أعلن الموفد الدولي والعربي إلى سوريا، الأخضر الإبراهيمي، أمس، انتهاء المفاوضات بين وفدي الحكومة والمعارضة السوريين التي وصلت إلى طريق مسدود بعد ثلاثة أسابيع من بدئها في جنيف، من دون أن يعلن موعدا جديدا. وبعد جلسة مقتضبة شابها التوتر والخلافات بين الطرفين، صرح الناطق باسم وفد المعارضة السورية في جنيف، لؤي صافي، بأن جولة ثالثة من المفاوضات مع الحكومة السورية من دون حديث عن انتقال سياسي ستكون «مضيعة للوقت».
وقال الإبراهيمي، في مؤتمر صحافي عقده في ختام المحادثات أمس: «أعتقد أنه من الأفضل أن يعود كل طرف إلى دياره ويفكر في مسؤولياته ويقول ما إذا كان يريد أن تستمر هذه العملية». وبعد رفض وفد الحكومة السورية جدول الأعمال، قرر الإبراهيمي أن يعود كل طرف إلى دياره من دون تحديد موعد جديد، لإعطاء الوقت للجميع للتفكير.
وقال الإبراهيمي: «إن الحكومة تعد أهم مسألة هي الإرهاب، في حين ترى المعارضة أن الأهم هو سلطة الحكومة الانتقالية، اقترحنا أن نتحدث في اليوم الأول عن العنف ومحاربة الإرهاب وفي الثاني عن السلطة الحكومية، مع العلم أن يوما واحدا غير كاف للتطرق إلى كل موضوع».
وأضاف: «للأسف، رفضت الحكومة، مما أثار الشك لدى المعارضة في أنهم لا يريدون التطرق إطلاقا إلى السلطة الحكومية الانتقالية»، حسب ما أوردته وكالة الصحافة الفرنسية.
وأعرب الإبراهيمي عن «الأسف» واعتذر «من الشعب السوري الذي علق آمالا كبيرة» على هذه المفاوضات. وقال: «أعتذر للشعب السوري، لأن آمالهم كانت عالية للغاية بأن شيئا سيتحقق هنا.. أعتذر لهم لأننا لم نحقق الكثير في هاتين الجولتين».
وتابع: «آمل أن يفكر الجانبان بشكل أفضل، وأن يعودا لتطبيق (إعلان جنيف)» الذي اتفق عليه في يونيو (حزيران) 2012 من قبل الدول العظمى كتسوية سياسية للنزاع المستمر منذ نحو ثلاث سنوات.
وأضاف الإبراهيمي: «آمل أن تدفع فترة التأمل الحكومة خصوصا إلى طمأنة الجانب الآخر بأنه عندما يجري التحدث عن تطبيق (إعلان جنيف) أن يفهموا أن على السلطة الحكومية الانتقالية أن تمارس كل السلطات التنفيذية. بالتأكيد، محاربة الإرهاب أمر لا غنى عنه».
وممارسة «كامل السلطات التنفيذية» تعني حرمان الرئيس بشار الأسد من صلاحياته حتى وإن لم يكن ذلك مكتوبا صراحة في البيان، ولهذا السبب يأتي تعطيل دمشق.
ويستعد الإبراهيمي لتقديم تقريره لمجلس الأمن الدولي وإلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون خلال أيام من الآن، وفق مصادر دبلوماسية غربية.
وجاءت تصريحات الإبراهيمي بعد جلسة مقتضبة بين وفد النظام السوري ووفد المعارضة سادها التوتر والخلافات. وقال أحمد الجقل، في وفد المعارضة، لوكالة الأنباء الألمانية: «كانت الجلسة قصيرة وشابها التشنج والتوتر، وأعتقد أن وفد النظام بات يشعر جديا بأنه مهدد كسلطة قائمة.
وأضاف بعد خروج الوفدين من جلسة مشتركة بإشراف الإبراهيمي: «الجلسة المشتركة اليوم (أمس) كانت أقرب إلى أن تكون بروتوكولية إن جاز التعبير، ولم يكن لها جدول أعمال يذكر، ومن هنا كل وفد تمسك بموقفه ولم يبلغنا السيد الإبراهيمي أي موعد عن الدورة الثالثة».
من جانبه، قال الناطق باسم وفد المعارضة، لؤي صافي، إن جولة ثالثة من المفاوضات مع الحكومة السورية من دون حديث عن انتقال سياسي ستكون «مضيعة للوقت». وأضاف: «النظام ليس جديا.. لم نأت لمناقشة بيان جنيف، بل لتطبيقه».
وفي غضون ذلك، قال وفد النظام السوري إن جولة المحادثات اختتمت دون الاتفاق على مشروع جدول أعمال رغم «موافقة وفد الجمهورية العربية السورية عليه». ونقلت وكالة الأنباء السورية (سانا) عن وفد الحكومة قوله إنه «وافق على مشروع جدول الأعمال، لكن ثمة من يصر على جعل الإرهاب ثانويا». وأشار إلى أن وفد الائتلاف «يريد جعل الحكومة الانتقالية أولوية». وأضاف: «من يدع رغبته في وقف العنف فعليه أن يقبل بمكافحة الإرهاب».
من جهة أخرى، أعلن وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، أمس، أن فرنسا «تدين موقف النظام السوري الذي عرقل أي تقدم» في مفاوضات جنيف. وقال فابيوس في بيان أوردته وكالة الصحافة الفرنسية إن «الجولة الثانية من المفاوضات انتهت لتوها من دون نجاح في جنيف. إنني أدين موقف النظام السوري الذي عرقل أي تقدم نحو تشكيل حكومة انتقالية وكثف أعمال العنف بحق السكان المدنيين».
في المقابل، أشاد الوزير الفرنسي بـ«شجاعة الائتلاف الوطني السوري (المعارض) وحس المسؤولية لديه عبر تبني موقف بناء طوال المفاوضات». وأضاف أن «من لديهم تأثير في النظام عليهم أن يدفعوه في أسرع وقت إلى احترام مطالب المجتمع الدولي»، في إشارة واضحة إلى روسيا الداعمة للنظام السوري.
وفي سياق اخر، اتهمت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، أمس، طرفي النزاع في سوريا (النظام والمعارضة) بعدم احترم المبادئ الأساسية لقانون المساعدات الإنسانية الدولي على الرغم من إجلاء سوريين محاصرين من مدينة حمص القديمة. وفي حين أعلن محافظ المدينة طلال البرازي: «تسوية أوضاع 32 مدنيا تتراوح أعمارهم بين 15 و55 عاما»، قال إنهم «سيخرجون من أماكن تواجدهم»، كثفت القوات النظامية قصفها على مدينة يبرود التي تسيطر عليها المعارضة بالقرب من الحدود اللبنانية.
ونقلت وكالة الأنباء الألمانية عن ناشطين معارضين قولهم إن «القوات النظامية السورية تستخدم القصف الجوي والبري على يبرود»، في حين برر التلفزيون الرسمي السوري العملية بـ«القضاء على الجماعات الإرهابية المسلحة». ولفت المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى وجود محاولات على الأرض للتسلل إلى يبرود من قبل القوات النظامية فشلت بسبب المواجهة الشرسة من جانب المعارضة المسلحة.
وقال محمد الحجيري، القاطن في بلدة عرسال اللبنانية شمال شرقي البلاد، القريبة من تلال يبرود، إن «القصف على البلدة متواصل، والمروحيات النظامية تلقي البراميل المتفجرة». وأوضح حجيري، وفق ما نقلته عنه الوكالة ذاتها، أن «نحو 20 عائلة وصلت إلى عرسال بعد هروبها عبر المناطق الجبلية (بعد منتصف الليل) في الأمطار الغزيرة، وهم على الأغلب نساء وأطفال».
وسارع آلاف السوريين إلى الهرب من يبرود منذ شن الجيش النظامي هجومه الأربعاء الماضي حول آخر معقل للمعارضة في جبال القلمون. وواصل نظام الرئيس السوري بشار الأسد منذ منتصف أكتوبر (تشرين الأول) الماضي هجوما بطيئا، ولكنه ناجح، في المنطقة الاستراتيجية التي تمتد على طول الطريق السريع بين دمشق وحمص وتسيطر على خطوط الإمدادات عبر الحدود اللبنانية.
في موازاة التطورات الميدانية في يبرود، عبر رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر بيتر ماورير، عن قلقه من الظروف التي واكبت إجلاء المحاصرين من حمص القديمة، متهما كلا من «الحكومة والنظام بعدم احترام المبادئ الأساسية لقانون المساعدات الإنسانية الدولي على الرغم من إجلاء سوريين محاصرين من مدينة حمص القديمة».
وفي سياق متصل، أعلن محافظ حمص طلال البرازي عن موافقة «الجهات المختصة تسوية جديدة اليوم لأوضاع 32 من شباب حمص القديمة» الذين احتجزوا لدراسة وضعهم بعد خروجهم من حمص القديمة، بموجب اتفاق إطار العملية الإنسانية التي تشرف عليها الأمم المتحدة.
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن البرازي قوله إن «الأشخاص الذين جرت تسوية وضعهم سيخرجون بالتعاون مع الأمم المتحدة ومنظمة الهلال الأحمر العربي السوري إلى الأماكن التي يرغبون فيها، سواء لدى عائلاتهم أو مراكز إيواء أو إلى المشافي لتلقي العلاج المناسب لمحتاجيه».
من جهة أخرى، أفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» بأن أكثر من 140 ألفا قضوا منذ بدء النزاع السوري، لافتا إلى أن «قائمة القتلى شملت 71141 مدنيا، و21910 من مقاتلي الكتائب المقاتلة، إضافة إلى 2837 من الضحايا مجهولي الهوية، بينما وصل عدد القتلى من المنشقين عن الجيش النظامي إلى 2257».
وأشار المرصد إلى أن «خسائر عناصر اللجان الشعبية، وقوات الدفاع الوطني و(الشبيحة)، بلغت 20608 قتلى، وخسائر المقاتلين من حزب الله اللبناني وصلت إلى 275 قتيلا، بينما بلغت خسائر النظام من مقاتلي الطائفة الشيعية من جنسيات غير سورية 360 قتيلا».