بكين «قلقة» إزاء اتهام واشنطن لـ6 صينيين بالتجسس الاقتصادي

الملاحقون متهمون بسرقة أسرار متعلقة بالهواتف الجوالة «لحساب السلطات الصينية»

بكين «قلقة» إزاء اتهام واشنطن لـ6 صينيين بالتجسس الاقتصادي
TT

بكين «قلقة» إزاء اتهام واشنطن لـ6 صينيين بالتجسس الاقتصادي

بكين «قلقة» إزاء اتهام واشنطن لـ6 صينيين بالتجسس الاقتصادي

أعربت الصين، أمس، عن «قلقها الشديد» لاتهام القضاء الأميركي ستة صينيين، بينهم أساتذة جامعيون، بالتجسس الاقتصادي وسرقة أسرار تجارية متعلقة بالهواتف الجوالة في الولايات المتحدة.
وقال المتحدث باسم الخارجية الصينية هونغ لي «إن الصين تشعر بقلق شديد إزاء هذه القضية التي نتحقق من تفاصيلها. ستتأكد الحكومة الصينية من احترام كامل حقوق ومصالح المواطنين الصينيين في المبادلات الثنائية». ولم يشأ هونغ لي الإجابة عن سؤال لمعرفة ما إذا كانت هذه الاتهامات ستؤثر سلبا على العلاقات التجارية الصينية الأميركية. وأكد هونغ أن «الحكومة الصينية تعارض بشدة وتحارب سرقة أسرار تجارية، بشكل يتوافق مع القانون»، مؤكدا أنه «في هذه الحالة يجري التحقق من التفاصيل».
وكان مدعون أميركيون قد وجهوا أول من أمس التهم إلى المشتبه بهم الصينيين وبينهم ثلاثة أكاديميين بسرقة تكنولوجيا هواتف جوالة لحساب بكين. وبحسب محضر الاتهام الذي نشرته وزارة العدل الأميركية، يتهم الرجال الستة وبينهم ثلاثة جامعيين في الصين بسرقة تكنولوجيا من الشركتين الأميركيتين «افاغو تكنولوجيز» ومقرها في كاليفورنيا (غرب)، و«سكاي ووركس سولوشنز» ومقرها في ماساتشوستس (شمال شرق).
وأوقف أحد الأساتذة، جانغ هاو، السبت الماضي لدى وصوله إلى الولايات المتحدة، وتحديدا إلى مطار لوس أنجليس، وسجن الاثنين بعد مثوله للمرة الأولى أمام قاضية في كاليفورنيا. أما الخمسة الآخرون الذين صدرت بحقهم مذكرة توقيف دولية فما زالوا موجودين في الصين، بحسب متحدث باسم وزارة العدل الأميركية. وقالت المدعية الفيدرالية الأميركية ميليندا هاغ إن هذه القضية كشفت أن «تكنولوجيا حساسة طورتها شركات أميركية في سليكون فالي ومختلف أنحاء كاليفورنيا لا تزال هشة أمام جهود منسقة ومعقدة تقوم بها حكومات أجنبية لسرقة تلك التكنولوجيا». وصرح المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية جيفري راثكي للصحافيين «إن هذه القضية تدل إلى أي مدى تلتزم الولايات المتحدة بحماية الأسرار التجارية للشركات الأميركية ومعلوماتها المسجلة من السرقة»، مضيفا أن «التجسس الاقتصادي هو أمر نأخذه بجدية كبيرة».
والهدف من هذه الخطة التي تعود إلى 2006 هو سرقة أسرار تجارية لشركتي «افاغو» و«سكاي ووركس»، خصوصا تكنولوجياتهما المستخدمة في الهواتف الجوالة لفرز الإشارات وتحسين الأداء. وبحسب الأميركيين فإن هذه العملية نظمت تحت إشراف مسؤولين من جامعة تيانجين، إحدى الجامعات الأساسية لوزارة التربية الصينية، عبر شركة وهمية في جزر كايمان لحساب هيئة في الصين «آر أو إف إس مايكروسيستمز» المفترض أن تصنع هذه التقنيات.
وأكد موظف في قسم الدعاية بجامعة تيانجين أمس أن المؤسسة «لا صلة لها البتة بأفعال تجسس». وقال ديفيد جونسون، عميل مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) الخاص في سان فرانسيسكو، إن الخطة «تعتبر جهدا منظما من قبل جهات أجنبية للحصول على تكنولوجيا أميركية حساسة وقيمة عبر استخدام أشخاص يعملون داخل الولايات المتحدة».
ولطالما اتهمت واشنطن الصين بالتجسس المعلوماتي لصالح شركات صينية، فيما تقول الصين بانتظام إنها تتعرض للقرصنة. والصين تعبر عن قلق متزايد إزاء التجسس المعلوماتي، وأمرت عدة دوائر حكومية بتجنب استخدام تكنولوجيا أجنبية.



الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
TT

الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)

قاد الملا عثمان جوهري واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية في أفغانستان، وهي معركة «ونت» التي باتت رمزاً للحرب ذاتها.

كان جوهري، قيادي «طالبان» السابق يرتدي نظارات شمسية ومعطفاً من الصوف الثقيل، كما لو أنه قد يترك المكان في أي لحظة. على طاولة مغطاة بالبلاستيك تفصل بيننا تحت ضوء الفلورسنت، كان هناك تل من اللحم والأرز الذي لم يُمس. كانت هذه هي المرة الأولى التي نلتقي فيها، تحديداً في شتاء عام 2022، وقد اختار للقاء مكاناً يقع في نُزل وسط شارع مزدحم.

كانت أصوات التجار وهدير حركة المرور تتسلل عبر نافذة مفتوحة فيما كنت أشرح له لماذا تعقبتُ أثره. منذ أكثر من عقد من الزمان، حاصر 150 مقاتلاً من «طالبان» قاعدة أميركية في سفوح جبال «هندوكوش»، وقُتل تسعة جنود وأُصيب أكثر من عشرين فيما باتت تُعرف بمعركة «ونت»، التي تعد واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية خلال الحرب بأكملها.

وايغال هي قرية كبيرة في عمق وادٍ باسمها لم تتمكن القوات الأمريكية من الوصول إليها مطلقاً خلال حملتها بنورستان (نيويورك تايمز)

هذا الرجل، الملا عثمان جوهري، كان قائد ذلك الهجوم، وهي معجزة أنه لا يزال على قيد الحياة. فخلال الحرب، كان القادة المتوسطون في «طالبان» يلقون حتفهم بانتظام. لكن ها هو حيٌّ يُرزَق. على مدار أكثر من عشرين عاماً، كانت الصحافة الأميركية تغطي نصف الحرب فقط. وأنا، بصفتي صحافياً سابقاً في أفغانستان ورئيس مكتب كابل، كنت جزءاً من ذلك أيضاً. كانت أجزاء كبيرة من البلاد محظورة، وكان تصوُّر «طالبان» غالباً ما يقتصر على دعاية الحركة، وكانت القصة الحقيقية غير معروفة. قرأتُ بصفتي صحافياً كل التقارير المتعلقة بمعركة «ونت»، وكل درس مستفاد. لكن الآن وقد انتهت المعارك، أصبحت أتساءل عما فاتنا. قد أتمكن من الحصول على بعض الرؤى حول كيفية انتهاء الحرب بشكل سيئ بالنسبة إلى الولايات المتحدة (وكذلك بالنسبة إلى كثير من الأفغان، لا سيما النساء).

أردت رؤية الحرب من الجانب الآخر لتقديم منظور قد لا يراه القارئ مطلقاً، ودروس مستفادة من الجماعة الوحيدة التي لم يُطلب منها ذلك، جماعة «طالبان». فبعد حرب فيتنام، التي تتشابه إلى حد كبير مع الحرب في أفغانستان لدرجة أنها أصبحت أشبه بالإكليشيه، مرّت عقود قبل أن تتعامل الولايات المتحدة مع عدوها السابق.

وبحلول ذلك الوقت، كان كثير من قادتها العسكريين قد ماتوا، وضاعت فصول من التاريخ ربما إلى الأبد، حسب المؤرخين.

الملا عثمان جوهري بمنزله في وايغال بولاية نورستان بأفغانستان (نيويورك تايمز)

قدمتُ هذا العرض للملا عثمان جوهري مرتين من قبل: الأولى كانت عبر حارسه الشخصي، الذي كان يرتدي زياً يشبه زي قوات العمليات الخاصة؛ والأخرى كانت عبر مساعده، الذي كان بمثابة قنبلة موقوتة في الانتظار، ولم يعد مطلوباً. أخيراً، جلستُ أمام الملا عثمان نفسه، وعندما انتهيت من حديثي، لم يقل شيئاً، ولم يحرّك حتى رأسه. نظرنا إلى الطعام الذي بدأ يبرد أمامنا حتى أشار إلى حارسه ليتهيأ، فقد كنا متجهين إلى موقع «ونت» بسفوح جبال «هندوكوش».

اليوم في «ونت»، ما زالت بقايا القاعدة الأميركية السابقة قائمة، مهدمة وممزقة كذكرى باهتة، أطرافها التي كانت قائمة في السابق ذابت في الأرض مثل لوحة لسلفادور دالي. أراني الملا عثمان خطوط إمداد «طالبان» ومواقع إطلاق النار، وأعاد تمثيل الحصار. لكن بينما كنا نتحدث على مدار الأيام التالية، ثم الأشهر والسنة التالية، أقنعني الملا عثمان بأن معركة «ونت» بدأت فعلاً قبل سنوات -لكنّ الأميركيين لم يكونوا يدركون ذلك. قال لنا إنه لكم يكن عضواً في «طالبان» عندما بدأت الحرب. وبعد انضمامه، أصبح موضع سخرية في قريته. كان السكان المحليون في الوادي يؤمنون بمستقبل وَعَدَتْهم به الولايات المتحدة. لكن بعد ذلك، بدأت الغارات الجوية الأميركية، التي استهدفت مسلحين مشتبه بهم، في قتل الأبرياء. هذه القصة مألوفة بشكل محبط، ولكن كان ما هو أغرب، فالأمريكيون قتلوا وجرحوا أولئك الذين دعموا وجودهم أكثر من غيرهم.

بدأت عمليات تجنيد «طالبان» في الازدياد، حسب الملا عثمان، مع تحول الأميركيين من حلفاء إلى أعداء.

يقول : «لم يكن هناك أي عنصر لـ(طالبان) هنا عندما بدأت الحرب»، عبارة قالها لي الملا عثمان جوهري في تلك الرحلة الأولى إلى قريته الأصلية في ويغال، التي تقع في عمق الوادي تحت الجبال الشاهقة المغطاة بالثلوج. «لكن بعد أن دخل الأميركيون وبنوا قواعدهم وقتلوا الأبرياء، نهض الناس وقرروا القتال».

دروس مستفادة

نورستان، منطقة جبلية في شمال أفغانستان، لم تكن تهدف مطلقاً لتكون نقطة محورية في الحرب على الإرهاب. لم تكن معقلاً طبيعياً لـ«القاعدة» أو «طالبان». في الواقع، خلال فترة حكمهم الأولى في التسعينات، كانت «طالبان» قد دخلت المنطقة بالكاد. ومع ذلك، اعتقد الأميركيون أنها طريق لتهريب الأسلحة والمقاتلين وملاذ آمن لتنظيم «القاعدة»، لذا بنوا قواعد وبدأوا في تنفيذ دوريات عدوانية في أماكن كانت معتادة على الاستقلال.

في رحلاتي عبر الوادي، قابلت حلفاء للولايات المتحدة تعرضوا للتشويه جراء الغارات الجوية، والذين فقدوا عائلاتهم أيضاً. هؤلاء الأشخاص كانوا بمثابة تذكير بقلة إدراك الولايات المتحدة للحرب التي كانت تخوضها. اتضح أن الأميركيين كانوا مخطئين بشأن كون نورستان معقلاً للإرهابيين. لكن قواعدهم أصبحت بمثابة مغناطيس يجذب المسلحين، مثل «حقل الأحلام» للمتمردين: الأميركيون بنوها، ثم جاءت «طالبان». وبحلول الوقت الذي قاد فيه الملا عثمان فريقه عبر الجبال لشن الهجوم على القاعدة الأميركية في «ونت»، كان الوادي قد تحوَّل ضد الأميركيين، وكانت النتيجة مأساوية.

*خدمة «نيويورك تايمز»