عندما احتل «داعش» الموصل في 10 يونيو (حزيران) من العام الماضي، وسيطر على محافظة نينوى، فإنه خص الأقليات الدينية، وفي مقدمتها الإيزيديون والمسيحيون، بمعاملة خاصة من حيث قسوتها؛ إذ خير التنظيم المسيحيين بين اعتناق الإسلام أو دفع الجزية وإلا القتل؛ مما دفع جميعهم إلى ترك منازلهم في الموصل واللجوء إلى إقليم كردستان أو إلى الخارج.
أما الإيزيديون، فإن ما ارتكب بحقهم يرقى، حسب منظمات دولية، إلى مصافي جرائم إبادة، فقد قتل الآلاف منهم وسبيت الآلاف من نسائهم، وفتياتهم نقلن إلى سوريا؛ حيث بعن واتخذ مسلحو التنظيم المتطرف من بعضهن زوجات.
وإضافة إلى القتل والسبي والتهجير، خسرت أقليات نينوى كل شيء، بل تقدر مصادر مطلعة ما كبده التنظيم هذه المكونات من خسائر مالية بأكثر من مليار دولار.
«الشرق الأوسط» تتناول في الحلقة الثانية من تغطيتها الخاصة بذكرى مرور عام على هجوم «داعش»، أوضاع هذه المكونات بعد مجيء التنظيم المتطرف.
كانت للأقليات الدينية والعرقية في محافظة نينوى حصة الأسد من ممارسات تنظيم داعش الوحشية، منذ سيطرته على المحافظة ومركزها الموصل قبل عام.
المكون الإيزيدي كان من بين أكثر المتضررين، إذ قتل التنظيم المتطرف الآلاف منهم في عمليات إبادة جماعية في سنجار وسنونى والمجمعات الإيزيدية في غرب الموصل وفي بعشيقة وبحزاني، فيما سبيت الآلاف من النساء والفتيات الإيزيديات من قبل مسلحي داعش، ومصير غالبيتهن لا يزال مجهولا، واستولى التنظيم على أموالهن وأملاكهن.
يقول خيري بوزاني، المدير العام لشؤون الإيزيديين في وزارة الأوقاف بحكومة إقليم كردستان لـ«الشرق الأوسط»: «العدد الكلي للإيزيديين في العراق يبلغ 550 ألف نسمة، نزح منهم (400) ألف شخص إلى إقليم كردستان، فيما يبلغ عدد اللاجئين منهم خارج العراق 65 ألف شخص، وبلغ عدد الإيزيديين الذين اختطفهم (داعش) 3500 شخص، أما عدد المفقودين جراء هذه الأحداث فوصل إلى 841 مفقودا، وقتل خلال سيطرة (داعش) على المناطق التي يقطنها الإيزيديون 1280 شخصا، وأصيب 890 آخرون بجروح، وتوفي 280 شخصا آخر جراء ظروف النزوح، في حين بلغ عدد المقابر الجماعية المكتشفة التي تضم رفاه الإيزيديين الذين قتلهم التنظيم بعد تحرير مساحات واسعة من الأراضي من (داعش) 12 مقبرة».
وعن عدد الإيزيديين الذين حرروا من قبضة «داعش»، قال بوزاني: «العدد الكلي للناجين الإيزيديين بلغ حتى الآن 1823 شخصا وهم 705 فتيات ونساء و294 رجلا و418 طفلة و406 أطفال».
المسيحيون هم الآخرون كانوا ضمن المتضررين من سيطرة «داعش» على الموصل وسهل نينوى، فالتنظيم استولى على جميع ممتلكاتهم وجردهم من أوراقهم التعريفية.
وقال المطران نيقوديموس داود متى شرف، رئيس طائفة السريان في الموصل كركوك وإقليم كردستان، لـ«الشرق الأوسط»: «سقوط الموصل بيد تنظيم داعش أتعس ذكرى نستذكرها، فقد هُجر إثر سيطرة التنظيم على المحافظة نحو 125 ألف عائلة مسيحية كانت تسكن الموصل وفي بلدات سهل نينوى، ونزحت هذه العوائل إلى إقليم كردستان وأعداد كبيرة منها هاجرت إلى خارج العراق، ولا توجد إحصائية دقيقة بين أيدينا حول هذه الأعداد، لكنها ليست أقل من ثلاثة آلاف عائلة». وتابع: «المواطنون الذين كانوا يملكون بعض المال عند تركهم الموصل صرفوه على إيجار البيوت، لأنهم لم يتوقعوا أن يستمر بقاء مدينتهم بيد تنظيم داعش عاما كاملا».
أما عضو مجلس محافظة نينوى عن المكون الشبكي، غزوان حامد، فيقول لـ«الشرق الأوسط»: «المكون الشبكي يأتي بالمرتبة الثانية من ناحية الأكثر ضررا بعد الإيزيديين، فلدينا 159 شخصا مخطوفا لدى (داعش) وقتل التنظيم الكثيرين منهم، والآخرون ما زال مصيرهم مجهولا إلى اليوم».
وتابع: «ونهب تنظيم داعش كل ممتلكات الشبك وحيواناتهم، لأن غالبية أبناء هذا المكون كانوا يمتهنون مهنة تربية الحيوانات والزراعة، وخسائرنا كبيرة جدا ولا يمكن حصرها في رقم معين».
بدوره، قال الباحث في شؤون الأقليات العرقية والدينية في محافظة نينوى، خضر دوملي لـ«الشرق الأوسط»: «تعتبر محافظة نينوى مركزا للمكونات الدينية في العراق من إيزيديين ومسيحيين وكاكائيين، وكانت هناك أعداد من الصابئة، ومن ثم المكونات المذهبية كالشبك والتركمان السنة والشيعة، وهؤلاء أصبحوا ضحية السياسة التي اتبعها تنظيم داعش، بعد احتلاله الموصل وسنجار، ولحقت بهم خسائر كبيرة في جميع المجالات، مثلا الخسائر الثقافية والحضارية التي لحقت بهم تمثلت بتدمير أكثر من 21 مزارا إيزيديا، وكذلك دمر التنظيم أكثر من 7 كنائس في مدينة الموصل وأطرافها}.
وأضاف {أما الخسائر المادية، فهي لا تعد ولا تحصى. فمن الناحية الزراعية مضى الآن موسم كامل من الزراعة دون أي نتاج، في حين أن محافظة نينوى بشكل عام وسنجار وتلعفر ومناطق تلكيف والحمدانية بشكل خاص كانت سلة القمح للعراق، وكانت ترفد خزينة العراق بمليارات الدولارات، وهذه المناطق الآن خاضعة لسيطرة (داعش)، فيما تبلغ الخسائر المالية التي تكبدتها الأقليات أكثر من مليار دولار. فقد جمع تنظيم داعش في قرية كوجو الإيزيدية وحدها أكثر من مليار وأربعمائة مليون دينار عراقي. والجزء الآخر من خسائر الأقليات هي خسارة الأرض؛ فهناك تدمير للبيوت والمنازل والمؤسسات، أي أن البنية التحتية لمناطق الأقليات دمرت بالكامل».