تراجع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمس عن تطبيق خطة تجريبية للفصل بين الركاب الإسرائيليين والفلسطينيين (عمال) داخل الحافلات التي تسير في شوارع الضفة الغربية، وذلك بعد ساعات على بدء تطبيق الخطة التي حظيت بأوسع انتقادات واتهامات للحكومة الإسرائيلية بالعنصرية وبأنها نظام أبرتايد.
وعلق نتنياهو الإجراءات التي فرضها وزير دفاعه قبل ساعات من لقائه في القدس أمس، مع مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيدريكا موغيريني، وبعد معلومات عن نية دول أوروبية والولايات المتحدة انتقاد الإجراءات بشدة، بل ومناقشتها مع الحكومة الإسرائيلية.
وتقضي خطة «نقطة العبور» بمنع فلسطيني الضفة الغربية الذين يتوجهون يوميا إلى العمل في إسرائيل، من ركوب الحافلات مع الإسرائيليين ومستوطني الضفة. وجاء في قرار وزارة الدفاع الإسرائيلية «بموجب إجراء يدخل قيد التجربة لثلاثة أشهر، سيترتب على الفلسطينيين العاملين في إسرائيل اعتبارا من الأربعاء العودة إلى منازلهم عبر نقاط العبور ذاتها (التي يدخلون منها) من دون استخدام الحافلات التي يستخدمها المقيمون الإسرائيليون (المستوطنون) في الضفة الغربية».
ويعني تطبيق الخطة أن على العمال الفلسطينيين الذين يتعرضون لمعاناة كبيرة قبل الحصول على التصاريح اللازمة لدخول إسرائيل، ومعاناة أخرى أثناء عبورهم نقاط الحواجز صباحا، إضاعة مزيد من الوقت والجهد في الالتفاف حول طرق طويلة من أجل العودة إلى الحواجز ذاتها، ومن ثم البحث عن وسيلة أخرى لنقلهم في الضفة الغربية.
واعتمدت الخطة المثيرة للجدل، بعد طلب سابق من قادة المستوطنين بمنع الفلسطينيين من استخدام حافلاتهم تحت ذرائع «أمنية»، لكن الضغوط الكبيرة على نتنياهو والتخوف الكبير في مكتبه من الإضرار بعلاقات إسرائيل مع العالم كانت سببا رئيسا وراء وقف الخطة على ما أفادت به مصادر سياسية.
وكانت وزارة الخارجية الفلسطينية أدانت «الذرائع والحجج الواهية التي تسوقها وزارة الحرب الإسرائيلية لتبرير هذا القرار». ووصفت الخارجية الفلسطينية خطة الفصل في الحافلات بأنها «عنصرية بامتياز، وتعبير عن تفشي العنصرية سواء في المجتمع الإسرائيلي أو في المؤسسة الإسرائيلية الرسمية وسياساتها، وهو تجسيد لسياسة الفصل العنصري التي تنتهجها الحكومة الإسرائيلية في تعاملها مع الشعب الفلسطيني وقضيته وحقوقه الوطنية المشروعة».
وعدت الوزارة أن الاستمرار في القرار يدق أمام المجتمع الدولي ناقوس الخطر الذي يهدد المنطقة برمتها، ويقوض فرص إحياء المفاوضات جراء إمعان الحكومة الإسرائيلية في انتهاكاتها وممارساتها الاحتلالية والعنصرية.
وطالبت الوزارة المجتمع الدولي والدول كافة بالتعامل بمنتهى الجدية مع تفشي العنصرية وانتشارها في إسرائيل ومؤسساتها الرسمية. كما طالبت الهيئات الأممية المختصة بالتحرك القانوني الدولي المطلوب للجم هذه السياسة الاحتلالية.
واعترضت منظمات الحقوق المدنية في فلسطين وإسرائيل كذلك على القرار. وقال حسين فقهاء، من الاتحاد العام لعمال فلسطين، إن ما بين 45 و50 ألف فلسطيني يملكون تصاريح عمل في إسرائيل، وإن هناك عددا مماثلا يعمل هناك دونها، واصفا القيود على التنقل بأنها «إجراء عنصري» ينفذ بذريعة الأمن.
