حاكم نيودلهي «المناهض للفساد» يتنحى بسبب عراقيل

زعيم حزب «الرجل العادي» يقرر نقل معركته مع الحزبين التقليديين إلى انتخابات البرلمان

أرفيند كيجريوال يحمل نسخة من دستور الهند أثناء جلسة برلمان ولاية نيودلهي أول من أمس (أ.ب)
أرفيند كيجريوال يحمل نسخة من دستور الهند أثناء جلسة برلمان ولاية نيودلهي أول من أمس (أ.ب)
TT

حاكم نيودلهي «المناهض للفساد» يتنحى بسبب عراقيل

أرفيند كيجريوال يحمل نسخة من دستور الهند أثناء جلسة برلمان ولاية نيودلهي أول من أمس (أ.ب)
أرفيند كيجريوال يحمل نسخة من دستور الهند أثناء جلسة برلمان ولاية نيودلهي أول من أمس (أ.ب)

قدّم أرفيند كيجريوال، الناشط الشهير بمناهضته للفساد، استقالته بعد 49 يوما فقط على شغله أعلى منصب حكومي في ولاية نيودلهي، معللا خطوته هذه بمواجهته عراقيل من مشرعي الحزبين الرئيسين في الهند حالت دون التصديق على مبادرته لمكافحة الفساد.
وكان كيجريوال قد هدد بتقديم استقالته ما لم يمرر برلمان الولاية مشروع مكافحة الفساد المعروف باسم «مشروع قانون جان لوكبال». ويدعو هذا المشروع إلى تشكيل لجنة مكلفة التحقيق في شكاوى الفساد ضد المسؤولين الحكوميين. وبدا هذا التهديد مثيرا في بداية الأمر، ذلك أنه جاء بعد فترة وجيزة جدا من تولي كيجريوال مهام منصبه. لكن بحلول يوم أول من أمس، سادت حالة من الفوضى داخل المجلس وجرى منع التصويت على مشروع القانون الذي قدمه.
وقال كيجريوال إن قراره بالتنحي يحافظ على القيم والمبادئ. وعندما خطب في أنصاره خارج مقر حزبه، هتف له أنصاره كما لو أنه كان يعلن نتيجة فوزه. وفي الواقع، اعتبر كثيرون هذا القرار خطوة استراتيجية تسمح له بتحويل تركيزه إلى هدف أكثر طموحا. وفي ضوء الاعتماد على نجاحه في نيودلهي، يخطط حزب «الرجل العادي» (آم آدمي) في الوقت الحالي لترشيح مئات المرشحين في الانتخابات العامة في مايو (أيار)، بما يمثل تحديا غير متوقع لأبرز حزبين في البلاد: حزب «المؤتمر» وحزب «بهاراتيا جاناتا».
وقال كيجريوال مخاطبا المئات من أنصاره، الذين تجمعوا خارج مقر حزبه، «أنا رجل عادي جدا ولم آت إلى هنا من أجل السلطة. لو اضطررت إلى التخلي عن منصب رئيس الوزراء مائة مرة لفعلت ذلك. ولو اضطررت للتضحية بحياتي فداء لهذا البلد فإنني سأعتبر نفسي محظوظا لمثل هذه التضحية». وأضاف أنه سيطالب بعقد انتخابات جديدة للمجلس التشريعي في نيودلهي في أقرب وقت ممكن. وبناء على ذلك، سيدعو نائب حاكم الولاية، الحزب صاحب الأغلبية بالمجلس (الأمر يتعلق في هذه الحالة بحزب بهاراتيا جاناتا الذي يشغل 31 مقعدا) لتشكيل حكومة جديدة للولاية. وفي حال رفض حزب بهاراتيا جاناتا الدعوة، سيجري حل المجلس وتعقد انتخابات جديدة. وخلال تلك الفترة المؤقتة، ستخضع ولاية نيودلهي للحكم الرئاسي.
وفي ضوء بعض الاعتبارات، كانت استقالة كيجريوال بمثابة دليل على الانكماش السريع للتجربة السياسية. وفي العام الماضي، بدا أن حزب «آم آدمي» يستقطب أفراد الطبقة المتوسطة بالمدينة بسبب حالة الإحباط المتزايدة، وكذلك الناخبين الذين انصرفوا بشكل متزايد بعيدا عن تأييد من يحكمونهم، ومن ثم استطاع الحزب أن يحقق انتصارا أثار ذهول الطبقة السياسية من خلال الفوز بعدد 28 مقعدا من أصل 70 في نيودلهي.
وبعد أن وجد نفسه يتقلد هذا المنصب بصورة غير متوقعة، واجه كيجريوال تحديات غير عادية لينجح في الوفاء بما تعهد به في حملته الانتخابية. وفي حال وفائه بتعهده المتكرر تجاه سائقي العربات الهندية، على سبيل المثال، فإنه سيثير غضب المسافرين يوميا من أفراد الطبقة المتوسطة والعكس صحيح. وكان الآلاف من المدرسين الذين يعملون بدوام جزئي يدعمون كيجريوال، اعتمادا على توقعات بأنه سيسعى لجعلهم يعملون بدوام كلي. وكانت تلك الخطوة ستؤثر بشكل كبير على ميزانية الولاية.
ومع ذلك، ما زالت الحقيقة الأكثر واقعية تتمثل في أن الحكم من دون أغلبية في أي هيئة تشريعية في هذا البلد سيكون مخيبا للآمال إن لم يكن مستحيلا. وبوصفه رئيس وزراء الولاية، لم يكن لدى كيجريوال السيطرة على المهام المركزية، مثل شرطة نيودلهي. وازدادت هذه الحالة من الاحتكاك على الفور وأعلن كيجريوال اعتصاما غريبا خارج مكتب الوزير الذي يشرف على شرطة المدينة. وبدأ المشرعون المنتمون إلى المعارضة حملة لإجبار أحد وزرائه على الاستقالة، ووضعوا علامة على كرسيه مكتوبا عليها «وزير الإباحية» وأعطوه هدية استهزائية تشمل سوارا وأحمر شفاه. ثم زادت التحديات بشكل سريع.
وأشار محللون أول من أمس إلى أن كيجريوال لم يكن مهتما بشكل كبير بوضع حل لتلك المصاعب. وقال غيريش كوبر، رئيس تحرير جريدة «لوك ساتا» التي تتخذ من مومباي مقرا «كان واضحا منذ البداية أن كيجريوال لا يرغب في الحكم. كانت الكتابة المنتشرة على الجدران تفيد بأنه لن يستمر في منصبه، وكان الأدهى من ذلك، هو أنه نفسه لم يرغب في العمل. أحس كيجريوال أن لديه دورا انتقاديا يلعبه أثناء الانتخابات البرلمانية وكان يأمل في الاستفادة مما حدث في نيودلهي».
وبدا مؤيدو كيجريوال الذين ملأوا الشوارع خارج مقر حزب «آم آدمي» مفعمين بالحماسة أول من أمس. وقال أجاي راي، الذي يملك صيدلية، إن حزبي «بهاراتيا جاناتا» و«المؤتمر» «تواطآ لضمان عدم قيام هذه الحكومة بمهامها، ومنعا كيجريوال من الوفاء بتعهداته لخلق نظام إدارة جيد».

* خدمة «نيويورك تايمز»



أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
TT

أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

مرة أخرى، وقف علي غلام يتلقى التعازي، فبعد مقتل شقيقه عام 1987 في أعمال عنف بين السنة والشيعة، سقط ابن شقيقه بدوره في شمال غرب باكستان الذي «لم يعرف يوماً السلام»، على حد قوله.

متظاهرون يتجمعون بالقرب من أشياء أضرمت فيها النيران في أحد الشوارع في جارانوالا بباكستان 16 أغسطس 2023 (رويترز)

منذ يوليو (تموز)، تفيد مصادر عدة بأن 212 شخصاً قُتلوا في إقليم كورام بسبب نزاعات قديمة على الأراضي كان يفترض بسلسلة من الاتفاقات برعاية وجهاء قبليين وسياسيين وعسكريين، أن تبت بها.

إلا أنه تم انتهاك هذه الاتفاقات على مر العقود مع عجز السلطات الفيدرالية وفي مقاطعة خيبر بختونخوا عن القضاء على العنف.

فقدت القوات الأمنية الباكستانية مئات من أفرادها خلال الأشهر الماضية في الموجة الإرهابية الجديدة (أ.ف.ب)

والأسوأ من ذلك أن الهجوم الذي أجج أعمال العنف في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) استهدف السلطات أيضاً، إذ إن نحو 10 مهاجمين أمطروا موكبي سيارات تنقل عائلات شيعية كانت بحماية الشرطة.

وكان ابن شقيق علي غلام في هذا الموكب. وكان هذا الرجل البالغ 42 عاماً ينتظر منذ أيام فتح الطرق في كورام عند الحدود مع أفغانستان.

أطلقت الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق الطلاب أثناء مسيراتهم خلال مظاهرة للتنديد باغتصاب طالبة مزعوم في لاهور بباكستان 17 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

«لا ثقة مطلقاً بالدولة»

وكانت الطرق الرئيسية قد قُطعت بسبب تجدد القتال بالأسلحة الثقيلة والقذائف بين السنة والشيعة.

وفي غضون أربعين عاماً، خسر علي غلام شقيقه وابن شقيقه فيما جُرح ثلاثة من أشقائه أيضاً.

ويؤكد الرجل الشيعي البالغ 72 عاماً: «لم أعرف السلام يوماً وليس لدي أمل كبير لأولادي وأحفادي لأن لا ثقة لي مطلقاً بالدولة».

ويقول أكبر خان من لجنة حقوق الإنسان في باكستان إنه في السابق «كانت الدولة تساند مجالس الجيرغا وكانت هذه المجالس القبلية تنجح في تحقيق نتائج».

ويضيف: «لكن اليوم لم تعد الدولة تغطي تكلفة استدعائهم»، لأن المسؤولين السياسيين في إسلام آباد منغمسون في الاضطرابات السياسية «ولا يتعاملون بجدية مع أعمال العنف هذه».

قتل 8 أشخاص بينهم 5 عناصر أمن جراء اشتباكات مسلحة مع «إرهابيين» في 3 مناطق بإقليم خيبر بختونخوا شمال غربي باكستان الأسبوع الماضي (متداولة)

لكن في إقليم كورما الشاسع اعتمدت السلطات والقوى الأمنية موقفاً متأنياً. فالإقليم على غرار 6 أقاليم أخرى مجاورة، لم يُضم رسمياً إلى مقاطعة باكستانية إلا في عام 2018.

وكان قبل ذلك ضمن ما يسمى «مناطق قبلية تحت الإدارة الفيدرالية» وكان يحظى تالياً بوضع خاص وكانت المؤسسات الرسمية تترك مجالس الجيرغا تتصرف.

وفي حين كانت حركة «طالبان» الأفغانية تقوم بدور الوسيط في خضم العنف الطائفي في نهاية العقد الأول من الألفية، يؤكد سكان راهناً أن بعض القضاة يفضلون أن توافق مجالس جيرغا على أحكامهم لكي تحترم.

بن لادن - «طالبان»

يقول مالك عطاء الله خان، وهو من الوجهاء القبليين الذين وقعوا اتفاقاً في 2007 كان من شأنه إحلال السلام في كورام، إن «السلطات لا تتولى مسؤولياتها».

ويشير خصوصاً إلى مفارقة بأن كورام هو الإقليم الوحيد بين الأقاليم التي ضمت حديثاً، حيث «السجل العقاري مكتمل». لكنه يضيف: «رغم ذلك تستمر النزاعات على أراضٍ وغابات في 7 أو 8 مناطق».

ويرى أن في بلد يشكل السنة غالبية سكانه في حين يشكل الشيعة من 10 إلى 15 في المائة، «تحول جماعات دينية هذه الخلافات المحلية إلى نزاعات دينية».

فلا يكفي أن كورام تقع في منطقة نائية عند حدود باكستان وأفغانستان. فيجد هذا الإقليم نفسه أيضاً في قلب تشرذمات العالم الإسلامي بين ميليشيات شيعية مدعومة من طهران وجماعات سنية تلقى دعماً مالياً.

في عام 1979، أحدث الشيعة ثورتهم في إيران فيما دخل المجاهدون السنة في كابل في حرب مع الجيش السوفياتي الذي غزا البلاد، في حين اختار الديكتاتور الباكستاني ضياء الحق معسكر المتشددين السنة.

وقد تحول الكثير من هؤلاء إلى حركة «طالبان» في وقت لاحق لمواجهة إيران وإقامة «دولة إسلامية» وتوفير عناصر للتمرد المناهض للهند في كشمير.

«سننتقم له»

تقع كورام بمحاذاة كهوف أفغانية كان يختبئ فيها زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، وكانت حتى الآن معروفة، خصوصاً بأزهارها التي تتغنى بها قصائد الباشتون. ويقول خان: «إلا أنها استحالت الآن منصة لإرسال أسلحة إلى أفغانستان. كل عائلة كانت تملك ترسانة في منزلها».

لم يسلم أحد هذه الأسلحة إلى السلطات. في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) عندما أضرم شيعة النار في منازل ومتاجر في سوق سنية في باغان رداً على الهجوم على الموكب قبل يومين، سمع إطلاق النار من الطرفين.

وقد حاصرت النيران ابن عم سيد غني شاه في متجره.

ويروي شاه لوكالة الصحافة الفرنسية: «منعنا والديه من رؤية جثته لأنه كان يستحيل التعرف عليها. كيف عسانا نقيم السلام بعد ذلك؟ ما إن تسنح الفرصة سننتقم له».

أما فاطمة أحمد فقد فقدت كل أمل في 21 نوفمبر. فقد كان زوجها في طريقه لتسجيلها في كلية الطب في إسلام آباد بعدما ناضلت من أجل إقناع عائلتها بالسماح لها بمتابعة دروسها.

إلا أنه لم يعد. وتقول أرملته البالغة 21 عاماً إنها لا تريد «العيش بعد الآن من دونه». وتؤكد: «لم يقتلوا زوجي فحسب بل قتلوا كل أحلامي معه».