مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية البريطانية، يصعب التكهن باسم الفائز فيها لكن يسهل في المقابل تحديد أسماء أكبر الخاسرين المحتملين. ويبرز ضمن هذه الدائرة نيك كليغ، نائب رئيس الوزراء وزعيم حزب الليبراليين الديمقراطيين، الذي خفت وجهه هذه المرة على عكس الانتخابات السابقة التي جرت عام 2010 وكان نجمها السياسي البارز دون منافس.
يحمل البريطانيون الحزب الليبرالي الديمقراطي، الجزء الأكبر من اللوم في تخفيض الإنفاقات الحكومية التي لجأت إليها حكومة الائتلاف التي انضم إليها مع ديفيد كاميرون، رئيس الوزراء المحافظ. ولم يعد السؤال هو ما إذا كان الليبراليون الديمقراطيون (وسط) سيخسرون بعضا من المقاعد الـ75 التي يشغلونها حاليًا في مجلس العموم، وإنما أصبح السؤال هو ما إذا كانوا سيشهدون هزيمة ساحقة تدفع بهم خارج الحكم وتجعلهم أقلية في البرلمان.
لكن كليغ ما زال يمسك ببعض خيوط اللعبة. وإذا سارت الأمور حسبما تشير إليه استطلاعات الرأي، أي عدم تمكن حزب المحافظين وحزب العمال من إحراز غالبية مطلقة تؤهل أيا منهما لتشكيل حكومة بمفرده، فإن الليبراليين الديمقراطيين قد يتمكنون مرة أخرى من ترجيح الكفة.
يقول تيم بيل، أستاذ العلوم السياسية بجامعة كوين ماري في لندن «ما زال بإمكانهم تحديد شكل الحكومة القادمة»، مضيفًا أن الليبراليين الديمقراطيين يتمتعون بميزة كبيرة في أي مفاوضات ستعقد لتشكيل حكومة ائتلافية، فعلى العكس من بعض الأحزاب الأصغر حجما، بإمكان الليبراليين الديمقراطيين العمل مع المحافظين والعمال، على حد سواء.
ووفقا لذلك، يقدم الليبراليون الديمقراطيون أنفسهم للناخبين باعتبارهم الوحيدين القادرين على كبح جماح الحزبين الكبيرين، فهم قادرون على الحد من الإنفاقات الكبيرة في الميزانية التي يسعى المحافظون لتنفيذها من جانب والحؤول دون لجوء العمال إلى التوسع في سياسة الاقتراض. لكن الأمر لن يكون بهذه السهولة، فالأجواء السياسية تختلف عما كانت عليه في انتخابات 2010 عندما كان كليغ، الوجه الجديد على مسرح السياسة البريطانية، بمثابة الحصان الأسود في المناظرات التي شهدتها الحملة الانتخابية حينها.
كان كليغ، الذي يتميز بالذكاء والحضور أمام عدسات الكاميرا وقدرته على التحدث بطلاقة بلغات أجنبية (أمه هولندية وزوجته إسبانية)، يعد حينها شخصية غير مألوفة. وعندما عجز العمال والمحافظون عن الفوز بأغلبية برلمانية، انضم الليبراليون الديمقراطيون إلى أول حكومة ائتلافية في تاريخ بريطانيا منذ الحرب العالمية الثانية.
لكن قضاءه 5 سنوات كشريك أصغر في حكومة تسعى دوما لفرض إجراءات تقشفية، كانت له أضرار بالغة، حيث خسر كليغ استفتاء أجري في 2011 لجعل نظام التصويت أكثر تناسبا كما فشل في الوفاء بوعوده الانتخابية بخصوص إلغاء رسوم الدراسة الجماعية للطلاب التي زادت في حقيقة الأمر لتصل الرسوم السنوية إلى ثلاثة أضعافها مما أدى لوقوع احتجاجات طلابية وتوجيه اتهامات لكليغ بتعكير جو الثقة في السياسة البريطانية نتيجة تراجعه عن وعوده.
وحسبما يوضح بيل، فإن الانتقادات الحادة الموجهة لكليغ (48 عامًا)، تأتي من كلا الحزبين الكبيرين، فالعمال يشعرون تجاهه بالغضب لتحالفه مع كاميرون، بينما يحمله جناح اليمين في المحافظين «مسؤولية كل شيء يمقتونه في مشاركة حزبهم في حكومة ائتلافية مع كليغ». ويضيف بيل قائلا «لنضع كل ذلك في الاعتبار، بالإضافة إلى أسلوبه الذي يصفه بعض الناس بالمنافق فسنجد لدينا تركيبة مميتة».
وسيتحدد مدى صحة ذلك في شيفيلد هالام، تلك الدائرة الانتخابية الموجودة في يوركشاير، التي يمثلها كليغ. ففي عام 2010، تفوق فيها كليغ على منافسه من المحافظين بفارق 15 ألف صوت وعلى منافسه من العمال بفارق 19 ألف صوت. لكن استطلاعات الرأي الأخيرة تشير إلى أن العمال الذين لم ينجحوا في الفوز بهذه الدائرة من قبل، قد يفوزون بها هذه المرة.
ويقول أوليفر كوبارد، مرشح العمال، إن «حملته ليست بمثابة انتقام شخصي من كليغ على الرغم من توقعات الصحف بأن تشهد الدائرة شن حملة لنحر الرؤوس ضد زعيم الحزب الليبرالي الديمقراطي»، لكن كوبارد يعود ويقول إن كليغ «لم يفعل سوى أقل القليل للمدينة وخيب آمال الكثيرين من المواطنين».
وعلى العكس من كليغ الذي يعيش في لندن، ترعرع كوبارد (33 عاما) في شيفيلد التي ما زال يعيش فيها. وعلى الرغم من أن محل السكن لا يمثل عائقًا أمام الترشح في الانتخابات إلا أنه يعد ميزة عند صناديق الاقتراع. وساعد كوبارد في حملته الانتخابية، تلقيه تبرعات كبيرة بالإضافة لوقوف متطوعين متحمسين من الطلاب إلى جانبه. وفي ضاحية ستانينغتون، قالت الناخبة المحلية ماري ريست، عندما سئلت إذا ما كانت قد صوتت لصالح كليغ في انتخابات 2010: «كلنا فعلنا ذلك في هذه المنطقة، ولكن في الوقت الحالي، فإننا نشعر بالتعرض لخديعة، لا أظن أنه فعل أي شيء لهذه المنطقة».
اتسم الحزب الليبرالي الديمقراطي، تحت قيادة كليغ، بالانضباط على الرغم من شعبية الحزب الآخذة في التدهور مما دفع بعض معارضي كليغ إلى الاعتراف بقدرته على الصمود. وفي لقاء جرى مؤخرًا في لندن نظمه موقع «ممز نت» تحلى كليغ بالصبر وهو يجيب على سلسلة من الأسئلة بما فيها أسئلة عن الرسوم الدراسية. ورد قائلا «إذا كانت هناك سياسة لم تنفذها، فهي تلك التي يتذكرك الناس بها». لكنه أصر على أنه لا يوجد في أدائنا منذ انضمامنا للحكومة ما يدعونا للشعور بالإحراج، فقد كنا على مستوى المسؤولية وقمنا على نطاق واسع باتخاذ الخطوات السليمة بناء على السياسات السليمة. لكنه بعد برهة تحدث عن درس قاس تعلمه من تلك السنوات التي شهدت تقلبات في شعبية الحزب وسط بحر السياسة البريطانية العاصف، حيث قال «الأحزاب الصغيرة في الائتلاف معرضة لتحمل المسؤولية عن الأخطاء التي تحدث، ولكنها لا تتلقى المديح عن الإنجازات التي تتوصل إليها».
«الليبرالي الديمقراطي» يواجه صعوبة في عرض نفسه كبديل للحزبين الكبيرين
زعيمه كليغ نال جزءًا كبيرًا من لوم البريطانيين في قضيتي خفض الإنفاق والرسوم الجامعية
«الليبرالي الديمقراطي» يواجه صعوبة في عرض نفسه كبديل للحزبين الكبيرين
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة