بخاري يحدد أولويات رئاسته لنيجيريا.. ويعد بكسب المعركة ضد «بوكو حرام»

أعلن عن تغيير مركز مواجهة التمرد.. ولوح بغصن الزيتون لخصومه في الجنوب المسيحي

الرئيس بخاري يحيي أنصاره خلال حفل تنصيبه في أبوجا أمس (إ.ب.أ)
الرئيس بخاري يحيي أنصاره خلال حفل تنصيبه في أبوجا أمس (إ.ب.أ)
TT

بخاري يحدد أولويات رئاسته لنيجيريا.. ويعد بكسب المعركة ضد «بوكو حرام»

الرئيس بخاري يحيي أنصاره خلال حفل تنصيبه في أبوجا أمس (إ.ب.أ)
الرئيس بخاري يحيي أنصاره خلال حفل تنصيبه في أبوجا أمس (إ.ب.أ)

باشر الرئيس النيجيري الجديد محمد بخاري مهامه الرئاسة رسميًا أمس، وحدد في خطاب بمناسبة أدائه القسم أولويات وضع على رأسها هزيمة جماعة «بوكو حرام» المتشددة. وتحدث عن «تحديات هائلة» تواجه رئاسته، مثل تكثيف الحملة العسكرية ضد «بوكو حرام» ومواجهة المشكلات الاقتصادية الناجمة عن انخفاض الاحتياطات المالية الأجنبية وانقطاع الخط الكهربائي. كما لوح بغضن الزيتون لخصومه السياسيين في مناطق الجنوب المسيحية.
وبدأ بخاري (72 عاما) أمس مهامه على رأس الدولة بعد أدائه القسم إثر انتخابات تاريخية في هذا البلد الأول في عدد السكان والاقتصاد في أفريقيا ولم يشهد يوما فوزا للمعارضة على رئيس دولة انتهت ولايته. وقال بخاري إن نيجيريا تواجه «تحديات هائلة سنواجهها مباشرة، ولن يندم النيجيريون على تكليفنا هذه المسؤولية». وأضاف الرئيس المسلم المتحدر من شمال البلاد أن «بوكو حرام مجموعة من الناس المجانين الذين لا دين لهم وأبعد عن الإسلام مما يمكن أن نتصور». وأضاف أنه سيقيم مركزا جديدا للقيادة العسكرية في مايدوغوري (شمال شرق) معتبرا أنه «لا يمكن تحقيق النصر من مركز القيادة في أبوجا» وسط البلاد. كما وعد ببذل كل ما يسعه للإفراج عن آلاف الرهائن الذين اختطفهم متمردو «بوكو حرام» وبينهم 219 تلميذة مدرسية اختطفن في أبريل (نيسان) 2014 في شيبوك (شمال شرق).
وإلى جانب تحدي مواجهة المتشددين، تطرق بخاري إلى القضايا الداخلية الأخرى الملحة وعلى رأسها المشكلات الاقتصادية الخطيرة في البلاد. ووصف بخاري حجم إنتاج الكهرباء لدى أول منتج للنفط في أفريقيا بأنه «عار وطني» بينما يعاني السكان من انقطاع التيار بشكل متكرر لعدة أيام أحيانا. وقال: «لن نسمح لهذا الوضع أن يستمر. لدينا فرصة، فلننتهزها».
وقال بخاري إن نضوب الاحتياطي الأجنبي وانخفاض إيرادات النفط بشكل كبير والفساد وارتفاع تكلفة خدمة الديون كانت عوامل وضعت الاقتصاد في «مشكلة عميقة». ولم يتطرق بخاري إلى العملة المحلية «النايرا» التي يتوقع خبراء اقتصاد أنها بصدد مواجهة تخفيض آخر. لكن الأمر المهم هو أن الرئيس القادم من الجزء الشمالي المسلم من البلاد، لوح بغصن زيتون لمعارضيه السياسيين في دلتا النيجر (الجنوب المسيحي) قائلا إن إدارته ستواصل الاستثمار في مشاريع في المنطقة.
وكان لافتًا أن الولايات المتحدة أعلنت أمس استعدادها لإرسال مدربين عسكريين إلى نيجيريا لمساعدة القوات المسلحة على تحسين إدارتها اللوجيستية وعملية جمع المعلومات. وذكر مسؤول في الخارجية الأميركية مسبقًا أن وزير الخارجية جون كيري سيبحث مع الرئيس النيجيري الجديد بخاري تقديم واشنطن مساعدة أمنية مستقبلية وتطوير العلاقات الاقتصادية. وأضاف المسؤول أن المحادثات الأولية مع بخاري أظهرت رغبته في إقامة «علاقة وثيقة» مع الولايات المتحدة. وأضاف: «كل المؤشرات تدل على أننا سنتمكن من فتح صفحة جديدة. سيظل مستشارونا هناك. ما أتكلم عنه هو نشر مستشارين جدد في المناطق التي سيمتد نشاطنا إليها».
وشهدت العاصمة أبوجا أمس بمناسبة تنصيب الرئيس الجديد أجواء احتفالية تضمنت أغاني ورقصات تقليدية. وفي المنصة الرسمية بساحة النسر في وسط العاصمة، جلس عدد من القادة الأجانب بينهم رئيسا جنوب أفريقيا جاكوب زوما ورواندا بول كاغامي ومسؤولون أجانب آخرون مثل وزير الخارجية الأميركي جون كيري حفل التنصيب صباح أمس. وقال وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس إن «ما جرى في نيجيريا مثال لأفريقيا».
وكان نظام الحكم المدني أعيد في 1999 لكن الحزب الديمقراطي الشعبي الذي يقوده الرئيس الذي هزم في الانتخابات غودلاك جوناتان لم يتخل يوما عن السلطة. وقال بولا تينوبو مؤسس ورئيس المؤتمر التقدمي حزب بخاري، إنه «منعطف حاسم في مسيرة البلاد. نحن ندرك التحديات التي يواجهها رخاؤنا»، مؤكدًا أنه «علينا مكافحة غياب الأمن والانهيار الاقتصادي والفساد بلا هوادة كما لو أننا ذاهبون إلى حرب».
ويصف بخاري نفسه بأنه «معتنق للديمقراطية». وقد تعهد مكافحة الفساد في بلاد يبلغ عدد سكانها 173 مليون نسمة. ويرى محللون أن مهمته الأولى ستكون تلبية تطلعات سكان يعانون منذ عقود من بنى تحتية مزرية وبطالة كبيرة وأعمال عنف مزمنة. وقال كليمان نوانكو، الناشط السابق المعارض لسلطة العسكريين الذي يدير مركز الدفاع عن الحقوق السياسية والقانونية إن «انتقال السلطة يشكل خطوة كبيرة في التطور الديمقراطي لنيجيريا».
وقال نوانكو إن فوز الانقلابي السابق شكل «مفاجأة سارة». وأضاف: «نظرا لتاريخ الانتخابات النيجيرية، هزيمة رئيس منتهية ولايته تصبح مفاجأة».
ونيجيريا هي أول دولة منتجة للنفط في أفريقيا وتؤمن صادراته سبعين في المائة من العائدات، لكن انخفاض الأسعار ونقص غير مسبوق في المحروقات أديا إلى شلل في البلاد. ولم تعد الدولة تدفع رواتب آلاف الموظفين، بينما انخفض سعر العملة الوطنية (النايرا) إلى مستوى تاريخي.
ووعد بخاري وحزبه المؤتمر التقدمي بمزيد من الوظائف والأمن والإمدادات بالكهرباء. لكن بما إن خزائن الدولة فارغة، قد يكون من الصعب تنفيذ هذه الوعود. وقالت منظمة البحث والاستثمار «رينيسانس كابيتال» إنه «بما أن الإدارة الجديدة ستكون مقيدة إلى حد كبير بحجم مواردها، نعتقد أن التحدي الأكبر لبخاري سيكون إدارة التطلعات».
وكسب بخاري تأييدا كبيرا من قبل الناخبين بفضل مواقفه الحازمة جدا ضد الفساد. لكن الخبراء يحذرون من أنه قد يضطر للعمل مع سياسيين لا يتمتعون بماض نظيف للإبقاء على تحالفه. وقالت المنظمة نفسها: «بما أن حزب المؤتمر التقدمي هو تحالف، فهناك احتمال أن «تضعف التسويات نوعية التعيينات»، حتى داخل الحكومة.



للمرة الأولى منذ عقود... مقاتلات فرنسا تغادر سماء تشاد

جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)
جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)
TT

للمرة الأولى منذ عقود... مقاتلات فرنسا تغادر سماء تشاد

جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)
جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)

سحب الفرنسيون من تشاد، الثلاثاء، مقاتلات عسكرية من طراز «ميراج 2000»، ليصبح البلد الأفريقي مترامي الأطراف والحبيس في قلب القارة السمراء، خالياً من أي مقاتلات فرنسية لأول مرة منذ أن نال استقلاله عن باريس قبل 6 عقود.

اليوم، أصبحت سماء تشاد هادئة من أزيز «الميراج» الفرنسية، وأغمضت العين الفرنسية التي ظلّت لعقود طويلة رقيباً لا يغفل على أرض تشاد الشاسعة، الممتدة من صحراء أوزو الحارقة شمالاً، وصولاً إلى أحواض بحيرة تشاد الرطبة في أقاصي الجنوب.

الطائرة التي تُمثّل فخر الصناعة العسكرية الفرنسية، ظلّت لسنوات طويلة صاحبة الكلمة الأولى في السماء التشادية، والسلاح الحاسم الذي تدخّل لقلب موازين السياسة أكثر من مرة، خصوصاً حين حاصر المتمردون القادمون من الشمال الرئيسَ الراحل إدريس ديبي في 2006 و2019.

بداية الرحيل

طائرة «ميراج» فرنسية وهي تغادر قاعدة «غوسي» التشادية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)

في حدود منتصف نهار الثلاثاء، كان الجنود الفرنسيون في قاعدة «غوسي» العسكرية في عاصمة تشاد إنجامينا، يتبادلون الابتسامات الباهتة مع أقرانهم التشاديين، فطغت على أجواء الوداع حميمية مصطنعة، وهم يستعدون لركوب طائرات «الميراج»، في رحلة ذهاب دون عودة، نحو فرنسا.

رفع الطيار العسكري الفرنسي يده بتحية عسكرية صارمة، من وراء زجاج طائرته النفاثة، وألقى نظرة أخيرة، ثم حلّق عالياً لتكون بذلك بداية انسحاب فرنسي من بلد دخله أجداده مستعمرين مطلع القرن العشرين، أي قبل 120 عاماً.

الجيش الفرنسي قال في بيان مقتضب تعليقاً على سحب طائراته العسكرية، إن القرار جاء بعد أن قررت تشاد إنهاء العمل باتفاقية التعاون الأمني والعسكري مع فرنسا، يوم 28 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. وأضاف أن «وجود هذه الطائرات كان تلبية لحاجة سبق أن عبّر عنها الشريك (التشادي)».

فيما قال مصدر فرنسي إن وجود المقاتلات الفرنسية في تشاد لم يعُد مبرّراً بعد إنهاء التعاون العسكري بين البلدين، وأضاف أن «فرنسا تنهي نشر مقاتلاتها في قاعدة (غوسي) الجوية في إنجامينا. والجيش الفرنسي اتخذ قراراً بسحب طائراته الحربية».

رحيل تدريجي

وزير خارجية تشاد، عبد الرحمن كليم الله، نشر تغريدة مقتضبة على موقع «إكس»، قال فيها: «إنه بعد الانسحاب النهائي لمقاتلات (الميراج) الفرنسية وطائرة الدعم والإسناد، نفذت المرحلة الأولى من سحب القوات الفرنسية في تشاد».

كما نشرت الخارجية التشادية بياناً قالت فيه: «إن هذا الحدث يُمثل خطوة كبيرة في تنفيذ الجدول الزمني المتفق عليه بين الطرفين» بخصوص مغادرة القوات الفرنسية، قبل أن تشير إلى أنه «سيتم الترحيل التدريجي للقوات البرية خلال الأسابيع المقبلة».

ويوجد في تشاد نحو ألف جندي فرنسي، كانوا موجودين بموجب اتفاق تعاون عسكري موقع منذ عقود، وجرى تجديده عام 2019، ولكن تشاد قررت الشهر الماضي أن تنهيه من جانب واحد من أجل «تجسيد السيادة» على أراضيها.

وفي هذا السياق، قالت الخارجية التشادية إن الشعب التشادي «يتطلّع إلى مستقبل تحظى فيه السيادة الوطنية بالاحترام الكامل، وتتولى فيه القوات المسلحة الوطنية بشرف وكفاءة الدفاع عن أراضيها وأمن مواطنيها».

ولكنها في الوقت نفسه، شدّدت على «فكّ الارتباط (مع فرنسا) يتم بروح من الاحترام المتبادل والحوار البنّاء للحفاظ على العلاقات الثنائية بين تشاد وفرنسا في المجالات الاستراتيجية الأخرى ذات الاهتمام المشترك».

لجنة مشتركة

جنديان تشاديان خلال مناورات مع سلاح الجو الفرنسي (أرشيف الجيش الفرنسي)

ورغم أن البلدين لم يُعلنا أي تفاصيل حول الجدول الزمني لسحب القوات الفرنسية، فإن المصادر تؤكد تشكيل «لجنة مشتركة» تتولّى الإشراف على العملية، وقد عقدت هذه اللجنة اجتماعها الأول يوم الجمعة الماضي، دون إعطاء أي تفاصيل.

في هذه الأثناء، وصفت صحف فرنسية واسعة الانتشار من بينها «لوموند» ما يجري بأنه «صفعة موجعة» تتلقّاها فرنسا في بلد ظلّ لعقود يمثل حليفاً استراتيجياً في أفريقيا، واليوم يُعدّ آخر مركز نفوذ لفرنسا في منطقة الساحل الأفريقي، حيث سبق أن انسحبت القوات الفرنسية من مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

ويصر الفرنسيون على أن ما يحدث في تشاد مختلف عما جرى في دول الساحل الأخرى؛ حيث وقعت قطيعة تامة مع باريس.

ويقول مصدر وصفه الإعلام الفرنسي بأنه قريب من الملف: «إن التشاديين لم يطلبوا سحب القوات بشكل فوري، وبهذه السرعة»، وأضاف: «نحن من أراد التحكم في الانسحاب» تفادياً لأي مفاجآت.