توافق غربي على ضرورة بناء مفاوضات جنيف على أسس مخرجات {الحوار} اليمني والقرار 2216

الخارجية الأميركية: تفاؤل حذر حول المفاوضات

توافق غربي على ضرورة بناء مفاوضات جنيف على أسس مخرجات {الحوار} اليمني والقرار 2216
TT
20

توافق غربي على ضرورة بناء مفاوضات جنيف على أسس مخرجات {الحوار} اليمني والقرار 2216

توافق غربي على ضرورة بناء مفاوضات جنيف على أسس مخرجات {الحوار} اليمني والقرار 2216

بينما يكثف المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد مشاوراته من أجل توفير شروط انعقاد ونجاح مؤتمر الحوار المنتظر أن يلتئم في مدينة جنيف السويسرية خلال الأسبوعين المقبلين، أفادت مصادر غربية تحدثت إليها «الشرق الأوسط» أمس أن هناك توافقا على إبقاء قرار الأمم المتحدة 2216 الصادر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي ومخرجات الحور الوطني أساسا للمفاوضات بين اليمنيين.
وفي باريس، أوضحت مصادر فرنسية رسمية لـ«الشرق الأوسط» أن موقف باريس «ثابت وواضح» ويختصر في دعم جهود الأمم المتحدة في الأزمة اليمنية ما تمثل في الدور الذي لعبته فرنسا في التوصل إلى استصدار القرار 2216 ودعم العودة إلى مسار سياسي تشرف عليه المنظمة الدولية.
وترى باريس أن نجاح المؤتمر الحواري يفترض توفر شرطين متلازمين، الأول: أن يكون شاملا لكل الأطراف اليمنية، وهو ما يسعى إليه إسماعيل ولد الشيخ أحمد، والثاني: أن ينهض على «الأسس الحقيقية» التي تتكون من مخرجات الحوار اليمني الوطني السابق ومضمون المبادرة الخليجية التي أتاحت البدء بعملية الانتقال السياسي، وخصوصا من القرار الدولي رقم 2216. وبرأي المصادر الفرنسية، فإن هذه الأسس الثلاثة تشكل «الإطار العام» الذي يجب أن يندرج الحوار المطلوب في جنيف ضمنه. وتضيف هذه المصادر أن مؤتمر الرياض الأخير ينظر إليه على أنه «مرحلة من مراحل العودة إلى الحوار السياسي وليس إطارا له».
بيد أن الجانب الفرنسي يعي تعقيدات المشهد اليمني وتداخلاته واختلاف الرؤية بالنسبة لتطبيق مضمون القرار 2216. ولذا، فإن المصادر التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط» ومن باب الواقعية السياسية، ترى أنه يعود للأطراف المتحاورة في جنيف أن «تحدد أشكال وروزنامة تطبيق فقرات القرار الدولي المذكور»، بمعنى أن تطبيقه «يجب ألا يشكل شرطا مسبقا للذهاب إلى الحوار السياسي، بل إن الحوار السياسي هو ما سيفتح الطريق لتطبيق القرار». وبالمقابل، فإن القبول بالقرار «إطارا للمناقشات» هو ما يفترض أن يكون الشرط المسبق. ولذا، فإن باريس ترى أنه يعود للأطراف اليمنية، عندما تجلس إلى طاولة المفاوضات مع المبعوث الدولي، أن تحدد كيفية تنظيم الحوار السياسي مع الأخذ بعين الاعتبار أنه ينهض على الأسس الثلاثة المذكورة سابقا، وكذلك كيفية وضع مضمون فقرات القرار 2216 موضع التنفيذ، بما فيها انسحاب الميليشيا الحوثية إلى مواقعها السابقة لاحتلالها العاصمة صنعاء وما تبعه، وإخلاء الإدارات وإعادة الأسلحة التي أخذت من مخازن وثكنات الجيش اليمني. وبكلام آخر، يعود للمتحاورين اليمنيين أن يحددوا سرعة التطبيق وأشكاله وأولوياته.
وترى باريس أن الجهة الضامنة هي المبعوث الدولي الذي تصفه بأنه «المحور والوسيط والمقرب بين الأطراف»، وبالتالي يتعين أن تكون المنظمة التي يمثلها هي الضامن لتنفيذ القرارات التي سيفرزها مؤتمر الحوار. ولكن التجربة المستخلصة من وساطة المبعوث السابق جمال بن عمر لا تدفع إلى التفاؤل لجهة قدرة الأمم المتحدة على ضمان تنفيذ الاتفاقات من قبل الحوثيين والقوات الموالية للرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح. والرد الفرنسي أن فشل التجربة السابقة مردها للحوثيين الذين ازدوجت تصرفاتهم وأفعالهم؛ إذ بينما كانوا إلى طاولة المفاوضات احتلوا صنعاء وحلوا الحكومة وأصدروا الإعلان الدستوري واحتلوا مناطق واسعة من اليمن، ونزلوا باتجاه عدن، ووضعوا الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي قيد الإقامة الجبرية ومسؤولين كبار آخرين... ولذا، فإن ما سيحصل في جنيف، وميدانيا في اليمن، «سيبين ما إذا كان الحوثيون ما زالوا يفضلون إبقاء الخيار العسكري مفتوحا أم أنهم يريدون حقيقة حلا سياسيا».
وفي موضع الهدنة التي بدأ التداول بشأنها لشهر رمضان الكريم، فإن باريس ترى أنه «سيكون من الصعب إقرارها ما لم ينطلق الحوار السياسي حيث ستكون الهدنة نتيجة له وليست شرطا للسير فيه.
وكان الملف اليمني قد نوقش خلال اجتماع الوزيرين الفرنسي لوران فابيوس والسعودي عادل الجبير في باريس على هامش اجتماع «المجموعة المصغرة» لدول التحالف التي تقاتل «داعش» الذي استضافته العاصمة الفرنسية أول من أمس.
أما بشأن المحادثات المنفصلة التي تجرى حاليا بين مندوبين أميركيين وممثلين لجماعة الحوثيين، فإن باريس «لا ترى أن الحل سيأتي منها، بل إن الأمم المتحدة هي وحدها المؤهلة لأن توفر ظروف إنجاح الحوار السياسي وشموليته». ولهذا السبب، فإن باريس ترى الحاجة إلى استبعاد كل ما من شأنه أن يشوش على جهود المبعوث الدولي من أجل جمع الأطراف اليمنية وحملها على التوافق على مخرج سياسي للأزمة التي تعصف ببلادها.
وبدوره، أوضح مسؤول في الخارجية الأميركية لـ«الشرق الأوسط»، أمس، أن واشنطن تنظر بـ«تفاؤل حذر» بعد تأكيد الرئيس اليمني عبد ربه هادي الموافقة على المشاركة في مفاوضات جنيف لإنهاء الحرب في اليمن، وبسبب أخبار بأن الحوثيين وافقوا على ذلك أيضا. وقال المسؤول إن مساعدة وزير الخارجية الأميركية آن باترسون في المنطقة، وهي تتابع عن كثب التطورات الدبلوماسية. ولكنه أضاف: «بعد تقلبات التشاؤم والتفاؤل عن اليمن خلال الفترة الأخيرة، لن نطمئن حتى نشاهد الأطراف تجلس حول طاولة واحدة في جنيف». ولفت إلى أن بعض الأطراف تتحدث عن «مشاورات»، مما يعنى أن «المفاوضات» ليست مؤكدة في الوقت الحاضر.
وأضاف: «تبعث باترسون بتقارير منتظمة وهي تتحرك من نقطة إلى نقطة». لكن، رفض المسؤول الحديث عن تفاصيل ما تقوم به باترسون.
وأمس، قالت وكالة الصحافة الفرنسية إن آن بارترسون، مساعدة وزير الخارجية للشرق الأدنى، أجرت محادثات مع قادة حوثيين في سلطنة عمان المجاورة «في محاولة لإقناعهم بالمشاركة في مؤتمر جنيف»، بعد أن كانت «الشرق الأوسط» قد كشفت الأسبوع الماضي عن مشاورات بين الحوثيين والأميركيين. وقالت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية، ماري هارف، إن الهدف من اجتماع باترسون مع عناصر من ميليشيا الحوثي هو «تعزيز وجهة نظرنا بعدم وجود حل غير الحل السياسي للصراع في اليمن، وأن جميع الأطراف، بما في ذلك الحوثيين، ينبغي أن تشارك فيه».
وفي لندن، أوضح ناطق باسم وزارة الخارجية البريطانية لـ«الشرق الأوسط» أن المملكة المتحدة «تقدم دعمها الدبلوماسي الكلي للأمم المتحدة بدورها الأساسي في التفاوض من أجل تسوية في عملية سياسية يقودها اليمنيون»، مشددا على أهمية قرارات مجلس الأمن الدولية المتعلقة باليمن. ولفت الناطق إلى أن «الوضع الإنساني صعب جدا، ونحن ندعم مطالب مجلس الأمن في عملية وقف إطلاق نار إنسانية من أجل إيصال المساعدات الإنسانية الضرورية».



طارق صالح لـ«الشرق الأوسط»: لن نقبل باليمن ساحة لتصفية حسابات أو جزءاً من صفقات خارجية

طارق صالح (المكتب السياسي للمقاومة الوطنية اليمنية)
طارق صالح (المكتب السياسي للمقاومة الوطنية اليمنية)
TT
20

طارق صالح لـ«الشرق الأوسط»: لن نقبل باليمن ساحة لتصفية حسابات أو جزءاً من صفقات خارجية

طارق صالح (المكتب السياسي للمقاومة الوطنية اليمنية)
طارق صالح (المكتب السياسي للمقاومة الوطنية اليمنية)

ليس سهلاً في اليمن أن تحمل إرث «الزعيم»، اللقب الذي لا يزال أنصار حزب المؤتمر الشعبي العام يحتفظون به للرئيس الراحل علي عبد الله صالح.

وليس سهلاً أيضاً في هذه الأيام أن تصل إلى نجل أخيه، طارق محمد عبد الله صالح، عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني بمرتبة نائب رئيس، في لحظة تتصاعد فيها الضربات الأميركية مع الحوثيين، وتتحول فيها الجغرافيا العسكرية إلى مركز اختبار جديد لقدرة الحوثيين على تحمل كثافة الضربات التي تجاوزت 100هجمة منذ 15 مارس (آذار) 2025.

تلقت «الشرق الأوسط» إجابات على أسئلة مكتوبة من الرجل الذي يرأس أيضا المكتب السياسي للمقاومة الوطنية، حذّر خلالها من مقاربة تذويب الملف اليمني مع الصورة الأكبر لصراع أميركا وإيران، إذ يقول: «سيخطئ العالم إن قبل التعامل مع اليمن باعتباره ورقة تفاوضية إيرانية».

ويبدو من خلال حديثه أنه «يسن» سكاكينه السياسية والعسكرية حين تطرق إلى خيارات الحرب والسلم، فهو يرى استحالة التفاوض مع «النوايا» رغم انفتاحه على الحل السلمي، كما يرى أن إبقاء اليمن، وفق وصفه، «معسكراً لـ(الحرس الثوري)» الإيراني، لا يهدد اليمنيين وحسب، بل يضع المصالح الإقليمية والدولية في خطر محدق.

طارق صالح خلال لقاء مع المبعوث الأممي للين هانس غروندبرغ عام 2021 (إكس)
طارق صالح خلال لقاء مع المبعوث الأممي للين هانس غروندبرغ عام 2021 (إكس)

يعلل ذلك بالتأكيد على حيوية اليمن وتأثيره في طرق الملاحة العالمية، وأن استقراره لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال دعم الدولة الوطنية، المحتكمة إلى الدستور والقانون، والمبنية على توافق شعبي حقيقي.

وفي رفضه لإدراج بلاده ضمن الصفقات الكبرى، يقول إن «اليمن ليس ساحة لتصفية الحسابات، ولا جزءاً من تسويات خارجية».

البحر الأحمر... اختبار وخيارات

أربكت الغارات الأميركية المكثفة الحوثيين ودمرت كثيراً من قدراتهم العسكرية، ودفعت بكثير من القيادات – حتى تلك التي يعتبرها يمنيون واجهة أكثر من كونها صانعة قرار - وراح ضحيتها عشرات العناصر الحوثية ومئات المدنيين.

مقابل ذلك، يمارس الحوثيون عادتهم في إظهار تحمل الضربات الجوية، وواصلوا إعلانات الهجوم سواء على القطع الأميركية البحرية أو إسرائيل.

ووسط أزيز الطائرات الأميركية وأصوات الصواريخ المقبلة من البحر التي تضرب الحوثيين بكثافة، يشدد عضو مجلس القيادة على أن دعم القوات اليمنية على الأرض مدخل ضروري لإعادة التوازن. هذا الدعم، كما يؤكد، ليس أداة للتصعيد، بل ضرورة وطنية لحماية الشعب، وصون المكاسب التي تحققت.

هذا الموقف لا يأتي بمعزل عن التطورات الميدانية، فهو يشير إلى وجود تواصل مستمر بين الحكومة اليمنية والمجتمع الدولي، إلى جانب تحالف دعم الشرعية في اليمن، لتأكيد هذا المسار، والسعي إلى تحقيق المزيد من الدعم للمعركة الوطنية.

وفي جانب موازٍ، يلفت صالح إلى استمرار العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين من أجل دعم خفر السواحل اليمنية، مشيراً إلى وجود وحدات فاعلة على امتداد السواحل، لا سيما في البحر الأحمر، الذي يصفه بأنه شريان حيوي للاقتصاد العالمي.

طارق صالح لدى حضوره اختتام العام التدريبي لقوات خفر السواحل واللواء البحري غرب اليمن في ديسمبر 2023 (المكتب السياسي للمقاومة الوطنية اليمنية)
طارق صالح لدى حضوره اختتام العام التدريبي لقوات خفر السواحل واللواء البحري غرب اليمن في ديسمبر 2023 (المكتب السياسي للمقاومة الوطنية اليمنية)

ولا تفصل رؤية نائب رئيس مجلس القيادة بين الأمن البحري والسيادة الوطنية، فالحفاظ على الممرات المائية جزء من المعركة الأشمل التي تخوضها الدولة اليمنية، سواء ضد الجماعة الحوثية أو في سبيل إعادة الاعتبار للمؤسسات الرسمية على الأرض وفي البحر.

الدولة «لا تُبنى بالبيانات»

لتحديد رؤيته لمعادلة السلام، يقول متحدثاً من «زاوية حادة»: لا معنى لأي حديث عن تسوية لا تُخضع الحوثيين للدستور والقانون اليمني.

المسألة بالنسبة إليه ليست متعلقة بإعلان نوايا، بل بمبدأ دستوري، يُجرّم الاستيلاء على السلطة بالقوة، ويلزم الحكم بالنظام الجمهوري، بوصفه ضماناً لتحقيق المواطنة المتساوية والعدالة الاجتماعية، وإعادة اليمن إلى موقعه الطبيعي باعتباره دولة صديقة للأمن والسلم العالميين.

ويرى طارق صالح أن قوة الدولة لا تُبنى بالبيانات (الإعلامية)، بل بالقدرة الميدانية، وأن امتلاك هذه القوة هو ما يفتح الطريق نحو حل سياسي عادل، يصبّ في مصلحة اليمن والمنطقة والمجتمع الدولي.

ومع تمسكه بخيار السلام، يكرر صالح أن تحقيق هذا السلام لا يمكن أن يتم عبر التنازلات وحدها، بل عبر إعادة تعريف ميزان القوى.

السلام، كما يفهمه، لا يُمنح لجماعة ترفض الدولة، بل يُصاغ حين تستعيد الدولة قدرتها على فرض القانون، وضمان حماية مواطنيها.

لا مفاجآت؟

يتحدث عن واقع يتجاوز لحظة التصعيد والحملة الأميركية. فالهجمات التي شنتها الجماعة في البحر الأحمر وخليج عدن لم تكن انفجاراً عابراً وليست مفاجأة، بل امتداد لمسار طويل بدأ قبل سنوات، حين شرعت باستهداف المياه الإقليمية اليمنية بالألغام والصواريخ، وهاجمت منشآت وطنية مدنية، من بينها مرافق تصدير النفط، وعبثت بالسيادة على البحار عبر قرصنة الاتصالات مع شركات الملاحة، ومحاصرة الموانئ اليمنية.

ومع أن هذه الانتهاكات كانت مستمرة منذ وقت مبكر، فإنه يلاحظ أن العالم لم يلتفت إليها «إلا حين مسّت مصالحه المباشرة».

وفي الوقت الذي يأسف فيه للحروب التي تقحم الجماعة البلاد فيها، فإنه يكرر التأكيد على أن الحسم العسكري هو الطريق الوحيد لإيقاف ما يسميه «الإرهاب الحوثي الذي تديره إيران».

قاموس السلام

إمكانية تحقيق السلام مع جماعة يعتبرها دموية لا تلتزم بالمرجعيات الوطنية، وتستمد عقيدتها من دولة معادية، تنخفض وتكاد تنعدم في قاموس طارق صالح السياسي، الذي يتهم الجماعة بأنها تضع قيادتها ومؤسساتها المرتبطة بـ«الحرس الثوري الإيراني» فوق الدولة اليمنية ومؤسساتها.

الحكم، كما يعرّفه، هو إدارة شؤون الناس بالتوافق على مرجعيات متفق عليها، وهو ما لا يلتزم به الحوثيون وفق تعبيره. ولهذا، فهو يرى أن الأزمة محكومة بمنطق السلاح لا بأي عملية سياسية تقوم على التفاهم أو الدستور.

يحمّل صالح إيران مسؤولية ما يحدث في اليمن، إذ يشير إلى أنها ومن خلال ميليشياتها، تسببت في هذه الأزمة، وأبقت البلاد رهينة للعنف والانقلاب.

وتنفي طهران في خطابها الرسمي تحكمها أو اتخاذها قرارات بالنيابة عن الحوثيين رغم الاتهامات اليمنية والدولية الواسعة، والأدلة التي ساقتها جهات إقليمية ودولية أظهرت عمليات تهريب أسلحة وبصمات تصنيع إيرانية في ترسانة الجماعة.

وفي موقفه من الجماعة الحوثية، لا يقدم طارق صالح مقاربة متأرجحة، بل يحدّد مكمن الإشكال في رفضها لمبدأ الدولة، واستخدامها للعقيدة الدينية بوصفها أداة للسلطة، ووضعها أدواتها المسلحة فوق أي مشروع وطني أو توافق سياسي.

بهذه الرؤية، تبدو العودة إلى مؤسسات الدولة والدستور غير ممكنة كما يراها طارق صالح في ظل استمرار وجود جماعة مسلحة لا تعترف بمرجعية الجمهورية ولا تلتزم بأي إطار قانوني يحد من سلطتها.

«ما يجمعنا أكبر من أي خلافات»

من داخل الصمت السياسي الذي خيم على الأزمة اليمنية، لا ينكر طارق صالح وجود تحديات تواجه مجلس القيادة الرئاسي. ولا يتجاهل التأخير في بعض الملفات، لكنه يصف الاختلاف داخل المجلس بأنه طبيعي، خاصة في ظل الظروف المعقدة التي تمر بها البلاد.

جانب من اجتماع مجلس القيادة الرئاسي في الرياض نهاية العام 2024 (سبأ)
جانب من اجتماع مجلس القيادة الرئاسي في الرياض نهاية العام 2024 (سبأ)

وقبل أن يقول «ما يجمعنا أكبر من أي خلافات»، اعتبر صالح «الاختلاف أمراً طبيعياً في أي مجلس قيادي، خاصة في ظل ظروف استثنائية مثل التي يعيشها اليمن». لكن الأهم «قدرتنا على إدارة هذا التنوع والتباين في إطار مسؤولياتنا الوطنية... نعم، هناك تحديات، وهناك تأخير في بعض الملفات، لكننا ملتزمون بالمصلحة الوطنية»، مؤكداً أن التنسيق بين القوى العسكرية التي تمثل الشرعية يتطور يوماً بعد آخر، وأن البلاد لم تعد تشهد صراعات مسلحة بين «رفاق الجبهات التي تدين بالولاء للشرعية».

مدنياً، يقرّ بأن المجلس يواجه ضغوطاً اقتصادية كبيرة، ناجمة عن الانقسام المالي، والتلاعب الحوثي بالسياسة النقدية، وتقسيم البنك المركزي، ونهب الموارد العامة في صنعاء، إلى جانب ضعف الدعم الدولي للحكومة. رغم كل تلك العوائق، يصرّ طارق صالح على أن المجلس لا يزال يحتفظ بموقعه ممثلاً شرعياً للدولة، محلياً وإقليمياً ودولياً. غير أن المطلوب «كثير وكثير» في إشارة إلى حجم التحدي وضيق هوامش المناورة.

وبينما لا ينكر النقد الموجه لمجلس القيادة، خاصة فيما يتعلق بالخلافات، فإنه يرد على هذا الطرح بالتأكيد على أن الاختلاف كان سابقاً لتشكيل المجلس، وأن الأهم ليس غياب التباين بل القدرة على إدارته ضمن المسؤولية الوطنية.

طارق صالح خلال لقاء مع رئيس البرلمان اليمني سلطان البركاني (الشرق الأوسط)
طارق صالح خلال لقاء مع رئيس البرلمان اليمني سلطان البركاني (الشرق الأوسط)

ما يقدّمه هنا ليس دفاعاً عن الأداء، بقدر ما يعد توصيفاً لحجم التعقيد: مجلس يواجه تحديات اقتصادية ضاغطة، وانقساماً مالياً تديره الجماعة الحوثية من صنعاء، وضعفاً في موارد الدولة، ومع ذلك يحافظ على موقعه باعتباره مرجعية للدولة الشرعية، ويحاول التماسك في ظل ظرف هشّ ومفتوح على كل الاحتمالات.

في هذه اللحظة الدقيقة، لا يبدو عضو مجلس القيادة معنياً بالمواجهة وحسب، بل بإعادة صياغة مفهوم التماسك داخل الدولة اليمنية، سواء في مؤسسة المجلس الرئاسي، أو في المشهد العسكري، أو حتى في العلاقات الإقليمية والدولية التي تظل محدداً جوهرياً في مسار أي تسوية محتملة.

وكان مجلس القيادة تشكل بقيادة الدكتور رشاد العليمي و7 أعضاء بمرتبة نائب رئيس، وضم جهات عسكرية وسياسية مناهضة للحوثيين تحت مظلة واحدة أعقبت المشاورات اليمنية ـ اليمنية التي عقدت تحت مظلة خليجية بمقر مجلس التعاون الخليجي في الرياض خلال أبريل (نيسان) 2022، وسط تفاؤل بمرحلة جديدة تنشد السلام وتعالج أخطاء الحكومة السابقة، لكنه خفت بعد سنوات بحسب منتقدي المجلس، فيما يرى مؤيدوه أنه يكفي تماسك أعضاء وتوحدهم رغم الاختلافات الشديدة بين أعضائه قبل توحدهم.

الساحل... معركة التنمية

يُظهر قائد المقاومة الوطنية اليمنية اهتماماً بالبعد التنموي، ولا يعتقد أنه قضية منفصلة عن الصراع، بل هو جزء من مشروع استعادة الدولة.

وفي حديثه عن الساحل الغربي، وضع طارق صالح ثلاث أولويات: تثبيت الأمن، وتفعيل المؤسسات، وتعزيز البنية التحتية، مع تأكيد الاستعداد الدائم لمعركة التحرير العسكرية لبقية مناطق الوطن.

وبسؤاله عن الخطوات التنموية، يشير عضو مجلس القيادة إلى افتتاح مشاريع خدمية في التعليم والصحة والطرقات، ومحطات توليد الكهرباء عبر الطاقة النظيفة. ويسجّل ضمن المنجزات تشغيل مطار المخا، وإعادة تأهيل ميناء المدينة، وبناء مجمع طبي سعودي - إماراتي، إلى جانب مستشفى الشيخ محمد بن زايد في الخوخة (جنوب الحديدة)، ومجمعات تعليمية وطرقات تمتد شمالاً نحو تعز والحديدة، وجنوباً نحو لحج وعدن.

يصف هذه المشاريع بأنها تعيد لحمة المناطق التي فرقتها الحرب، وتمنح نموذجاً بديلاً لما يمكن أن تكون عليه مناطق الشرعية حين تتوفر الإرادة والموارد، مثمناً دعم السعودية والإمارات إلى جانب جهود المنظمات الدولية، التي تستقطب دعماً للمجتمع في مناطق مختلفة.

يضيف أن هناك مشاريع قادمة بدعم من السعودية والإمارات، وهو ما يضع الساحل - وفقاً لتعبيره - في موقع التحول إلى نموذج للاستقرار والبناء، في تنافس إيجابي مع مناطق أخرى خاضعة للحكومة اليمنية تشهد بدورها مشاريع تنموية متنوعة.