من التاريخ: فريدريك العظيم وجذور الجيش الألماني

فريدريك العظيم
فريدريك العظيم
TT

من التاريخ: فريدريك العظيم وجذور الجيش الألماني

فريدريك العظيم
فريدريك العظيم

تابعنا في الأسبوع الماضي سيرة الملك البروسي «فريدريك العظيم»، الذي يعد المحرك الحقيقي للقوة العسكرية البروسية، التي أصبحت فيما بعد اللبنة التي وحدت ألمانيا، وكيف أنه استطاع أن يمنح هذه الدولة الانطلاقة الفكرية والقانونية والفنية والمعمارية لتدخل هذه الدولة مصاف الدول العظمي في أوروبا، بعد إنجلترا وفرنسا والنمسا، ولكن كثيرًا ما تتغافل كتب التاريخ نسبيًا عن كل هذا لصالح الإنجازات العسكرية لهذا الرجل العظيم، فعندما تولى الرجل الحكم في بروسيا في عام 1740م، فإن بروسيا لم تكن قوة عسكرية تذكر بين مصاف الدول الأوروبية، ولكن والده كان مهتمًا اهتماما كبيرًا ببناء جيش بروسي قوى ورثه من والده وجده منذ حرب الثلاثين عامًا في 1648م. ونظرًا لأنها لم تكن دولة بحرية من الطراز الإنجليزي وبدرجة أقل فرنسي، فإن قيادتها ارتأت ضرورة أن تركز قوتها في سلاحي الفرسان والمشاة باعتبار توجهاتها الأساسية في القارة الأوروبية، كما أن أطماعها السياسية والجغرافية كانت في الدول المجاورة خاصة بولندا وسيليسا، وما هي معروفة اليوم بجمهورية التشيك.
وقد استطاع والد فريدريك الأول أن يعد ويطور فرق المشاة بشكل مدروس ومتحضر، فكان اعتماده الأساسي في هذا الصدد منصبًا على طبقة النبلاء المعروفة باسم «اليونكرز» لتكوين ضباط في هذا الجيش، حيث ركز كل جهده على انتقاء الضباط وتعليمهم من هذه الطبقة، وهو ما جعل الجيش البروسي أقرب ما يكون للجيش الوطني في ذلك الوقت في أوروبا، وعندما ورث «فريدريك العظيم» الحكم في عام 1740م، ورث أيضا جيشًا قوامه 80 ألفًا، ولكنه طوره وبدأ يدرب الجيش بنفسه على أحدث أساليب القتال، فكان الرجل يقود الجيش بنفسه ويلبس ملابس خشنة قربته بقوة للجنود الذين بدأوا يشعرون بأنه واحد منهم، حتى إنه يقال إنه في إحدى معاركه التي خسرها جلس تحت شجرة بائسًا مستكينًا، فأتى إليه أحد الجنود وقد ملأ القبعة بالماء، وطلب من الملك أن يشرب منها، وأخذ يشد من أزره باعتباره سيخطط لنصر الدولة في النهاية.
وبهذه العقلية والتكوين الحديث لفرق المشاة، بدأ فريدريك العظيم معاركه بعد أشهر عديدة من تولي الحكم، وواقع الأمر أن إمكانيات هذا الملك الشاب لم تكن كبيرة مقارنة بالدول المنافسة له، ومع ذلك فقد برع الرجل في تكتيكاته الحربية بشكل جعله محط أنظار كل الدول الأوروبية إلى الحد الذي أطلق عليه لقب «جنرال أوروبا»، فلقد كان الرجل يتمتع بقدرة عالية للغاية على المناورة والحركة، وهي الصفات نفسها التي تحلى بها بعده بستة عقود القائد الفرنسي الفذ نابليون بونابرت، فنظرًا للندرة النسبية لقواته مقارنة بأعدائه، فإنه كان دائمًا ما يسعى لسرعة الحركة والمناورة العكسية، وينسب له تطوير ما هو معروف بالـOblique Order والأسلوب غير المباشر في القتال، ففي حربه الأولى مع النمسا التي استطاع من خلالها ضم إقليم سيليسا، فإن توغلاته دفعت الجيوش النمساوية لمحاولة تطويقه، وهو ما تفاداه بسرعة الحركة والانسحاب التكتيكي، فاستدرجهم نحوه، وهو ما جعلهم بعيدين عن خطوط الإمدادات، وبخفة شديدة استطاع إلحاق الهزيمة بهم.
ولكن العبقرية العسكرية لهذا الرجل تجسدت خلال ما كان معروفًا بحرب «السنوات السبع» ضد التحالف النمساوي والروسي والفرنسي، فثلاث جبهات في آن واحد ليست بالأمر الهين على أي قائد عسكري، ولكنه استطاع بتطبيق بعض التكتيكات الحربية التي طورها أن يصمد طويلاً وهو وحيد بلا دعم حقيقي من حليفه الإنجليزي، فكانت أهم تحركاته تتمثل في محاولة الحفاظ على صلب جيشه وعدم استهلاكه فيما هو معروف في العسكرية بمبدأ «اقتصاد القوات»، حتى يُمكن نفس الجيش التحرك سريعًا لمحاربة الجيوش الأخرى، وهو ما جعله في هذه الحرب الممتدة يتحرك بجيشه من الجبهة النمساوية إلى الفرنسية إلى الروسية بسلاسة وطلاقة مع الاحتفاظ بأقل الخسائر في هذا الجيش كلما أمكن ذلك، وقد برع الرجل في هذا بشكل فريد، ولكنه في النهاية كاد يخسر هذه الحرب بسبب تكالب الأعداء عليه، لولا التدخل الإلهي بموت القيصرة الروسية إليزابيث، وتولي بطرس الثالث مقاليد الحكم، الذي كسر التحالف، ودخل في صلح منفرد مع فريدريك العظيم، من فرط إعجابه به.
لعل أبرع معارك هذا الرجل في هذه الحرب كانت بعدما خسر مواجهته مع النمساويين في معركة كولين، ولكنه استطاع التغلب عليها، وبدأ يوجه قواته لمواجهة الجيش الفرنسي الزاحف، وهو أخطر جيوش التحالف، وتلاقى الجيشان في معركة روسباخ الشهيرة في 1757م. حيث كان الجيش الفرنسي ضعف عدد جيشه، وقد عمد الرجل إلى الانسحاب من الجبهة في حركة نصف دائرة تقريبًا خلف أحد التلال ليخفي جيشه وتحركاته، وهو ما دفع جيش العدو إلى التحرك لملاقاته، ولكن حركته كانت أبطأ بكثير من البروسيين، وهو ما جعل الجيش في حالة انفصال عن الجبهة، ثم أمر سلاح الفرسان بالتمركز خلف الميسرة لجيشه سامحًا لفرسان العدو بالهجوم، فما كادت تدخل خيالة الفرنسيين حتى طوقهم من الأمام والميسرة، وهو ما أدى لتحييدهم وإخراجهم من الجبهة، وذلك في الوقت الذي كان صلب جيشه يتحرك بسرعة منظمة للغاية خلف ساتر المرتفعات لينقض على الجيش الفرنسي الذي بدأ عملية تمركزه الجديدة متأخرا، وهنا انقض فريدريك على الجيش الفرنسي وهو في حالة ارتباك، فكان النصر حليفه، خاصة بعدما دخل سلاح الفرسان المعركة دون مواجهة، فكانت النتيجة هزيمة نكراء للفرنسيين خسروا فيها ما يقرب من عشرة آلاف ضحية بين قتيل وأسير ومصاب، وذلك في الوقت الذي فقد فيه الجيش البروسي ما يقرب من خمسمائة جندي فقط، وكان النصر حاسمًا، أخرج فرنسا مؤقتًا من الجبهة المتحدة ضده.
وعلى الفور تحرك الرجل مرة أخرى لملاقاة الجيش النمساوي في معركة لوثين الشهيرة بالجيش نفسه، بعدما قطع مئات الكيلومترات ليواجهه، وهنا برزت العبقرية العسكرية لهذا الرجل، فقد طبق عليهم تكتيكاته الحربية التي طورها، وذلك من خلال عدم الاشتباك معهم على طول الجبهة في مواجهات متصاعدة من المشاة، كما كان المعتاد، ولكنه تعمد الهجوم الخفيف على طول الجبهة لتثبيتها، بينما أرسل ألوية من جنود المشاة بشكل الـOblique مركزًا هجومه بشكل يكاد يكون عمودي على أحد الجناحين، واستخدم الخطوط الداخلية لتعبئة هذه الألوية بعيدًا عن أعين العدو، والدفع بها بشكل متتالٍ إلى نفس النقطة الضعيفة في جناح العدو، فشق الجناح النمساوي، وعزله عن باقي الجيش، وهو ما سمح له في وقت سريع بتطويق باقي جيش العدو وهزيمته هزيمة نكراء شتت فلولهم.
وعلى الرغم من هذه العبقرية، فإنه لم ينجح في كل معاركه في تطبيق هذه التكتيكات العملية، وهو ما كلفه الكثير من الجنود عند مواجهة القوات الروسية في معركة زوندورف في 1758م. عندما فرض عليه القائد الروسي الدخول في معركة تقليدية مفتوحة أدت إلى استنزاف قوته بموت آلاف الجنود في الجيشين، ولكن نتيجتها المهمة كانت منع تلاحم الجيش الروسي مع حليفه النمساوي، وهو ما جعله يستطيع الاستمرار في هذه الحرب الضروس إلى أن انسحبت روسيا منها وعم السلام بعدها بعدما استهلكت السنوات السبع الجيش البروسي، ولكنه ظل صامدًا.
وعلى الرغم من انتهاء حرب السنوات السبع وبروسيا في حالة إرهاق مالي وعسكري، فإن الرجل استغل سنوات السلام فيما بعد لتطوير الجيش البروسي بعدما حصل بالسلم على الأراضي التي كان يطمع فيها، فلم يغفل الرجل هذا البعد على الرغم من أنه قاد بلاده في ثورة فكرية وإدارية وقانونية واسعة النطاق أدخلتها ضمن مصاف الدول الكبرى في أوروبا، وكان هذا التحديث هو ما سمح لبروسيا، التغلب على الهزيمة النكراء على أيدي نابليون بونابرت في إينا عام 1806م. وعندما آن الأوان لبروسيا أن توحد ألمانيا على أيدي المستشار الألماني العبقري بسمارك، فإن الجيش البروسي كان على أهبة الاستعداد لتولي هذه المسؤولية عندما طُلب منه ذلك، وأصبح الجيش الأول في أوروبا بحلول عام 1871م. والفضل في ذلك يرجع للقاعدة العسكرية التي أرساها فريدريك العظيم، أو «فريتز العجوز»، كما كانت كثير من الدوائر السياسية تكنيه، فهو مثال للسياسي الذي أدرك أن القوة العسكرية للدولة حتمية، ولكنها في واقع الأمر امتدادًا للمشروع التنويري العام للدولة ذاتها، فالجيش لا يفصل عن الدولة، وهي حقيقة كثيرًا ما تغفلها القادة على مر التاريخ.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».