عقد البرلمان التركي المنبثق عن الانتخابات التشريعية التي جرت في السابع من يونيو (حزيران) الحالي أولى جلساته أمس، في حين تتكثف الاتصالات لتشكيل حكومة ائتلافية بعد أن فشل حزب الرئيس رجب طيب إردوغان بالاحتفاظ بالأكثرية المطلقة في البرلمان.
وحسب وكالة الصحافة الفرنسية، فإن هذه الجلسة الافتتاحية التي بدأت في الساعة الثالثة بعد الظهر بالتوقيت المحلي هي بروتوكولية بالدرجة الأولى. فبحسب العرف يؤدي النواب الـ550 اليمين واحدا تلو الآخر أثناء حفل سيستمر خلال الليل.
وافتتح الجلسة الرئيس بالوكالة النائب دنيز بايكال، أكبر النواب سنا، الذي ينتمي إلى حزب الشعب الجمهوري (اشتراكي ديمقراطي)، داعيا إلى التهدئة بعد التوتر الحاد إبان الحملة الانتخابية. وقال أمام الجمعية الوطنية: «لا يمكننا الاستمرار بعد الآن مع (حالة) الاستقطاب في البلاد». لكن يبدو أن رسالته لم تلق الآذان الصاغية، وامتنع نواب المعارضة عن التصفيق لدى دخول إردوغان إلى القاعة.
وبعد انتهاء حفل أداء القسم ستدخل «الجمعية الوطنية الكبرى» في صلب الموضوع، إذ سيبدأ النواب بانتخاب الرئيس الجديد للبرلمان، ما يشكل أول تحد تفرضه نتائج انتخابات السابع من يونيو. فقد مني حزب العدالة والتنمية الإسلامي المحافظ بأول هزيمة في تاريخه بعد أن حكم البلاد بلا منازع منذ 2002، ولم يحصل سوى على 40.6 في المائة من الأصوات، أي بتراجع 10 نقاط مقارنة مع الانتخابات التشريعية في 2011، وعلى 258 مقعدا.
وهذه النكسة اعتبرت بمثابة فشل شخصي لإردوغان الذي وخلافا لكل الأعراف شارك بكل قواه في الحملة لحزب العدالة والتنمية بغية الحصول على الغالبية الموصوفة الضرورية لإقامة نظام رئاسي قوي كما كان يحلم.
ووراء حزب العدالة والتنمية حصل حزب الشعب الجمهوري على 25.1 في المائة من الأصوات و132 مقعدا متقدما على حزب العمل القومي (يمين) مع 16.4 في المائة من الأصوات و80 مقعدا، ثم حزب الشعب الديمقراطي (المناصر للأكراد) الذي يعتبر الفائز الأكبر في الاقتراع بحصوله على 12.9 في المائة و80 مقعدا.
ولعدم حصول أي حزب على الغالبية المطلقة فإن المعركة لرئاسة البرلمان ستعطي أول فكرة عن استعدادات الأحزاب الأربعة على عقد تحالفات لانتخاب رئيس للجمعية الوطنية ولاحقا تشكيل حكومة ائتلافية.
ويشكل عقد تحالف بين حزب العدالة والتنمية وحزب الشعب الجمهوري السيناريو المرجح برأي المعلقين. وقال وزير الاقتصاد نهاد زيبكتشي «يبدو أن تشكيل ائتلاف بين حزب العدالة والتنمية وحزب الشعب الجمهوري هو الأسهل»، معربا عن ثقته إزاء إمكانية التوصل إلى «تسوية» بين الحزبين.
ويفترض أن يكلف إردوغان رسميا في الأيام المقبلة رئيس الوزراء المنتهية ولايته ورئيس حزب العدالة والتنمية أحمد داود أوغلو بتشكيل حكومة جديدة. لكن المفاوضات تبدو دقيقة للغاية لأن الأحزاب الممثلة في البرلمان طرحت حتى الآن شروطا متباينة يصعب التوفيق بينها على ما يبدو. وللانضمام إلى ائتلاف مع حزب العدالة والتنمية اشترطت الأحزاب الثلاثة في المعارضة على إردوغان أن يحترم واجباته بالحياد الذي يفرضه الدستور. وهو مطلب رفض من قبل فريقه. فقال نائب رئيس حزب العدالة والتنمية مصطفى سنتوب أمس: «إنه (إردوغان) سيستمر في التعبير عن مواقفه بشأن المسائل السياسية»، معتبرا أن ذلك «هو واجبه».
وخفف مسؤول في حزب الشعب الجمهوري طلب عدم كشف اسمه اللهجة قائلا: «إنه لا شيء مؤكدا ومحددا حتى الآن»، مضيفا: «إن البعض أعلن نيات لكن لم يجر أي اتصال رسمي حتى الآن». وكرر داود أوغلو الأحد أنه «لا يوصد الباب أمام أحد» لتشكيل حكومة جديدة تنتظرها بفارغ الصبر الأوساط المالية القلقة من عواقب عدم الاستقرار لفترة طويلة على اقتصاد يمر أصلا بصعوبات.
لكن احتمال العودة إلى صناديق الاقتراع قد يقنع مختلف الأطراف بالتهدئة والاعتدال. ووعد نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري عاكف حمزة تشيبي أمس بـ«إيجاد تسوية لتجنب انتخابات مبكرة». وذكر إردوغان خلال عطلة نهاية الأسبوع المنصرم بأنه إن لم تتشكل حكومة في مهلة 45 يوما «فإن الشعب سيحسم».
ويضم البرلمان الجديد في صفوفه تنوعا عرقيا ودينيا، بعد أن دخله نواب من أصل أرمني وآخرون من الإيزيديين، إضافة إلى نائب من الغجر. وهناك ثلاثة نواب من أصل أرمني هم: سيلينا دوغان من حزب الشعب الجمهوري، وغارو بايلان من حزب الشعب الديمقراطي المؤيد للأكراد، ومركار آسيان من حزب العدالة والتنمية الإسلامي. وقالت المحامية سيلينا دوغان: «لن أحصر نفسي بتمثيل الأرمن» في البرلمان مضيفة: «إن المسلمات السنيات قد يشعرن مثلنا بأنهن مختلفات في حال لم يرتدين الحجاب»، واعدة بالعمل على تحسين الحوار بين تركيا وأرمينيا.
ومع أنها ليست المرة الأولى التي ينتخب فيها نواب أرمن في البرلمان التركي، فإن دخول النواب الثلاثة هذه المرة البرلمان يرتدي أهمية كبيرة نظرا للذكرى المئوية الأولى لوقوع المجازر بحق الأرمن التي ارتكبت خلال حكم السلطنة العثمانية. وكانت الاحتفالات بهذه المئوية في الرابع والعشرين من أبريل (نيسان) الماضي أثارت توترا شديدا بين تركيا والدول التي تصر على وصف المجازر التي حصلت بأنها إبادة.
كما يستقبل البرلمان التركي الجديد للمرة الأولى ممثلين اثنين عن الإيزيديين. ويتكلم الإيزيديون الكردية ولم يكن يسمع عنهم الكثير قبل هجوم تنظيم داعش في العراق على مناطقهم في شمال البلاد في أغسطس (آب) 2014.
ودخل الإيزيديان فيليكناس أوجا وعلي إتلان البرلمان عن حزب الشعب الديمقراطي. وانتخبت أوجا عن منطقة ديار بكر وقالت: «إن النظام في تركيا يستند إلى أمة ولغة ودولة وديانة. نريد المزيد من الديانات والمزيد من اللغات وأمما أكثر».
إلى ذلك، انتخب أوزجان بورجو عن حزب الشعب الجمهوري ليكون النائب الأول في البرلمان عن الغجر (الروما)، كما فاز إيرول دورا من السريان عن حزب الشعب الديمقراطي بولاية برلمانية ثانية عن الحزب ذاته.
كما دخل البرلمان التركي عدد من المقربين من التمرد الكردي من حزب الشعب الديمقراطي. وأبرزهم ديلاك أوجلان (28 عاما) ابنة شقيق زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان المعتقل لدى السلطات التركية، وزيا بير، ابن شقيق أحد مؤسسي حزب العمال الكردستاني كمال بير. وقال بير في مقر الحزب الرئيسي في ديار بكر.. «كمال بير كان عمي، واحد مؤسسي حزب العمال الكردستاني وتوفي بداية الثمانينات في اليوم الـ57 من الإضراب عن الطعام في سجن يبعد 200 متر عن هنا». لكنه تابع: «ليس لدي رابط عضوي أو آيديولوجي مع حزب العمال الكردستاني». وأضاف: «أنا رجل واقعي وسنناضل ديمقراطيا لإدراج حقوق الأكراد في الدستور». والأكراد هم الأقلية الأكبر في تركيا إذ يشكلون 20 في المائة من أصل 76 مليون نسمة، أي نحو 15 مليون نسمة. كما دخلت البرلمان التركي 96 امرأة من أصل 550 نائبا وهو رقم قياسي في بلاد مسلمة.
البرلمان التركي الجديد يفتتح جلساته بأداء القسم.. والتحدي الأول انتخاب رئيس له
يضم نوابًا أرمنيين وإيزيديين وسريانًا وغجرًا.. وابنة شقيق زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان
البرلمان التركي الجديد يفتتح جلساته بأداء القسم.. والتحدي الأول انتخاب رئيس له
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة