التداعيات الاقتصادية لانفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي

الامتحان الصعب مع الشريك التجاري الأهم

رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون أثناء وصوله إلى مقر الاتحاد الأوروبي في بروكسل أمس (رويترز)
رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون أثناء وصوله إلى مقر الاتحاد الأوروبي في بروكسل أمس (رويترز)
TT

التداعيات الاقتصادية لانفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي

رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون أثناء وصوله إلى مقر الاتحاد الأوروبي في بروكسل أمس (رويترز)
رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون أثناء وصوله إلى مقر الاتحاد الأوروبي في بروكسل أمس (رويترز)

تقف بريطانيا عند مفترق طُرق خلال العامين القادمين، مع إقبال البريطانيين على إعطاء كلمتهم حول ما إذا كان على بلادهم أن تكون داخل أم خارج عضوية الاتحاد الأوروبي. فبعد 42 عامًا من اندماج بريطانيا داخل كيان الاتحاد، عاد الحديث عن إجراء استفتاء بشأن الانفصال، وهو الأمر الذي لم يكن وليد اللحظة بل كان نتاجًا لسنوات طويلة من الجدل والخلافات المستمرة والآثار الناتجة عن تحمل المملكة المتحدة أعباء ومشكلات الاتحاد.
وصدق البرلمان البريطاني في التاسع من يونيو (حزيران) الحالي، على مشروع قانون بشأن إجراء استفتاء يتعلق بالخروج من عضوية الاتحاد الأوروبي، لتصبح أول دولة على الإطلاق تشرع في ذلك الإجراء. وقد لاقى القانون دعمًا كبيرًا بأغلبية 544 صوتًا مقابل معارضة 53.
وأثيرت قضية الاستفتاء، الذي من المفترض تنظيمه بحلول نهاية عام 2017، بعد فوز حزب المحافظين بقيادة ديفيد كاميرون بأغلبية غير متوقعة في الانتخابات العامة مايو (أيار) الماضي.
ولم تكن المملكة المتحدة مُرحبة منذ البداية بالانضمام لكيان واحد تحكمه معاهدات واتفاقات محددة، لكن بعد مداولات انضمت بريطانيا للمجموعة الأوروبية في عام 1973، وبعد عامين فقط من الانضمام دعت لاستفتاء في عام 1975 لإعادة طرح فكرة الانضمام على الشعب البريطاني، والذي جاءت نتيجته تأييد ثُلثي الناخبين للبقاء في المجموعة الاقتصادية الأوروبية.
ويسعى كاميرون، المؤيد لبقاء بلاده عضوًا بالاتحاد، إلى إعادة التفاوض على علاقة بريطانيا بالاتحاد قبل إجراء الاستفتاء، وذلك من أجل استعادة بعض السلطات التي تنازلت عنها بريطانيا للاتحاد فضلاً عن التخوف البريطاني من سيطرة دول منطقة اليورو الـ17 على عملية اتخاذ القرار في القارة الأوروبية.
ويُعد الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأهم للمملكة المتحدة، بما يمثله من 45 في المائة من الصادرات و53 في المائة من واردات السلع والخدمات في عام 2014، رغم أن البعض يشكك في أن حصة تجارة المملكة المتحدة مع الاتحاد الأوروبي مبالغ فيها باعتبار أن جزءا من التجارة سُجل على أنه مع هولندا، وهو في الواقع كان مع دول من خارج الاتحاد، لكن ذلك لن يغير حقيقة أن الاتحاد الأوروبي هو الشريك التجاري الرئيسي للمملكة المتحدة.
ووفقًا لبيانات مكتب المملكة المتحدة للإحصاءات الوطنية، بلغ حجم واردات الاتحاد الأوروبي من السلع والخدمات البريطانية في أبريل (نيسان) 2015 نحو 11 مليار جنيه إسترليني، فيما بلغت صادرات الاتحاد للمملكة نحو 17.6 مليار جنيه إسترليني.
وتُطالب المملكة المتحدة، بإبعادها عن أي اتحاد أو اندماج سياسي للاتحاد الأوروبي مستقبلاً، ومنع مواطني الاتحاد من الاستفادة من أي إعانات اجتماعية في بريطانيا لمدة 4 سنوات متتالية، بالإضافة إلى حماية المركز المالي لبريطانيا في وقت يتوجه فيه الاتحاد الأوروبي نحو اندماج نقدي ومالي وثيق.
في الوقت نفسه يعارض البريطانيون الخروج من الاتحاد، حيث أظهر استطلاع أجرته مؤسسة «Ipsos MORI» لصالح صحيفة «Evening Standard» في التاسع عشر من يونيو الحالي، أن 66 في المائة من المستطلعين (1005)، يرغبون في البقاء عضوًا بالاتحاد، مقابل 22 في المائة يرغبون في الرحيل و12 في المائة لا يعرفون.
فالبريطانيون أمام معضلة كبيرة ما بين الالتزام بقوانين الاتحاد والمغادرة وتحمل الثمن، فالاتحاد الأوروبى بدوله الـ28 مجتمعة يعتبر الشريك التجاري الأهم لأميركا وغيرها من دول العالم وليست بريطانيا منفصلة، وهنا ستحرص دول العالم على استمرار شراكاتها مع الدول الـ27 في الاتحاد وتهميش التعاون مع بريطانيا.
وقالت Ipsos إن التأييد الشعبي للبقاء في الاتحاد يأتي في أعلى مستوياته في 24 عامًا، بعدما قامت معاهدة «ماستريخت» في عام 1991، بتعديل مسمى الجماعة الأوروبية إلى «الاتحاد». ولخروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي الكثير من العواقب، أهمها فقدان تصنيفها الائتماني الممتاز، وتزايد احتمالات انسحاب عدد كبير من الشركات العالمية التي قد تجد نفسها في مفاضلة ما بين الاستثمار في دولة واحدة أو تعزيز العلاقات مع 27 دولة أخرى داخل الاتحاد، فضلاً عن مخاطر تهديدات انفصال اسكوتلندا عن المملكة المتحدة في حال خرجت الأخيرة من الاتحاد.
وذكرت مؤسسة «ستاندارد آند بورز» للتصنيفات الائتمانية، بداية الأسبوع الثالث من يونيو الحالي، أن «بريطانيا تواجه احتمالاً متزايدًا بفقدان التصنيف الممتاز ‭AAA‬بسبب قرار كاميرون إجراء استفتاء على عضويتها في الاتحاد الأوروبي».
وأضافت المؤسسة الوحيدة التي لا تزال تمنح بريطانيا التصنيف الممتاز، أنها خفضت توقعاتها لتصنيف ديون الحكومة البريطانية إلى «سلبية» من «مستقرة».
وقالت صحيفة «صنداي تايمز»، في 14 يونيو الحالي، إن كثيرين من مديري أكبر صناديق الاستثمار التي تتّخذ من لندن مقرًّا لها، يُعدون خططًا لنقل أرصدة يبلغ حجمها تريليوني جنيه وآلاف الوظائف إلى خارج بريطانيا، إذا صوتت لصالح الانسحاب من الاتحاد الأوروبي.
ويُفترض أن يجري الاستفتاء أواخر عام 2017 على أقصى تقدير، لكن يمكن أن يتم خلال أكتوبر (تشرين الأول) عام 2016، ويتوقف تحديد الموعد على مدى تقدم المفاوضات التي يعتزم ديفيد كاميرون إجراءها مع قادة الدول الأوروبية لتهيئة الظروف المواتية لانتماء بلاده إلى الاتحاد الأوروبي.
ويرى مديرو صناديق الاستثمار أنهم قد يضطرون للرحيل بسبب قوانين الاتحاد الأوروبي التي تسمح فقط ببيع منتجات الاستثمار في الاتحاد، عندما يكون المقر الأوروبي الرئيسي للصندوق موجودًا في دولة عضو. وشهدت المملكة المتحدة أداء جيدًا في جذب الاستثمار الأجنبي، الذي ارتفع إلى أكثر من تريليون جنيه إسترليني (1.58 تريليون دولار) خلال عام 2014، بحسب هيئة التجارة والاستثمار البريطانية.
وتُحذر «ستاندارد آند بورز» من تراجع حجم الاستثمارات طويلة الأجل بالمملكة، في حال خرجت من الاتحاد، مع تآكل مكانة لندن كمركز مصرفي عالمي بل وقد يفقد الإسترليني مكانته كعملة احتياط عالمية.
وقد تجد بريطانيا حال خروجها من الاتحاد صعوبة في النفاذ إلى أسواق 27 دولة أوروبية تحكمها معاهدات واتفاقيات معينة، بل قد يضطر عدد كبير من الدول خارج الاتحاد إعادة تقييم علاقاتها الثنائية مع بريطانيا. وسبق أن حذر اتحاد غرف التجارة والصناعة في ألمانيا، في مايو الماضي، من أن عددًا كبيرًا من الشركات الألمانية قد تفكر في خفض استثماراتها في بريطانيا، في حال قررت الأخيرة الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، علما بأن الشركات الألمانية توظف 400 ألف شخص تقريبًا في المملكة المتحدة.
وقال دانيال بوسيه، الذي يدير وحدة التدريب والتعليم بمصانع شركة «فيستو» الألمانية، في حوار لمجلة «Wired» البريطانية، إن عدم اليقين بشأن عضوية المملكة المتحدة في الاتحاد الأوروبي في المستقبل يعني أنها «ليست فكرة جيدة» للشركات لاتخاذ المخاطر بالاستثمار في بريطانيا.
ويقول «دويتشه بنك»، إنه قد يفكر في الانتقال من بريطانيا لألمانيا إذا انفصلت المملكة المتحدة، في حين قالت عملاق الطيران «إيرباص» إنها ستعيد النظر في الاستثمار في المملكة المتحدة. ولن تخسر بريطانيا، جراء الخروج من الاتحاد، على المستوى الاقتصادي فحسب، بل قد تفقد جزءا مهما من مساحتها الجغرافية والسياسية.
فمن بين المعارضين للاستفتاء على الخروج، الحزب الوطني الاسكوتلندي، فقد هددت زعيمة الحزب «نيكولا ستورجيون»، بإقامة استفتاء آخر على استقلال اسكوتلندا عن المملكة ‏المتحدة، إذا خرجت بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وهناك الكثير من المخاطر التي تحيط ببريطانيا في حال استقل عنها إقليم اسكوتلندا، الذي سيفقدها نحو 8 في المائة من مساحتها، وخصوصا في المجال الاقتصادي، حيث تمثل اسكوتلندا مركز ثقل استثماري واقتصادي مهمًا للبلاد.
وسيواجه «رويال بنك أوف سكوتلاند»، وهو الأكبر في اسكوتلندا، وأحد أكبر المصارف في بريطانيا والقارة الأوروبية أزمة محتملة في حال الانفصال، فضلاً عن خسائر بعشرات المليارات قد تتكبدها الشركات البريطانية الكبرى مثل «بريتيش بتروليوم» وغيرها.
وكذلك فمغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي يشكل تهديدًا خطيرًا للصناعات والعلوم والتكنولوجيا في المملكة المتحدة، حيث حذر الأكاديميون وخبراء المال ورجال الأعمال على حد سواء من أن رغبة المملكة الحالية من الانفصال تضر سمعتها.
ففي مايو الماضي نُشر خطاب مفتوح في صحيفة «التايمز»، حذر المملكة المتحدة من أن ترك الاتحاد الأوروبي يهدد تمويل البحوث العلمية. ويقول مضمون الخطاب: «نتمنى أن نكشف عن دعمنا للاتحاد الأوروبي وتوجيهه العلمي لنا ورغبتنا في استمرار عضويتنا». وشارك في توقيع الخطاب، الفلكي الملكي «مارتن ريس»، عالم بريطاني في الكونيات والفيزياء الفلكية.
* الوحدة الاقتصادية
بـ«الشرق الأوسط»



أسعار النفط تحافظ على مكاسبها وسط عوامل متباينة

مصفاة النفط «إكسون» في ليندن بنيوجيرسي (أ.ب)
مصفاة النفط «إكسون» في ليندن بنيوجيرسي (أ.ب)
TT

أسعار النفط تحافظ على مكاسبها وسط عوامل متباينة

مصفاة النفط «إكسون» في ليندن بنيوجيرسي (أ.ب)
مصفاة النفط «إكسون» في ليندن بنيوجيرسي (أ.ب)

لم تشهد أسعار النفط تغييراً يذكر في التعاملات الآسيوية المبكرة يوم الخميس، إذ محت توقعات ضعف الطلب وارتفاع جاء أكبر من المتوقع في مخزونات البنزين ونواتج التقطير في الولايات المتحدة، إثر جولة إضافية من عقوبات الاتحاد الأوروبي ضد النفط الروسي.

وتراجعت العقود الآجلة لخام برنت 5 سنتات إلى 73.47 دولار للبرميل بحلول الساعة 01:41 بتوقيت غرينتش. كما هبطت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي 11 سنتاً إلى 70.18 دولار. وارتفع العقدان بأكثر من دولار واحد لكل منهما الأربعاء. وخفضت منظمة «أوبك»، الأربعاء، توقعاتها لنمو الطلب في عام 2025 للشهر الخامس على التوالي، وبأكبر قدر حتى الآن.

ووفقاً لبيانات إدارة معلومات الطاقة، فقد ارتفعت مخزونات البنزين ونواتج التقطير في الولايات المتحدة، أكبر مستهلك للنفط في العالم، بأكثر من المتوقع الأسبوع الماضي. وتترقّب الأسواق حالياً أي مؤشرات بشأن التحرك الذي سيتبناه مجلس الاحتياطي الفيدرالي بشأن أسعار الفائدة الأسبوع المقبل.

وارتفعت الأسعار، الأربعاء، بعد أن اتفق سفراء الاتحاد الأوروبي على الحزمة الخامسة عشرة من العقوبات على روسيا بسبب حربها ضد أوكرانيا.

وقال الكرملين إن التقارير عن احتمال تشديد العقوبات الأميركية على النفط الروسي تكشف عن أن إدارة الرئيس جو بايدن تريد أن تترك وراءها إرثاً صعباً للعلاقات الأميركية الروسية.