الشعراء الإيرانيون في طليعة المواجهة

النظام استخدم لإسكاتهم خليطا من الرشوة والمداهنة والقتل الصريح والإعدامات

الشاعر أحمد شاملو
الشاعر أحمد شاملو
TT

الشعراء الإيرانيون في طليعة المواجهة

الشاعر أحمد شاملو
الشاعر أحمد شاملو

في قصيدته «الفاكهة المرة»، نجد منوچهر يكتايي يلتقط فاكهة البرقوق الرطب اللامع ليقتسمها مع ابنه الشاب. وعلى الرغم من ذلك، فعندما يمتص يكتايي تلك الفاكهة يدرك أن طعمها يصير مرا بشكل أكثر وأكثر. وبعد ذلك بقليل، يشعر بأن تلك الفاكهة هي الفاكهة المحرمة التي ستؤدي إلى قتله. ويشعر ابنه أيضا بالمذاق المر لتلك الفاكهة ويلفظ هذه الفاكهة من فمه لتسقط عصارتها ذات اللون الأحمر على ردائه الأبيض. ومن ثم، فإن الفاكهة المحرمة التي تناولها يكتايي تعد رمزا للثورة التي كانت تحلم بها أجيال من الشعراء الإيرانيين وكتبوا عنها. ومع ذلك، صار الوقت متأخرا للغاية بالنسبة لجيله لكي يلفظ هذه الفاكهة المميتة للخارج، بيد أنه يمكن لهذا الشاب - الذي يمثل جيل المستقبل - أن ينقذ نفسه من خلال فعل هذا الأمر.
يعد يكتايي واحدا من بين أربعة شعراء إيرانيين جرى ترشيحهم لجائزة نوبل في الأدب. وهو يعيش الآن - وقد أوشك أن يتم الثمانين من عمره - في منفاه في نيويورك، واشتهر هناك بأنه أحد الرسامين المعاصرين.
كان يكتايي من بين شعراء الجيل الثاني من الشعراء الإيرانيين الذين جرى إغراؤهم أو أغروا أنفسهم بفكرة الثورة الواردة من فرنسا وعبر روسيا في القرن التاسع عشر.
ومع ذلك لم تكن حتى كلمة الثورة موجودة في اللغة الفارسية، ولذلك، وفي أوائل القرن العشرين، ذكر الشاعر ايراج ميرزا جليلي كلمة «انقلاب» التي تعني «طقسا عاصفا» في اللغة الفارسية، وانقلابا عسكريا في اللغة العربية. وبحلول عام 1940، كان من الضروري للشاعر أن يكون «انقلابيا» أو «ثوريا»، مما كان له أثر مدمر على إيران بسبب أمرين.
أولا، تعتبر إيران واحدة من الدول القليلة التي يوجد بها جمهور كبير متابع للشعر والشعراء، ومن بين الدول الأخرى روسيا، وبدرجة أقل إنجلترا. وفي إيران، صار الشعراء من المشاهير، حتى إن شهرة بعض الشعراء تجاوزت شهرة نجوم السينما. وكان يمكن غالبا أن تجذب حلقات الشعر العامة الآلاف من الأشخاص. وحتى فترة خمسينات القرن الماضي، كانت مكانة «ملك الشعراء» من أكثر الأمور المرغوبة على مستوى القيادة الوطنية. ونجد المواطن الإيراني المتعلم تعليما متوسطا يحفظ آلاف الأبيات الشعرية عن ظهر قلب، بينما يستمع الأهالي العاديون إلى القصائد التي تجري قراءتها بصوت مسموع وإلقاؤها في المقاهي والفنادق والأسواق. ومن ثم، عندما صار الشعراء ثوريين. انتشر ذلك الأمر عبر المجتمع. وبمعنى آخر، نجد أن الشعر هو الذي صنع فكرة الثورة كفكرة مشروعة ومرغوبة. وبحلول منتصف فترة سبعينات القرن الماضي، صار تقريبا كل الشعراء الإيرانيين البارزين - ومعظمهم من أصدقائي المقربين - ثوريين. (وكان من أبرز الشعراء الذين لم تشملهم تلك القائمة سهراب سبهري وفريدون رهنما ونادر نادربور وشرف الدين خراساني).
كان شعراؤنا الثوريون لديهم فكرة غامضة بشأن ما يمكن أن تعنيه الثورة الإيرانية التي قادها الملالي. وكان لديهم رؤية رومانسية بشأن الثورة بحيث يظهر فجر عصر جديد يتمتع فيه الشعب بالسعادة والحرية والترف. وستتمتع المرأة بالجمال والأناقة والمساواة، كما سيغني الشعب ويرقص في ميادين المدن. ولم يتخيل أحد أن تكون هناك ثورة تتسم بوجود أشخاص بلحية وعمامة وحجاب.
أما بالنسبة للأمر الثاني، فإنه يتمثل في السبب وراء كون الخداع الثوري لشعرائنا مضرا بدرجة عالية، مما أدى إلى تكوين الانطباع بأن الأمور ستكون سهلة عندما تأتي التحولات الاجتماعية السياسية العميقة. كان من الكافي أن يتحول الأفراد - وفقا لما ذكره حميد مصدق - إلى أشخاص يعملون من أجل إيران بهدف خلق «جنة على الأرض». وقام نعمت ميرزازاديه بالغناء ممتدحا «الإمام المقبل» الذي سيؤدي إلى وجود حقبة جديدة من الحرية والرخاء بمجرد تمني هذه الأمور.
وعلى الرغم من ذلك، أدرك الكثير من الشعراء، الذين يتمتعون بحس استشعار اجتماعي قوي، أن الثورة التي أتت بالملالي إلى مقاليد الحكم لا يمكن أن تزيد الحريات للأفراد والجماعات، وأن تلك الثورة لا يمكن أن تفعل شيئا سوى تقليل هذه الحريات.
كتب أحمد شاملو قصيدته المشهورة التي أدان فيها نظام الإرهاب الذي يتبعه الخميني بعد شهور فقط من استحواذ الملالي على السلطة. وفي تلك القصيدة أعرب شاملو عن حزنه بشأن «توقف الكناري عن الغناء بعد استخدامها في الشواء لكي تؤكل مثل الكباب» - مشيرا في هذا الصدد إلى الحظر الذي فرضه الخميني على الموسيقى التي ظلت حبيسة لمدة الـ35 عاما التالية. وانتقد نادربور - الذي كان معاديا للثورة منذ بدايتها - النظام الجديد الذي يحكم باستخدام «الروح الشريرة» - أي الشيطان حسبما هو مذكور في الأساطير الإيرانية. وبعد فترة قصيرة، أعربت سيمين بهبهاني، التي كانت واحدة من أوائل المتحمسين للثورة، عن خيبة أملها الكبيرة بشأن الثورة في سلسلة من السونيتات (قصيدة مكونة من 14 بيتا)، مما جعلها تتقلد أعظم مكانة بين الشعراء الإيرانيين الذين ما زالوا على قيد الحياة. وبحلول تسعينات القرن الماضي تحول موقف جميع الشعراء الإيرانيين البارزين - مع وجود القليل من الاستثناءات - إلى معاداة نظام الخميني. وكان ندمي الشديد متمثلا في أن قائمة الشعراء الذين لم ينتهجوا نفس هذا النهج ضمت شاعرين من أصدقائي القدامى وهما طاهرة صفار زاده ومهرداد أوستا. وحاول أصدقاء آخرون - كان من أبرزهم مهدي أخوان ثالث ومحمد قهرمان - تجنب اتخاذ قرار بشأن ذلك الأمر، مما أدى إلى جعل علي خامنئي - الذي كان سيصبح «المرشد الأعلى» - من بين المعجبين بهما. ومن ثم، ساعد هذا الأمر في بقائهما بعيدا عن التعرض للسجن وعدم الاضطرار إلى العيش في المنفى ونشر بعض أشعارهما.
وبالنسبة للكثير من الشعراء الآخرين، كان مصيرهم الحتمي هو دخول السجن أو التعرض للنفي أو منع نشر قصائدهم. واضطر هوشنك ابتهاج، الذي ربما كان من أعظم كتّاب السونيتات في القرن العشرين، وسياوش كسرايي شاعر البروليتاريا، ويد الله رویایی‎، أبو الشعر الفارسي السريالي، وكذلك بالتأكيد نادربور ويكتايي واصفهاني ولوبات فالا أن يسلكوا نفس الطريق المؤدي إلى التعرض للنفي. وفي خلال فترة حكم الرئيسين رفسنجاني وخاتمي، فرض النظام الخميني نظاما لترخيص عملية النشر، تعرض بموجبه الشعراء الفارسيون الكلاسيكيون لرقابة صارمة.
ومن أجل إسكات صوت الشعراء، استخدم النظام خليطا من الرشوة والمداهنة والإعدام والقتل الصريح. وطالت آخر تلك العمليات من الإعدام والاعتقال جيلا جديدا من الشعراء مع وجود أقليات إثنية ولغوية للتعامل معها كأهداف خاصة.
وعلى الرغم من إطلاق حملة مداهمات شديدة في فترة ولاية الرئيس حسن روحاني، ما زال الشعراء الإيرانيون - داخل البلاد وفي المنفى - لديهم جمهور كبير بشكل يثير الاندهاش. وفضلا عن ذلك، تجري قراءة القصائد - التي ألفها إسماعيل خويي ومحمد جلالي ورضا مقصدي وهادي خرسندی، الذي يعد من أشهر شعراء الهجاء بإيران في الوقت الحالي - في إيران من خلال نسخ مكتوبة سريا أو كتب أو مجلات مهربة من الخارج. وتوضح حالتا الإعدام اللتان حدثتا الأسبوع الماضي للشاعر هاشم شعباني، شاعر إيراني من الأحواز، والشاعر الإيراني خسرو براهوي من البلوش، ناهيك عن اختفاء الشاعر حسن فومين من محافظة غيلان، أن هناك موجة جديدة من الإجراءات الصارمة التي يفرضها النظام. ولكن هذه الموجة تشير أيضا إلى حقيقة أن الشعر يبقى دائما سلاحا في الكفاح ضد النظام القمعي.



الشاعر السوري أدونيس يدعو إلى «تغيير المجتمع» وعدم الاكتفاء بتغيير النظام

أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
TT

الشاعر السوري أدونيس يدعو إلى «تغيير المجتمع» وعدم الاكتفاء بتغيير النظام

أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)

دعا الشاعر السوري أدونيس من منفاه في فرنسا الأربعاء إلى "تغيير المجتمع" في بلده وعدم الاكتفاء بتغيير النظام السياسي فيه بعد سقوط الرئيس بشار الأسد.

وقال أدونيس (94 عاما) خلال مؤتمر صحافي في باريس قبيل تسلّمه جائزة أدبية "أودّ أولا أن أبدي تحفّظات: لقد غادرتُ سوريا منذ العام 1956. لذلك أنا لا أعرف سوريا إذا ما تحدّثنا بعمق". وأضاف "لقد كنت ضدّ، كنت دوما ضدّ هذا النظام" الذي سقط فجر الأحد عندما دخلت الفصائل المسلّحة المعارضة إلى دمشق بعد فرار الأسد إلى موسكو وانتهاء سنوات حكمه التي استمرت 24 عاما تخلّلتها منذ 2011 حرب أهلية طاحنة.

لكنّ أدونيس الذي يقيم قرب باريس تساءل خلال المؤتمر الصحافي عن حقيقة التغيير الذي سيحدث في سوريا الآن. وقال "أولئك الذين حلّوا محلّه (الأسد)، ماذا سيفعلون؟ المسألة ليست تغيير النظام، بل تغيير المجتمع". وأوضح أنّ التغيير المطلوب هو "تحرير المرأة. تأسيس المجتمع على الحقوق والحريات، وعلى الانفتاح، وعلى الاستقلال الداخلي".

واعتبر أدونيس أنّ "العرب - ليس العرب فحسب، لكنّني هنا أتحدّث عن العرب - لا يغيّرون المجتمع. إنّهم يغيّرون النظام والسلطة. إذا لم نغيّر المجتمع، فلن نحقّق شيئا. استبدال نظام بآخر هو مجرد أمر سطحي". وأدلى الشاعر السوري بتصريحه هذا على هامش تسلّمه جائزة عن مجمل أعماله المكتوبة باللغتين العربية والفرنسية.

ونال أدونيس جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس وتحمل اسم شاعر كتب باللغتين الكتالونية والإسبانية.