أفلام عراقية تقطف جوائز وتثير اهتمام الباحثين عن إجابات

آخرها «وطن: العراق سنة صفر»

من فيلم عباس فاضل «وطن»
من فيلم عباس فاضل «وطن»
TT

أفلام عراقية تقطف جوائز وتثير اهتمام الباحثين عن إجابات

من فيلم عباس فاضل «وطن»
من فيلم عباس فاضل «وطن»

فيلمان عراقيان شهدا في الأشهر الأخيرة اهتماما جيّدا يستحقّانه. قبل أيام انتهى المهرجان السويسري «Vision du Reel» بفوز الفيلم العراقي «وطن: العراق سنة صفر» لمخرجه عبّاس فاضل بالجائزة الأولى. قبله في أكثر من موقع، نال «أوديسا عراقية» لمخرجه سمير جمال الدين، أكثر من جائزة بينها واحدة باسم مؤسسة «نتباك» التي تمنح جوائزها للأفلام الآسيوية.
وهناك ما يجمع بين هذين الفيلمين عدا هوية مخرجيهما العراقية: الاثنان من السينما التسجيلية، والاثنان من تلك الأفلام التي تبحر في تصوير حال العراق قبل وبعد رحيل صدّام حسين، وكلاهما من الأعمال غير المستعجلة لتنضوي تحت مدّة زمنية معتادة. «أوديسا الفضاء» اقترب من ساعات ثلاث، بينما تبلغ مدّة عرض «وطن: العراق سنة صفر» نحو سبع ساعات.

* واقع الحرب
* نقطة مشتركة أخرى بين هذين الفيلمين: كلاهما جيد في رصد الحالة الفردية وتعميمها جماعيا. يقصد عباس فاضل وسمير جمال الدين (يكتفي على الفيلم باسمه الأول) المرور من خلال الشخصي إلى المجتمعي. كلاهما يتناول حياة الأقارب الشخصيين وكيف تصرّفوا خلال الحرب على العراق (قبل وصول الأوضاع إلى الفوضى الحالية)، ويسرد في الوقت نفسه وضع العراق كبلد منهوب ومتشرذم وضحية سياسات عالمية أودت به إلى أسوأ مرحلة في تاريخه الحديث.
حقيقة أن كليهما فيلم تسجيلي تستوقفنا تحديدا.
هل خسرت السينما الروائية العراقية قدرتها على فرز الأحداث وصياغتها على نحو يجذب اهتمام مانحي الجوائز من مؤسسات ومهرجانات ونقاد؟ أم أن الأفلام التسجيلية أكثر بروزا كونها أكثر كشفا عن الخاص والشخصي وأقل عرضة لتأثير الدراما التي تجلب، مباشرة، احتمال التعامل مع حقائق أقل وخيالات أكثر؟
يلخّص المخرج عبّاس فاضل، ربما أكثر من سواه، الإجابتين عن هذين السؤالين وما يتفرّع عنهما. فهو كان قدّم فيلما روائيا لم يذهب بعيدا كما فعل «وطن...» هو «فجر العالم» (2008). والواقع أن ذلك الفيلم غرق في مستنقع سياسي يبدو أن فاضل تخلّص منه في فيلمه الجديد. لقد طرح هناك الحرب العراقية - الإيرانية من زاوية كيف أن العراق، تحت قيادة صدّام حسين آنذاك، هدم سعادة العراقيين بإرسال الرجال إلى الحرب وتمزيق الأواصر العائلية وتحويل أفراح الحب بين الأزواج السعداء إلى تعاسات. أخفق الفيلم، آنذاك، في لوم الطرف الإيراني في إشعال تلك الحرب وركّز على ما وجده خطأ العراق وحده، بينما إيران آنذاك، كما هي اليوم، لها حساباتها السياسية التي تريد فرضها على العالم العربي إن استطاعت.
وفي حين أن الحرب كانت وبالا على العراقيين جميعا بلا استثناء، فإن «فجر العالم» بدا فيه كما لو أنها كانت على طائفة معينة وحدها. كذلك لم يتعامل الفيلم ولا يتعامل والمنظور الأوسع لتلك الحرب برفضها كمبدأ، بل بنقده جانبا واحدا منها، بدا - ولو من غير قصد - تأييده لجانبها الآخر.
في كل الأحوال، هذا التداخل في الطرح لم يكن السبب الوحيد لعدم قدرة الفيلم الخروج من إطار التجربة المبكرة للمخرج، بل هناك المعالجة الفنية التي بقدر ما هي طموحة، بقدر ما كانت مكبّلة باختيارات المخرج من الموضوع وكيفية معالجته.

* دفتر ذكريات
* هذا جميعا منتفى من فيلمه الجديد «وطن...» الأوعى والأكثر قربا من العراقيين كعراقيين أولا حتى وإن كانوا يدركون قسوة النظام السابق ويركنون للحياة تحت وبالها. حال تتلبّد سحب خطر الهجوم الأميركي الحربي على العراق، يمنح المخرج، في بطئه المدروس جيّدا، لشخصياته تداول أخبار الاحتمال المتزايد (ولاحقا الغزو نفسه) من موقع وطني خالص حيث يعلن الجميع ولاءهم للوطن الذي آمنوا به.
هذا ما ساعد الفيلم الجديد على تجاوز عثرات الفيلم السابق خصوصا أن المخرج يبدو، غالبا بسبب خلفيته في السينما التسجيلية، كوّن لهذا الفيلم رؤية واسعة وشاملة وعرف لماذا عليه تحقيق هذا الفيلم بالشكل الذي يرد إلينا كأسلوب ومعالجة.
الوصف ذاته ينطلي على «أوديسا عراقية» لسمير جمال الدين (2014). وما يعجبك في هذا الفيلم البذل الكبير والدقيق الذي صرفه المخرج لتحقيق هذا العمل، تأليفا وتشكيلا وكجمع للمعلومات ثم لتنفيذ هذا الكم الكبير من الساعات المصوّرة سواء أكانت مقابلات أو لقطات إضافية خاصّة بالفيلم ثم مزجها بالمواد الوثائقية المستخدمة بدقة لا يعيبها سوى عدم قدرته على التخلّص من نصف ساعة أو نحوها رغم أن الإمكانية متوافرة. وهو إذ يفتح دفاتر وذكريات أقاربه المنتشرين حول العالم (من أميركا إلى أستراليا وسويسرا) يجد المشاهد نفسه أمام حشد من الشخصيات التي تعاطت مع السياسة على نحو حثيث مما عرّضهم لنقمة المسؤولين في العراق و- أحيانا - خارجه. في غمار ذلك يكشف عن تجارب إنسانية متواصلة مؤلمة، ولو أن المخرج لا يسعى، تحديدا، لمعالجة عاطفية. يسبر المخرج غور التاريخ العراقي الحديث من أيام الاحتلال البريطاني إلى نهاية النظام البعثي. وفي حين أنه ينتقد غياب الحريّة والنزعة للسُلطة وغياب الديمقراطية في كل العهود فإنه يسدد لنظام صدّام حسين أكثر نقده وما يعرضه من أسباب (وصور) تستدعي الموافقة على ذلك النقد. تعليق المخرج واف وهادئ، لكن تلك الكلمات المكتوبة عربيا وإنجليزيا على الشاشة تتكرر وتظهر على نحو شبه متواصل فاقدة القيمة خلال دقائق محدودة.

* وجهات متعددة
* منذ الغزو الأميركي للعراق، ذلك الذي انطلق من خطط مسبقة استندت إلى معلومات مفبركة كشفتها أفلام أميركية أساسا، والسينما العراقية، بشقيها التسجيلي والروائي، تدور طبيعيا، حول الحرب العراقية وإفرازاتها. أفلام محمّد الدراجي المتوالية («أحلام» و«ابن بابل» و«في أحضان أمي» ثم «تحت رمال بابل») شهدت رواجا إعلاميا كبيرا في وقت كان ينتظر فيه العالم سينمائيا عراقيا يطرح المسألة من وجهة نظره. «صمت الراعي» لرعد مشتت (2014) بحث في الفترة الزمنية التي حكم فيها صدّام حسين بأسلوبه غير المتهاون ساردا حكاية وأده لمعارضيه من أبناء الشعب أو، كما يعرض الفيلم، للفتاة التي قادها سوء طالعها لكي تكون شاهدة على قتل مجموعة من العراقيين ودفنهم جماعيا. و«حلبجة - الأطفال المفقودون» لأكرم حيدو، كان واحدا من تلك الأعمال التسجيلية أو الروائية التي تداولت مأساة الأكراد تحت عنف النظام الراحل.
العراقي الذي يستوطن بريطانيا قتيبة الجنابي، قرر في فيلمه الجيد «الرحيل من بغداد» (2010) الاختلاف. هناك موقف سياسي بالطبع من تلك الفترة، لكنها معممة وتنادي بعدم الاقتناص من تلك المرحلة على نحو من تصفية حساب عالق.
إذا ما أضفنا الأفلام التي حققها مخرجون أكراد عراقيون مثل «ذكريات منقوشة على حجر» لشوكت أمين كوركي و«بلادي الحلوة.. بلادي الحارة» لهاينر سليم و«حلبجة» نفسه، فإن معظم الأفلام العراقية حول الوضع العراقي ما زالت تدور في رحى أول من أمس، أي قبل وصول الأوضاع الحالية إلى مستوى لم تبلغه من قبل في أي من مراحل العراق في تاريخه.
لكن، وفيما تتداول هذه الأفلام جميعا وسواها الكثير تلك الأوضاع والأحوال السياسية، فإن الوميض الذي يمر بها جميعا هو طيبة الإنسان العراقي البعيد عن السُلطة وإغوائها.



8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.