باتت زعيمة الحزب القومي الاسكوتلندي نيكولا ستورجن، التي قادت قبل أقل من عام، مع سلفها في قيادة الحزب، أليكس سالموند، حملة الاستفتاء على استقلال اسكوتلندا، أكثر شعبية من جميع قادة الأحزاب البريطانية المتصارعة في انتخابات السابع من مايو (أيار) الحالي. وقدرت استطلاعات الرأي شعبيتها بأكثر من 33 في المائة على الصعيد الوطني مقارنة بالزعماء الآخرين، على الرغم من أن حزبها ينشط فقط في اسكوتلندا وليس في باقي أجزاء المملكة. أما شعبيتها في إقليم اسكوتلندا فتعدت أكثر من 55 في المائة.
وإذا ترجمت هذه الشعبية في التصويت في الانتخابات الحالية وحصل حزبها على عدد كبير من المقاعد المخصصة لاسكوتلندا في مجلس العموم (ويستمنستر) بلندن، فسيكون دورها مصيريا في السياسات والتشريعات لدورة البرلمان المقبلة أو حتى التشكيلات الائتلافية التي ينوي القيام بها الحزبان الرئيسيان، العمال بقيادة إد ميليباند، أو المحافظون بقيادة ديفيد كاميرون، يوم الجمعة المقبل، أي بعد يوم من إجراء الانتخابات واتضاح نتائج الانتخابات وتبيان حصة كل من الأحزاب منها. الاعتقاد السائد أن حزبها قد يحصل على 56 مقعدا من أصل 59 مخصصة لاسكوتلندا في مجلس العموم في ويستمنستر. ومن هنا فقد أطلق عليها المراقبون لقب «صانعة الملوك».
وفي ما يتعلق بعدد مقاعد مجلس العموم، فإن الحزب القومي الاسكوتلندي قد يبرز ككتلة ثالثة ويفوق عدد نوابه بمرتين عدد نواب الليبراليين الديمقراطيين، أي الشريك الأصغر في الائتلاف الحاكم حاليًا، الذين قد يتضاءل عددهم بعد تدني شعبيتهم ويخسرون نصف عددهم.
هذا ما بينه آخر استطلاع للرأي نشر الخميس الماضي وتناول حصة كل من الأحزاب البريطانية من المقاعد المحتملة. وأظهر الاستطلاع أن الحزب القومي الاسكوتلندي قد يكتسح المشهد في اسكوتلندا ويحصل على معظم المقاعد المخصصة. وقال الاستطلاع الذي قامت به «مؤسسة موري» إن نسبة الحزب القومي الاسكوتلندي من الأصوات زادت عن نسبة حزب العمال بمقدار 34 نقطة مئوية، أي أنه سيحصل على 54 في المائة، وإذا ترجمت هذه النسبة إلى مقاعد فمعنى ذلك أن الحزب قد يحظى بمعظمها في اسكوتلندا، وهذا سيكون على حساب حزب العمال. ويبين الاستطلاع أن شعبية حزب العمال الذي ساد تاريخيا في اسكوتلندا تكون قد تبخرت وأصبحت نسبة ما قد يحصل عليه من الأصوات لا تتعدى 20 في المائة، أي أكثر بقليل من حزب المحافظين الذي لا تتعدى شعبيته 17 في المائة، والذي لديه مقعد واحد عن إحدى الدوائر الاسكوتلندية تمثله في ويستمنستر.
لدى حزب العمال حاليًا 41 مقعدا عن اسكوتلندا في دورة مجلس العموم بويستمنستر، وإذا خسر معظم هذه المقاعد فسيصبح من الصعب عليه تشكيل حكومة ائتلافية، حتى في حالة استمالة بعض القوى الصغيرة الأخرى مثل حزب الديمقراطيين الأحرار وحزب الخضر. وهذا الوضع يعطي حزب المحافظين فرصة أكبر لتشكيل الحكومة المقبلة، وهو ما يريده المحافظون حتى يستمروا في الحكم. ويفضل المحافظون صعود الحزب القومي الاسكوتلندي على الرغم من العداء المعلن له على حساب حزب العمال.
بعد إعلان نتائج استطلاع مؤسسة «موري» قال جيم ميرفي زعيم حزب العمال في اسكوتلندا لشبكة سكاي غاضبا وساخرا: «إذا تكررت هذه النتيجة يوم الانتخابات فإن كاميرون سيحتفل فعلا بانتصار الحزب القومي الاسكوتلندي (الذي لا تجمعه معه أي أرضية سياسية) لأن ذلك سيعطيه فرصة البقاء في داوننغ ستريت. هذا ليس لأن اسكوتلندا صوتت لصالح حزب المحافظين وإنما لأنها صوتت ضد حزب العمال».
خلال الحملة الانتخابية شن حزب المحافظين هجوما على حزب العمال مستخدما إمكانية دخول الأخير في حكومة ائتلافية مع الحزب القومي الاسكوتلندي. لكن هذا الهجوم رفع من أسهم القوميين الاسكوتلنديين على حساب حزب العمال، وهذا ما قاله حتى نشطاء حزب المحافظين أنفسهم، الذين انتقدوا هذا التوجه بشدة. وقالت وزيرة الداخلية المحافظة تريزا مي إن حكومة ائتلافية تتشكل من حزب العمال والحزب القومي الاسكوتلندي ستكون الأسوأ على بريطانيا منذ تنازل إدوارد الثامن عن العرش في الثلاثينات، إلا أن زعيمة فرع الحزب في اسكوتلندا رفضت هذا الكلام وقالت إن ذلك مبالغ فيه، مضيفة أن الحرب العالمية الثانية والتصويت على استقلال اسكوتلندا شكلت خطرا على بريطانيا أكثر من تأثير الحزب القومي في سياسات حزب العمال في حالة تشكيله حكومة ائتلافية بين الاثنين.
وردت نيكولا ستورجن على تصريحات الوزيرة مي قائلة لتلفزيون «اسكوتلند بي بي سي» إن هذه تعليقات غير مسؤولة، وإنها إهانة لجمهور الناخبين، «إنها إهانة للعملية الديمقراطية».
حزب المحافظين أطلق عددًا من الفيديوهات الترويجية لحملته الانتخابية أبرزت تصريحات لأعضاء من الحزب القومي الاسكوتلندي حول سياساتهم المستقبلية وما قد يحققونه منها في حالة دخولهم في حكومة ائتلافية مع حزب العمال. وتقول هذه المواد الترويجية الانتخابية إن الزعيم العمالي ميليباند سيصبح أسيرهم السياسي في حال دخوله في صفقة ائتلافية معهم.
في بداية شهر أبريل (نيسان) الماضي أطلق الحزب مادة ترويجية لحملته مستخدما تصريحات تومي شيبارد أحد المرشحين عن الحزب القومي الاسكوتلندي يقول: «لقد صدمت المؤسسة البريطانية من رسالتنا (كان يقصد عملية الاستفتاء على الاستقلال والتي قد يحييها الحزب من جديد)»، مضيفا: «إن يوم 7 مايو سيكون كابوسا لها».
رئيس الوزراء كاميرون يعتقد أن احتمال ممارسة الحزب القومي الاسكوتلندي نفوذه على حكومة أقلية لحزب العمال هو احتمال مخيف. وقال زعيم المحافظين إن مثل هذا الائتلاف سيمنح الحزب الاسكوتلندي سلطات سياسية ستكون تداعياتها ضارة جدا على البلاد. وقال: «ستكون هذه أول مرة في تاريخنا يشارك فيها مجموعة قومية تعد جزءا من بلادنا في تحويل مسار حكومة بلادنا في اتجاه غير مقبول. أعتقد أن هذا احتمال مخيف».
وتدخل أيضا رئيس الوزراء الأسبق جون ميجور محذرا من أن أي اتفاق لتشكيل حكومة ائتلافية بين حزب العمال والحزب القومي الاسكوتلندي، وقال في محاضرة في لندن تناقلتها وسائل الإعلام إنها ستؤدي إلى تقسيم البلاد. وقال ميجور: «إن ميليباند سينجر إلى اليسار ويضحي بمصالح المملكة المتحدة للحفاظ على تأييد نيكولا ستورجن في حكومته». ودعا الناخبين لرفض حكومة «ضعيفة وغير مستقرة» تخضع «لجرعة يومية من الابتزاز السياسي» سيشكلها حزب العمال.
قضايا مثل الدفاع والتعليم والشؤون الخارجية والعجز في الميزانية والصرف العام واستقلال اسكوتلندا، تشكل جميعها اختلافات جوهرية بين برنامج الحزب القومي الاسكوتلندي والأحزاب الرئيسية، بما في ذلك حزب العمال. ولهذا يجد الأخير صعوبة في تشكيل حكومة ائتلافية معه. في الواقع تصريحات ميليباند في هذا الصدد جاءت لتعكس خوفه ومحاولته الظهور بالابتعاد عن الحزب القومي الاسكوتلندي، إذ قال في مقابلة مع برنامج أندرو مار (بي بي سي): «لا حكومة ائتلافية ولا أي وعود. قلت لا يوجد صفقات مع الحزب القومي الاسكوتلندي» بسبب سياساته التي تخص قضايا الدفاع ونيته في الانفصال عن جسم المملكة المتحدة، وكذلك السياسات المالية والصرف والعجز في الميزانية. وأضاف ميليباند أن الحكومة العمالية التي ستتشكل يوم الثامن من مايو «سوف تقدم خطابها الملكي بناء على ميزانية عمالية لن يكتبها الحزب القومي الاسكوتلندي. لا يمكنني أن أكون أكثر وضوحا من ذلك». لكن ردت نيكولا ستورجن تقول: «ميليباند سيغير نبرة صوته بعد التصويت» ويقبل بصفقة معها.
لكن البعض يعتقد أيضا أن سياسات حزب المحافظين قد تشجع الحزب القومي الاسكوتلندي في فرض سياساته بشكل أكبر على المؤسسة السياسية البريطانية في حالة فوز حزب المحافظين، خصوصا في ما يخص المطالبة باستفتاء آخر على استقلال اسكوتلندا.
وقد يحيي الحزب القومي الاسكوتلندي أحلامه، خصوصا مع ارتفاع شعبيته، في تنظيم استفتاء آخر على استقلال اسكوتلندا. والاعتقاد السائد بين المراقبين أنه قد يستخدم مبدأ «أصوات إنجليزية لقوانين إنجليزية» لتحقيق هذا الهدف، كما قال جورج ايروين، وهو اقتصادي يعمل مستشارا لدى وزارة الخارجية البريطانية. يعتقد ايروين أن حزب نيكولا ستورجن سيضع اسفينا سياسيا بين اسكوتلندا وإنجلترا، بغض النظر عن من يشكل الحكومة المقبلة، لكن سيكون عندها الذخيرة الكافية من أجل هذا الهدف في حالة تشكلت الحكومة المقبلة من المحافظين. وستستخدم بعض التشريعات الجديدة من أجل المطالبة باستفتاء آخر حول استقلال اسكوتلندا. المحافظون يطالبون بإعطاء حق الفيتو بخصوص قوانين تخص إنجلترا يمنعون زملاءهم غير الإنجليز في مجلس العموم من التصويت عليها، لأنهم يعتقدون أن هذه القوانين تخص إنجلترا فقط، ولا يوجد برلمان إنجليزي محلي مثل برلمانات اسكوتلندا وويلز وشمال آيرلندا يعكس مصالحها. وإذا حدث ذلك فإن بعض الأعضاء غير الإنجليز سيقولون إن المجلس العموم أصبح مجلس محليا وليس مجلسا تشريعيا للمملكة المتحدة ككل.
ويضيف ايروين أن القوميين الاسكوتلنديين لن يطالبوا باستفتاء إلا إذا كان هناك «تغيير مادي» يبرر ذلك. ويضيف ايروين أن الاستفتاء على عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي التي وعد بها كاميرون وقانون «الأصوات الإنجليزية للقوانين الإنجليزية» قد تشكل تبريرا ماديا يستخدمه الحزب القومي الاسكوتلندي من أجل المطالبة باستفتاء استقلال آخر.
كاميرون وعد بطرح عضوية الاتحاد الأوروبي في استفتاء مع نهاية 2017 مما يجعل خروج بريطانيا من أكبر كتلة تجارية في العالم واردًا. وإذا اختارت بريطانيا الخروج من الاتحاد الأوروبي فإن القوميين الاسكوتلنديين أشاروا إلى أنهم سيدفعون باتجاه استفتاء آخر على الاستقلال رغم فشل استفتاء مماثل العام الماضي.
«الحزب القومي الاسكوتلندي».. النجم الجديد في المشهد الانتخابي البريطاني
زعيمته ستورجن تحظى بأعلى شعبية.. وتوقع لعبها دور «صانعة الملوك» بعد الاقتراع
«الحزب القومي الاسكوتلندي».. النجم الجديد في المشهد الانتخابي البريطاني
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة