البحرين: ميزانية بـ60 دولارًا للبرميل وتحت شعار «انضباط مالي ونمو اقتصادي»

مراقبون اعتبروها متفائلة فيما تتعافى أسعار الخام ببطء

البحرين: ميزانية بـ60 دولارًا للبرميل وتحت شعار «انضباط مالي ونمو اقتصادي»
TT

البحرين: ميزانية بـ60 دولارًا للبرميل وتحت شعار «انضباط مالي ونمو اقتصادي»

البحرين: ميزانية بـ60 دولارًا للبرميل وتحت شعار «انضباط مالي ونمو اقتصادي»

تحت عنوان «انضباط مالي، ونمو اقتصادي» رسمت مملكة البحرين ميزانيتها للعامين 2015 و2016 عند حدود 60 دولارا للبرميل، وهي بحسب مراقبين ميزانية متفائلة حيث سجلت أسعار النفط خلال الفترة الماضية تعافيا بطيئا خلال الفترة الماضية.
وبحسب بيانات وزارة المالية البحرينية فإن البحرين ستواجه عجزا ماليا يلامس الثلاثة مليارات دينار بحريني، قال وزير المالية إن الاقتراض سيكون الحل لمواجهته.
ويوم أمس سجل سعر خام برنت في بوصة لندن 66 دولارا للبرميل بعدما وصل إلى أعلى مستوى لعام 2015. فما تراجع الخام الأميركي إلى 58.92 دولار بعد أن سجل ذروته للعام الحالي عندما بلغ 59.90 دولار في أول مايو (أيار) الحالي.
ووفقا لوكالة الأنباء «رويترز» تراجعت الأسعار متأثرة بوفرة الإمدادات وبيانات ضعيفة للقطاع الصناعي الصيني طغت على إثر تكهنات بتقارب أكبر بين العرض والطلب في وقت لاحق هذا العام.
وأعلن أمس الشيخ أحمد بن محمد آل خليفة وزير المالية في الحكومة البحرينية إحالة الميزانية العامة من مجلس الوزراء إلى مجلس النواب لمناقشتها، كاشفا أنه تم تقدير سعر برميل النفط بقيمة 60 دولارا، ومشددا في الوقت ذاته على أن عنوان الميزانية العامة للعامين القادمين «انضباط مالي.. ونمو اقتصادي» وأنه لن يتم المساس بمكتسبات المواطن.
وقال وزير المالية البحرينية إنه سيتم معالجة العجز من خلال الاقتراض علاوة على التشاور مع السلطة التشريعية في الأمر للخروج برؤى تساهم في معالجة العجز، مشيرا إلى أن العجز في ميزانية 2015 يقدر بنحو 1.474 مليار دينار في حين توقع أن يبلغ العجز للعام المقبل 1.583 مليار دينار، لافتا إلى أن هذه الأرقام قابلة للتغيير تبعا لسعر برميل النفط.
وقال الوزير خلال المؤتمر الصحافي عقب جلسة مجلس الوزراء إن على رأس الأولويات التي أخذت في الحسبان المشاريع الإسكانية وبناء 25 ألف وحدة سكنية والتي سيتم تمويلها من الميزانية العامة والبرامج المكملة لها وبرنامج الدعم الخليجي.
وقدرت مجمل الإيرادات النفطية للعامين المقبلين بنحو 4.3 مليار دينار، في حين يبلغ إنتاج أهم حقلين تمتلكها البحرين وهما حقل «بوسعفة» وحقل البحرين 197.2 ألف برميل يوميا لعام 2015 و196 ألف برميل يوميا لعام 2016.
بينما قررت الحكومة البحرينية خصم دولار واحد عن كل برميل يفوق سعره 40 دولارا وتوجيهه لحساب احتياط الأجيال.
وبحسب وزير المالية فقد تم تخصيص مليار دينار مقسمة على العامين القادمين بالإضافة إلى الصرف الذي سيتم من ميزانية برنامج الدعم الخليجي، ومن ضمن تلك المشاريع إنشاء المركز الوطني لمكافحة السرطان.
وقال وزير المالية إنه تم تخصيص اعتمادات الميزانية العامة للدولة بما يتناسب مع المحاور الرئيسية لبرنامج عمل الحكومة، وما يتضمنه البرنامج من أولويات استراتيجية ومبادرات وسياسات وإجراءات تنفيذية.
بالإضافة إلى تنمية الإيرادات الحكومية غير النفطية من خلال تحسين مستويات التحصيل للإيرادات غير النفطية.
وذلك من خلال دعم خطوات تطوير أنظمة تحصيل الإيرادات المستحقة على الوزارات والجهات الحكومية والشركات ومؤسسات القطاع الخاص والأفراد كتعميم وسائل الدفع الإلكتروني، والدفع المسبق، وتطبيق الجزاءات الفورية على المتخلفين والمتأخرين عن سداد المبالغ المستحقة عليهم، وتقنين كافة أنواع الرسوم والتعرفات والأجور في إطار سياسات موحدة للتسعير محتسبة على أساس التكلفة الفعلية.
كذلك تطبيق مبدأ استرداد تكلفة الخدمات الحكومية وخدمات توفير البنية الأساسية (كخدمات توفير الطرق الفرعية أو الربط بالطرق الرئيسية أو الربط بشبكة الصرف الصحي وتوفير المرافق العامة) للمنازل والمباني السكنية والتجارية والمخططات الاستثمارية، ومراجعة متطلبات التعديلات اللازمة على التشريعات والأنظمة المعمول بها لتطبيق مبدأ استرداد تكلفة توفير خدمات البنية الأساسية.
وأشار وزير المالية إلى توظيف برنامج التنمية الخليجي لتحفيز النمو الاقتصادي عبر الاستفادة من تحفيز النمو الاقتصادي عبر توزيع وتنويع المشاريع التي يتم تمويلها من برنامج الدعم على كافة القطاعات الاقتصادية في الدولة، وذلك لتعزيز النمو الاقتصادي وتحسين مستوى تقديم الخدمات الحكومية والإسهام في خلق فرص عمل جديدة للمواطنين.
وعن التحكم في مستويات نمو المصروفات الحكومية، أشار إلى تعزيز خطوات الانضباط المالي، وذلك من خلال وضع معايير ومقاييس عملية لضبط التصرفات المالية وتطبيق مبادئ الحوكمة الرشيدة في كافة الوزارات والجهات الحكومية وفق أحدث الممارسات العالمية، والحد من تنامي المصروفات ووضع خطة على المدى المتوسط لضبط النمو في مستويات المصروفات المتكررة، والاستمرار في دعم برامج الخدمة المدنية لرفع مستوى الإنتاجية في الأداء الحكومي.
كما أكد الشيخ أحمد آل خليفة على أنه سيتم دعم القطاعات المحفزة للنمو الاقتصادي من خلال دعم النمو في الاقتصاد عبر التركيز على دعم الأنشطة والقطاعات الاقتصادية القائمة، واستحداث فرص اقتصادية أخرى جديدة عالية الإنتاجية والتنافسية والتي من شأنها تحقيق قيمة مضافة وفرص عمل جديدة ومجزية.
إضافة إلى العمل بالتنسيق مع السياسة النقدية لنمو الاقتصاد واستقرار الأسعار والتحكم في معدلات التضخم، وتعظيم الاستفادة من الفرص التمويلية المتوفرة في الاقتصاد، وتشجيع الشراكة المجتمعية ومشاركة القطاع الخاص في تقديم الخدمات الحكومية وبالذات الخدمات التعليمية والخدمات الصحية المتخصصة، وتوفير الحوافز والتسهيلات المناسبة التي من شأنها الإسهام على تشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في المشاريع والخدمات الحكومية، وخلق فرص عمل ضمن القطاعات الاقتصادية المختلفة، ومراجعة وتعديل التشريعات والنظم المعمول بها لتسهيل مشاركة القطاع الخاص في تقديم الخدمات الحكومية.
وقال وزير المالية إنه سيتم توفير الحوافز والتسهيلات المناسبة التي تسهم في تشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في المشاريع والخدمات الحكومية، وخلق فرص عمل ضمن القطاعات الاقتصادية المختلفة. كما ستتم مراجعة وتعديل القوانين والتشريعات والنظم المعمول بها لرفع كفاءة وإنتاجية تقديم الخدمات في القطاع الحكومي، وتحسين مستوى وسرعة تقديم الخدمات وإنجاز المعاملات الحكومية.
وسيكون هناك دعم المشاريع السياحية التي تساهم في ترويج المملكة كمركز للسياحة العائلية عن طريق تحديد المواقع ومساحات الأراضي المتوفرة وترويجها لعدد من الشركات الاستثمارية العالمية في مجال السياحة، وتقديم التسهيلات المحفزة للاستثمار، وتطوير قطاع الصناعات التحويلية، وتعزيز قطاع الإمداد اللوجستي، وترويج البحرين كمركز للتدريب والتعليم.



قنابل موقوتة تهدد الاقتصاد العالمي في 2025

ترمب وشي في قمة زعماء مجموعة العشرين بأوساكا باليابان عام 2019 (أرشيفية - رويترز)
ترمب وشي في قمة زعماء مجموعة العشرين بأوساكا باليابان عام 2019 (أرشيفية - رويترز)
TT

قنابل موقوتة تهدد الاقتصاد العالمي في 2025

ترمب وشي في قمة زعماء مجموعة العشرين بأوساكا باليابان عام 2019 (أرشيفية - رويترز)
ترمب وشي في قمة زعماء مجموعة العشرين بأوساكا باليابان عام 2019 (أرشيفية - رويترز)

رئيس أميركي جديد... حرب تجارية مهددة... استمرار تعثر اقتصاد الصين... اضطرابات سياسية في مراكز القوة بأوروبا... توترات جيوسياسية في الشرق الأوسط... يبدو أن عام 2025 سيكون عاماً آخر استثنائياً. فكيف سيشكل كل ذلك الاقتصاد العالمي في عام 2025؟

في عام 2024، اتجه الاقتصاد العالمي نحو التحسن في ظل تباطؤ معدلات التضخم، رغم استمرار المخاطر.

لكن العام المقبل يقف عند منعطف محوري. فمن المرجح أن يرفع الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب الرسوم الجمركية، واضعاً حواجز حمائية حول أكبر اقتصاد في العالم، بينما سيستمر قادة الصين في التعامل مع عواقب العيوب الهيكلية داخل نموذج النمو في ثاني أكبر اقتصاد بالعالم. أما منطقة اليورو، فستظل محاصرة في فترة من النمو المنخفض للغاية.

ترمب ورئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو يتحدثان قبل اجتماع حلف شمال الأطلسي (أ.ب)

وعلى الرغم من كل هذه التحديات، يُتوقع أن يظل الاقتصاد العالمي ككل مرناً نسبياً في 2025. ويفترض صندوق النقد الدولي بتقرير نشره في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أي قبل حسم نتائج الانتخابات الأميركية، أن يظل النمو ثابتاً عند 3.2 في المائة بالعام المقبل، وهو نفسه الذي توقعه لعام 2024. بينما التوقعات بتباطؤ النمو في الولايات المتحدة إلى 2.2 في المائة في عام 2025، من 2.8 في المائة في عام 2024، مع تباطؤ سوق العمل. في حين توقعت جامعة ميشيغان في أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أن يتباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بأميركا إلى 1.9 في المائة في عام 2025.

وفي منطقة اليورو، من المتوقع أن يبلغ النمو 1.2 في المائة في عام 2025، وهو أضعف قليلاً من توقعات الصندوق السابقة. ويشار هنا إلى أن الأحداث السياسية في كل من فرنسا وألمانيا سيكون لها وقعها على نمو منطقة اليورو ككل. فالسياسات الاقتصادية الفرنسية والألمانية تعوقها حالة كبيرة من عدم اليقين السياسي بعد استقالة رئيس الوزراء الفرنسي ميشال بارنييه ضحية الموازنة، وانهيار الائتلاف الحكومي في ألمانيا للسبب نفسه.

أما الصين، فيتوقع الصندوق أن ينمو ناتجها المحلي الإجمالي بنسبة 4.6 في المائة في عام 2025 مع مخاوف تحديات استمرار ضعف سوق العقارات، وانخفاض ثقة المستهلكين والمستثمرين، وذلك في وقت تكافح فيه بكين للتوفيق بين إعادة توجيه استراتيجيتها للنمو والضغوط قصيرة الأجل لإجراءات التحفيز غير المكتملة. لكن وكالة «فيتش» أقدمت منذ أيام على خفض توقعاتها السابقة بالنسبة لنمو الاقتصاد الصيني من 4.5 في المائة إلى 4.3 في المائة.

موظف يعمل بشركة تصنيع قطع غيار سيارات في تشينغتشو (أ.ف.ب)

السياسة النقدية في 2024

لقد كان من الطبيعي أن يمثل تباطؤ التضخم المسجل في عام 2024، أرضية لبدء مسار خفض أسعار الفائدة من قبل المصارف المركزية الكبرى. وهو ما حصل فعلاً. فالاحتياطي الفيدرالي خفّض أسعار الفائدة الفيدرالية مرتين وبمقدار 75 نقطة أساس حتى نوفمبر 2024 - و25 نقطة أساس أخرى متوقعة باجتماع في 17 و18 ديسمبر (كانون الأول) الحالي - لتصل إلى 4.50 - 4.75 في المائة، رغم نمو الاقتصاد بواقع 3 في المائة.

رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول يتحدث إلى رئيسة المصرف المركزي الأوروبي كريستين لاغارد ويتوسطهما محافظ بنك اليابان كاز أودا في مؤتمر «جاكسون هول» (رويترز)

أما المصرف المركزي الأوروبي، فأجرى خفضاً للفائدة 4 مرات في 2024 وبواقع 25 نقطة أساس كل مرة إلى 3.00 في المائة بالنسبة لسعر الفائدة على الودائع.

بنك إنجلترا من جهته، خفّض أسعار الفائدة مرتين بمقدار 25 نقطة أساس (حتى اجتماعه في نوفمبر).

باول ومحافظ بنك إنجلترا أندرو بيلي ورئيس بنك كندا المركزي تيف ماكليم (رويترز)

وبالنسبة لبنك الشعب (المصرف المركزي الصيني)، فلقد كان التيسير مع مجموعة أدواته الموسعة حافلاً هذا العام، حيث تم الإعلان عن إصلاح إطار عمل جديد للسياسة النقدية في شهر يونيو (حزيران)، وتخفيضات بمقدار 30 نقطة أساس في سعر إعادة الشراء العكسي لمدة 7 أيام، وتخفيضات بمقدار 100 نقطة أساس في سعر إعادة الشراء العكسي، وبرامج جديدة لدعم أسواق الأسهم والعقارات.

إلا أن المفاجأة كانت في تغيير زعماء الصين موقفهم بشأن السياسة النقدية إلى «ميسرة بشكل معتدل» من «حكيمة» للمرة الأولى منذ 14 عاماً، ما يعني أن القيادة الصينية تأخذ المشاكل الاقتصادية على محمل الجد. وكانت الصين تبنت موقفاً «متراخياً بشكل معتدل» آخر مرة في أواخر عام 2008، بعد الأزمة المالية العالمية وأنهته في أواخر عام 2010.

ولكن ماذا عن عام 2025؟

سوف تستمر المصارف المركزية في خفض أسعار الفائدة على مدى العام المقبل، ولكن في أغلب الاقتصادات الكبرى سوف تمضي هذه العملية بحذر.

بالنسبة للاحتياطي الفيدرالي، يبدو أن التوقف عن الخفض في اجتماع يناير (كانون الثاني) أمر محتمل، حيث إنه سيكون لديه بحلول اجتماع مارس (آذار)، فهم أكثر وضوحاً لخطط الرئيس دونالد ترمب بشأن التعريفات والضرائب والإنفاق والهجرة وغيرها. ومن المؤكد أن احتمالات خفض الضرائب المحلية لدعم النمو التي ستدفع بالطبع التضخم إلى الارتفاع، ستؤيد مساراً أبطأ وأكثر تدريجية لخفض أسعار الفائدة العام المقبل. وهناك توقعات بحصول خفض بمقدار 25 نقطة أساس لكل ربع في عام 2025.

متداول في سوق نيويورك للأوراق المالية يستمع إلى مؤتمر باول الصحافي (رويترز)

أما المصرف المركزي الأوروبي، فيبدو أنه مصمم الآن على المضي قدماً في إعادة أسعار الفائدة إلى المستوى المحايد بأسرع ما يمكن مع ضعف النمو الشديد وتباطؤ ظروف سوق العمل، وسط توقعات بأن يخفض سعر الفائدة الرئيسي إلى نحو 1.5 في المائة بحلول نهاية عام 2025. ومن بين العواقب المترتبة على ذلك أن اليورو من المرجح أن يضعف أكثر، وأن يصل إلى التعادل مقابل الدولار الأميركي العام المقبل.

وعلى النقيض من المصرف المركزي الأوروبي، يتخذ بنك إنجلترا تخفيضات أسعار الفائدة بشكل تدريجي للغاية. ومن المتوقع أن تعمل الموازنة الأخيرة وكل الإنفاق الحكومي الإضافي الذي جاء معها، على تعزيز النمو في عام 2025. وهناك توقعات بأن يقفل العام المقبل عند سعر فائدة بواقع 3.75 في المائة، قبل أن ينخفض ​​إلى أدنى مستوى دوري عند 3.50 في المائة في أوائل عام 2026.

أما بنك الشعب، فسوف يبني العام المقبل على الأسس التي وضعها هذا العام، حيث تشير التوقعات إلى تخفيضات تتراوح بين 20 و30 نقطة أساس في أسعار الفائدة، مع مزيد من التخفيضات إذا جاءت الرسوم الجمركية الأميركية في وقت مبكر أو أعلى مما هو متوقع حالياً، وفق مذكرة للمصرف الأوروبي «آي إن جي». ومن المتوقع على نطاق واسع خفض آخر لمعدل الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس في الأشهر المقبلة، حتى إنه يمكن حصول تخفيضات تراكمية بمقدار 100 نقطة أساس في معدل الفائدة قبل نهاية عام 2025.

حرب تجارية على الأبواب؟

وبين هذا وذاك، هناك ترقب كبير للتعريفات الجمركية التي تعهد ترمب بفرضها، والتي يرجح على نطاق واسع أن تلعب مرة أخرى دوراً رئيساً في أجندته السياسية، وهو ما ستكون له انعكاساته بالتأكيد على الاقتصاد العالمي.

سفن حاويات راسية في ميناء أوكلاند (أ.ف.ب)

فترمب هدّد في البداية مثلاً بفرض رسوم جمركية بنسبة 60 في المائة على جميع الواردات الصينية، ورسوم جمركية تتراوح بين 10 في المائة و20 في المائة على الواردات من جميع البلدان الأخرى. ثم توعّد المكسيك وكندا بفرض تعريفات جمركية بنسبة 25 في المائة على جميع الواردات منهما، إذا لم تحلّا مشكلة المخدرات والمهاجرين على الحدود مع الولايات المتحدة، و10 في المائة رسوماً جمركية على الواردات من الصين (تضاف إلى الرسوم الحالية) بمجرد تنصيبه في 20 يناير. ولاحقاً، توعد مجموعة «بريكس» بفرض تعريفات جمركية تصل إلى 100 في المائة، إذا أقدمت على إنشاء عملة جديدة من شأنها إضعاف الدولار.

ويبدو أن ترمب جاد هذه المرة في فرض التعريفات الجمركية التي يصفها بأنها أجمل كلمة في القاموس، بدليل ترشيحه الرئيس التنفيذي لشركة «كانتور فيتزجيرالد» في وول ستريت، هوارد لوتنيك، لتولي منصب وزير التجارة، والذي قال عنه إنه «سيتولى ملف التجارة والتعريفات».

وينص قانون سلطات الطوارئ الاقتصادية الدولية على قدرة الرئيس على إصدار إجراءات اقتصادية طارئة للتعامل مع «أي تهديد غير عادي واستثنائي، يكون مصدره بالكامل أو جزئياً خارج الولايات المتحدة، للأمن القومي أو السياسة الخارجية أو اقتصاد الولايات المتحدة». وهو ما يطلق يد ترمب في إقرار رسوم جمركية جديدة.

من هنا، قد تشكل الحرب التجارية أكبر خطر يهدد النمو العالمي في عام 2025. ورسم المحللون أوجه تشابه مع ثلاثينات القرن العشرين، عندما أدى فرض التعريفات الجمركية الأميركية إلى رد فعل انتقامي من قبل حكومات أخرى، وأدى إلى انهيار التجارة العالمية الذي أدى بدوره إلى تعميق الكساد الأعظم.

وفي أواخر أكتوبر، تناول صندوق النقد الدولي في تقرير له، التأثيرات المترتبة على النمو والتضخم في حرب تجارية محتملة عام 2025. فوضع التقرير سيناريو حرب تجارية مع افتراض فرض تعريفات جمركية أميركية بنسبة 10 في المائة على جميع الواردات، تقابلها إجراءات انتقامية واسعة النطاق من جانب أوروبا والصين تعادل 10 في المائة تعريفات جمركية على الصادرات الأميركية، وعلى جميع التجارة بين الصين والاتحاد الأوروبي، على أن يتم تنفيذها بحلول منتصف عام 2025.

في هذا السيناريو، يتوقع صندوق النقد الدولي أن تؤدي التعريفات الجمركية إلى خفض نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة -0.1 في المائة في عام 2025، مما يخفض توقعاته الأساسية من 3.2 في المائة إلى 3.1 في المائة.

مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) من جهته يحذر من آفاق غير مؤكدة تواجه التجارة العالمية عام 2025، بسبب تهديد الحروب التجارية. ويعدّ أن «آفاق التجارة في عام 2025 مشوبة بتحولات محتملة في السياسة الأميركية، بما في ذلك التعريفات الجمركية الأوسع نطاقاً التي قد تعطل سلاسل القيمة العالمية وتؤثر على الشركاء التجاريين الرئيسين».

وفي استطلاع أجرته «رويترز» مؤخراً مع 50 اقتصادياً، قدّر هؤلاء أن ينخفض معدل النمو الاقتصادي في الصين ​​بمقدار من 0.5 إلى 1.0 نقطة مئوية في عام 2025، حال تم فرض التعريفات الجمركية.

الدين العالمي إلى مستويات قياسية

ولا تقتصر التحديات التي يواجهها الاقتصاد العالمي على ما سبق تعداده، فالعالم يواجه اليوم تحدياً غير مسبوق مع تصاعد الديون العالمية إلى 323 تريليون دولار، بحسب بيانات معهد التمويل الدولي، وهو رقم يصعب تخيله أو استيعابه، والمتوقع ارتفاعه أكثر في 2025 إذا نفذ ترمب تعهداته.

لافتة إلكترونية في محطة انتظار الحافلات حول حجم الدين الوطني الحالي للولايات المتحدة (رويترز)

فالتقلبات المتوقعة لسياسات ترمب دفعت بعض الدول إلى إصدار ديون قبل توليه منصبه، عندما قد تصبح الأسواق أقل قابلية للتنبؤ.

وحذر معهد التمويل الدولي من أن التوترات التجارية المزدادة وانقطاعات سلسلة التوريد تهدد النمو الاقتصادي العالمي، مما يزيد من احتمالات حدوث دورات ازدهار وكساد صغيرة في أسواق الديون السيادية مع عودة الضغوط التضخمية وتشديد المالية العامة. وسوف تفاقم زيادة تكلفة الفائدة نتيجة لذلك الضغوط المالية وتجعل إدارة الديون صعبة بشكل مزداد.

وأخيراً لا شك أن التحولات الجيوسياسية تلعب دوراً مهماً في تشكيل الاقتصاد العالمي عام 2025. وهي تفترض مراقبة خاصة ودقيقة ومعمقة لتداعيات التنافس بين الولايات المتحدة والصين، التي قد تزداد وتيرتها حدة لتكون عواقبها الاقتصادية محسوسة على مدى سنوات، وليس أشهراً، بحيث يتردد صداها طوال العام المقبل وما بعده.