شهادات منشقين عن الجماعة المتطرفة (1 - 4) : الارتباك الفقهي لـ«داعش» يشجع الانشقاقات داخله

التنظيم يغيِّر فتاواه للحد من خسائره على الأرض

أبو بكر البغدادي قائد التنظيم الارهابي، و غلاف كتاب «مقرر في التوحيد» للتدريس في معسكرات «داعش» (صورة خاصة لـ«الشرق الأوسط»)
أبو بكر البغدادي قائد التنظيم الارهابي، و غلاف كتاب «مقرر في التوحيد» للتدريس في معسكرات «داعش» (صورة خاصة لـ«الشرق الأوسط»)
TT

شهادات منشقين عن الجماعة المتطرفة (1 - 4) : الارتباك الفقهي لـ«داعش» يشجع الانشقاقات داخله

أبو بكر البغدادي قائد التنظيم الارهابي، و غلاف كتاب «مقرر في التوحيد» للتدريس في معسكرات «داعش» (صورة خاصة لـ«الشرق الأوسط»)
أبو بكر البغدادي قائد التنظيم الارهابي، و غلاف كتاب «مقرر في التوحيد» للتدريس في معسكرات «داعش» (صورة خاصة لـ«الشرق الأوسط»)

في مساء نهار صيفي حار في شمال سوريا، خرج أحد الفقهاء الصغار في تنظيم داعش، عن رباطة جأشه، ولم يكن يعلم أن انتقاداته للتنظيم الذي يقاتل في صفوفه ستجعله خصما مهدر الدم ومطاردا من «إخوة الأمس»، إلى أن تمكن من الفرار من العراق قبل عدة أسابيع.
اسمه «أبو هريرة». يبلغ من العمر 22 عاما. ليبي الجنسية. شاب متشكك بطبعه. كان متشددا. يشعر بالغضب. ذو شعر كثيف وطويل يغطي رأسه ووجهه. متحمس وله عينان تلمعان في تحد، لكنه لم يفهم طبيعة المتغيرات الحالية داخل دولة «الخلافة» المزعومة.
وقف ذات يوم أمام شاب بحريني يدعى تركي البنعلي، ويبلغ من العمر 31 عاما، ويعد أحد أهم ثلاثة من كبار رجال الشرع في «داعش»، وقال له: «ماذا يحدث لو قلت لك إنني متمسك بموقفي من تكفير أيمن الظواهري؟ ليس أنا فقط لكن كل هؤلاء الإخوة الذين معي، لأننا لهذا السبب جئنا للقتال».
كانت هذه بداية النهاية لـ«أبو هريرة» ولزميل له سوري يدعى «أبو شعيب»، وللكثير من مقاتلي التنظيم سواء ممن تمكنوا في آخر المطاف من الفرار، أو من أصحاب الحظ العاثر ممن انتهوا في سجون «داعش» الرهيبة.
وحصلت «الشرق الأوسط» على شهادات، عبر وسطاء، من خمسة من المقاتلين السابقين، من بينهم «أبو هريرة» و«أبو شعيب».. وبينما تمكن الأول من الفرار إلى إحدى دول الجوار الليبي، هرب الثاني أخيرا إلى تركيا، أما الثلاثة الآخرون فهم من تونس، وتمكنوا من العودة إلى بلادهم، وقدموا معلومات شحيحة عن تجربتهم داخل التنظيم. كان يجري تأهيل هؤلاء ليكونوا، مع آخرين، فقهاء في «داعش»، لا مجرد مقاتلين، إلا أنهم انشقوا عن التنظيم لسبب مشترك وهو بكل بساطة، كما يقول «أبو شعيب» البالغ من العمر 25 عاما، أن ما تعلنه من أقوال لا يقابله تطبيق على الأرض.
ويضيف قائلا إنه كان مع مجموعات أخرى مؤمنا بفكرة «داعش».. «إلا أننا اكتشفنا أنها مثلها مثل الجماعات الأخرى التي جعلت لنفسها وجماعتها الحق المطلق لرعاية القتال، وجعلت هذا أصلاً مطردًا، بل كفرت من خالفها فيه، والعجب كل العجب أنها لم تكفر من خالفها فيما تعتقده وتزعم أنها تنظر له، ألا وهو حقيقة التوحيد (الكفر بالطاغوت والإيمان بالله) وتزعم إيمانها به كأصل للإسلام، لكن نجدهم عند تنزيل هذه الحقيقة يضطربون، فتارة يدخلون فيها ما ليس فيها، وتارة يخرِّجون منها ما ليس منها».
تشير تداعيات كهذه إلى حجم الخلافات التي انعكست على تحالفات التنظيم في حروبه، خلال الشهور الماضية، مع جماعات أخرى متطرفة وعشائر وقبائل وحتى نظام بشار الأسد نفسه. وانشقت مجموعة تونسية عن «داعش» بينما جرى القبض على مجموعات أخرى من بينهم تونسيون أيضا، إضافة لليبيين وجزائريين وكويتيين، بعد أن تجرأوا على أمراء التنظيم وردوا على فقهائه في مسائل تخص شروط قتل الخصوم وتوزيع الغنائم وغيرها.
كان «أبو هريرة» و«أبو شعيب» الذي يوصف بأنه نحيف وأصفر الوجه والشعر، إضافة إلى التونسيين الثلاثة الذين رفضوا ذكر أسمائهم الحقيقية أو الكنية التي كانوا يعرفون بها داخل «داعش».. كان كل هؤلاء جزءا من مشكلة ظلت تتدحرج وتكبر، دون حل وتتعلق بمسائل الفتاوى الداعشية المتخبطة وسياسات التنظيم غير المفهومة.
في بداية شهور الصيف الجاف على الأراضي الواقعة بين «دير الزور» و«الرقة»، شمال شرق سوريا.. ورغم مجرى نهر الفرات، ورغم سماحة الكثير من العشائر، ورغم رغبة مقاتلي الجيش الحر في التخلص من نظام الأسد، فإن الآفاق كانت تضيق أمام مفكري ومقاتلي «داعش» مع استمرار قادة التنظيم في استفزاز السكان المحليين، وتضارب الفتاوى، ما زاد من الضربات التي يتلقاها من خصومه. وزاد الطين بلة تلويح المجتمع الدولي بالاستعداد لشن غارات بالطائرات الحربية ضد مواقع «داعش» في العراق وسوريا التي بدأت بالفعل مع مطلع سبتمبر (أيلول) الماضي.
قد يعتقد البعض أن أمثال «أبو هريرة» و«أبو شعيب» والتونسيين، كانوا يرفضون المنهج المتشدد لـ«داعش». هذا غير صحيح. كان يمكن أن يستمروا في العمل معه كما بدأوا.. الخلاف أخذ يدور، بالأساس، حول مبادئ معينة أطلقها التنظيم في أول الأمر، وآمنوا بها، وهجروا عائلاتهم وأوطانهم لتحقيقها. حين شرعوا في تنفيذ هذه المبادئ، مثل كثير من المحاربين، اكتشفوا أن التنظيم لا يطبق ما ينادي به، ولديه مآرب خفية، ولا يختلف عن أي جماعة محاربة أخرى.
يقول «أبو هريرة»: «لقد تسبب إطلاق قيادات (داعش) للفتاوى ثم التراجع عنها، في مقتل المئات من كوادر ومقاتلي التيارات الإسلامية وغير الإسلامية التي تحارب نظام الأسد، على يد مقاتلينا.. كان من بين الضحايا (أبو خالد السوري)، الخصم اللدود لـ(داعش)، والقيادي المهم في (حركة أحرار الشام). اكتشفا، مع المجموعات التي كانت تعمل معنا في شمال شرقي سوريا نكوص التنظيم عن توجهاته وتفسيراته الفقهية، والتنكر لها».
كان فقهاء التنظيم الكبار المحيطون بمن يطلق على نفسه «الخليفة أبو بكر البغدادي»، يعلنون أمام أتباعهم الصغار، قبل عدة أشهر من هذه الوقائع، أنهم يقفون ضد الظواهري، زعيم تنظيم القاعدة «لأنه كافر» بسبب تقديمه الأعذار لعدم تطبيق الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي للشريعة الإسلامية فور توليه الحكم في 2012. وبالتالي يحق لهم تكفير «جبهة النصرة» أحد فروع «القاعدة» في سوريا، ناهيك بتكفير التيارات الأخرى التي تعمل ضد الأسد بما فيها باقي التيارات الإسلامية. وحين بدأت جلسة للمناظرة بين قيادات ميدانية وفقهية وسطى من «داعش» في بلدة «الدانا» السورية، تقرر الزج بالمخالفين في السجون رغم أهميتهم للتنظيم. وبدأت رحلة الفرار لمن وجد طريقا للهروب.
ملخص المعادلة، منذ التحاقه بالتنظيم، من وجهة نظر أحد التونسيين الثلاثة، كان كالتالي: «إذا لم تعمل مع (داعش) وتعلن البيعة لها، فأنت جاهل بالدين، وبالتالي يتوجب قتلك حتى لو كنت غير مدرك لخطورة موقفك، لأن جهلك ليس مبررا لالتماس العذر لك. النقطة الثانية من المعادلة: إذا أفتى أحد الشيوخ بأنه يجوز عدم معاقبة الجاهل لجهله، أي تقديم العذر له، فإن مثل هذا الشيخ في أدبيات (داعش) يكون (كافرا)، يتوجب قتله أيضا».
يعتقد أن المجموعات التي كان التونسيون الثلاثة يعملون في صفوفها هي التي نفذت عملية الاغتيال لـ«أبو خالد السوري» حين كان موجودا مع قادة ميدانيين لكتائب معارضة للأسد، في مقر لـ«أحرار الشام» في حلب. في ذلك الوقت كانت الخصومة بين البغدادي من جانب والظواهري و«جبهة النصرة» من جانب آخر، على أشدها. كان «أبو خالد» يعمل مندوبا ووسيطا من الظواهري لإقناع جماعة البغدادي بالخروج من سوريا وترك الساحة هناك لـ«جبهة النصرة»، وهو أمر كان يرفضه مقاتلو «داعش» الموجودون في جبهات القتال قرب حلب وفي الرقة وريف دمشق.
يقول «أبو هريرة» عن بداية تعليمه ومن معه عقب انخراطهم في التنظيم: «لقد تعلمنا على يد طالب علم من الدولة (أي: داعش) وأعطانا القليل من الدروس.. دروسا أعطانا بها، أول الأمر، لمحات عن أصل الدين. علَّمنا القليل، وعلَّمنا أنه لا عذر للمشرك لا بالجهل ولا بالخطأ ولا بالتأويل، إلا الإكراه، وبعد ذلك اعتمد كل منا على نفسه لمعرفة هل نحن على حق أم على باطل. اليوم يمكن أن أقول لك إن التنظيم على باطل.. ونحن كنا معه على باطل».
واعتمد تنظيم داعش على هيئة استحدثتها لتوفير الكتب التي تحمل توجهاته وتعليماته. وكان بعضها من تأليف البنعلي. واسم هذه الهيئة «البحوث والإفتاء»، ومن بين الكتب التي كانت مخصصة للمعسكرات فقط كتاب «مقرر في التوحيد» و«توعية الرعية بالسياسة الشرعية».
ومما تعلمه «أبو هريرة»، ومما آمن به لدرجة أن يعرض نفسه للقتل بعيدا عن وطنه وأسرته، هو أنه «لا عذر بالجهل.. تعلمنا أن العاذر كافر طالما أنها (أي الأعذار) تتعلق بأمور التوحيد.. كنا مندفعين. في أيدينا أسلحة، ونريد تطبيق هذا على الأرض.. كان ذلك عند التحاقي بـ(داعش). وقتها، وأنا أتنقل بين الموصل والبوكمال، حمدت الله على هذا. قلت تعلَّمْنا ما أفادنا مع بساطته، إذ إننا بعدها شرعنا في الجهر بتكفير أيمن الظواهري، وجبهة الجولاني (المقصود بها (جبهة النصرة) وقائدها محمد الجولاني)، وأبو محمد المقدسي (متشدد على نهج «القاعدة» ومتهم بدعم طالبان أفغانستان، وهو من أصل فلسطيني)، و(القاعدة)، وكل من يعذر بالجهل».
يبدو أن هؤلاء الشبان لم يدركوا حجم المشكلات التي كان التنظيم مقبلا عليها عقب واقعة اغتيال أبو خالد السوري، واتهام كتائب معارضة سورية لـ«داعش» بتدبير العملية. يقول «أبو شعيب»: «كنا نقاتل من أجل بناء أركان دولة الخلافة. لم نكن نلتفت خلفنا. فجأة بدأ يتردد هنا وهناك موضوع التوجيهات الجديدة عن عدم مهاجمة (القاعدة) أو (النصرة). هذا استمر ثلاثة أشهر أو أربعة، دون أن نلتزم به. لم نكن نعلم أنها توجيهات صحيحة، لأنها ببساطة تتعارض مع المبادئ التي أعلنها (داعش) منذ البداية. وتختلف كما هو موجود في كتب المعسكرات وفي مطويات البنعلي نفسه».
ومن جانبه يضيف «أبو هريرة»: «أنا أيضا قلت إنها مدسوسة من (جبهة النصرة) أو من (أحرار الشام). وبينما نحن ننتقل من حصار إلى حصار ويسقط منا (الشهداء)، كان تركي البنعلي يتولى موقع رئيس جهاز الحسبة في التنظيم، ويروج لتعليمات البغدادي للتهدئة مع المقاتلين السوريين والهدنة معهم رغم أنهم لم يجهروا بالبيعة لـ(الخليفة)».
جاء سؤال التحدي من «أبو هريرة» لـ«البنعلي»، حول تمسك الأول ومجموعته بتكفير الظوهري، رغم نهي كبار مستشاري البغدادي عن هذا الأمر في رسالة جرى تمريرها بين قادة وأتباع التنظيم منذ ربيع العام الماضي. ظلت الرسالة تتنقل عبر جبهات القتال دون أن يكون لها المفعول الذي يأمله مساعدو «الخليفة»، وأرادوا من ورائه، على ما يبدو، أن يقللوا من عدد الخصوم الذين يحاربونهم في العراق وسوريا.
يقول «أبو شعيب» إنه طوال أشهر من الحصار والجوع ومواجهة الموت أمام أسلحة أعداء التنظيم، استمر معظم من معنا في العناد، ولم يتعاملوا بجدية مع رسالة البغدادي، وعدوها بمثابة «بيان مدسوس»؛ لأن ما تتضمنه من كلمات وتحذيرات، وجدوا أنها مغايرة تماما لما سبق وتعلمه هؤلاء الفقهاء الصغار على أيدي منظري التنظيم، وما اطلعوا عليه من توجهات «الخليفة» المناهضة لنفوذ الظواهري.
يشرح «أبو هريرة» هذا الأمر بالقول إنه «منذ الربيع بدأت تنتشر رسالة من القادة.. وصلت إلينا في سوريا حين كنا ما زلنا هناك. قلنا إنها ليست حقيقية لأن ما فيها يتناقض تماما مع ما تعلمناه من أميرنا أيضا حين التحقنا بـ(داعش). لكن بعد عدة أشهر من الجدل والتشكك في الأمر، أخذ كبار المنظرين، ومنهم البنعلي يهددون المجموعات التي تقول إن الرسالة مدسوسة، ويهددون كل من يجهر بانتقاد الظواهري أو من يقولون بـ(تكفير العاذر) في المسائل الدينية الجوهرية مثل التوحيد، وكذا تم نبذ الذين يسألون عن حدود أخذ الغنائم ثم التنكيل بهم. هذه التهديدات وصلت للجميع تقريبا، سواء ممن يقاتلون في سوريا أو في العراق».
الخلافات الفقهية بشأن التكفير أو عدم التكفير لمن يعذر الجاهل بجهله وما يترتب على هذا الأمر من عمليات قتالية، كانت تتزايد بينما الحرب مستمرة. يوم آخر من الحصار في ريف دمشق. سيارات الدفع الرباعي المحملة بمدافع من عيار 14.5 مم و23 مم تثير الغبار، والقذائف تشعل النيران بينما ألسنة الدخان الأسود ترتفع من وراء الشجيرات القصيرة عبر المنحدر. هكذا يتذكر «أبو شعيب» ويضيف أن الشمس كانت هي الأخرى قد أخذت تصب الحر فوق الرؤوس. والمقاتلون لا يجدون الماء.
«أبو هريرة» من جانبه كان يقف خلف تلة صغيرة مع مجموعته التي يطلق عليها «الإخوة»، وهم بضع عشرات من زملائه من «داعش» معهم تسع سيارات مزودة بمدافع. محاصرون ومتحزمون بأشرطة الذخيرة في انتظار الفرج.
يقول «أبو هريرة»: «كنا وسط الحصار.. كنا نظن أن الدولة (يقصد: داعش) بنفس اعتقادنا، وأنها فعلا تكفِّر العاذر، ولكن عندها خرج بيان للدولة تقول فيه إنها لا تكفر الظواهري، وإنها ستعاقب من يكفره.. نحن عندها لم نصدق. قلنا ونحن نحمل البنادق ونحارب من أجل الخلافة: إن هذا القول يمكن القبول به في حالة واحدة، وهو أن يكون صادرا من جهة أخرى غير الدولة».
ويضيف: «ببساطة تجاهلنا البيان.. لكننا كنا أحيانا نتبادل الرأي حول هذا ونحن ما زلنا في منطقة الحصار في ريف دمشق، حتى ضاقت بنا السبل، وأتى أمر بانسحابنا إلى حدود الدولة (المقصود الانسحاب باتجاه مدينة الرقَّة، في شمال وسط سوريا). كانت عملية الانسحاب صعبة. وأخيرا وجدنا ثغرة. ضمدنا الجرحى وانطلقنا عبر التلال في اتجاه الرقة. في الحقيقة كنا نعلم أن هذا استدعاء من البنعلي، وأننا سندخل في حصار من نوع آخر من التفاسير الفقهية».
يبدو من الرسالة التي يتحدث عنها «أبو هريرة» و«أبو شعيب»، وتسببت، بمرور الوقت، في تغير مفاهيم كثير من مقاتلي التنظيم والفرار منه في الأسابيع الأخيرة، أنها جاءت بعد أن نَفِدَ صبر القادة المقربين من البغدادي تجاه من يروجون ضد الظواهري، في وقت كان فيه مندوبوه، ومن بينهم البنعلي، المعروف أيضا بلقب «أبو سفيان السلمي»، قد دخلوا في مفاوضات على التهدئة مع «جبهة النصرة» الموالية لـ«القاعدة»، وذلك بعد أن تعرض «داعش» العام الماضي لضربات موجعة على جبهات القتال مع مجموعات تابعة لـ«النصرة» وتيارات إسلامية أخرى، إضافة لقوات تابعة لنظام الرئيس بشار، إلى جانب خلافاتها مع بعض العشائر السورية.
ترفض رسالة البغدادي في لهجة صارمة كل من يروج للأقاويل التي انتشرت بين مجموعات «داعش» ضد «القاعدة»، ووصفت ما كان يقال عن هذا الأمر بـ«الإشاعات» و«الأراجيف»، ووصمت من يقوم بترويجها بـ«السفهاء» و«صناع الفتن». كانت الرسالة ضمن تيار عام يقوده زعماء «داعش» للجم المنتقدين الذين يتزايد عددهم يوما بعد يوم داخل صفوف التنظيم، خاصة في سوريا.
خرجت الخلافات بشأن الموقف من الظواهري لأول مرة، وفقا لشهادة «أبو شعيب»، حين جرى تسريب تسجيل صوتي مطلع العام الماضي يتحدث فيه فقهاء من «داعش» في الشام، ويظهر من فتاواهم أنهم يكفرون قادة تنظيم القاعدة. ويعتقد أن هذه الفتاوى جرى الاستناد عليها، في قتل وسيط الظواهري «الشيخ أبو خالد». ثم بعد ذلك انتشرت لقاءات المناظرات عن الأسرى وما يتوجب اتخاذه حيالهم وشرعية أخذ غنائم من عشيرة الشعيطات وأهالي مدينة البوكمال.
لم يتحرك مستشارو البغدادي بشأن واقعة التسجيل الصوتي وما فيه من فتاوى، إلا بعد أن تغيرت الظروف ضد التنظيم، وبدأت أصوات قوات سورية معارضة مهمة تتوعد بالانتقام لمقتل أبو خالد، وأصبح «داعش» يخسر على الأرض ويبحث عن حلفاء، خاصة حين بدأت تتشكل بين أبناء العشائر في سوريا والعراق ما يعرف باسم «الصحوات» التي تحاول مقاومة تمدد التنظيم الدموي على جانبي حدود البلدين، بينما كان المجتمع الدولي يضع اللبنات الأولى لتحالف يتولى توجيه ضربات جوية منتظمة لقواعد «داعش».
ولأنه لم تحدث استجابة لتعليمات «الخليفة» قام رجاله بعد ذلك بعدة أشهر بالتهديد والوعيد بشر العقاب لكل من يعيد مناقشة موضوع الموقف من «القاعدة» والأسرى والغنائم، ووصل التهديد إلى حد القتل. جرى تعميم منشور على أمراء المناطق، عبر العراق وسوريا، بأنه في حال ثبت أن أحد جنود الدولة (داعش) يروج لهذا الأمر ويشترك في ذلك النوع من المناظرات، فسيكون عبرة لغيره «كائنا من كان»، و«لا خير فينا إن لم نقم بذلك».
«أبو هريرة» و«أبو شعيب» كان يجري إعدادهما مع التونسيين الثلاثة، لكي يكونوا من قادة الخلافة في مناطقهم مستقبلا. كان البنعلي يمد هؤلاء الشبان بالكتب والمطويات والتنظيرات والفتاوى في معسكرات التدريب وعلى جبهات القتال. حين بدا أن هناك بوادر من جانبهم تشكك في رسالة الخليفة بشأن الظواهري، سارع البنعلي بإيفاد مندوب عنه للتحدث مع «هؤلاء الفقهاء الصغار».
يرفض «أبو هريرة» الكشف عن اسم الأمير الذي كان مسؤولا عن العمليات العسكرية الميدانية في «ريف دمشق». يكتفي بالإشارة إلى أن هذا الأمير كان يميل أيضا إلى موقفه وموقف «أبو شعيب» من مسألة التكفير ولا يأخذ التحذيرات المنسوبة للبغدادي بهذا الخصوص مأخذ الجد، وإن لم يعلن ذلك صراحة. وشارك الأمير في مناظرات بلدة «الدانا» واسمه موجود ضمن قائمة قدمها «أبو شعيب» لـ«الشرق الأوسط» لمن جرى إهدار دمهم بعد ذلك من قادة «داعش».
يواصل «أبو شعيب» حديثه عن البنعلي.. ويقول إنه حين علم بـ«هذه الخلافات الفقهية»، أرسل في طلبه هو والإخوة الذين معه للحضور إليه في الرقة، حيث كان هذا الشاب البحريني يقيم هناك مع مجموعة من المقاتلين وقادة من «داعش»، في ذلك الوقت، متخذين من المدينة الواقعة على ضفة نهر الفرات ما يشبه العاصمة الثانية لـ«دولة الخلافة». ويقول «أبو شعيب»: «بدأ التنظيم وقتها يتجسس علينا وعلى ما نقوله».
المشكلة، وفقا لـ«أبو هريرة»، لم تكن تتعلق فقط بموضوع رسالة «الخليفة» الخاصة بمنع تكفير تنظيم القاعدة، ولكنها كانت أكثر من ذلك، لأنها تمس أشخاصا يقاتلون في الصف نفسه معه على «الجبهة»؛ أي أن مسألة الجدل كانت تجري على مدار الساعة، ليلا ونهارا. ويشير لموضوع التجسس على مجريات هذا الجدل: «نعم.. كان هناك اثنان على الأقل ينقلان ما نقوله للقادة.. هما يؤمنان بصحة رسالة البغدادي ويتطيران من أي شخص ينكرها أو يشكك فيها.. كانا بمثابة جاسوسين يعملان ضدنا علانية دون خجل.. بعد ذلك خفت.. كنت أخشى التحدث أمامهما».
بمجرد خروج هذه المجموعة من حصار ريف دمشق، أصبح التنازع في الأمر أكثر حدة ويخيف.. يقول أحد التونسيين المنشقين: «شعرتُ أن الشابين المتعصبين للخليفة والرسالة المتداولة يمكن أن يحرضا الباقين لقتلنا. أحدهما عراقي يدعى (أبو سعيد) والآخر سوري يلقب بـ(أبو أحمد)». ويضيف: «كان شعورا مرعبا، أن يقتلك من تقاتل في صفه».
ويزيد قائلا إن هذين الشابين «كانا لا يكفِّران العاذر ويرفضان المناظرات.. يدوران ويروجان لأقوال (الخليفة). هذا يعني أن تكفير (القاعدة) أمامهما أو مناقشة أي قضية أخرى أصبح أمرا محظورا.. لهذا كنتُ، وباقي المجموعة، نرى أنهما كافران. هما، في المقابل، كان يبدو أنهما يفكران في الهجوم عليَّ. كنت أنا ومجموعتنا نخشى أن يبقى أي منا بمفرده أو يمشي بعيدا عن أنظار الآخرين، خوفا من الغدر».
بدأ الأمير المسؤول عن هذه المجموعات المتربصة ببعضها، يشعر بالقلق.. يقول «أبو شعيب»: «أميرنا، في ذلك الوقت، كان مثلنا غير قادر على استيعاب التحولات السريعة في مواقف التنظيم. قال لنا، وكأنه قد حل المشكلة، وكأنه يطمئننا إلى سلامة موقفنا وموقفه: سنأخذ الشابين معنا ونتحاجج هناك. والدولة هي التي تتصرف معهما. سنعرف لمن يتجسسان ولمن يعملان». يضيف «أبو شعيب»: «كنت أشعر بوجود متغيرات تحدث.. متغيرات كبيرة، وأن الطريق التي كنا نسير عليها تنحرف من تحت أقدامنا.. أنظر إلى أميرنا، وأقول إنه ما زال يظن أن (داعش) يقف ضد (القاعدة). أنا أقول لنفسي إنه يوجد خطر لكنني أطرد الهواجس وأعود لأحاول أن أضع قدمي على الطريق من جديد».
«أبو هريرة» يتذكر قائلا إنه «عندما وصلنا إلى الرّقة سبقنا هذان الشخصان (الجاسوسان) إلى تركي البنعلي، دخلا عليه أولا، وقالا له، وكأننا ارتكبنا جرما بحق التنظيم، معنا جماعة تكفِّر أيمن الظواهري، وتكفِّر العاذر وتعقد المناظرات.
وفي المساء أتانا البنعلي ليناقشنا عن العاذر، فهيأ نفسه، وأتى، فتلقيناه.. فجمعنا، وقال: (نريد النقاش في هذه المسألة). ومنذ تلك الليلة بدأت الحقائق تتكشف وحدها، ورغم دفعنا، بعد ذلك، في معارك بالعراق وسوريا لعدة أشهر، فإن مصداقية التنظيم تهاوت وأصبح الفرار منه مسألة وقت».



مصر تتابع التطورات في اليمن وتثمن التعامل البنّاء للسعودية والإمارات

العاصمة المصرية القاهرة (الشرق الأوسط)
العاصمة المصرية القاهرة (الشرق الأوسط)
TT

مصر تتابع التطورات في اليمن وتثمن التعامل البنّاء للسعودية والإمارات

العاصمة المصرية القاهرة (الشرق الأوسط)
العاصمة المصرية القاهرة (الشرق الأوسط)

قال بيان للمتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، اليوم (الثلاثاء)، إن القاهرة تتابع باهتمام بالغ الأوضاع الأخيرة على الساحة اليمنية، وذلك من خلال الاتصالات المكثفة التي تجريها على أعلى المستويات وعلى مدار الساعة مع الأطراف المعنية كافة.

وأضاف البيان أن مصر تؤكد ثقتها التامة في حرص الأشقاء في كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة على التعامل بحكمة مع التطورات الحالية في اليمن، وذلك في إطار إعلاء قيم الأخوة بين البلدين الشقيقين، وصون وحدة الصف والمصير العربي المشترك في هذه المرحلة الدقيقة التي يمر بها اليمن الشقيق والمنطقة.

وتعرب جمهورية مصر العربية في هذا السياق عن تقديرها البالغ لحكمة القيادتين السعودية والإماراتية في التعامل البنّاء مع تطورات الأوضاع في اليمن، والحرص على تحقيق الاستقرار في اليمن، والحفاظ على سيادته ومصالح شعبه الشقيق.

وتؤكد جمهورية مصر العربية أنها لن تألو جهداً في مواصلة اتصالاتها المستمرة مع الأشقاء في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، ومع الجانب اليمني، وباقي الأطراف الإقليمية والدولية المعنية؛ للعمل على خفض التصعيد، وبما يمهد إلى التوصل لتسوية سياسية شاملة في اليمن، تحقق طموحات وتطلعات الشعب اليمني الشقيق المشروعة في مستقبل آمن ومزدهر وتدعم الأمن والاستقرار في المنطقة.


العليمي: فرض الأمر الواقع في أراضينا يهدد الدولة ومكافحة الإرهاب ليست ذريعة سياسية

اجتماع العليمي مع سفراء الدول الراعية للعملية السياسية في اليمن (سبأ)
اجتماع العليمي مع سفراء الدول الراعية للعملية السياسية في اليمن (سبأ)
TT

العليمي: فرض الأمر الواقع في أراضينا يهدد الدولة ومكافحة الإرهاب ليست ذريعة سياسية

اجتماع العليمي مع سفراء الدول الراعية للعملية السياسية في اليمن (سبأ)
اجتماع العليمي مع سفراء الدول الراعية للعملية السياسية في اليمن (سبأ)

حذّر الرئيس الدكتور رشاد محمد العليمي، رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، من خطورة التحركات العسكرية الأحادية في المحافظات الشرقية، مؤكداً أنها تُمثل تهديداً مباشراً لوحدة القرار العسكري والأمني، وتقويضاً للمركز القانوني للدولة، وإعادة إنتاج لمنطق السلطات الموازية الذي يرفضه المجتمع الدولي.

جاء ذلك خلال لقائه، الثلاثاء، سفراء الدول الراعية للعملية السياسية في اليمن، بحضور وزير الخارجية وشؤون المغتربين الدكتور شائع الزنداني، حيث خُصص اللقاء لاستعراض آخر مستجدات الأوضاع المحلية، وفي مقدمتها التطورات في محافظتي حضرموت والمهرة، الأمر الذي استدعى اتخاذ حزمة من القرارات والإجراءات الدستورية والقانونية الحازمة، حمايةً لأمن المواطنين، وصوناً لوحدة اليمن وسيادته واستقراره وسلامة أراضيه.

وفي مستهل اللقاء، رحّب الرئيس بالسفراء، مثمّناً وحدة مواقف دولهم الداعمة للشعب اليمني في أصعب مراحله، سياسياً وإنسانياً واقتصادياً، ومؤكداً أن ما تشهده المحافظات الشرقية لا يندرج في إطار خلاف سياسي داخلي، بل يُشكّل مساساً خطيراً بأسس الدولة ووحدة مؤسساتها.

وأوضح الرئيس العليمي أن القيادة اليمنية بذلت خلال الفترة الماضية جهوداً مكثفة للتهدئة وخفض التصعيد، واحتواء تداعيات الإجراءات العسكرية الأحادية التي اتخذها المجلس الانتقالي الجنوبي خارج مرجعيات المرحلة الانتقالية، ودون موافقة مجلس القيادة الرئاسي أو التنسيق مع قيادة تحالف دعم الشرعية، غير أن هذه المساعي قوبلت - حسب تعبيره - بالتعطيل والإصرار على فرض الأمر الواقع.

وأشار إلى أنه بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة، وجّه صراحة بمنع أي تحركات عسكرية خارج إطار الدولة، وتمت الموافقة على خطة إعادة تموضع تدريجية لقوات «درع الوطن» من ثلاث مراحل، نُفذت مرحلتان منها بالفعل. كما كشف عن تشكيل لجنة تواصل رفيعة المستوى لاحتواء التصعيد وفتح قنوات الحوار، إلا أن تلك الجهود لم تلقَ استجابة.

وشدّد الرئيس العليمي على أن المشكلة لم تكن يوماً نقصاً في الحلول، بل تعطيلها المتعمد، مفنداً في الوقت ذاته ما وصفها بالسرديات المضللة التي تحاول تبرير فرض الأمر الواقع بالقوة تحت لافتة مكافحة الإرهاب. وقال إن مكافحة الإرهاب «قرار دولة ومؤسسات شرعية، وليست ذريعة سياسية»، مذكّراً بالإنجازات التي حققتها المؤسسات العسكرية والأمنية اليمنية، بدعم شركائها، في تفكيك الخلايا الإرهابية، وتجفيف مصادر تمويلها، وتأمين المدن والممرات الحيوية.

وفي ملف القضية الجنوبية، جدّد الرئيس العليمي التأكيد على الموقف المبدئي والثابت من معالجتها، وفق أي خيارات تقررها الإرادة الشعبية الحرة، مع رفض قاطع لفرض أي حلول بقوة السلاح أو الأمر الواقع.

وعدّ أن اختزال القضية الجنوبية في تمثيل حصري أو تحركات عسكرية يسيء إلى عدالتها ويقوّض فرص الحل السياسي المستدام، ويلحق الضرر بأبناء الجنوب قبل غيرهم، لافتاً إلى أن هذا الموقف يتطابق مع ما أكدته المملكة العربية السعودية من أن القضية الجنوبية لا تُحل إلا عبر الحوار وفي إطار تسوية سياسية شاملة.

وحذّر رئيس مجلس القيادة الرئاسي من أن وجود ميليشيات لا تأتمر لأوامر الدولة يعرّض أولويات المجتمع الدولي ومصالحه في المنطقة للخطر، فضلاً عن تطلعات الشعب اليمني للأمن والاستقرار والعيش الكريم.

وأكد أن أي اضطراب في حضرموت والمهرة سينعكس مباشرة على تصدير النفط، ودفع المرتبات، ويعمّق الأزمة الإنسانية، ويقوّض الثقة مع مجتمع المانحين.

وتطرق الرئيس العليمي إلى الدور الإماراتي في التطورات الأخيرة، مؤكداً أن اليمن لا ينكر ما قدمته دولة الإمارات من أدوار ومساهمات في مراحل سابقة، لكنه شدد على أن المرحلة الراهنة تتطلب وضوحاً كاملاً، والنأي بالنفس عن دعم أي مكون خرج على آليات التوافق التي رعتها الإمارات نفسها ضمن تحالف دعم الشرعية. وقال إن أي ضغوط لدفع قوات محلية إلى تحركات عسكرية تشكل تهديداً للأمن القومي اليمني والسعودي، وتتعارض مع الأسس التي قام عليها التحالف.

وأضاف أن المطالبة بمغادرة القوات التي خرجت عن تلك الأسس «مطلب سيادي طبيعي»، لا يستهدف العلاقات الثنائية ولا ينكر التاريخ، بل يهدف إلى حماية فكرة التحالف ذاتها.

وفي ختام اللقاء، دعا رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدول الراعية للعملية السياسية إلى موقف دولي موحد وصريح يرفض الإجراءات الأحادية، ويدعم قرارات الدولة اليمنية وجهود التهدئة التي تقودها المملكة العربية السعودية، مع ممارسة ضغط سياسي وقانوني لتمكين الحكومة الشرعية من ممارسة سلطاتها الحصرية، وترجمة ذلك داخل مجلس الأمن والمحافل الدولية وفق القانون الدولي.

وختم الرئيس العليمي بالتأكيد على أن سقوط منطق الدولة في اليمن يعني غياب أي استقرار يمكن البناء عليه أو الاستثمار فيه، محذراً من تحويل اليمن إلى نموذج جديد لتفكك الدول، ومشدداً على أن الشعب اليمني يستحق فرصة حقيقية للسلام والحياة الكريمة.


اليمن يعلن حالة الطوارئ ويطلب خروج القوات الإماراتية خلال 24 ساعة

المجلس الانتقالي الجنوبي حاول إخضاع شرق اليمن بالقوة المسلحة (رويترز)
المجلس الانتقالي الجنوبي حاول إخضاع شرق اليمن بالقوة المسلحة (رويترز)
TT

اليمن يعلن حالة الطوارئ ويطلب خروج القوات الإماراتية خلال 24 ساعة

المجلس الانتقالي الجنوبي حاول إخضاع شرق اليمن بالقوة المسلحة (رويترز)
المجلس الانتقالي الجنوبي حاول إخضاع شرق اليمن بالقوة المسلحة (رويترز)

أعلن رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، رشاد العليمي، الثلاثاء، إلغاء اتفاقية الدفاع المشترك مع الإمارات، مع إلزام قواتها بالانسحاب الكامل من الأراضي اليمنية خلال 24 ساعة، في إطار جهود الحكومة اليمنية للحفاظ على سيادة البلاد ووحدتها إزاء تمرد المجلس الانتقالي الجنوبي وتصعيده في حضرموت والمهرة، ومواجهة انقلاب الحوثيين المستمر منذ عام 2014.

وجاء في نص القرار الذي صدر عن العليمي، أن إلغاء الاتفاقية يستند إلى الصلاحيات الدستورية الممنوحة لرئيس المجلس الرئاسي، وبمقتضى القرار رقم (9) لسنة 2022، مؤكداً على أهمية حماية المواطنين وسلامة الأراضي اليمنية. كما نص القرار على تسليم المعسكرات كافة في محافظتي حضرموت والمهرة إلى قوات «درع الوطن».

وفي خطوة متزامنة، أصدر الرئيس اليمني قراراً بإعلان حالة الطوارئ في أنحاء اليمن كافة لمدة 90 يوماً قابلة للتمديد. القرار يستند إلى الصلاحيات الدستورية نفسها، ويستهدف مواجهة الانقلاب على الشرعية والفوضى الداخلية التي قادتها عناصر عسكرية، قالت الحكومة اليمنية إنها تلقت أوامر من الإمارات بالتحرك ضد المحافظات الشرقية بهدف تقسيم البلاد.

الدخان يتصاعد في أعقاب غارة جوية شنها التحالف بقيادة السعودية استهدفت شحنة عسكرية غير قانونية (رويترز)

وتضمنت إجراءات حالة الطوارئ، وفقاً للقرار الرسمي، فرض حظر شامل على الحركة الجوية والبحرية والبرية في جميع المواني والمنافذ لمدة 72 ساعة، باستثناء الحالات المصرح بها رسمياً من قيادة تحالف دعم الشرعية، الذي تمثله المملكة العربية السعودية. كما منح القرار محافظي حضرموت والمهرة صلاحيات كاملة لإدارة شؤون محافظتيهما، والتعاون مع قوات «درع الوطن» حتى تسلُّم المعسكرات.

أشار القرار إلى أن جميع القوات العسكرية في حضرموت والمهرة مطالبة بالعودة فوراً إلى مواقعها ومعسكراتها الأساسية، والتنسيق التام مع قيادة التحالف العربي بقيادة السعودية، دون أي اشتباك، لضمان استقرار الوضعين العسكري والمدني في المحافظتين.

توضيح الموقف

في سياق بيان الموقف، أكد رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي الالتزام بحماية المدنيين، وصون المركز القانوني للدولة، ووحدة قرارها العسكري والأمني، محذّراً من خطورة التصعيد الذي يقوده «المجلس الانتقالي الجنوبي» في محافظتَي حضرموت والمهرة، ومندداً بما وصفه بتورط دولة الإمارات في دعم هذا التمرد، وتقويض مؤسسات الدولة الشرعية.

وقال العليمي، في بيان وجّهه إلى الشعب اليمني، إن التطورات الأخيرة في المحافظات الشرقية، وما رافقها من انتهاكات جسيمة بحق المدنيين «تأتي في توقيت بالغ الحساسية، بينما يخوض اليمن معركته المصيرية ضد الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران، ويكابد واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم». وشدد على أن أي انزلاق إلى صدامات داخلية أو فتح جبهات استنزاف جديدة لن يخدم سوى أعداء اليمن، ويقوّض فرص السلام.

مناصرون للمجلس الانتقالي الجنوبي الداعي للانفصال عن اليمن (إ.ب.أ)

وخاطب رئيس مجلس القيادة أبناء المحافظات الجنوبية، مؤكداً أن قضيتهم العادلة كانت ولا تزال في صلب مشروع الدولة الوطنية، وأن حقوقهم السياسية والاقتصادية والإدارية محل التزام كامل ضمن مرجعيات المرحلة الانتقالية، وبما يضمن شراكة مسؤولة تحفظ الكرامة، وتؤسس لاستقرار دائم. وفي الوقت نفسه حذّر من احتكار تمثيل القضية الجنوبية أو توظيفها لتحقيق أهداف سياسية غير مشروعة على حساب وحدة الدولة وسيادتها.

وأوضح العليمي أنه، ومن موقعه الدستوري بصفته قائداً أعلى للقوات المسلحة، أصدر توجيهات واضحة بمنع أي تحركات عسكرية أو أمنية خارج إطار الدولة أو دون أوامر صريحة من القيادة العليا «حرصاً على حقن الدماء ومنع الانزلاق إلى مواجهات داخلية». غير أن هذه التوجيهات، وفق البيان، قوبلت بالتجاهل، حيث مضت التشكيلات التابعة لـ«المجلس الانتقالي» في تنفيذ تحركات أحادية، تعدّ تمرداً على مؤسسات الدولة الشرعية.

تأييد مجلس الدفاع الوطني

أعلنت مؤسسات الدولة اليمنية، وفي مقدمها مجلس الدفاع الوطني، والحكومة الشرعية، والسلطة المحلية في محافظة حضرموت ووزارة الدفاع وهيئة الأركان، اصطفافها الكامل خلف قرارات العليمي، الهادفة إلى مواجهة تمرد المجلس الانتقالي الجنوبي، وإنهاء الوجود الإماراتي ضمن تحالف دعم الشرعية، إلى جانب إعلان حالة الطوارئ في عموم البلاد.

في ضوء هذا الاصطفاف، ترأس العليمي اجتماعاً لمجلس الدفاع الوطني، ضم أعضاء مجلس القيادة، ورؤساء السلطات التشريعية والتنفيذية، وقيادات عسكرية وأمنية، إلى جانب محافظ حضرموت؛ لمناقشة التطورات الخطيرة في محافظتي حضرموت والمهرة، وانعكاساتها على الأمن والاستقرار ووحدة القرار السيادي للدولة.

اجتماع لمجلس الدفاع الوطني اليمني برئاسة العليمي (سبأ)

وجدَّد مجلس الدفاع الوطني توصيفه لهذه التحركات بَعدّها «تمرداً صريحاً» على مؤسسات الدولة الشرعية، وتقويضاً لوحدة القرار العسكري والأمني، وتهديداً مباشراً للسلم الأهلي، محذراً من أن تداعيات هذا التصعيد تصبّ في مصلحة ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران، عبر تفجير الجبهة الداخلية، وتشتيت الجهد الوطني في مرحلة بالغة الحساسية.

وحسب الإعلام الرسمي، بارك المجلس قرارات العليمي المتضمنة إعلان حالة الطوارئ، وإنهاء الوجود العسكري الإماراتي في اليمن، عادَّاً أنها تجسد المسؤوليات الدستورية لقيادة الدولة في حماية المدنيين، وصون مؤسساتها الوطنية ومركزها القانوني، مؤكداً الرفض المطلق لأي محاولات لفرض أمر واقع بالقوة أو استخدام السلاح لتحقيق مكاسب سياسية.

ترحيب حكومي

أعلنت الحكومة اليمنية تأييدها المطلق لقرارات العليمي، عادّة إعلان حالة الطوارئ إجراءً دستورياً مشروعاً تفرضه الضرورة الوطنية لمواجهة التمرد المسلح، وحماية السلم الأهلي، ومنع الانزلاق نحو الفوضى وتقويض مؤسسات الدولة.

ورحَّبت الحكومة اليمنية في بيان بالإجراءات التي اتخذتها قيادة القوات المشتركة، بما في ذلك تنفيذ ضربة جوية محدودة ودقيقة استهدفت دعماً عسكرياً خارجياً غير مشروع في ميناء المكلا؛ بهدف حماية المدنيين ومنع عسكرة المواني والسواحل.

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)

وفي امتداد لاصطفاف مؤسسات الدولة اليمنية خلف قرارات رئيس مجلس القيادة الرئاسي، أعلنت قيادة وزارة الدفاع ورئاسة هيئة الأركان العامة تأييدهما الكامل ومباركتهما للقرارات، عادَّتين أنها جاءت في «لحظة مفصلية» من تاريخ البلاد، واستجابة لتطلعات الشعب اليمني، وإنفاذاً للواجبات الدستورية والصلاحيات المنصوص عليها في الدستور ومرجعيات المرحلة الانتقالية.

وأكد بيان صادر عن قيادة وزارة الدفاع وهيئة الأركان أن القوات المسلحة اليمنية بمختلف تشكيلاتها تتمتع بروح معنوية عالية وجاهزية قتالية كاملة، تخولها تنفيذ مهامها الدستورية والوطنية في جميع الظروف، مشدداً على الالتزام التام بتنفيذ القرارات والإجراءات الصادرة عن القيادة العليا، بوصفها التعبير الشرعي عن وحدة القرار السيادي للدولة.

بدورها، أعلنت السلطة المحلية في محافظة حضرموت تأييدها الكامل لقرارات القيادة السياسية، واستعدادها للتنسيق مع قوات «درع الوطن» لتسلم المعسكرات والمواقع الحيوية، وضمان انتقال سلس وآمن للمسؤوليات العسكرية، داعيةً أبناء المحافظة والقوات المسلحة والأمن إلى الالتفاف حول القيادة الشرعية؛ حفاظاً على أمن حضرموت واليمن.