زلزال «سان أندرياس» يضرب عاصمة السينما

كاليفورنيا تعرضت لأنواع الدمار والسماء أمطرت ضفادع فوق لوس أنجليس

دواين جونسون وكارلا غويغينو هاربان من جحيم «سان أندرياس»
دواين جونسون وكارلا غويغينو هاربان من جحيم «سان أندرياس»
TT

زلزال «سان أندرياس» يضرب عاصمة السينما

دواين جونسون وكارلا غويغينو هاربان من جحيم «سان أندرياس»
دواين جونسون وكارلا غويغينو هاربان من جحيم «سان أندرياس»

من اليوم، في كل مكان، ينطلق عرض فيلم «سان أندرياس». فيلم كوارثي من إخراج براد بيتون، الذي لم يسبق له أن أخرج فيلمًا بهذا الحجم، ومن بطولة كارلا غويغينو وبول جياماتي ودواين جونسون.
إنها مناسبة للراغبين في مشاهدة فيلم حول ما الذي يمكن أن يحدث للبشر ولمدينة لوس أنجليس بأسرها، بل لكل ولاية كاليفورنيا إذا ما وقع الزلزال المنتظر على خط «سان أندرياس» الشهير وحسبما يتوقع العلماء المتخصصون.
ببساطة، سوف تُمحى المدينة كما لو لم تكن. الزلزال والهزات التالية ستكون من القوّة، ينبؤنا الفيلم، بحيث إن عدد الضحايا سيكون بالملايين وحجم الدمار هائل والقصص الإنسانية لمن يقاد له الخروج حيّا مفجعة.
خط الزلزال الذي يسمّى «سان أندرياس» من أكثر الخطوط خطرًا. يمتد لنحو ألفي كيلومتر على طول ساحل كاليفورنيا من الشمال (حيث تقع مدينة سان فرانسيسكو الذي ضربها زلزال قوي في عام 1906 تم تصويره فيلمًا تسجيليًا ونتج عنها مقتل ألوف وحرائق هائلة ودمار شامل) إلى الجنوب متجاوزًا مدينة لوس أنجليس إلى داخل المكسيك. وهو يتفرع إلى ثلاثة خطوط كل منها بحجم وقوّة يختلف عن الآخر، لكن إذا ما وقع الزلزال فيها جميعًا تضاعفت آثاره إلى ما يتجاوز آثار وحجم الزلزال الأخير الذي ضرب النيبال بسهولة، وخصوصًا أن المنطقة ساحلية ما يعني أن هناك خطر «تسونامي» لا يقل ضراوة.

على البحر

لا يمكن فصل التكهنات العلمية عن هذا الفيلم لأنه مبني عليها وعلى حقيقة أن هزّات أرضية تضرب كاليفورنيا (ولوس أنجليس بالذات) من حين لآخر. في الواقع، تلك الشقوق التي تطالعنا على معظم طرقات المدينة ليست نتيجة إهمال البلدية أو استخدامها زفتا يتفسّخ بعد سنين، بل نتيجة تلك الهزات التي تتراوح درجاتها بين الخفيف والمعتدل، ودائما الملموس. نظرة واحدة لتلك المنازل الفارهة التي بُنيت على التلال الشمالية الفاصلة بين لوس أنجليس ومدينة بيربانك وفوق جبال سانست بوليفارد وجوارها، تجعلك تدرك أن زلزالاً كبيرًا (وليس بالضرورة ضخمًا كما في الفيلم) سيقذف بها إلى الوديان الجميلة تحتها. بضع منازل منها سبق وأن عانت من تفتت الأرض من تحتها عندما شهدت المدينة، قبل أكثر من عشر سنوات، شتاء غزيرًا غير مسبوق جرف التلال من تحتها.
ما البال لو أن الجحيم حدث والزلزال كان مدمّرًا وهائلاً؟
خطّة لكس لوثر، شرير فيلم «سوبرمان» سنة 1978 بُنيت على ذلك الاحتمال. جين هاكمان قام بأداء تلك الشخصية وقال لسوبرمان (الراحل كريستوفر ريف) شارحًا طريقته في العمل: «اشتريت الكثير من الأراضي في ولاية أريزونا لأنني سأقوم بإحداث ذلك الزلزال الرهيب. ستختفي ولاية كاليفورنيا ما سيرفع سعر الأراضي في أريزونا التي ستصبح على البحر».
لكن قبل ذلك التاريخ بأربع سنوات، حسبت هوليوود حسابًا لزلزال مدمّر يصيب مدينة السينما العالمية وموطن النجوم والاستوديوهات عندما صنعت فيلمًا عنوانه «زلزال» من بطولة شارلتون هستون وجورج كندي وآفا غاردنر وجنيفييف بوجولد والكثير من الممثلين المعروفين الآخرين. بتقنية ذلك الحين تم تزويد صالات السينما حول العالم (بما فيها صالة الكونكورد في بيروت، حيث شاهدت ذلك الفيلم أول مرّة) بنظام يجعل الزلزال الواقع على الشاشة محسوسًا في الصالة نفسها.
الفيلم نفسه كان مدهشًا (أخرجه مارك روبسون) ومخيفًا. لم ينتج عنه هجرة أهل المدينة هاربين ردءًا للخطر، لكنه أثار بين الملايين تلك المخاوف. ولم يكن الأول من نوعه، ولو أن الأفلام السابقة لم تقتل المدينة ومن فيها بالزلزال فقط، بل بواسطة مخاطر وكوارث أخرى أيضًا.
في «غزاة ناهشو الجسد» (دون سيغال، 1956) تشهد بلدة كاليفورنية صغيرة سقوط مطر يحمل بذرات تنمو بفعل الشتاء وتتحوّل إلى شرانق وهذه تسطو على النائمين بحيث تحتل أجسادهم. في نهاية الفيلم لا يبقى سوى بطله (كَفن مكارثي) حيًا وها هو يركض فوق الطريق الرئيسي الذي يتوجه صوب مدينة سان فرانسيسكو محذّرًا الناس من وجود تلك المخلوقات.. لكن أحدًا لا يعيره اهتماما كون حكايته غير قابلة للتصديق.

حرب شوارع

بعده، في الستينات، تصوّر ألفرد هيتشكوك أن نهاية كاليفورنيا ستكون تحت مناقيد طيور النورس والغربان. سنة 1963 أخرج «الطيور»: ألوف من تلك الطيور الجارحة تشترك في الهجوم على بلدة قرب سان فرانسيسكو. تنقض على الناس من دون تمييز بوحشية وتقضي على من استطاعت منهم من دون تبرير مفهوم. البلدة، كما الحال في «غزو ناهشو الجسد»، ليست سوى مجرد البداية والفيلم يتركنا متوقعين أن احتلال تلك الطيور (الأليفة؟) للبلدة ما هو إلا تمهيد لاحتلال المدينة الأكبر ومن يدري ربما أميركا والعالم فيما بعد.
والزلزال وقع في لوس أنجليس عام 1993 ضمن أحداث فيلم روبرت ألتمن «اختصارات»، وانتقل جون كاربنتر بنا سنة 1996 إلى المدينة ذاتها مهدّمة في «الهروب من لوس أنجليس» وبعد عام شاهدناها تتعرض لبركان عنيف في «بركان» إخراج ميك جاكسون مع دون شيدل وتومي لي جونز وآن هش. بينما غزتها مخلوقات عنيفة من الفضاء في «معركة: لوس أنجليس» ولا ينقذ ما تبقّى منها سوى العسكري الذي خدم في الحرب العراقية وخرج بتجربة في حرب الشوارع.
قبل ذلك ببضع سنوات (1999) أمطرت ضفادع في فيلم بول توماس أندرسون «ماغنوليا» وقبل ذلك كانت مسرحًا لأمطار نووية في «الميل الأخير» (1988). وكل هذا باستثناء أفلام صغيرة الشأن ذهبت في طريق أشرطة الفيديو وأسطوانات الدجيتال مباشرة من دون أن تمر على الشاشات الكبيرة.
بالتالي، إذا لم تقض هوليوود على لوس أنجليس بطريقة معيّنة، فهناك طرق أخرى متنوعة. إن لم يكن دمارًا نوويًا فهو دمار الوحوش الفضائية وإن لم يكن هؤلاء فانتشار الفيروس بين الطيور أو بين الأشخاص. ولا ننسى كيف سبح «غودزيللا» الأخير المسافة من اليابان إلى ساحل كاليفورنيا وهاجم ثاني أكبر مدنها، سان فرانسيسكو، ولولا إيقافه لأكمل على لوس أنجليس ذاتها.
لكن «سان أندرياس» يذهب في شأن أبعد.
سترى الدمار حقيقيًا قدر الإمكان. لم تنتج المؤثرات عملاً من هذا النوع يصوّر مدينة منكوبة ومقلوبة رأس على عقب بهذا الحجم من قبل، ولا سفنًا ضخمة تحملها الأمواج العاتية كما لو كانت أعواد كبريت وترميها في قلب المدينة.. ليس بعيدًا عن مركز أكاديمية العلوم والفنون السينمائية موزعة الأوسكار.
إنها السينما تبني حكايتها على احتمالات قويّة لتثير الإعجاب والخوف معًا. الإعجاب بالمشاهد الكبيرة والخوف من أن يقع ذلك في الواقع وعوض خروج المشاهدين من صالة السينما بسلام، تحيط بهم الكارثة، حيث الحقيقة ما زالت أكثر فداحة.



8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.