أقليات نينوى.. حصة الأسد من فظائع المتطرفين

إبادة جماعية وسبي.. وخسائر مالية تقدر بأكثر من مليار دولار (2ـ3)

إيزيديتان بعد أن أفرج «داعش» عنهما مع آخرين في أبريل الماضي قرب كركوك (رويترز)
إيزيديتان بعد أن أفرج «داعش» عنهما مع آخرين في أبريل الماضي قرب كركوك (رويترز)
TT

أقليات نينوى.. حصة الأسد من فظائع المتطرفين

إيزيديتان بعد أن أفرج «داعش» عنهما مع آخرين في أبريل الماضي قرب كركوك (رويترز)
إيزيديتان بعد أن أفرج «داعش» عنهما مع آخرين في أبريل الماضي قرب كركوك (رويترز)

عندما احتل «داعش» الموصل في 10 يونيو (حزيران) من العام الماضي، وسيطر على محافظة نينوى، فإنه خص الأقليات الدينية، وفي مقدمتها الإيزيديون والمسيحيون، بمعاملة خاصة من حيث قسوتها؛ إذ خير التنظيم المسيحيين بين اعتناق الإسلام أو دفع الجزية وإلا القتل؛ مما دفع جميعهم إلى ترك منازلهم في الموصل واللجوء إلى إقليم كردستان أو إلى الخارج.
أما الإيزيديون، فإن ما ارتكب بحقهم يرقى، حسب منظمات دولية، إلى مصافي جرائم إبادة، فقد قتل الآلاف منهم وسبيت الآلاف من نسائهم، وفتياتهم نقلن إلى سوريا؛ حيث بعن واتخذ مسلحو التنظيم المتطرف من بعضهن زوجات.
وإضافة إلى القتل والسبي والتهجير، خسرت أقليات نينوى كل شيء، بل تقدر مصادر مطلعة ما كبده التنظيم هذه المكونات من خسائر مالية بأكثر من مليار دولار.
«الشرق الأوسط» تتناول في الحلقة الثانية من تغطيتها الخاصة بذكرى مرور عام على هجوم «داعش»، أوضاع هذه المكونات بعد مجيء التنظيم المتطرف.

كانت للأقليات الدينية والعرقية في محافظة نينوى حصة الأسد من ممارسات تنظيم داعش الوحشية، منذ سيطرته على المحافظة ومركزها الموصل قبل عام.
المكون الإيزيدي كان من بين أكثر المتضررين، إذ قتل التنظيم المتطرف الآلاف منهم في عمليات إبادة جماعية في سنجار وسنونى والمجمعات الإيزيدية في غرب الموصل وفي بعشيقة وبحزاني، فيما سبيت الآلاف من النساء والفتيات الإيزيديات من قبل مسلحي داعش، ومصير غالبيتهن لا يزال مجهولا، واستولى التنظيم على أموالهن وأملاكهن.
يقول خيري بوزاني، المدير العام لشؤون الإيزيديين في وزارة الأوقاف بحكومة إقليم كردستان لـ«الشرق الأوسط»: «العدد الكلي للإيزيديين في العراق يبلغ 550 ألف نسمة، نزح منهم (400) ألف شخص إلى إقليم كردستان، فيما يبلغ عدد اللاجئين منهم خارج العراق 65 ألف شخص، وبلغ عدد الإيزيديين الذين اختطفهم (داعش) 3500 شخص، أما عدد المفقودين جراء هذه الأحداث فوصل إلى 841 مفقودا، وقتل خلال سيطرة (داعش) على المناطق التي يقطنها الإيزيديون 1280 شخصا، وأصيب 890 آخرون بجروح، وتوفي 280 شخصا آخر جراء ظروف النزوح، في حين بلغ عدد المقابر الجماعية المكتشفة التي تضم رفاه الإيزيديين الذين قتلهم التنظيم بعد تحرير مساحات واسعة من الأراضي من (داعش) 12 مقبرة».
وعن عدد الإيزيديين الذين حرروا من قبضة «داعش»، قال بوزاني: «العدد الكلي للناجين الإيزيديين بلغ حتى الآن 1823 شخصا وهم 705 فتيات ونساء و294 رجلا و418 طفلة و406 أطفال».
المسيحيون هم الآخرون كانوا ضمن المتضررين من سيطرة «داعش» على الموصل وسهل نينوى، فالتنظيم استولى على جميع ممتلكاتهم وجردهم من أوراقهم التعريفية.
وقال المطران نيقوديموس داود متى شرف، رئيس طائفة السريان في الموصل كركوك وإقليم كردستان، لـ«الشرق الأوسط»: «سقوط الموصل بيد تنظيم داعش أتعس ذكرى نستذكرها، فقد هُجر إثر سيطرة التنظيم على المحافظة نحو 125 ألف عائلة مسيحية كانت تسكن الموصل وفي بلدات سهل نينوى، ونزحت هذه العوائل إلى إقليم كردستان وأعداد كبيرة منها هاجرت إلى خارج العراق، ولا توجد إحصائية دقيقة بين أيدينا حول هذه الأعداد، لكنها ليست أقل من ثلاثة آلاف عائلة». وتابع: «المواطنون الذين كانوا يملكون بعض المال عند تركهم الموصل صرفوه على إيجار البيوت، لأنهم لم يتوقعوا أن يستمر بقاء مدينتهم بيد تنظيم داعش عاما كاملا».
أما عضو مجلس محافظة نينوى عن المكون الشبكي، غزوان حامد، فيقول لـ«الشرق الأوسط»: «المكون الشبكي يأتي بالمرتبة الثانية من ناحية الأكثر ضررا بعد الإيزيديين، فلدينا 159 شخصا مخطوفا لدى (داعش) وقتل التنظيم الكثيرين منهم، والآخرون ما زال مصيرهم مجهولا إلى اليوم».
وتابع: «ونهب تنظيم داعش كل ممتلكات الشبك وحيواناتهم، لأن غالبية أبناء هذا المكون كانوا يمتهنون مهنة تربية الحيوانات والزراعة، وخسائرنا كبيرة جدا ولا يمكن حصرها في رقم معين».
بدوره، قال الباحث في شؤون الأقليات العرقية والدينية في محافظة نينوى، خضر دوملي لـ«الشرق الأوسط»: «تعتبر محافظة نينوى مركزا للمكونات الدينية في العراق من إيزيديين ومسيحيين وكاكائيين، وكانت هناك أعداد من الصابئة، ومن ثم المكونات المذهبية كالشبك والتركمان السنة والشيعة، وهؤلاء أصبحوا ضحية السياسة التي اتبعها تنظيم داعش، بعد احتلاله الموصل وسنجار، ولحقت بهم خسائر كبيرة في جميع المجالات، مثلا الخسائر الثقافية والحضارية التي لحقت بهم تمثلت بتدمير أكثر من 21 مزارا إيزيديا، وكذلك دمر التنظيم أكثر من 7 كنائس في مدينة الموصل وأطرافها}.
وأضاف {أما الخسائر المادية، فهي لا تعد ولا تحصى. فمن الناحية الزراعية مضى الآن موسم كامل من الزراعة دون أي نتاج، في حين أن محافظة نينوى بشكل عام وسنجار وتلعفر ومناطق تلكيف والحمدانية بشكل خاص كانت سلة القمح للعراق، وكانت ترفد خزينة العراق بمليارات الدولارات، وهذه المناطق الآن خاضعة لسيطرة (داعش)، فيما تبلغ الخسائر المالية التي تكبدتها الأقليات أكثر من مليار دولار. فقد جمع تنظيم داعش في قرية كوجو الإيزيدية وحدها أكثر من مليار وأربعمائة مليون دينار عراقي. والجزء الآخر من خسائر الأقليات هي خسارة الأرض؛ فهناك تدمير للبيوت والمنازل والمؤسسات، أي أن البنية التحتية لمناطق الأقليات دمرت بالكامل».



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.