حصاد «الحزم».. نجاحات استراتيجية ودبلوماسية واقتصادية في 27 يومًا

2500 طلعة جوية كسرت شوكة الحوثيين وأعادت «الأمل» إلى اليمنيين.. والتوازن الإقليمي في المنطقة

حصاد «الحزم».. نجاحات استراتيجية ودبلوماسية واقتصادية في 27 يومًا
TT

حصاد «الحزم».. نجاحات استراتيجية ودبلوماسية واقتصادية في 27 يومًا

حصاد «الحزم».. نجاحات استراتيجية ودبلوماسية واقتصادية في 27 يومًا

كان اليمن ينحدر نحو الهاوية بسرعة فائقة.. الحوثيون يبتلعون المدن والمحافظات الواحدة تلو الأخرى.. ليفرضوا بقوة السلاح توجهات الفصيل الواحد، بدعم وتواطؤ مع الرئيس السابق المخلوع علي عبد الله صالح، وبدعم من قوة إقليمية تحاول بث الصراع والعنف في الإقليم، هي إيران. لم يكتف الحوثي بالانقلاب على الشرعية، بالاستيلاء على صنعاء مركز السلطة، في سبتمبر (أيلول) الماضي، وخروج الرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي، من قصره متخفيا إلى عدن، بل تسارعت خطواتهم لابتلاع اليمن، وتحركهم نحو العاصمة الثانية التي اتخذها هادي مقرا جديدا. لكن الأمور بدأت تتغير كثيرا في اتجاه عودة الشرعية، بعد رسالة وجهها الرئيس هادي إلى السعودية وقادة الخليج طالبا فيها التدخل لحماية اليمن، وسرعان ما جاء الرد عاجلا بإطلاق عاصفة الحزم في 26 مارس 2015. وتمكنت مقاتلات التحالف العربي التي تشكلت على عجل من السعودية والإمارات والكويت والبحرين وقطر والأردن والسودان ومصر والمغرب من السيطرة على الأجواء اليمنية خلال 15 دقيقة، إضافة إلى تأمين الحدود السعودية الجنوبية، وكذلك الموانئ اليمنية، عبر السفن السعودية والمصرية.
كانت البداية رسالة من الرئيس هادي، إلى قادة دول الخليج، يستنجد فيها بالتدخل العسكري من خلال قوات «درع الجزيرة» إلى المناطق التي يسيطر عليها المتمردون، وأتباع الرئيس المخلوع صالح، وكذلك تصريح من الأمير سعود الفيصل، وزير الخارجية السعودية، خلال اجتماعه مع نظيره البريطاني فيليب هاموند في الرياض، يشير فيه إلى أن الرئيس اليمني يستطيع تنفيذ المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، التي تعطي الدولة الحق في الدفاع عن نفسها في حال تدخل عسكري فيها. كلها دلائل تشير إلى بداية حملة عسكرية لحماية الشرعية والشعب اليمني من عدوان الحوثي وأعوانه. وكان اجتماع القيادات الخليجية في قصر العوجا بالرياض، قبل انطلاق عاصفة الحزم بأسبوع واحد، بمثابة اجتماع حرب.
وخلال 27 يوما حققت دول «عاصفة الحزم»، نتائج عسكرية باهرة على الأرض، واستطاعت شل حركة المتمردين، وقطع إمدادات السلاح والنفط التي تردهم من إيران، خصوصا بعد استيلائهم على القواعد العسكرية والطائرات الحربية، والصواريخ البالستية التي زودتهم بها طهران، عبر الموانئ البحرية، و14 رحلة جوية بين اليمن وإيران، جرى التوقيع عليها قبل الحرب بنحو شهر واحد. كما حققت نجاحات سياسية بتأييد قادة العالم للحملة وعلى رأسهم الرئيس الأميركي باراك أوباما، ونجاحات دبلوماسية بتأييد مجلس الأمن لعاصفة الحزم، ومنحها الشرعية من خلال إصدار قرار دولي تحت الفصل السابع يطالب الحوثيين بإعادة الشرعية للرئيس اليمني الشرعي، في مهلة محددة، قبل أن تطلق الحملة الاقتصادية «عاصفة الأمل» من أجل النهوض بالاقتصاد اليمني وإغاثة المنكوبين.
النجاحات العسكرية
واستعادة قاعدة العند
ركز تحالف «عاصفة الحزم» منذ الساعات الأولى من بدء الحملة الجوية، على استهداف مدرج القواعد العسكرية، مثل قاعدة العند التي كانت الميليشيات الحوثية تسيطر عليها خلال الفترة الماضية، وذلك لمنع استخدامها، وقطع الطريق بين صعدة وصنعاء، من خلال استهداف أحد الجسور البرية، التي يستخدمها المتمردون خلال نقلها منصات صواريخ باليستية وعربات تموين، حيث حصلت القوات الجوية السعودية التي شاركت في الطلعات الأولى، على سيطرة جوية مطلقة وبدأت في تنفيذ جميع العمليات، إذ إن أي عملية جوية تتكون من عدد كبير من الطائرات منها الهجومية ومنها التزود بالوقود وطائرات الإنذار المبكر ومنها طائرات الاستطلاع والبحث والإنقاذ. ونجحت العاصفة في استعادة العند.
وحرص قوات التحالف، في المقام الأول على سلامة المواطنين اليمنيين، من دون أن يصاب أي أحد بأذى، إذ إن هناك عددا من المواقع مثل صواريخ البالستية، ومخزن أسلحة، عمل المتمردين على تخزينها بين المدنيين داخل المجمعات السكنية، حيث تتم مراقبة تلك المواقع على الأرض، الأمر الذي تعمل عليه الميليشيات الحوثية في استخدام اليمنيين كدروع بشرية، من أجل تلافي ضربات قوات التحالف، ولكن دقة إصابة الهدف من قبل القوات الجوية، ونوعية الأسلحة المستخدمة، التي تقلل من المخاطر.
وقامت طائرات تحالف «عاصفة الحزم»، بعد أكثر من 2500 طلعة جوية، انطلقت من جميع القواعد العسكرية بالسعودية، وكذلك بعض القواعد العسكرية في دول التحالف، برصد تحركات الميليشيات الحوثية، وأعوان الرئيس المخلوع، الذين يتنقلون عبر الألوية العسكرية التي انشقت عن الشرعية اليمنية، بين المدن اليمنية في الشمال والجنوب، حيث اقترب عدد منها نحو مدينة عدن، في محاولة منهم إلى الدخول هناك، إلا أن طائرات التحالف، تصدت لهم، ووجهت لهم عددا من الضربات استهدفت عددا من الألوية العسكرية، خصوصا وأن بعضها كان يقترب من نحو باب المندب.شاركت القوات الجوية السعودية 100 طائرة مقاتلة، فيما شاركت القوات الإماراتية بـ30 طائرة مقاتلة، والقوات الكويتية 15 طائرة مقاتلة، وسلاح الجو الملكي البحريني 15 طائرة مقاتلة، والقوات الجوية القطرية 10 طائرات مقاتلة، وسلاح الجو الملكي الأردني 6 طائرات مقاتلة، والقوات الجوية المغربية 6 طائرات مقاتلة، والقوات الجوية المصرية 16 طائرة مقاتلة، والقوات البحرية المصرية 4 سفن حربية وفرقاطة بحرية، والقوات الجوية السودانية 3 طائرات حربية.
حاولت مجاميع حوثية التوجه إلى شمال اليمن، نحو الحدود السعودية الجنوبية، حيث جرى استهدافهم في الأيام الأول من العمليات «عاصفة الحزم»، ثم بدأت في مناوشات متفرقة على الحدود، حيث أطلق المتمردون صواريخ الهاون على رجال القوات البرية، وحرس الحدود السعودي، وجرى تحديد مصدر النيران، والرد عليهم بالمدافع، وطائرات «الأباتشي»، خصوصا وأن قوات التحالف، رصدت عددا من الميليشيات الحوثية، يقومون بحفر الخنادق من أجل التمركز فيها، وتخزين الأسلحة كذلك.
فشلت الميليشيات الحوثية، وأتباع الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، في محاولة إطلاق صاروخ بالستي في ضواحي العاصمة صنعاء، حيث سقط نتيجة فشل في الإطلاق، وعلى الفور جرى توجيه المقاتلات التحالف إلى مكان الصاروخ، وتدميرها على الفور، خصوصا وأن عمليات التحالف ترصد باستمرار منصات صواريخ البالستية، لأن بعضها متخفية، والبعض تتنقل بين المدن، حيث نجحت المقاتلات التحالف في استهدافها.
وتمكنت قوات التحالف، من تأمين الموانئ اليمنية، ومن السيطرة عليها، وذلك بعد فرض حظر بحري على السفن التي تعبر مضيق باب المندب، حيث يجري عملية تفتيش لتلك السفن، للتأكد من سلامتها، لا سيما وأن المتمردين عملوا على نهب الوقود من الموانئ. وتحركت حينها عدد من السفن الإيرانية بالقرب من الموانئ اليمنية، وحذرت في حينها قوات التحالف، من أن أي محاولة لإمداد الحوثيين بالسلاح، سيتم اتخاذ اللازم بتوجيه الطائرات المقاتلة للتصدي لها. وفتحت دول قوات التحالف الأجواء اليمنية، لإجلاء الرعايا العالقين لبعض الدول في اليمن، حيث جرى تحديد لجنة مشكلة بقيادة وزارة الدفاع السعودي، لجدولة رحلات بعض الدول التي تقدمت بطلبات إجلاء الرعايا.
وحققت العملية العسكرية التي قادتها السعودية في اليمن أهدافها، وأصبحت بمثابة، مثالا لتحالفات عربية أخرى مستقبلا. ومع إعلان انتهاء عملية «عاصفة الحزم»، بدأت عملية جديدة اسمها «إعادة الأمل»، شريطة ألا يعني ذلك توقف استمرار العمليات العسكرية ضد الميليشيات الحوثية إذا تطلب الأمر، وتضمنت العملية تصدي قوات التحالف، تمدد نفوذ إيران في المنطقة التي أسهمت ودربت وسلحت ومولت عناصر الحوثيين في اليمن.
وأكدت قوات التحالف في حينها، أن مصير الحرس الثوري الإيراني ومقاتلي حزب الله سيكون مثل المتمردين الحوثيين، في عمليات القصف الجوي التي تنفذها دول التحالف، في حال وجودهم بين صفوف الميليشيات الحوثية الذين يتلقون تدريباتهم من الإيرانيين واللبنانيين. وأوضح الدكتور علي القحطاني، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الملك سعود لـ«الشرق الأوسط»، أن إنجازات عمليات تحالف «عاصفة الحزم»، كونت لدى السعودية القدرة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، على أخذ زمام المبادرة وموازنة الصعود الإيراني والتهديد الفارسي في المنطقة خلال الفترة الماضية، حيث بدأت السعودية تلعب دورًا، كان المأمل عليها في وقت سابق، إذ إن قرار تكوين التحالف بقيادة السعودية، هو شجاع، ويحسب للسياسة الخارجية السعودية، وكذلك المحلية. وقال الدكتور القحطاني، إن كل أفراد الشعب السعودي، اصطفوا خلف قرار القيادة وتكوين التحالف العربي، ليصب في مصلحة المملكة والعالم العربي والأمة الإسلامية في ظل تمدد الفارسي المتطرف، إذ إن تحالف «عاصفة الحزم» الذي استمر 27 يومًا، غير الكثير من قوى التوازن في الداخل اليمني، لصالح القوات التي تدعم الشرعية، وأصبحت المدن الشمالية والجنوبية في اليمن، في موقف الهجوم، وليس الدفاع بما كان عليه سابقًا.
وأضاف «بعد تدخل التحالف، استجابة لرسالة الرئيس اليمني لدول الخليج، غيرت المفاهيم، وأصبح وضع القوى السياسية اليمنية، ومفاوضاتهم مع الميليشيات الحوثية، أو أتباع الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، ستكون من واقع قوة، من دون الرضوخ إلى تهديدات الحوثي وغيرهم».
وكان بريت ماجيريك، نائب المبعوث الأميركي لقوات التحالف، أكد مساندة الولايات المتحدة لجهود التحالف الذي تقوده السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي ضد الحوثيين، مشيرا إلى أن واشنطن ستحارب بكل قوتها من يعتدي على السعودية. وقال ماجيريك إن «الحوثيين كانوا بتصرفاتهم السبب وراء التحرك العسكري ضدهم».
فيما دارت اتصالات واجتماعات سياسية على ضوء بدء العملية السياسية العسكرية، ابتداء من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، الذي تلقى الكثير من الاتصالات من رؤساء قادة الدول التحالف، وغيرهم وكان آخرها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وزار قادة وزراء الدفاع في دول التحالف، الرياض خلال عمليات «عاصفة الحزم»، والتقوا بالأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، وزير الدفاع السعودي، وتباحثوا حول مشاركة قوات التحالف في عملية رد العدوان ضد الميليشيات الحوثية.
انتصار مجلس الأمن
وصدر قرار مجلس الأمن رقم 2216 حول اليمن، بتأييد 14 عضوا بمجلس الأمن لصالحه وامتناع روسيا عند التصويت، بطلب الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي من مجلس التعاون وجامعة الدول العربية التدخل العسكري لحماية اليمن من عدوان الحوثيين وإلى قرار مؤتمر القمة 26 لجامعة الدول العربية، الذي أكد على ضرورة استئناف عملية الانتقال السياسي بمشاركة جميع الأطراف اليمنية وفقا لمبادرة مجلس التعاون الخليجي، مع ضرورة الالتزام بوحدة اليمن وشرعية الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي ويكرر دعوته لكل الأطراف بالامتناع عن اتخاذ أي تدابير من شأنها تقويض وحدة اليمن ويعرب عن قلقه من تدهور الأوضاع الإنسانية وضرورة توصل المساعدات الإنسانية ويحذر من هجمات تنظيم القاعدة وقدرته على استغلال تدهور الأوضاع.
ويؤكد القرار على ضرورة العودة لتنفيذ مبادرة مجلس التعاون الخليجي وصياغة دستور جديد وتنظيم الانتخابات في اليمن، من دون التصعيد العسكري الذي يقوم به الحوثيون في محافظات تعز ومأرب والبيضاء واستيلائهم على الأسلحة بما في ذلك منظومات القذائف من المؤسسات العسكرية والأمنية اليمنية ويدين بأقوى العبارات الإجراءات الأحادية للحوثيين ويطالبهم بتنفيذ قرارات مجلس الأمن السابقة بسحب قواتهم والإفراج عن المعتقلين والتوقف عن تقويض عملية الانتقال السياسي في اليمن.
وتتضمن الشروط، الكف عن استخدام العنف، وسحب قواتهم من جميع المناطق التي استولوا عليها بما في ذلك العاصمة صنعاء، والتخلي عن جميع الأسلحة التي استولوا عليها من المؤسسات العسكرية والأمنية بما في ذلك منظومات القذائف، والتوقف عن جميع الأعمال التي تندرج ضمن نطاق سلطة الحكومة الشرعية، والامتناع عن الإتيان بأي استفزازات أو تهديدات للدول المجاورة، والإفراج عن وزير الدفاع محمود الصبيحي وعن جميع السجناء السياسيين وجميع الأشخاص رهن الإقامة الجبرية، وإنهاء تجنيد الأطفال وتسريح جميع الأطفال المجندين في صفوفهم.
فيما أكد الدكتور عبد الله العسكر، عضو مجلس الشورى السعودي لـ«الشرق الأوسط»، أن العملية السياسية مستمرة للأوضاع التي تعاني منها اليمن خصوصا بعد تدخل دول قوات التحالف في العملية العسكرية، مشيرًا إلى أن العملية السياسية ستتجه إلى أفق أوسع من ذلك، على أن تكون طاولة الحوار اليمنية اليمنية، تبدأ مما انتهت إليه، المبادرة الخليجية التي وقعت في الرياض، وكذلك الحوار الوطني اليمني.
وأضاف «عملية بدء الحوار، تجرنا إلى صراع، إذ إن إيران تريد أن تبدأ من الصفر في الحوار، لأن مصلحة اليمن والسلم، ليست من أولوياتها، بل يهمها زرع البذرة ونمو الميليشيات الحوثية فيها، وأن المنطقة ليست بحاجة إلى لبنان أخرى، وعلى الجميع إذا أرادوا الحوار، أن يتركوا السلاح قبل الجلوس على طاولة الحوار».
وأشار الدكتور العسكر إلى أن العملية السياسية، أصعب من العملية العسكرية التي تعرف متى تبدأ، ومتى تنتهي، حيث يبدو أن ما يجري على الأراضي اليمنية هو التحكم في اتجاهات السياسية، إذ إن هناك أطرافا محلية لها مصالح مثل الميليشيات الحوثية، وأتباع الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، وكذلك الشرعية اليمنية المتنفذة في الحكومة والأحزاب السياسية، وهناك أطراف خليجية هم دول مجلس التعاون، وطرف إقليمي إيران، وكذلك دولي من حيث تحكم السفن في المضيق الحيوي الذي يعبر من خلاله 16 في المائة من نفط الخليج، فالعملية السياسية لن تأخذ مجراها الطبيعي، فينبغي أو يتوقع التحالف بأن الأرض لا تزال بين المقاومة والحوثيين، وسيحاول كل طرف الكسب أكثر كمية من الأرض بحيث إذا بدأت الحالة السياسية يكون له صوت أعلى بكثير.
وأضاف «استبق الدكتور رياض ياسين، وزير الخارجية اليمني المكلف، في تصريح له بأن الحكومة الشرعية تسيطر على 70 في المائة، وهو يحاول أن يستبق الأحداث، وهذا معناه أن الأطراف الأخرى الذين ثاروا على الشرعية، وحاولوا الاستيلاء على اليمن كلها، فقدوا الأرض ومن عليها من السكان ومن التأيد الشعبي، وبالتالي ضربة قوية ضد المتمردين».



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».