بدأت في مكتبة «مارتن لوثر كينغ» بواشنطن سلسلة ندوات تحت عنوان: «أميركا الأوروبية»، إشارة إلى جورج أورويل، الكاتب البريطاني (توفي عام 1950) الذي كتب رواية «مزرعة الحيوانات» (عن الحياة في روسيا الشيوعية)، ورواية «عام 1984» (عن الحياة في بريطانيا إذا صارت دولة حزب واحد، أو بعبارة أخرى دولة «الأخ الأكبر».
بدأت هذه الندوات بمناسبة مرور 65 عاما على وفاة أورويل. وهي جزء من احتفالات وسط مجموعات من المثقفين الأميركيين بهدف إلقاء الأضواء على المضايقات التي صارت تواجهها الحرية الشخصية في الولايات المتحدة، خاصة بعد كشف شبكات التجسس العملاقة التي تديرها وكالة الأمن الوطني (إن إس إيه). وحسب ما جاء في صحيفة «واشنطن بوست»: «هذه الأيام، يهتم الأميركيون بكتاب أورويل مثلما لم يهتموا به في أوقات سابقة».
طبعا، لا يخشى الأميركيون ديكتاتورية حزب واحد (كما جاء في كتاب «عام 1984»).
لكن، في ظل الديمقراطية الحالية التي يسيطر فيها حزبان على الحكومة، يشتكى كثير من المثقفين الأميركيين من زيادة تدخل الحكومة في الحريات الشخصية للمواطنين، خصوصا حرية التعبير، وخصوصا بعد هجمات 11 - 9 - 2001. وإعلان الرئيس السابق جورج دبليو بوش ما سماها «الحرب العالمية ضد الإرهاب».
في جزء كبير من هذه الندوات المتواصلة في واشنطن العاصمة، يوجد تركيز على كتاب «1984»، وعلى ما فيه من وصف حياة الناس عندما تتدخل الحكومة في كل كبيرة وصغيرة في حياة الناس.
عن هذه الندوات، كتب، جفري روزين، أستاذ القانون في جامعة جورج واشنطن (في واشنطن العاصمة)، ورئيس مركز «ناشونال كونستيتيوشن» (المركز الوطني للدستور)، في صحيفة «واشنطن بوست» ما يلي: «صارت هذه الندوات مثالا واضحا لقدرة شخصيات محلية ووطنية وعالمية على بداية مبادرات ثقافية فريدة في نوعها. ليس هؤلاء أصحاب نظرية (المؤامرة)، أو متقاعدين لا هم لهم. بل هم من عصارة النخبة في واشنطن».
هذا الندوات لا تقتصر على مثقفي واشنطن، بل أصبح ينظمها مثقفون أميركيون في ولايات أخرى، وفي جامعات أخرى، في نقاش وطني عن الخطر الذي يواجه حرية التعبير الشخصية في الولايات المتحدة.
من بين هؤلاء، نيل رتشاردز، أستاذ القانون في جامعة جورج واشنطن في سنت لويس (ولاية ميزوري)، ومؤلف كتاب «انتليكشوال برايفاسي» (الخصوصية الفكرية)، الذي يذكّر بقرار المحكمة العليا (التي تفسر الدستور) في النزاع القانوني بين صحيفة «نيويورك تايمز» ووزارة الدفاع الأميركية عام 1972. إذ رفعت الوزارة قضية لمنع نشر تقرير سري كتبه خبراء في الوزارة توقعوا فيه فشل التدخل العسكري الأميركي في فيتنام الذي استمر عشرة أعوام (1963 - 1973). استمرت القضية من استئناف إلى استئناف، حتى وصلت المحكمة العليا. وأصدرت المحكمة العليا حكما تاريخيا يحمي «حتى التعبير الخاطئ، وحتى التعبير المسيء للشخصيات العامة، ما دام الهدف هو وجود حوار شعبي حر».
يسمى هذا القرار التاريخي «التعديل الأول في التعديل الأول» (إشارة إلى أن التعديل الأول في الدستور الأميركي يركز على حرية التعبير. وها هي المحكمة العليا تركز على حرية التعبير حتى إذا هو كاذب، أو مسيء).
ويسمى أيضا «تعديل القاضي برانديس» إشارة إلى القاضي لويس برانديس، قاضي المحكمة بداية القرن العشرين. في ذلك الوقت، اشتكى صديقه المحامي صمويل وارين بأن صحفا أميركية تكتب عن مابيل، زوجة وارين، وعن إشاعات أنها عشيقة الرئيس غروفر كليفلاند. في ذلك الوقت، كانت تسيطر على أميركا «عائلات ارستقراطية»، وشركات احتكارية. ولم يكن برانديس متحمسا لحرية التعبير الكاذب والمسيء. (لم يكن برانديس متحمسا، أيضا، لحرية الزنوج. في ذلك الوقت، إذ أعلنت المحكمة العليا دستورية فصل مدارس البيض عن مدارس الزنوج، تحت شعار «سيباريت» (منفصلون، لكن متساوون).
في وقت لاحق، غير برانديس رأيه. وصار من المتحمسين للحرية الشخصية التي من دون حدود. لهذا، أصبح يلقب بـ«أبو حرية التعبير المسيء والكاذب».
ومن بين الذين يشتركون في ندوات «أميركا الارويلية»، ناثان هوايت، مدير مركز «ديماند بروغرسف» الذي يدعو إلى حملة عبر الولايات المتحدة للضغط على أعضاء الكونغرس لوقف تجسس وكالة الأمن الوطني (إن إس إيه)، وغيرها، على الشعب الأميركي. في البداية، تندر، وقال: «آخر مرة قرأت فيها كتاب أورويل، كنت في المدرسة المتوسطة. هذه فرصة طيبة لأقرأه مرة ثانية». وأضاف: «توقع أورويل أن يكون عام 1984 قمة تجسس الحكومات على مواطنيها. لكن، هنا في الولايات المتحدة، كان ذلك العام عام حرية من دون حدود، كان عاما مثاليا، بالمقارنة مع ما حدث بعد ثلاثين عاما، في عام 2014. ثم في هذا العام. ثم في أعوام قادمة. نتمنى إلا تكون كثيرة. نتمنى أن تثمر حملتنا لوقف تجسس حكومتنا علينا باسم أمننا الوطني».
وفي واحدة من هذه الندوات، قرأ صحافي بريطاني يعمل في واشنطن مقتطفات من كتاب «عام 1984». وعلق حاضرون بأن قراءة كتاب البريطاني أورويل باللكنة البريطانية يعطى المناسبة نكهة خاصة. لكن كاثي كالبين، وهي دبلوماسية في السفارة البريطانية في واشنطن، علقت بقولها إن «الكتاب أسود قاتم. نحتاج إلى كتاب تفاؤلي».
ولم يعجب هذا أحد الأميركيين المشاركين، الذي رد عليها قائلا»: «أنتم أحسن منا لأنكم تراجعون غزو العراق»، إشارة إلى تحقيقات في بريطانيا عن ظروف تحالف رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير مع الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش، في غزو العراق عم 2003. وأضاف: «لا يوجد شخص شجاع في الكونغرس الأميركي يدعو إلى التحقيق في ظروف غزونا للعراق».
مثقفون أميركيون يستذكرون «الأخ الأكبر»
قلقون من تجسس «إن إس إيه» والخطر الذي يواجه حرية التعبير
مثقفون أميركيون يستذكرون «الأخ الأكبر»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة