيمة تعمل على تحقيقها بين اليوم والغد خوّلتها منافسة جامعات عالمية كـ«هارفرد» و«هوبكينز» وغيرهما. وقد وضعت الجامعة رؤيا جديدة لها منذ يوليو (تموز) في عام 2017 حملت عنوان «رؤية 2025»، وهي لا تقتصر فقط على تحسين مجالات التعليم والطبابة والتمريض بل تطال أيضاً الناحية الإنسانية.
«هي خطة بدأنا في تحقيقها أخيراً بحيث نستبق العلاج قبل وقوع المريض في براثن المرض، وبذلك نستطيع أن نؤمن صحة مجتمع بأكمله». يقول الدكتور محمد صايغ. ويضيف خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «لا نريد أن ننتظر وصول وفود المرضى إلى مركزنا الطبي كي نهتم بهم، بل إننا نعنى بتوعية المريض قبل إصابته بالمرض وحمايته منه من خلال حملات توعوية تطال جميع شرائح المجتمع. كما أننا نطمح إلى إيصال هذه الخطة إلى خارج لبنان لنغطي أكبر مساحات ممكنة من مجتمعنا العربي».
تأسَّسَت كلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت عام 1867، وتعمل وفقاً لميثاق صادر من ولاية نيويورك بالولايات المتحدة الأميركية، ويقوم على إدارتها مجلس أمناء خاص ومستقل.
وتسعى الكلية لإيجاد الفرص التي تمكن طلبتها من تنمية روح المبادرة، وتطوير قدراتهم الإبداعية واكتساب مهارات القيادة المهنية، وذلك من خلال المشاركة في الندوات العلمية والتطبيقات الكلينيكية العملية مما يُسهِم في تعليم وتدريب وتخريج أطباء اختصاصيين.
وملحَق بكلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت مركز طبي يضم أقساماً للأمراض الباطنية والجراحة والأطفال وأمراض النساء والتوليد ‏والطب النفسي. كما يقدم المركز الطبي خدمات الرعاية الصحية المتكاملة في كثير من مجالات الاختصاص، وبرامج للتدريب على التمريض وغيرها ‏من المهن المرتبطة بالطب.

اعتمادات دولية

منذ عام 1902، دأب المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت على توفير أعلى معايير الرعاية للمرضى في مختلف أنحاء لبنان والمنطقة. وهو أيضاً المركز الطبي التعليمي التابع لكلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت التي درّبت أجيالاً من طلاب الطب وخريجيها المنتشرين في المؤسسات الرائدة في كل أنحاء العالم. المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت هو المؤسسة الطبية الوحيدة في الشرق الأوسط التي حازت على خمس شهادات اعتماد دولية وهي JCI)، وMagnet، وCAP، وACGME - I و(JACIE مما يشكّل دليلاً على اعتماد المركز أعلى معايير الرعاية الصحية المتمحورة حول المريض والتمريض وعلم الأمراض والخدمات المخبرية والتعليم الطبي والدراسات العليا. وقد خرَّجَت كلية الطب أكثر من أربعة آلاف طالب وطبيب. وتقدم مدرسة رفيق الحريري للتمريض تعليماً متميزاً للعاملين في مجال التمريض، ويلبي المركز الطبي احتياجات الرعاية الصحية لأكثر من 360 ألف مريض سنوياً.
ويتألف المركز من عدد من مراكز الامتياز كمركز سرطان الأطفال التابع لمستشفى «سانت جود» البحثي في ولايتي ممفيس وتينيسي. كما تتضمن برنامج باسيل لأورام البالغين وفيه وحدة لزرع نخاع العظام، إضافة إلى مراكز طب الأعصاب المختلفة وأمراض القلب والأوعية الدموية ومركز للرعاية الصحية للنساء.
«هناك استثمارات تلامس نحو 400 مليون دولار رصدت من أجل بناء البنية التحتية اللازمة للمركز الطبي مع مشروع افتتاح عدة مبانٍ وأقسام جديدة خاصة بأمراض السرطان وأخرى تتعلق بالأطفال، إضافة إلى نقلة نوعية من خلال زيادة عدد الأسرة لتلبية الحاجات الصحية المختلفة لمرضانا»، كما أوضح د. صايغ في سياق حديثه.

تبرعات للمحتاجين

يعمل المركز الطبي على تأمين العلاج المجاني لأمراض مستعصية من خلال تأسيس صناديق تبرُّع للمحتاجين، هدفها تأمين العلاج لذوي الدخل المحدود. وهي تخصص سنوياً مبلغ 10 ملايين دولار لمساعدة هذه الشريحة من الناس التي تفتقر إلى الإمكانيات المادية اللازمة للعلاج.
وينظم المركز الطبي مؤتمراً سنوياً ودورات وورش عمل (MEMA) تتناول مواضيع مختلفة كطب الصراعات ومواضيع أخرى كصحة المرأة، والصحة العقلية، وعبء السرطان وغسل الكلى أثناء الصراع وتدريب وتثقيف المهنيين الصحيين للتعامل مع تحديات العناية بأفراد المجتمع.
تُعدّ كلية الطب في الجامعة الأميركية السباقة إلى تأمين برنامج تعليمي أكاديمي مباشر لطلابها، بحيث يطبقون ما يدرسونه مباشرة على الأرض في أروقة المركز الطبي التابع لها.
ويرى الدكتور محمد صايغ أن عودة نحو 180 طبيباً لبنانياً عالمياً من خريجيها إلى أحضانها بعد مسيرة غنية لهم في جامعات ومراكز علاج ومستشفيات عالمية هو إنجاز بحد ذاته. «ليس هناك من مؤسسة في لبنان استطاعت أن تقوم بهذا الإنجاز من قبل بحيث أعدنا هذا العدد من الأطباء إلى حرم الكلية وأنا من بينهم، إذ عملت نحو 25 عاماً في جامعة (هارفرد)، ولم أتردد في العودة إلى وطني للمشاركة في نهضته في عالم الطب». يوضح دكتور محمد صايغ لـ«الشرق الأوسط».

رائدة في المنطقة

أبهرت كلية الطب في الجامعة الأميركية العالم بإنجازاتها على الصعيدين التعليمي والعلاجي، ففي عام 1925. تخرجت فيها أول امرأة في علم الصيدلة (سارة ليفي) في العالم العربي، وبعد سنوات قليلة (1931) كان موعدها مع تخريج أول امرأة في عالم الطب (ادما أبو شديد). وبين عامي 1975 و1991 لعبت دوراً أساسياً في معالجة ضحايا الحرب اللبنانية فعالج قسم الطوارئ لديها في ظرف عام واحد (1976 - 1977) أكثر من 8000 جريح. وفي عام 2014 تلقت إحدى أضخم التبرعات المالية (32 مليون دولار) لدعم المركز الطبي فيها وتوسيعه.
كما لمع اسمها في إنجازات طبية كثيرة، لا سيما في أمراض القلب، فكان أحد أطبائها (دكتور إبراهيم داغر) أول من قام بعملية القلب المفتوح في العالم العربي، في عام 1958. وفي عام 2009، أجرت أولى عمليات زرع قلب اصطناعي في لبنان، وفي عام 2017 أحرز فريقها الطبي أول إنجاز من نوعه عربياً في أمراض القلب للأطفال، عندما نجح في زرع قلب طبيعي لطفل.
كما تصدرت المركز الأول عربياً في عالم الطب لثلاث سنوات متتالية (2014 - 2017) وحازت على جوائز كثيرة بينها «الجائزة الدولية في طب الطوارئ» و«جائزة عبد الحميد شومان» عن الأبحاث العربية، و«جائزة حمدان لأفضل كلية طبية في العالم العربي» لدورها في التعليم الطبي لعامي 2001 – 2002.