بعد مضي أكثر من عقد على تغيير نظام الحكم في العراق لا يزال الخلاف قائما بين الكتل السياسية بشأن شكل العلم الجديد للبلاد وكذلك النشيد الوطني الذي يعبر عن وحدته ومكوناته.
وقصة النشيد الوطني وعلم البلاد طويلة، وهي تواجه ذات العقبات كلما أثيرت داخل قبة مجلس النواب العراقي، وفي مقدمتها مدى ارتباطهم بهويات المكونات العراقية وطبيعة المفردات والرموز التي يعبران عنها.
ويتبنى العراق اليوم قصيدة «موطني» التي كتبها الشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان ولحنها الموسيقار اللبناني محمد فليفل، نشيدا وطنيا، وهو نشيد قرر اعتماده عام 2005 الحاكم الأميركي للعراق حينها بول بريمر بعدما أعجب به خلال حفل موسيقي، بعد أن كان يعتمد إبان النظام السابق نشيد «أرض الرافدين» للشاعر شفيق الكمالي. لكن نشيد «موطني» جوبه بمشكلة كونه لا يحمل أي خصوصية عراقية بل يرمز إلى القضية الفلسطينية.
ومنذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921. كان النشيد الوطني العراقي هو النشيد الأكثر تغيرا بين أمثاله من الأناشيد الوطنية في الدول العربية بشكل تزامن مع كل تغيير في نظام الحكم، وبسبب ذلك تعاقبت على العراق خمسة أناشيد وطنية خلال أقل من قرن. أما العلم العراقي الذي لا يزال يشار إليه بأنه «علم صدامي»، نسبة إلى الرئيس الأسبق صدام حسين، فقد شهد عام 2008 تعديلا شمل فقط رفع النجوم الثلاثة منه وإبقاء عبارة «الله أكبر» في حين ظلت ألوان العلم كما هي وهي ترمز إلى الرايات الإسلامية. وكانت النجوم الثلاثة في العلم العراقي إبان النظام السابق يشير إلى الأهداف المعلنة لحزب البعث «الوحدة والحرية والاشتراكية».
وعاد رئيس الجمهورية فؤاد معصوم ليوقظ قضية النشيد والعلم من سباتها من جديد عبر تأكيده على أهمية إنجازهما لما لهما من أهمية في توحيد العراقيين، وذلك خلال استقباله وفدا من لجنة الثقافة والإعلام البرلمانية أول من أمس.
ويقول الإعلامي والكاتب مشرق عباس لـ«الشرق الأوسط» إن «مسألة العلم والنشيد كانت منذ عام 2003 مثالا حيا لعجز الأوساط السياسية العراقية عن إنتاج رؤية موحدة نحو المستقبل، في وقت كان يمكن أن يكون العلم والنشيد طريقا لإعادة ترصيف الصفوف العراقية». وأضاف: «سبق أن أعلن أكثر من مرة عن مسابقات للعلم والنشيد الوطني لكن تحكيمها لم يوكل إلى مختصين من كبار المثقفين العراقيين المعنيين أكثر من غيرهم بتعريف الرمزية التي تقف خلف العلم والنشيد الوطني بل أوكل إلى طبقة سياسية متناحرة».
بدوره، قال عضو لجنة الثقافة والإعلام البرلمانية، النائب شوان داودي، إن «من المعيب ألا يكون عندنا وسط هذه الظروف الصعبة نشيد وطني يوحدنا، فالنشيد الحالي لا يعبر عن الواقع الراهن فهو بالأصل لشاعر فلسطيني وملحنه سوري وحتى التسجيل تم في بيروت». وأضاف: «غالبا ما يكون التوافق على المواضيع الوطنية صعبا، بسبب اختلاف الآراء والأجندات، والحاجة تبرز اليوم إلى نشيد يجمع العراقيين بكل فئاتهم من أقصى شماله إلى أقصى جنوبه، وكذلك الحال مع العلم».
المتحدث عن التيار المدني الديمقراطي في العراق جاسم الحلفي أيد الداودي، قائلا: «اليوم ونحن نشهد ظروفا تمزق البلاد نحتاج إلى كل ما له تأثير معنوي وثقافي لتوحيد العراقيين، فهناك رغبة عارمة في الوحدة الوطنية، لذلك هناك حاجة ماسة لنشيد يوحد الجميع ولعلم يجمع العراقيين ويعبر عنهم، مثلما تفعل بنا الفعاليات الفنية الجماهيرية والأغنية الوطنية والمسرح الكبير وحتى الفرق الرياضية العراقية». وأضاف: «سيكون ذلك بمثابة الرد على مشاريع التقسيم التي يدعو إليها البعض».
يذكر أن البرلمان العراقي أخفق في 17 يوليو (تموز) في التصويت على قانون النشيد الوطني، بعد مطالبة كتل سياسية بتضمينه ما يمثل أو يشير إلى هوية المكونات الأخرى في المجتمع وطالب البعض بترحيل القانون إلى الدورة الحالية وهو ما تم.
وعندما تولي الملك فيصل الأول العرش في العراق كان له سلام ملكي لحني بسيط، وبعد قيام النظام الجمهوري في 14 يوليو (تموز) 1958 كان لا بد من تغيير السلام الملكي وتحويله إلى جمهوري، وكان السلام الجمهوري في تلك الحقبة لحنا أيضا بلا كلمات وكان يسمى موطني، وبعد وصول حزب البعث إلى السلطة عام 1963. تم اعتماد سلام وطني جديد وهو «والله زمان يا سلاحي»، وهو من الحان المصري كمال الطويل وكلمات الشاعر المصري صلاح جاهين، وفي عام 1981، تم اعتماد نشيد «وطن مد على الأفق جناحا»، وهو من كلمات الشاعر العراقي شفيق الكمالي وألحان اللبناني وليد غلمية ليكون النشيد الوطني للجمهورية العراقية، وبعد عام 2003، تم اعتماد قصيدة «موطني» نشيدا وطنيا لدولة العراق وهي من كلمات الشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان كتبها عام 1934. ولحنها محمد فليفل وما يزال هذا النشيد معتمدا.
في الدورة البرلمانية السابقة، أكدت لجنة الثقافة والإعلام فيها أكثر من مرة على الانتهاء من اعتماد العلم والنشيد الوطني الجديدين قبل انتهاء دورتها، خاصة بعد تسلم أكثر من 400 نص شعري لشعراء عراقيين، لكن التوافق لم يتم بسبب الاصطدام بعقبة الشاعر وموقفه وميوله من النظام السابق، وقررت لجنة الثقافة وقتها أن تختار بعض من الرموز العراقية ووقع الاختيار على ثلاثة نصوص لكل من الشعراء محمد مهدي الجواهري بعنوان «سلام على هضبات العراق» والثاني للشاعر بدر شاكر السياب بعنوان «غريب على الخليج» والثالث للشاعر محمد مهدي البصير بعنوان «وطني الحق يؤيده»، وأشارت معظم الآراء إلى أن الأوفر حظا هي قصيدة الجواهري. واقترح إضافة بعض المفردات التركمانية والآشورية إلى النشيد الوطني على غرار المقترح المتفق عليه بتضمين النشيد بيتا شعريا باللغة الكردية.
العلم لم يكن أحسن حظا من النشيد الوطني من حيث اصطدامه بذات العقبات والتي حلت بالاعتماد على لجنة مختصة عرضت 6 نماذج اختير منها نموذج علم ثورة عبد الكريم قاسم وهو عبارة عن خطوط متوازية في الطول وتبدأ من جهة اليمين باللون الأسود ثم الأبيض ومن ثم الأخضر وتتوسط اللون الأبيض نجمة حمراء فيها دائرة صفراء. وأشارت اللجنة إلى تبلور اتفاق برلماني لاختيار علم الجمهورية العراقية في عام 1958 ليكون العلم الرسمي للدولة الحالية، وهناك ارتياح وقبول برلماني واسع من مختلف الكتل لهذا النموذج الذي صممه الفنان العراقي الكبير جواد سليم.
الخلافات السياسية تعطل إقرار علم ونشيد وطني عراقيين جديدين
قصيدة الجواهري «سلام على هضبات العراق».. وعلم 1958 الأوفر حظًا
الخلافات السياسية تعطل إقرار علم ونشيد وطني عراقيين جديدين
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة