«لقاء سيدة الجبل»: ربط مصير المسيحيين بأنظمة مستبدة يضعهم في مواجهة مع الأغلبية المسلمة

الإجتماع اللبناني ناقش دورهم في ظل التطورات الإقليمية.. وغابت عنه قوى «8 آذار»

المشاركون أمس بالدورة العاشرة من «لقاء سيدة الجبل» الذي يعقد منذ سنوات (تصوير: نبيل إسماعيل)
المشاركون أمس بالدورة العاشرة من «لقاء سيدة الجبل» الذي يعقد منذ سنوات (تصوير: نبيل إسماعيل)
TT

«لقاء سيدة الجبل»: ربط مصير المسيحيين بأنظمة مستبدة يضعهم في مواجهة مع الأغلبية المسلمة

المشاركون أمس بالدورة العاشرة من «لقاء سيدة الجبل» الذي يعقد منذ سنوات (تصوير: نبيل إسماعيل)
المشاركون أمس بالدورة العاشرة من «لقاء سيدة الجبل» الذي يعقد منذ سنوات (تصوير: نبيل إسماعيل)

أعلن المشاركون في الخلوة السنوية لـ«لقاء سيدة الجبل»، أمس، أن «حماية المسيحيين لا تكون من خلال تحالف الأقليات»، كونه «يضع المسيحيين في مواجهة عدائية، بل في حالة حرب، مع الأغلبية المسلمة»، مؤكدين أن «ربط مصير المسيحيين في الشرق بأنظمة أقلوية مستبدة، تحت شعار «تحالف الأقليات»، يشوه طبيعة الوجود المسيحي كشريك للمسلمين في بناء أنظمة مدنية ديمقراطية، ويحوله إلى شريك في التسلط الذي يمارسه نظام متهاو لن يطول به المقام، ويلحق المسيحيين بمشروع هيمنة أقلية لا حظ له في النجاح وقد بدأ في الأفول».
وحملت الدورة العاشرة من اللقاء الذي يعقد منذ سنوات عنوان «دور المسيحيين في مواجهة الاستحقاقات الداخلية والتطورات الإقليمية»، وحضره ممثلون عن البطريرك الماروني بشارة الراعي، ورئيس الحكومة اللبنانية الأسبق ورئيس تيار المستقبل سعد الحريري، إضافة إلى ممثلين عن قوى «14 آذار»، فيما غاب ممثلو قوى «8 آذار» المؤيدة لدمشق. وهدفت الخلوة إلى «بلورة قراءة وطنية موحدة من أجل المساهمة في ابتكار حلول وطنية لصالح الجميع، مسيحيين ومسلمين، في وطن ارتضوه نهائيا».
واتفق المشاركون على إنشاء لجنة تحضيرية، مهمتها الإعداد لإطلاق كتلة لبنانية عابرة للطوائف تعمل من أجل حماية لبنان وسلامه الدائم. وأعلن الأمين العام لقوى «14 آذار»، فارس سعيد، عن التوصيات التي أكدت أنه «لا تمييز بين إرهاب وإرهاب»، إذ «لا يمكن أن نشعر بالاشمئزاز من جرائم (داعش) ونتغاضى عن جرائم الأسد أو نتكتم عليها». وشدد على أن «إدانة إرهاب (داعش) تستدعي أخلاقيا ومنطقيا أن ندين الإرهاب الذي يمارس بحق الشعب في سوريا، والإرهاب الذي يمارس ضد المدنيين في غزة. الإرهاب مرفوض أيا كان مصدره».
واعتبر المشاركون أن «الإرهاب يطال الجميع، الأقليات كما الأكثرية». وقال سعيد «صحيح أن المسيحيين والأقليات يتعرضون للإرهاب والتهجير على يد (داعش)، إلا أن معظم ضحايا (داعش) هم من المسلمين. ومن يتعرضون للقتل في سوريا منذ ثلاث سنوات ليسوا الأقليات، وإنما الأكثرية».
وإذ رفض اللقاء «حماية المسيحيين من خلال تحالف الأقليات»، قال سعيد إنه «ليس هناك حل مسيحي خاص لمشاكل المسيحيين، بل حل شامل لكل مشاكل المنطقة، وللمسيحيين دور فاعل فيه»، معتبرا أن «الحل بالنسبة للمسيحيين هو في العمل جنبا إلى جنب مع المسلمين من أجل عالم عربي متنور، ديمقراطي وتعددي».
وشدد اللقاء على «تعميم التجربة اللبنانية»، معتبرا أن التجربة اللبنانية في العيش معا «يمكن أن تقدم للمجتمعات العربية التعددية نموذجا يحتذى به، كما أن لبنان المعافى، بانفتاحه وحيويته الفكرية، قد يصبح مصدر إلهام لعالم عربي متجدد. إن حرية المعتقد التي كفلها الدستور اللبناني منذ سنة 1926 اعتمدتها اليوم تونس ومصر، ويتوجب تعميمها على العالم العربي».
وكان سعيد أكد في كلمته الصباحية أن «انتخاب رئيس جديد للبلاد هو مسؤولية وطنية مشتركة، وإذا نجحنا في وضعها حيث يجب أن تكون فسننتخب رئيسا من دون انتظار موازين القوى الإقليمية والمصالح الدولية».
بدوره، تحدث النائب السابق سمير فرنجية عن دور المسيحيين في مواجهة الاستحقاقات الداخلية والتطورات الإقليمية، قائلا إن «حماية الوطن تتطلب منا ألا نكرر أخطاء الماضي فنربط الاستحقاقات الدستورية بالصراعات على السلطة في ما بيننا، وألا نحولها لورقة يستخدمها الخارج خدمة لمصالحه كما هو حاصل اليوم، بل أن نقدم فورا على انتخاب رئيس للجمهورية مهمته الأولى منع انهيار مؤسسات الدولة. حماية الوطن تحتاج منا كمسيحيين العمل على منع الحرب بين المسلمين حماية للمسلمين والمسيحيين وللكيان اللبناني، بعدما دخلت المنطقة العربية حربا دينية تشبه إلى حد بعيد حرب السنوات الثلاثين».
وأكد أن «حماية الوطن تحتاج إلى إعادة الاعتبار إلى النموذج اللبناني في العيش المشترك، هذا النموذج الذي يكتسب اليوم أهمية استثنائية في منطقة يجتاحها عنف مجنون، فينبغي علينا الآن وأكثر من أي وقت مضى تطوير فرادة التجربة اللبنانية في العالم عموما من حيث شراكة المسيحيين والمسلمين في إدارة دولة واحدة وفرادتها في العالم الإسلامي، خصوصا من حيث شراكة السنة والشيعة في إدارة الدولة ذاتها».
ورأى أن «حماية لبنان في هذا الظرف تحتاج إلى دعوة الجامعة العربية إلى إصدار موقف يؤكد ضرورة المحافظة على التنوع الديني والمذهبي والعرقي الذي يميز عالمنا العربي باعتباره مصدر غنى للجميع وشرطا لمواجهة التطرف والإرهاب».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.