محافظ حمص يعلن تمديد الهدنة الإنسانية لإجلاء المدنيين للمرة الثانية

لندن وواشنطن طالبتا دمشق بالإفراج عن رجال أوقفتهم بعد خروجهم

طلال البرازي
طلال البرازي
TT

محافظ حمص يعلن تمديد الهدنة الإنسانية لإجلاء المدنيين للمرة الثانية

طلال البرازي
طلال البرازي

أعلن محافظ حمص طلال البرازي أمس تمديد الهدنة الإنسانية في المدينة لثلاثة أيام إضافية، للمرة الثانية على التوالي، تمهيدا لإجلاء المزيد من أهالي الأحياء المحاصرة، في حين طالبت لندن وواشنطن أمس بالإفراج عن عشرات الرجال الذين أوقفهم الأمن السوري للتحقيق معهم بعد خروجهم.
وقال البرازي إنه «جرى تمديد وقف إطلاق النار لثلاثة أيام اعتبارا من يوم أمس لإفساح المجال أمام خروج باقي المدنيين». لكن متحدثا باسم الهلال الأحمر السوري قال لـ«الشرق الأوسط» إنه «لم يجرِ إجلاء أي من المدنيين أمس من أحياء حمص المحاصرة»، رافضا ذكر الأسباب، في وقت كان البرازي قد أشار فيه قبل يومين إلى صعوبات «لوجيستية» تتمثل في عدم إيجاد معابر آمنة لإخراج المدنيين من بعض الأحياء المتباعدة جغرافيًّا بعضها عن بعض.
وكان البرازي أشار في تصريحات لوكالة رويترز أمس إلى إجلاء 1400 شخص من المدينة القديمة المحاصرة منذ يوم الجمعة الماضي، تاريخ بدء سريان وقف إطلاق النار، نتيجة اتفاق بين النظام والمعارضة بإشراف الأمم المتحدة أقر خلال الجولة الأولى من مفاوضات «جنيف2».
وفي حين أوضح محافظ حمص أن «220 شخصا (من إجمالي المغادرين) ما زالوا ينتظرون تسوية أوضاعهم»، ما يعني احتجازهم من قبل الأمن السوري للتحقيق معهم، لافتا إلى «تسوية أوضاع 70 شخصا أمس»، غداة إعلانه أول من أمس تسوية أضاع نحو مائة شخص آخرين، تفترض السلطات السورية أنهم في سن القتال (15 - 55 سنة)، يؤكد ناشطون معارضون «الإفراج عن عدد قليل جدا، في حين أن الآخرين لا يزالون محتجزين».
وطالبت كل من لندن وواشنطن السلطات السورية بالإفراج عن الشبان والرجال الموقوفين، فأكد وزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ أنه «من العار أن يقوم النظام السوري باحتجاز واستجواب رجال وفتيان جرى إجلاؤهم» من المدينة. وقال في بيان أمس: «نحتاج أجوبة عاجلة عن مصيرهم، ويجب الإفراج عنهم فورا».
وجاء موقف هيغ بعد تحذير المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية إدغار فاسكيز، في وقت متأخر من ليل الأربعاء، من أن «أي محاولة لإبقائهم قيد الاعتقال العشوائي ستكون غير مقبولة». وقال: «على النظام (السوري) أن يعلم أن العالم أجمع يشاهد بقلق كبير ما يجري في حمص ووضع الرجال الذين يجري إجلاؤهم»، متابعا: «النظام أكد أنه سيفرج عن الرجال بعد التحقيق، ونأمل أن يفي بالتزامه، لكن نظرا لسلوكه في الماضي لا يسع المجتمع الدولي أن يثق بكلمته، ولذلك فإنه متيقظ حيال مصير هؤلاء الرجال».
وكانت الأمم المتحدة قدرت حتى مساء الثلاثاء الماضي عدد الرجال الذين احتجزتهم السلطات السورية بـ336 رجلا أفرج عن 152 منهم بعد أن خضعوا للتحريات.
ويأتي إجلاء المدنيين من أحياء حمص الخاضعة لسيطرة كتائب عسكرية تابعة للمعارضة، بعد حصار خانق فرضته القوات النظامية منذ نحو عشرين شهرا. ويعاني المدنيون الذين لازموا منازلهم من الجوع ونقص فادح في الأدوية والحاجات الأساسية. وكان عدد سكان الأحياء القديمة التي تبلغ مساحتها نحو كيلومترين مربعين وبات أغلبها ركاما، قبل بدء عملية الإجلاء، نحو ثلاثة آلاف.
وعبر ناشطون لا يزالون داخل الأحياء المحاصرة عن رغبتهم في الخروج، لكنهم طالبوا في تصريحات نقلتها وكالة الصحافة الفرنسية بـ«ضمانات أمنية». وقال وزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ في بيانه أمس إن هناك «خطرا حقيقيا في أن يستخدم إجلاء المدنيين ذريعة لشن هجمات أكثر عنفا على حمص»، مطالبا «الأسرة الدولية بأن تتوخى أقصى درجات الحذر في هذا الخصوص». وتابع: «هذه التطورات تساهم في تأكيد ضرورة إصدار قرار في مجلس الأمن الدولي نمارس ضغوطا بشأنه في نيويورك».
وسعت دول غربية وعربية إلى تمرير مشروع قرار في مجلس الأمن حول الوضع الإنساني في سوريا يطالب بـ«رفع فوري» للحصار عن مدن عدة بينها حمص، ويدين قصف المناطق من جانب النظام بالبراميل المتفجرة و«الاعتداءات الإرهابية». لكن موسكو رفضت المشروع ورأت أنه ينطوي على «تحذير للنظام»، وتقدمت خلال الساعات الماضية بمشروع جديد.
ونقل تقرير لوكالة رويترز معلومات أفادت بأن الرجال الذين أجلوا أول من أمس «غطوا وجوههم بينما استخدم جنود من الجيش السوري هواتف جوالة في محاولة لالتقاط صور، لاعتقادهم أن بعض من يجري إجلاؤهم من مدينة حمص هم من أفراد المعارضة المسلحة الذين كانوا يحاربون في المدينة». وذكر أنه «سمع جنديا سوريا يقول لآخر (ها هم الأوغاد) بينما كان يرفع هاتفه عاليا لالتقاط صورة أوضح لرجال ينزلون من حافلة نقلتهم وآخرين من مدينة حمص المحاصرة». وقال آخر قبل أن يطلب منه محافظ حمص أن يكف عن هذا الكلام، وفق رويترز، إنه «كان يجب إخراج هؤلاء الرجال في أكفان»، ما دفع بالبرازي الذي يشرف على الهدنة إلى أن يطالبهم عبر مكبر للصوت ألا يرفعوا هواتفهم.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».