من التاريخ : إنجلترا بين الصراع المذهبي والنسائي

إليزابيث الأولى
إليزابيث الأولى
TT

من التاريخ : إنجلترا بين الصراع المذهبي والنسائي

إليزابيث الأولى
إليزابيث الأولى

مات هنري الثامن كما تابعنا ولكن ليس قبل أن يغير هيكل الكنيسة الإنجليزية لينشئ الكنيسة الإنجليكية والتي رأسها بنفسه وأعقب ذلك تأميم الأديرة وبعض ممتلكات الكنيسة، ولكنه لم يمس أركان العقيدة الكاثوليكية تقريبًا فاستمرت على ما كانت عليه، خاصة وأنه كان من المؤمنين بثوابت الكاثوليكية، ولكن صراعه مع البابا كان سياسيًا بسبب رفض الأخير منحه الطلاق من زوجته فوجد في ذلك فرصته للتخلص من نفوذ بابا التاج البريطاني، ولكنه مات قبل أن يضع كل أسس الحركة البروتستانتية في البلاد وخلفه في الحكم ابنه إدوارد السادس في عام 1547 والذي كان لا يزال صبيًا، فآل الحكم الفعلي إلى خاله الدوق «سمرست» والذي كان متعصبًا للبروتستانتية فعقد العزم على نشر المذهب البروتستانتي في البلاد من خلال كبير الأساقفة «كرامنر» والذي أخذ على عاتقه تغيير الكثير من مظاهر الديانة وعلى رأسها القداس الإلهي وإلغاء الزخرفة الكاثوليكية من الكنائس مثل الشموع والماء المقدس وغيرهما من الأمور، ووضع ما عرف بـ«كتاب الصلاة للعامة» والذي نظم الصلاة باللغة الإنجليزية كما تمت ترجمة الكتاب المقدس إلى الإنجليزية لفتح المجال أمام العامة لقراءته باللغة الإنجليزية بعد أن كانت مقصورة على اللاتينية في كل الدول الأوروبية حتى لا يمكن لأحد من العامة غير الكنيسة قراءتها لضمان السيطرة الدينية الكاملة على الرعية وإبقاءً لدور الكنيسة والبابا. وقد كتب «كرامنر» كتابه الثاني والذي ألغى فيه عددًا من أساسيات المذهب الكاثوليكي وعلى رأسها مسألة تحول الخبز والنبيذ إلى جسد ودم السيد المسيح وهو ما كانت تحرص عليه الكنيسة الكاثوليكية حرصًا شديدًا. ومع ذلك فإن الظروف السياسية تغيرت تمامًا بموت الملك إدوارد السادس، وهنا اضطر الساسة لأن يعرضوا التاج على أخته «ماري» الابنة الأولى لهنري الثامن من زوجته الأولى والتي كانت كاثوليكية الطبع والطابع، وكانت تكره الحركة البروتستانتية في إنجلترا لأنها كانت سببًا في طلاق أمها والتشكيك في شرعيتها هي، وعلى الفور لجأت هذه الملكة لتغير المذهب الإنجليكاني وإعادة البلاد للكاثوليكية وحظيرة البابا مرة أخرى، وقد استعانت الملكة على هذه العملية بالعنف المفرط وقامت بإلغاء كتب الصلاة وأعدمت «كرامنر» وسلمت البلاد إلى كبير أساقفة عينه البابا من روما، ولكنها لم تستطع استعادة أملاك الكنيسة مرة أخرى، كما أنها لم تستطع جذب تعاطف شعبها معها بسبب عنفها وتشددها للمذهب الكاثوليكي، ولكنها أقدمت على الانتحار السياسي عندما تزوجت من ملك إسبانيا العدو التقليدي لبلادها، وهو ما جعل البرلمان يتدخل لوضع القيود السياسية على هذه الزيجة، ولكنها أفقدتها التعاطف الكامل في الشارع والبرلمان معًا عندما تحالفت مع إسبانيا ضد فرنسا في حرب لا ناقة لها فيها ولا جمل، مما جعلها تفقد مدينة «كاليه» لصالح فرنسا، ولكن القدر لم يمهلها الكثير فماتت بحسرتها في عام 1558 قبل أن تعمق جذور المتغيرات التي أدخلتها.
مرة أخرى وجد الشعب الإنجليزي نفسه في موقف حرج فاضطروا لتنصيب أختها الملكة «إليزابيث» الأولى، وهي ابنة آن بولين السبب الأساسي وراء قرار هنري الثامن بالانفصال عن الكنيسة الكاثوليكية، فكان الكاثوليك في البلاد ينظرون لها على اعتبارها ابنة غير شرعية بسبب عدم الاعتراف بطلاق والدتها الأولى، بينما توسم البروتستانت الخير على أيدي الملكة الجديدة والتي كانت تقارب الخامسة والعشرين، ولكن أحدًا لم يتوقع أبدًا أن تصبح هذه الشابة أعظم ملكة في تاريخ إنجلترا وواضعة أسس عظمة هذه الدولة، فلقد كانت حكيمة وذكية في آن واحد، ولم تتأخر كثيرًا في استيعاب دروس السياسية وإدارة الدولة، فاستعانت بمستشارين شهد لهم التاريخ بالكفاءة فحسمت المشكلات المذهبية بأن أعادت المبادئ التي وضعها أبوها وأخوها، فأصبحت الملكة ترأس الكنيسة رسميًا رغم أنها رفضت هذا اللقب نظريًا تحت حجج مختلفة واكتفت بلقب «الحاكم الأعلى»، ولكنها أقرت المبدأ ذاته، كذلك فقد أعيدت الصلاة في الكنائس باللغة الإنجليزية وأبقت على الطقوس البروتستانتية وعلى رأسها زواج القساوسة، وهو ما أدي إلى قيام البابا في روما بعزل الملكة كنسيًا ولكنها لم تأبه كثيرًا بهذه الخطوة فشددت قبضتها على الكاثوليكية ومعتنقيها في البلاد.
وعلى الرغم من القرارات الحاسمة للملكة في المسائل المذهبية فإن التوتر لم يختف في البلاد، ولكنه هدأ بشكل كبير، وكان على الملكة أن تبدأ سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية والسياسية لضمان الاستقرار بعد تهدئة الخلافات المذهبية، فعلى صعيد الشأن الداخلي نظمت الملكة صك العملة بشكل يضمن وجود نسب من الذهب أو الفضة في العملات تتوازى مع قيمتها الفعلية بعدما كان والدها هنري الثامن قد أخل بهذا التوازن بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة فكان يصك العملة بأقل من قيمتها مما خلق حالة من التضخم المريع في البلاد، وقد أعاد ذلك للاقتصاد الإنجليزي استقراره الذي كان في أشد الحاجة إليه، كذلك قامت بتنظيم سوق العمالة في البلاد من خلال القوانين المختلفة فأدخلت الحد الأدنى للأجور وقامت بعدد من الإصلاحات الاجتماعية امتصت من خلالها غضب الطبقات الفقيرة، كما وضعت هذه الملكة الشابة الأسس التجارية التي جعلت من بلادها فيما بعد القوة التجارية الأولى في العالم، وأسست لأول مرة «شركة موسكوفيا التجارية» لضمان التجارة مع روسيا في وقت لم تكن أوروبا قد وجهت أنظارها لروسيا، كما فتحت المجال أمام التوسع التجاري المنظم حول العالم.
وعلى الرغم من كل هذه الأعباء، فإن القدر وضع على كاهل هذه الملكة عبئًا إضافيًا، وهو علاقتها السيئة مع أحد أقربائها وهي «ماري ملكة اسكوتلندا» والتي كانت كاثوليكية المذهب وحاولت أن تستولي على إنجلترا وتطيح بالملكة إليزابيث بكل الوسائل خاصة بعد زواجها من ملك إسبانيا فأصبحت إنجلترا في خطر الزحف الاسكوتلندي البري والحصار البحري الإسباني، وقد جمعت «ماري» الجيوش ضدها ولكنها فشلت في هدفها بسبب الدسائس الداخلية، وانتهى بها الحال إلى ثورة شعبية أطاحت بها مما جعلها ترتمي في أحضان إليزابيث، فكان مأواها السجن ثم الإعدام بعد ذلك.
أما على صعيد العلاقات الخارجية فقد توصلت لاتفاقية صلح مع فرنسا تنازلت بمقتضاها عن الأراضي التي صارت تحت أيدي الأخيرة، ولجأت لسياسة توازن القوى للحفاظ على استقلال البلاد من ناحية وضمان عدم تكتل القارة الأوروبية ضدها، فتوازنت سياستها الخارجية بين فرنسا وإسبانيا بشكل دقيق للغاية، فأصبحت إنجلترا عنصرًا هامًا في المعادلة السياسية الدولية، وهو ما أثار حفيظة وحقد ملك إسبانيا والذي كان مصممًا على استعادة إنجلترا إلى الكاثوليكية مرة أخرى والقضاء على نفوذها التجاري الدولي، وهو ما دفعه في عام 1588 إلى محاولة غزو إنجلترا بحريًا من خلال أسطوله المهيب والمعروف «بالأرمادا»، فكان هذا أكبر تحد لهذه الملكة في حكمها، ولكنها استطاعت أن تستجمع قوى البلاد من المذاهب المختلفة والرافضة للاحتلال الإسباني، وبمساعدة الريح العاتية تمت هزيمة الأرمادا وهي المعركة التي غيرت مجرى التاريخ الدولي، فلقد ضعفت إسبانيا بعدها بحيث صارت إنجلترا بأسطولها القوة المؤثرة على المحيط الأطلنطي، وبدأت تتوسع في مستعمراتها.
وقد كان لهذه الملكة رؤيتها الثقافية فجاء ما عُرف في التاريخ بالعصر المنسوب إليها، إذ انتشر الأدب والشعر الإنجليزيان بشكل كبير، وبدأت حركة فكرية كبيرة تعم البلاد كان لها أكبر الأثر في الرقي الاجتماعي تدريجيًا، وقد دعمت الملكة هذا التوجه بشكل كبير سعيًا لتثبيت اللغة ومنح بلادها الميزة الفكرية والثقافية، وقد اهتمت الملكة شخصيًا بالمسرح والفنون. ومع كل هذه الأحداث فقد ظلت شخصية وحيدة، خاصة وأنها رفضت كل عروض الزواج والتي انهالت عليها من كل القارة الأوروبية ومن علية القوم الإنجليز تحت حجج مختلفة، ولكنها كانت تستخدم هذا السلاح إما لجذب الرجال لصالح التاج أو لتفريق المؤامرات الداخلية أو الخارجية، لهذا لم تتزوج وماتت الملكة بلا وريث لها في عام 1603، ولعل إرثها الحقيقي أنها كانت سيدة الدولة التي وضعت الأسس السياسية والاقتصادية والعسكرية للدولة الإنجليزية.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».