ووصفت منظمة «سلام الآن» الإسرائيلية خطة الفصل بأنها «سياسة قبيحة وعنصرية»، وقالت منظمة «ييش دين» كذلك: «الحديث يدور عن خطوة مخجلة وعنصرية وتدهور إسرائيل إلى انحطاط أخلاقي».
وحاول مسؤولون إسرائيليون الدفاع عن الخطة بالقول إنها تنبع من الحاجة إلى «رصد دخول العمال من غير المواطنين وخروجهم لأسباب أمنية كما ستفعل أي دولة»، لكن مع تصاعد الانتقادات، أعلن مساعد لنتنياهو أن رئيس الوزراء يعتبر الاقتراح غير مقبول. وأضاف: «لقد تحدث (نتنياهو) مع وزير الدفاع وتقرر تجميده».
وكان مسؤولون إسرائيليون هاجموا الخطة بقوة كذلك. وقال زعيم المعارضة اسحق هرتسوغ: «الفصل العنصري على وسائل النقل العامة في يهودا والسامرة (الاسم التوراتي للضفة الغربية)، هو إذلال لا طائل منه ووصمة على جبين البلاد ومواطنيها، ويصب الزيت على نيران كراهية إسرائيل في العالم».
وكتبت رئيس حزب ميرتس زهافا غالؤون: «السبب الوحيد للفصل بين حافلات اليهود والفلسطينيين هو العنصرية الخالصة، انتصار لحملة عنف يديرها مستوطِنو السامرة في السنوات الأخيرة، من أجل ألا (يتلوّثوا) في السفر مع العرب.. أقترح على يعلون أن يُلغي من الآن وبمبادرته هذا الإجراء المقزّز. إنْ لم يفعل ذلك، فنحن نشن ضده حربا شاملة، ليس فقط من أجل المسافرين الفلسطينيين، ولكن من أجلنا جميعًا».
ولم تتوقف الانتقادات على اليسار في إسرائيل، بل فاجأ الوزير الليكودي السابق والبارز، غدعون ساعر، الحلبة السياسية في إسرائيل بدعوته إلى إلغاء القرار سريعا، قائلا إن «قرار الفصل في الحافلات خاطئ ويؤدي إلى أضرار خطيرة على الاستيطان في الضفة الغربية وصورة إسرائيل في العالم. ينبغي وقفه سريعًا من أجل تقليص الأضرار الجسيمة على إسرائيل والاستيطان».
كما كتب داني ديان، الرئيس السابق لمجلس المستوطنين في الضفة: «أدعو وزير الدفاع للرجوع عن قراره حالاً. لا يُمكن مقارنة أي (نجاح) لهذا الإجراء التجريبي بالأضرار التي سيتسبّب بها إبقاء القرار دون تغيير».
وحتى الرئيس الإسرائيلي رؤوبين ريفلين أعلن عن رفض الخطة ثم رحب بتعليقها، مشيرا إلى أنه تحدث مع وزير الدفاع حول هذا الموضوع.
وقال ريفلين إنه كرجل محب لإسرائيل لا يسعه سوى أن «يشعر بالأسف إزاء الأصوات التي أطلقت وتنادي بالفصل بين اليهود والعرب لاعتبارات من غير اللائق ذكرها». وأضاف أن «هذه الأصوات تتناقض والمبادئ الأساسية لدولة إسرائيل ولا تتماشى مع قيم الدولة اليهودية والديمقراطية».
نتنياهو يجمد خطة منع العرب من استخدام حافلات اليهود في الضفة
الاتهامات بالعنصرية والأبرتايد والخوف من تخريب العلاقات مع العالم وراء القرار
نتنياهو يجمد خطة منع العرب من استخدام حافلات اليهود في الضفة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة