حصاد «الحزم».. نجاحات استراتيجية ودبلوماسية واقتصادية في 27 يومًا

2500 طلعة جوية كسرت شوكة الحوثيين وأعادت «الأمل» إلى اليمنيين.. والتوازن الإقليمي في المنطقة

حصاد «الحزم».. نجاحات استراتيجية ودبلوماسية واقتصادية في 27 يومًا
TT

حصاد «الحزم».. نجاحات استراتيجية ودبلوماسية واقتصادية في 27 يومًا

حصاد «الحزم».. نجاحات استراتيجية ودبلوماسية واقتصادية في 27 يومًا

كان اليمن ينحدر نحو الهاوية بسرعة فائقة.. الحوثيون يبتلعون المدن والمحافظات الواحدة تلو الأخرى.. ليفرضوا بقوة السلاح توجهات الفصيل الواحد، بدعم وتواطؤ مع الرئيس السابق المخلوع علي عبد الله صالح، وبدعم من قوة إقليمية تحاول بث الصراع والعنف في الإقليم، هي إيران. لم يكتف الحوثي بالانقلاب على الشرعية، بالاستيلاء على صنعاء مركز السلطة، في سبتمبر (أيلول) الماضي، وخروج الرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي، من قصره متخفيا إلى عدن، بل تسارعت خطواتهم لابتلاع اليمن، وتحركهم نحو العاصمة الثانية التي اتخذها هادي مقرا جديدا. لكن الأمور بدأت تتغير كثيرا في اتجاه عودة الشرعية، بعد رسالة وجهها الرئيس هادي إلى السعودية وقادة الخليج طالبا فيها التدخل لحماية اليمن، وسرعان ما جاء الرد عاجلا بإطلاق عاصفة الحزم في 26 مارس 2015. وتمكنت مقاتلات التحالف العربي التي تشكلت على عجل من السعودية والإمارات والكويت والبحرين وقطر والأردن والسودان ومصر والمغرب من السيطرة على الأجواء اليمنية خلال 15 دقيقة، إضافة إلى تأمين الحدود السعودية الجنوبية، وكذلك الموانئ اليمنية، عبر السفن السعودية والمصرية.
كانت البداية رسالة من الرئيس هادي، إلى قادة دول الخليج، يستنجد فيها بالتدخل العسكري من خلال قوات «درع الجزيرة» إلى المناطق التي يسيطر عليها المتمردون، وأتباع الرئيس المخلوع صالح، وكذلك تصريح من الأمير سعود الفيصل، وزير الخارجية السعودية، خلال اجتماعه مع نظيره البريطاني فيليب هاموند في الرياض، يشير فيه إلى أن الرئيس اليمني يستطيع تنفيذ المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، التي تعطي الدولة الحق في الدفاع عن نفسها في حال تدخل عسكري فيها. كلها دلائل تشير إلى بداية حملة عسكرية لحماية الشرعية والشعب اليمني من عدوان الحوثي وأعوانه. وكان اجتماع القيادات الخليجية في قصر العوجا بالرياض، قبل انطلاق عاصفة الحزم بأسبوع واحد، بمثابة اجتماع حرب.
وخلال 27 يوما حققت دول «عاصفة الحزم»، نتائج عسكرية باهرة على الأرض، واستطاعت شل حركة المتمردين، وقطع إمدادات السلاح والنفط التي تردهم من إيران، خصوصا بعد استيلائهم على القواعد العسكرية والطائرات الحربية، والصواريخ البالستية التي زودتهم بها طهران، عبر الموانئ البحرية، و14 رحلة جوية بين اليمن وإيران، جرى التوقيع عليها قبل الحرب بنحو شهر واحد. كما حققت نجاحات سياسية بتأييد قادة العالم للحملة وعلى رأسهم الرئيس الأميركي باراك أوباما، ونجاحات دبلوماسية بتأييد مجلس الأمن لعاصفة الحزم، ومنحها الشرعية من خلال إصدار قرار دولي تحت الفصل السابع يطالب الحوثيين بإعادة الشرعية للرئيس اليمني الشرعي، في مهلة محددة، قبل أن تطلق الحملة الاقتصادية «عاصفة الأمل» من أجل النهوض بالاقتصاد اليمني وإغاثة المنكوبين.
النجاحات العسكرية
واستعادة قاعدة العند
ركز تحالف «عاصفة الحزم» منذ الساعات الأولى من بدء الحملة الجوية، على استهداف مدرج القواعد العسكرية، مثل قاعدة العند التي كانت الميليشيات الحوثية تسيطر عليها خلال الفترة الماضية، وذلك لمنع استخدامها، وقطع الطريق بين صعدة وصنعاء، من خلال استهداف أحد الجسور البرية، التي يستخدمها المتمردون خلال نقلها منصات صواريخ باليستية وعربات تموين، حيث حصلت القوات الجوية السعودية التي شاركت في الطلعات الأولى، على سيطرة جوية مطلقة وبدأت في تنفيذ جميع العمليات، إذ إن أي عملية جوية تتكون من عدد كبير من الطائرات منها الهجومية ومنها التزود بالوقود وطائرات الإنذار المبكر ومنها طائرات الاستطلاع والبحث والإنقاذ. ونجحت العاصفة في استعادة العند.
وحرص قوات التحالف، في المقام الأول على سلامة المواطنين اليمنيين، من دون أن يصاب أي أحد بأذى، إذ إن هناك عددا من المواقع مثل صواريخ البالستية، ومخزن أسلحة، عمل المتمردين على تخزينها بين المدنيين داخل المجمعات السكنية، حيث تتم مراقبة تلك المواقع على الأرض، الأمر الذي تعمل عليه الميليشيات الحوثية في استخدام اليمنيين كدروع بشرية، من أجل تلافي ضربات قوات التحالف، ولكن دقة إصابة الهدف من قبل القوات الجوية، ونوعية الأسلحة المستخدمة، التي تقلل من المخاطر.
وقامت طائرات تحالف «عاصفة الحزم»، بعد أكثر من 2500 طلعة جوية، انطلقت من جميع القواعد العسكرية بالسعودية، وكذلك بعض القواعد العسكرية في دول التحالف، برصد تحركات الميليشيات الحوثية، وأعوان الرئيس المخلوع، الذين يتنقلون عبر الألوية العسكرية التي انشقت عن الشرعية اليمنية، بين المدن اليمنية في الشمال والجنوب، حيث اقترب عدد منها نحو مدينة عدن، في محاولة منهم إلى الدخول هناك، إلا أن طائرات التحالف، تصدت لهم، ووجهت لهم عددا من الضربات استهدفت عددا من الألوية العسكرية، خصوصا وأن بعضها كان يقترب من نحو باب المندب.شاركت القوات الجوية السعودية 100 طائرة مقاتلة، فيما شاركت القوات الإماراتية بـ30 طائرة مقاتلة، والقوات الكويتية 15 طائرة مقاتلة، وسلاح الجو الملكي البحريني 15 طائرة مقاتلة، والقوات الجوية القطرية 10 طائرات مقاتلة، وسلاح الجو الملكي الأردني 6 طائرات مقاتلة، والقوات الجوية المغربية 6 طائرات مقاتلة، والقوات الجوية المصرية 16 طائرة مقاتلة، والقوات البحرية المصرية 4 سفن حربية وفرقاطة بحرية، والقوات الجوية السودانية 3 طائرات حربية.
حاولت مجاميع حوثية التوجه إلى شمال اليمن، نحو الحدود السعودية الجنوبية، حيث جرى استهدافهم في الأيام الأول من العمليات «عاصفة الحزم»، ثم بدأت في مناوشات متفرقة على الحدود، حيث أطلق المتمردون صواريخ الهاون على رجال القوات البرية، وحرس الحدود السعودي، وجرى تحديد مصدر النيران، والرد عليهم بالمدافع، وطائرات «الأباتشي»، خصوصا وأن قوات التحالف، رصدت عددا من الميليشيات الحوثية، يقومون بحفر الخنادق من أجل التمركز فيها، وتخزين الأسلحة كذلك.
فشلت الميليشيات الحوثية، وأتباع الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، في محاولة إطلاق صاروخ بالستي في ضواحي العاصمة صنعاء، حيث سقط نتيجة فشل في الإطلاق، وعلى الفور جرى توجيه المقاتلات التحالف إلى مكان الصاروخ، وتدميرها على الفور، خصوصا وأن عمليات التحالف ترصد باستمرار منصات صواريخ البالستية، لأن بعضها متخفية، والبعض تتنقل بين المدن، حيث نجحت المقاتلات التحالف في استهدافها.
وتمكنت قوات التحالف، من تأمين الموانئ اليمنية، ومن السيطرة عليها، وذلك بعد فرض حظر بحري على السفن التي تعبر مضيق باب المندب، حيث يجري عملية تفتيش لتلك السفن، للتأكد من سلامتها، لا سيما وأن المتمردين عملوا على نهب الوقود من الموانئ. وتحركت حينها عدد من السفن الإيرانية بالقرب من الموانئ اليمنية، وحذرت في حينها قوات التحالف، من أن أي محاولة لإمداد الحوثيين بالسلاح، سيتم اتخاذ اللازم بتوجيه الطائرات المقاتلة للتصدي لها. وفتحت دول قوات التحالف الأجواء اليمنية، لإجلاء الرعايا العالقين لبعض الدول في اليمن، حيث جرى تحديد لجنة مشكلة بقيادة وزارة الدفاع السعودي، لجدولة رحلات بعض الدول التي تقدمت بطلبات إجلاء الرعايا.
وحققت العملية العسكرية التي قادتها السعودية في اليمن أهدافها، وأصبحت بمثابة، مثالا لتحالفات عربية أخرى مستقبلا. ومع إعلان انتهاء عملية «عاصفة الحزم»، بدأت عملية جديدة اسمها «إعادة الأمل»، شريطة ألا يعني ذلك توقف استمرار العمليات العسكرية ضد الميليشيات الحوثية إذا تطلب الأمر، وتضمنت العملية تصدي قوات التحالف، تمدد نفوذ إيران في المنطقة التي أسهمت ودربت وسلحت ومولت عناصر الحوثيين في اليمن.
وأكدت قوات التحالف في حينها، أن مصير الحرس الثوري الإيراني ومقاتلي حزب الله سيكون مثل المتمردين الحوثيين، في عمليات القصف الجوي التي تنفذها دول التحالف، في حال وجودهم بين صفوف الميليشيات الحوثية الذين يتلقون تدريباتهم من الإيرانيين واللبنانيين. وأوضح الدكتور علي القحطاني، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الملك سعود لـ«الشرق الأوسط»، أن إنجازات عمليات تحالف «عاصفة الحزم»، كونت لدى السعودية القدرة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، على أخذ زمام المبادرة وموازنة الصعود الإيراني والتهديد الفارسي في المنطقة خلال الفترة الماضية، حيث بدأت السعودية تلعب دورًا، كان المأمل عليها في وقت سابق، إذ إن قرار تكوين التحالف بقيادة السعودية، هو شجاع، ويحسب للسياسة الخارجية السعودية، وكذلك المحلية. وقال الدكتور القحطاني، إن كل أفراد الشعب السعودي، اصطفوا خلف قرار القيادة وتكوين التحالف العربي، ليصب في مصلحة المملكة والعالم العربي والأمة الإسلامية في ظل تمدد الفارسي المتطرف، إذ إن تحالف «عاصفة الحزم» الذي استمر 27 يومًا، غير الكثير من قوى التوازن في الداخل اليمني، لصالح القوات التي تدعم الشرعية، وأصبحت المدن الشمالية والجنوبية في اليمن، في موقف الهجوم، وليس الدفاع بما كان عليه سابقًا.
وأضاف «بعد تدخل التحالف، استجابة لرسالة الرئيس اليمني لدول الخليج، غيرت المفاهيم، وأصبح وضع القوى السياسية اليمنية، ومفاوضاتهم مع الميليشيات الحوثية، أو أتباع الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، ستكون من واقع قوة، من دون الرضوخ إلى تهديدات الحوثي وغيرهم».
وكان بريت ماجيريك، نائب المبعوث الأميركي لقوات التحالف، أكد مساندة الولايات المتحدة لجهود التحالف الذي تقوده السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي ضد الحوثيين، مشيرا إلى أن واشنطن ستحارب بكل قوتها من يعتدي على السعودية. وقال ماجيريك إن «الحوثيين كانوا بتصرفاتهم السبب وراء التحرك العسكري ضدهم».
فيما دارت اتصالات واجتماعات سياسية على ضوء بدء العملية السياسية العسكرية، ابتداء من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، الذي تلقى الكثير من الاتصالات من رؤساء قادة الدول التحالف، وغيرهم وكان آخرها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وزار قادة وزراء الدفاع في دول التحالف، الرياض خلال عمليات «عاصفة الحزم»، والتقوا بالأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، وزير الدفاع السعودي، وتباحثوا حول مشاركة قوات التحالف في عملية رد العدوان ضد الميليشيات الحوثية.
انتصار مجلس الأمن
وصدر قرار مجلس الأمن رقم 2216 حول اليمن، بتأييد 14 عضوا بمجلس الأمن لصالحه وامتناع روسيا عند التصويت، بطلب الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي من مجلس التعاون وجامعة الدول العربية التدخل العسكري لحماية اليمن من عدوان الحوثيين وإلى قرار مؤتمر القمة 26 لجامعة الدول العربية، الذي أكد على ضرورة استئناف عملية الانتقال السياسي بمشاركة جميع الأطراف اليمنية وفقا لمبادرة مجلس التعاون الخليجي، مع ضرورة الالتزام بوحدة اليمن وشرعية الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي ويكرر دعوته لكل الأطراف بالامتناع عن اتخاذ أي تدابير من شأنها تقويض وحدة اليمن ويعرب عن قلقه من تدهور الأوضاع الإنسانية وضرورة توصل المساعدات الإنسانية ويحذر من هجمات تنظيم القاعدة وقدرته على استغلال تدهور الأوضاع.
ويؤكد القرار على ضرورة العودة لتنفيذ مبادرة مجلس التعاون الخليجي وصياغة دستور جديد وتنظيم الانتخابات في اليمن، من دون التصعيد العسكري الذي يقوم به الحوثيون في محافظات تعز ومأرب والبيضاء واستيلائهم على الأسلحة بما في ذلك منظومات القذائف من المؤسسات العسكرية والأمنية اليمنية ويدين بأقوى العبارات الإجراءات الأحادية للحوثيين ويطالبهم بتنفيذ قرارات مجلس الأمن السابقة بسحب قواتهم والإفراج عن المعتقلين والتوقف عن تقويض عملية الانتقال السياسي في اليمن.
وتتضمن الشروط، الكف عن استخدام العنف، وسحب قواتهم من جميع المناطق التي استولوا عليها بما في ذلك العاصمة صنعاء، والتخلي عن جميع الأسلحة التي استولوا عليها من المؤسسات العسكرية والأمنية بما في ذلك منظومات القذائف، والتوقف عن جميع الأعمال التي تندرج ضمن نطاق سلطة الحكومة الشرعية، والامتناع عن الإتيان بأي استفزازات أو تهديدات للدول المجاورة، والإفراج عن وزير الدفاع محمود الصبيحي وعن جميع السجناء السياسيين وجميع الأشخاص رهن الإقامة الجبرية، وإنهاء تجنيد الأطفال وتسريح جميع الأطفال المجندين في صفوفهم.
فيما أكد الدكتور عبد الله العسكر، عضو مجلس الشورى السعودي لـ«الشرق الأوسط»، أن العملية السياسية مستمرة للأوضاع التي تعاني منها اليمن خصوصا بعد تدخل دول قوات التحالف في العملية العسكرية، مشيرًا إلى أن العملية السياسية ستتجه إلى أفق أوسع من ذلك، على أن تكون طاولة الحوار اليمنية اليمنية، تبدأ مما انتهت إليه، المبادرة الخليجية التي وقعت في الرياض، وكذلك الحوار الوطني اليمني.
وأضاف «عملية بدء الحوار، تجرنا إلى صراع، إذ إن إيران تريد أن تبدأ من الصفر في الحوار، لأن مصلحة اليمن والسلم، ليست من أولوياتها، بل يهمها زرع البذرة ونمو الميليشيات الحوثية فيها، وأن المنطقة ليست بحاجة إلى لبنان أخرى، وعلى الجميع إذا أرادوا الحوار، أن يتركوا السلاح قبل الجلوس على طاولة الحوار».
وأشار الدكتور العسكر إلى أن العملية السياسية، أصعب من العملية العسكرية التي تعرف متى تبدأ، ومتى تنتهي، حيث يبدو أن ما يجري على الأراضي اليمنية هو التحكم في اتجاهات السياسية، إذ إن هناك أطرافا محلية لها مصالح مثل الميليشيات الحوثية، وأتباع الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، وكذلك الشرعية اليمنية المتنفذة في الحكومة والأحزاب السياسية، وهناك أطراف خليجية هم دول مجلس التعاون، وطرف إقليمي إيران، وكذلك دولي من حيث تحكم السفن في المضيق الحيوي الذي يعبر من خلاله 16 في المائة من نفط الخليج، فالعملية السياسية لن تأخذ مجراها الطبيعي، فينبغي أو يتوقع التحالف بأن الأرض لا تزال بين المقاومة والحوثيين، وسيحاول كل طرف الكسب أكثر كمية من الأرض بحيث إذا بدأت الحالة السياسية يكون له صوت أعلى بكثير.
وأضاف «استبق الدكتور رياض ياسين، وزير الخارجية اليمني المكلف، في تصريح له بأن الحكومة الشرعية تسيطر على 70 في المائة، وهو يحاول أن يستبق الأحداث، وهذا معناه أن الأطراف الأخرى الذين ثاروا على الشرعية، وحاولوا الاستيلاء على اليمن كلها، فقدوا الأرض ومن عليها من السكان ومن التأيد الشعبي، وبالتالي ضربة قوية ضد المتمردين».



هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
TT

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)

يأتي فوز دونالد ترمب في انتخابات الرئاسة الأميركية وعودته الوشيكة إلى البيت الأبيض يوم يناير (كانون الثاني) 2025 نقطة تحوّل مهمة وسط اضطرابات غير عادية في النظام العالمي. وبديهي أن ولاية ترمب الثانية لا تشكّل أهمية كبرى في السياسة الداخلية الأميركية فحسب، بل ستؤثر إلى حد كبير أيضاً على الجغرافيا السياسية والاقتصاد في آسيا. وفي حين يتوقع المحللون أن يركز الرئيس السابق - العائد في البداية على معالجة القضايا الاقتصادية المحلية، فإن «إعادة ضبط» أجندة السياسة الخارجية لإدارته ستكون لها آثار وتداعيات في آسيا ومعظم مناطق العالم، وبالأخص في مجالات التجارة والبنية التحتية والأمن. وبالنسبة لكثيرين في آسيا، يظل السؤال المطروح هنا هو... هل سيعتمد في ولايته الجديدة إزاء كبرى قارات العالم، من حيث عدد السكان، تعاملاً مماثلاً لتعامله في ولايته الأولى... أم لا؟

توقَّع المحللون السياسيون منذ فترة أن تكون منطقة حوض المحيطين الهندي والهادئ في طليعة اهتمامات السياسة الخارجية عند إدارة الرئيس الأميركي السابق العائد دونالد ترمب. ومعلومٌ أن استراتيجية ترمب في فترة ولايته الأولى، إزاء حوض المحيطين الهندي والهادئ شددت على حماية المصالح الأميركية في الداخل. والمتوقع أن يظل هذا الأمر قائماً، ويرجح أن يؤثّر على نهج سياسته الخارجية تجاه المنطقة مع التركيز على دفع الازدهار الأميركي، والحفاظ على السلام من خلال القوة، وتعزيز نفوذ الولايات المتحدة.

منطقة حوض المحيطين الهندي والهادئ التي يقطن كياناتها نحو 65 في المائة من سكان العالم، تشكل راهناً نقطة محورية للاستراتيجية والتوترات الجيوسياسية، فهي موطن لثلاثة من أكبر الاقتصادات على مستوى العالم (الصين والهند واليابان) ولسبع من أكبر القوات العسكرية في العالم. ويضاف إلى ذلك أنها منطقة اقتصادية رئيسية تمثل 62 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي وتسهم بنسبة 46 في المائة من تجارة السلع العالمية.

3 محاور

ويرجّح فيفيك ميشرا، خبير السياسة الأميركية في «مؤسسة أوبزرفر للأبحاث»، أنه «في ولاية ترمب الثانية، ستوجّه استراتيجية واشنطن لهذه المنطقة عبر التركيز على ثلاثة محاور تعمل على ربط المجالات القارية والبحرية في حيّزها. وستكون العلاقات الأميركية - الصينية في نقطة مركز هذه المقاربة، مع توقع أن تعمل التوترات التجارية على دفع الديناميكيات الثنائية... إذ لا يزال موقف ترمب من الصين حازماً، ويهدف إلى موازنة نفوذها المتنامي في المجالين الاقتصادي والأمني على حد سواء».

إضافة إلى ما سبق، يرى ميشرا أن «لدى سياسة ترمب في حوض المحيطين الهندي والهادئ توقعات كبيرة من حلفاء أميركا الرئيسيين وشركائها في المنطقة، بما في ذلك اضطلاع الهند بدور أنشط في المحيط الهندي مع التزامات عسكرية أكبر من الحلفاء مثل اليابان وأستراليا». ويرجّح الخبير الهندي، كذلك، «أن تتضمن رؤية ترمب لحوض المحيطين الهندي والهادئ الجهود الرامية إلى إرساء الاستقرار في الشرق الأوسط، لا سيما من خلال تعزيز التجارة والاتصال مع المنطقة، لتعزيز ارتباطها بالمجال البحري لحوض المحيطين الهندي والهادئ».

الحالة الهندية

هناك الكثير من الأسباب التي تسعد حكومة ناريندرا مودي اليمينية في الهند بفوز ترمب. إذ تقف الهند اليوم شريكاً حيوياً واستثنائياً بشكل خاص في الاستراتيجيتين الإقليمية والدولية للرئيس الأميركي العائد. وعلى الصعيد الشخصي، سلَّط ترمب إبان حملته الانتخابية الضوء على علاقته القوية بمودي، الذي هنأه على الفور بفوزه في الانتخابات.

وهنا يقول السفير الهندي السابق آرون كومار: «مع تأمين ترمب ولاية ثانية، تؤشر علاقته الوثيقة برئيس الوزراء مودي إلى مرحلة جديدة للعلاقات الهندية - الأميركية. ومع فوز مودي التاريخي بولاية ثالثة، ووعد ترمب بتعزيز العلاقات بين واشنطن ونيودلهي يُرتقب تكثّف الشراكة بينهما. وبالفعل، يتفّق موقف ترمب المتشدد من بكين مع الأهداف الاستراتيجية لنيودلهي؛ ولذا يُرجح أن يزيد الضغط على بكين وسط تراجع التصعيد على الحدود. ويضاف إلى ذلك، أن تدقيق ترمب في تصرفات باكستان بشأن الإرهاب قد يوسّع النفوذ الاستراتيجي الهندي في كشمير».

كومار يتوقع أيضاً «نمو التعاون في مجال الدفاع، لا سيما في أعقاب صفقة الطائرات المسيَّرة الضخمة التي بدأت خلال ولاية ترمب الأولى. ومع الأهداف المشتركة ضد العناصر المتطرّفة في كندا والولايات المتحدة، يمهّد تحالف مودي - ترمب المتجدّد الطريق للتقدم الاقتصادي والدفاعي والدبلوماسي... إذا منحت إدارة ترمب الأولوية للتعاون الدفاعي والتكنولوجي والفضائي مع الهند، وهي قطاعات أساسية تحتل مركزها في الطموحات الاستراتيجية لكلا البلدين». وما يُذكر أن ترمب أعرب عن نيته البناء على تاريخه السابق مع الهند، المتضمن بناء علاقات تجارية، وفتح المزيد من التكنولوجيا للشركات الهندية، وإتاحة المزيد من المعدات العسكرية الأميركية لقوات الدفاع الهندية. وبصفة خاصة، قد تتأكد العلاقات الدفاعية بين الهند والولايات المتحدة، في ظل قدر أعظم من العمل البيني المتبادل ودعم سلسلة الإمداد الدفاعية.

السياسة إزاء الصين

أما بالنسبة للصين، فيتوقع كثيرون استنساخ ترمب سياساته المتشددة السابقة، ويرى البعض أنه خلال ولايته الثانية يمتلك القدرة على قيادة مسار احتواء أوسع تجاه بكين. بدايةً، كما نتذكر، حمّل ترمب الحكومة الصينية مسؤولية جائحة «كوفيد - 19»، التي قتلت أكثر من مليون أميركي ودفعت الاقتصاد الأميركي إلى ركود عميق. وسواء عبر الإجراءات التجارية، أو العقوبات، أو المطالبة بالتعويضات، سيسعى الرئيس الأميركي العائد إلى «محاسبة» بكين على «الأضرار» المادية التي ألحقتها الجائحة بالولايات المتحدة والتي تقدَّر بنحو 18 تريليون دولار أميركي.

ووفقاً للمحلل الأمني الهندي سوشانت سارين، فإن دبلوماسية «الذئب المحارب» الصينية، ودعم بكين حرب موسكو في أوكرانيا، والقضايا المتزايدة ذات الصلة بالتجارة والتكنولوجيا وسلاسل التوريد، تشكل مصدر قلق كبيراً لحكومة ترمب الجديدة. ومن ثم، ستركز مقاربة الرئيس الأميركي تجاه الصين على الجانبين الاقتصادي والأمني، مع التأكيد على حاجة الولايات المتحدة إلى الحفاظ على قدرتها التنافسية في مجال التكنولوجيات الناشئة.

آسيا ... تنتظر مواقف ترمب بعد انتصاره الكبير (رويترز)

التجارة والاقتصاد

أما الخبير الاقتصادي سيدهارت باندي، فيرى أنه «يمكن القول إن التجارة هي القضية الأكثر أهمية في جدول أعمال السياسة الأميركية تجاه الصين... وقد تتصاعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين في ظل حكم ترمب».

وحقاً، في التقييم الصيني الحالي، يتوقع أن تشهد ولاية ترمب الثانية تشدداً أميركياً أكبر حيال بشأن العلاقات التجارية والاقتصادية الثنائية؛ ما يؤدي إلى مزيد من التنافر بين الاقتصادين. وللعلم، في وقت سابق من العام الحالي، وعد خطاب ترمب الانتخابي بتعرفات جمركية بنسبة 60 في المائة أو أعلى على جميع السلع الصينية، وتعرفات جمركية شاملة بنسبة 10 في المائة على السلع من جميع نقاط المنشأ. ومن ثم، يرجّح أيضاً أن تشجع هذه الاستراتيجية الشركات الأميركية على تنويع سلاسل التوريد الخاصة بها بعيداً عن الصين؛ ما قد يؤدي إلى تسريع الشراكات مع دول أخرى في منطقة المحيطين الهندي والهادئ».

ما يستحق الإشارة هنا أن ترمب كان قد شن حرباً تجارية ضد الصين بدءاً من عام 2018، حين فرض رسوماً جمركية تصل إلى 25 في المائة على مجموعة من السلع الصينية. وبعدما كانت الصين عام 2016 الشريك التجاري الأول للولايات المتحدة، مع أكثر من 20 في المائة من الواردات الأميركية ونحو 16 في المائة من إجمالي التجارة الأميركية، فإنها تراجعت بحلول عام 2023 إلى المرتبة الثالثة، مع 13.9 في المائة من الواردات و11.3 في المائة من التجارة.

وبالتالي، من شأن هذا التحوّل منح مصداقية أكبر لتهديدات ترمب بإلغاء الوضع التجاري للدولة «الأكثر رعاية» المعطى للصين وفرض تعرفات جمركية واسعة النطاق. ومع أن هذه الإجراءات سترتب تكاليف اقتصادية للأميركيين، فإن نحو 80 في المائة من الأميركيين ينظرون إلى الصين نظرة سلبية.

يتوقع كثيرون استنساخ ترمب سياساته المتشددة السابقة إزاء الصين

الشق العسكري

من جهة ثانية، يتوقع أن يُنهي ترمب محاولات الشراكة الثنائية السابقة، بينما يعمل حلفاء الولايات المتحدة الآسيويون على تعزيز قدراتهم العسكرية والتعاون فيما بينهم. ومن شأن تحسين التحالفات والشراكات الإقليمية، بما في ذلك «ميثاق أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة»، وميثاق مجموعة «كواد» الرباعية (أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة)، وتحسين العلاقات بين اليابان وكوريا الجنوبية بشكل كبير، والتعاون المتزايد بين اليابان والفلبين، تعزيز موقف ترمب في وجه بكين.

شبه الجزيرة الكورية

فيما يخصّ الموضوع الكوري، يتكهن البعض بأن ترمب سيحاول إعادة التباحث مع كوريا الشمالية بشأن برامجها للأسلحة النووية والصواريخ الباليستية. وفي حين سيكون إشراك بيونغ يانغ في هذه القضايا بلا شك، حذراً وحصيفاً، فمن غير المستبعد أن تجد إدارة ترمب الثانية تكرار التباحث أكثر تعقيداً هذه المرة.

الصحافي مانيش تشيبر علَّق على هذا الأمر قائلاً إن «إدارة ترمب الأولى كانت لها مزايا عندما اتبعت الضغط الأقصى الأولي تجاه بيونغ يانغ، لكن هذا لن يتكرّر مع إدارة ترمب القادمة، خصوصاً أنه في الماضي كانت روسيا والصين متعاونتين في زيادة الضغوط على نظام كوريا الشمالية». بل، وضعف النفوذ التفاوضي لواشنطن في الوقت الذي قوي موقف كوريا الشمالية. ومنذ غزو روسيا لأوكرانيا وبعد لقاء الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سبتمبر (أيلول) 2023، عمّقت موسكو وبيونغ يانغ التعاون في مجالات الاقتصاد والعلوم والتكنولوجيا.

الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ اون (رويترز)

مكاسب حربية لكوريا الشمالية

أيضاً، تشير التقديرات إلى أن كوريا الشمالية كسبت على الأرجح 4.3 مليار دولار من شحنات المدفعية إلى روسيا خلال الحرب وحدها، وقد تكسب أكثر من 21 مليون دولار شهرياً من نشر قواتها في روسيا. وفي المقابل، تستفيد من روسيا في توفير الأسلحة والقوات والتكنولوجيا لمساعدة برامج الصواريخ الكورية الشمالية. وتبعاً لمستوى الدعم الذي ترغب الصين وروسيا في تقديمه لكوريا الشمالية، قد تواجه إدارة ترمب القادمة بيونغ يانغ تحت ضغط دبلوماسي واقتصادي متناقص وهي مستمرة في تحسين برامج الأسلحة وتطويرها.

أما عندما يتعلق الأمر بكوريا الجنوبية، فيلاحظ المحللون أن فصلاً جديداً مضطرباً قد يبدأ للتحالف الأميركي - الكوري الجنوبي مع عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض. ويحذر المحللون من أن سياسة «جعل أميركا عظيمة مجدداً» التي ينتهجها الحزب الجمهوري قد تشكل مرة أخرى اختباراً صعباً للتحالف بين سيول وواشنطن الذي دام عقوداً من الزمان، مذكرين بالاضطرابات التي شهدها أثناء فترة ولايته السابقة من عام 2017 إلى عام 2021. ففي ولايته السابقة، طالب ترمب بزيادة كبيرة في المساهمة المالية لسيول في دعم القوات الأميركية في شبه الجزيرة الكورية. وأثناء حملته الانتخابية الحالية، وصف كوريا الجنوبية بأنها «آلة للمال» بينما يناقش مسألة تقاسم تكاليف الدفاع، وذكر أن موقفه بشأن القضية لا يزال ثابتاً. وفي سياق متصل، قال الصحافي الكوري الجنوبي لي هيو جين في مقال نشرته صحيفة «كوريان تايمز» إنه «مع تركيز الولايات المتحدة حالياً على المخاوف الدولية الرئيسية كالحرب في أوكرانيا والصراع في الشرق الأوسط، يشير بعض المحللين إلى أن أي تحولات جذرية في السياسة تجاه شبه الجزيرة الكورية في ظل إدارة ترمب قد تؤجل. لكن مع ذلك؛ ونظراً لنهج ترمب الذي غالباً يصعب التنبؤ به تجاه السياسة الخارجية، يمكن عكس هذه التوقعات».

حقائق

أميركا والهند... و«اتفاقية التجارة الحرة»

في كي فيجاياكومار، الخبير الاستثماري الهندي، يتوقع أن يعيد الرئيس الأميركي العائد دونالد ترمب النظر مجدداً بشأن المفاوضات حول «اتفاقية التجارة الحرة»، وكانت قد عُرفت مفاوضات مكثفة في الفترة 2019 - 2020 قبل أن يفقد السلطة، والتي لم يبدِ الرئيس السابق جو بايدن أي اهتمام باستكمالها.وعوضاً عن الضغط على نيودلهي بشأن خفض انبعاثات الكربون، «من المرجح أن يشجع ترمب الهند على شراء النفط والغاز الطبيعي المسال الأميركي، على غرار مذكرة التفاهم الخاصة بمصنع النفط والغاز الطبيعي المسال في لويزيانا لعام 2019، والتي كانت ستجلب 2.5 مليار دولار من الاستثمارات من شركة (بترونيت إنديا) إلى الولايات المتحدة، لكنها تأجلت لعام لاحق».ثم يضيف: «بوجود شخصيات مؤثرة مثل إيلون ماسك، الذي يدعو إلى الابتكار في التكنولوجيا والطاقة النظيفة، ليكون له صوت مسموع في دائرة ترمب، فإن التعاون بين الولايات المتحدة والهند في مجال التكنولوجيا يمكن أن يشهد تقدماً ملحوظاً. ومن شأن هذا التعاون دفع عجلة التقدم في مجالات مثل استكشاف الفضاء، والأمن السيبراني، والطاقة النظيفة؛ ما يزيد من ترسيخ مكانة الهند باعتبارها ثقلاً موازناً للصين في حوض المحيطين الهندي والهادئ».في المقابل، لا يتوقع معلقون آخرون أن يكون كل شيء على ما يرام؛ إذ تواجه الهند بعض التحديات المباشرة على الأقل، بما في ذلك فرض رسوم جمركية أعلى وفرض قيود على التأشيرات، فضلاً عن احتمال المزيد من التقلبات في أسواق صرف العملات الأجنبية. وثمة مخاوف أيضاً بشأن ارتفاع معدلات التضخم في الولايات المتحدة في أعقاب موقفها المالي والتخفيضات الأقل من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي، وهو ما قد يخلف تأثيراً غير مباشر على قرارات السياسة النقدية في بلدان أخرى بما في ذلك الهند.