مدارس ابتدائية أميركية تستعين بمعلمين فنانين لمساعدة الطلاب على التحصيل

دمجوا دروسًا تمثل أهداف المنهج الأساسي المشترك

غاليت سبيرلينغ تعمل في أحد الصفوف مع طلابها بمدرسة جورج ديفيس الابتدائية ({نيويورك تايمز})
غاليت سبيرلينغ تعمل في أحد الصفوف مع طلابها بمدرسة جورج ديفيس الابتدائية ({نيويورك تايمز})
TT

مدارس ابتدائية أميركية تستعين بمعلمين فنانين لمساعدة الطلاب على التحصيل

غاليت سبيرلينغ تعمل في أحد الصفوف مع طلابها بمدرسة جورج ديفيس الابتدائية ({نيويورك تايمز})
غاليت سبيرلينغ تعمل في أحد الصفوف مع طلابها بمدرسة جورج ديفيس الابتدائية ({نيويورك تايمز})

لم يكن 23 من طلبة الصف الثاني الابتدائي في صف المعلمة بيتي بوركون في مدرسة «جورج ديفيس» الابتدائية في نيو روتشيل الأميركية، يعلمون أن النشاط الذي كانوا يقومون فيه بتمثيل حركات سلاحف الصحراء، وأشجار متحركة، ونجمة بحر ملتصقة بالأرض، داخل الصف الدراسي ليس مجرد وقت للعب. وفي الوقت الذي كان فيه أطفال تتراوح أعمارهم بين السابعة والثامنة يجلسون بتراخٍ، ويقومون بحركات غير منتظمة، ويقطعون الهواء بأيديهم بحماس كبير، كانت بوركون تتخذ خطوة متسللة نحو الأمام في إطار سعيها لمساعدتهم في تحقيق متطلبات فنون اللغة الإنجليزية طبقا للمعايير الأكاديمية التي تُعرف باسم المنهج الأساسي المشترك.
قالت بوركون: «لقد أدرك الأطفال هذا الصباح أنه لا يجب عليهم الحديث دائما، وأنهم قادرون على استخدام الإيماءات والحركات للتعبير عن أنفسهم بفعالية». ولأنه كان من المنتظر أن تروي السلاحف، والأشجار، ونجمة البحر، قصصا بدون كلام، بدأ الأطفال يدركون كيف تتفاعل الشخصيات مع الأحداث الكبرى والتحديات. وهذا الفهم هو أحد متطلبات المنهج الأساسي المشترك الذي يجب على المناطق التعليمية غرسه في عقول طلاب الصف الثاني الابتدائي من أجل إجادة القراءة والكتابة.
وجاءت عملية تحول الصف الدراسي إلى عالم من الحركات المسرحية في إطار مبادرة جديدة أطلقها برنامج الفنون في التعليم التابع لـ«بيرتشيز كوليدج» الذي قد يعد بمثابة برنامج تحضيري لطلبة المرحلة الابتدائية والإعدادية قبل خروجهم في رحلات ميدانية إلى مركز فنون الأداء في الجامعة.
ومنذ عقد، كان المعلمون يصطحبون الطلبة إلى المسرح حتى ينفتحوا على الفنون، ويمنحونهم يوم عطلة بعيدا عن طريقة التدريس التقليدية، لكن تغير المشهد، حيث بات هناك تركيز أكبر على تحسين درجات الاختبارات في اللغة، والرياضيات، وأصبح المعلمون يترددون في تخصيص وقت لفنون الأداء. وقال سيث سولواي، مدير برامج الفنون في التعليم: «لقد كنا نسمع أنه إذا لم يتم ربط أي برنامج بدليل دراسة المنهج الأساسي المشترك، فلن يكون لدى المعلمين وقت لدمجه وتطبيقه».
وتبنى سولواي وزملاؤه في «بيرتشيز» مقاربة جديدة مبتكرة، حيث دمجوا دروسا تمثل أهداف المنهج الأساسي المشترك، مثل درس موجه لطلبة الصف السادس الابتدائي، يطلب منهم المقارنة بين تجربة قراءة قصة والاستماع له أو رؤيتها بصريًا، أو مشاهدتها كعرض مباشر. وقد تكون فترات التعلم التي تسبق تنظيم رحلات فعلية إلى المسرح جزءا من تلك الدروس. وقال سولواي: «لقد أردنا مساعدة المعلمين في الوصول إلى ما يحتاجونه من أجل تحقيق متطلبات المنهج الأساسي المشترك. لذا لا يعد الذهاب إلى المسرح وقتا يحتاج المعلمون إلى تعويضه في الحجرة الدراسية». ويحمل البرنامج اسم «برنامج سلسلة أوقات في المدرسة للفنان المعلم» ويتم تمويله بمنحة قدرها 15 ألف دولار مقدمة من منظمة «آرتس ويستشستر»، التي لا تهدف للربح، وبدأ تطبيقه العام الحالي.
ومن المقرر أن تشارك ست مدارس ابتدائية وإعدادية في ويستشستر في هذا البرنامج قبل نهاية العام الدراسي.
وبحلول العام الدراسي 2016 - 2017، يأمل كل من سولواي، وإيان درايفر، مدير الفنون في التعليم، أن يصل البرنامج إلى 15 مدرسة على الأقل تقع على مسافة ساعة بالحافلة من «بيرتشيز». وفي الوقت الذي يقوم فيه طلبة الصف الثاني الابتدائي بتمثيل الأدوار، تتنحى بوركون جانبًا للسماح لهم بالقيام بحركاتهم وإيماءاتهم بإرشاد من غاليت سبيرلينغ، وهي واحدة من بين خمسة «فنانين معلمين» متخصصين في الفنون البصرية، أو المسرح، أو الرقص، أو تحريك العرائس، أو الموسيقى، وفي بعض الحالات يجمعون بين أكثر من تخصص.
وساعدت سبيرلينغ، التي تقيم في مانهاتن، الفتية والفتيات في فهم ما يمكن لهم توقعه في ذلك اليوم الذي شاهدوا فيه «مغامرات هارولد واللون الأرجواني»، وهو عرض حي مباشر لقصة «كروكيت جونسون» الكلاسيكية، وما يفترض أن يخرجوا به من التجربة. بعد عرض سبيرلينغ، قال جاستين كوهين، طالب في الثامنة من العمر: «كان هذا الصباح ممتعا لأننا كنا نمثل من دون كلام. لقد تعلمت أن هذا جزء من الفن، والمسرح جزء من الفن». وكان عرض «مغامرات هارولد واللون الأرجواني» واحدا من سبعة عروض تقدم «بيرتشيز» لها عرضا تحضيريا خلال العام الحالي. ومن بين العروض الموجهة إلى طلبة أكبر سنا عرض «روميو وجولييت»، و«من أجل الحرية»، و«قضبان قطار الأنفاق».
أما بالنسبة إلى الطلبة الأكبر سنا، فهناك توقعات أخرى يتطلبها المنهج الأساسي المشترك. على سبيل المثال، مؤهلات إجادة القراءة والكتابة لطلبة الصف الأول الثانوي، وتحليل مشهد رئيسي تم تقديمه من خلال وسيطين فنيين، كمسرحية أو ككتاب. ويجب على طلبة الصف الثاني الإعدادي المقارنة بين تصوير روائي للزمان، أو المكان، أو الشخصيات، ورواية تاريخية.
وفي درس من دروس المنهج الأساسي المشترك الخاص بصف بوركون، بشأن إدراك كيفية استجابة الشخصيات للتحديات، اعتمدت سبيرلينغ على مصدر طبيعي هو خيال الأطفال الخصب.
وقالت لصبي حوّل نفسه إلى حيوان في غابة يواجه خطر فقدان كنز: «تجمد داخل شخصيتك، وفكر فيما يمكن أن يحدث. لقد دخلت إلى هذا العالم بدفع نفسك إليه. والآن هل يمكنك الخروج؟» وكان جوابه: «يمكنني أتسلق شجرة خيالية».
وعملت كارول كيلي في برنامج فنون الأداء في مدرسة «جورج ديفيس» الابتدائية، مع سولواي ودرايفر من أجل تطبيق البرنامج في المدرسة. ووصفت صف سبيرلينغ مع طلبة الصف الثاني الابتدائي بأنه مرسل من السماء. وقالت كيلي: «عندما سمعت بهذا البرنامج، لم أتحمل انتظار أن أصبح جزء منه. ولم يكن لدى كثير من هؤلاء الأطفال الفرصة لمشاهدة عرض مسرحي، وهذا أمر يتم في إطار تعلم تجريبي من خلال تفاعل حقيقي مع الواقع. ولا يوجد شيء أهم من ذلك حاليًا». وكان لدى جاستين تجربة مع المسرح، فقد ذهب إلى «بيرتشيز» من أجل حضور عرض عندما كان في مرحلة الحضانة. وقال: «لم أفهم ما الذي كنا نقوم به وقتها». والآن بعد أن أصبح في الصف الثاني الابتدائي، ويحق له حضور عروض تحضيرية، شعر بأنه أكثر استعدادًا لفهم ما سيراه في هذه الرحلة الميدانية.
وأوضح قائلا: «أعتقد أن هذه المرة سأستمتع بشكل أكبر».

* خدمة «نيويورك تايمز»



كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات
TT

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

التحدث عن كلية الطب في «الجامعة الأميركية» وما حققته من إنجازات وتطورات منذ تأسيسها عام 1867 لا يمكن تلخيصه بمقال؛ فهذه الكلية التي تحتل اليوم المركز الأول في عالم الطب والأبحاث في العالم العربي والمرتبة 250 بين دول العالم بالاعتماد على QS Ranking، استطاعت أن تسبق زمنها من خلال رؤيا مستقبلية وضعها القيمون عليها، وفي مقدمتهم الدكتور محمد صايغ نائب الرئيس التنفيذي لشؤون الطب والاستراتيجية الدولية وعميد كلية الطب في الجامعة الأميركية، الذي أطلق في عام 2010 «رؤيا (2020)»، وهي بمثابة خطة طموحة أسهمت في نقل الكلية والمركز الطبي إلى المقدمة ووضعهما في المركز الأول على مستوى المنطقة.

رؤية 2025

اليوم ومع مرور 150 عاماً على تأسيسها (احتفلت به أخيراً) ما زالت كلية الطب في «الجامعة الأميركية» تسابق عصرها من خلال إنجازات قيمة تعمل على تحقيقها بين اليوم والغد خوّلتها منافسة جامعات عالمية كـ«هارفرد» و«هوبكينز» وغيرهما. وقد وضعت الجامعة رؤيا جديدة لها منذ يوليو (تموز) في عام 2017 حملت عنوان «رؤية 2025»، وهي لا تقتصر فقط على تحسين مجالات التعليم والطبابة والتمريض بل تطال أيضاً الناحية الإنسانية.
«هي خطة بدأنا في تحقيقها أخيراً بحيث نستبق العلاج قبل وقوع المريض في براثن المرض، وبذلك نستطيع أن نؤمن صحة مجتمع بأكمله». يقول الدكتور محمد صايغ. ويضيف خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «لا نريد أن ننتظر وصول وفود المرضى إلى مركزنا الطبي كي نهتم بهم، بل إننا نعنى بتوعية المريض قبل إصابته بالمرض وحمايته منه من خلال حملات توعوية تطال جميع شرائح المجتمع. كما أننا نطمح إلى إيصال هذه الخطة إلى خارج لبنان لنغطي أكبر مساحات ممكنة من مجتمعنا العربي».
تأسَّسَت كلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت عام 1867، وتعمل وفقاً لميثاق صادر من ولاية نيويورك بالولايات المتحدة الأميركية، ويقوم على إدارتها مجلس أمناء خاص ومستقل.
وتسعى الكلية لإيجاد الفرص التي تمكن طلبتها من تنمية روح المبادرة، وتطوير قدراتهم الإبداعية واكتساب مهارات القيادة المهنية، وذلك من خلال المشاركة في الندوات العلمية والتطبيقات الكلينيكية العملية مما يُسهِم في تعليم وتدريب وتخريج أطباء اختصاصيين.
وملحَق بكلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت مركز طبي يضم أقساماً للأمراض الباطنية والجراحة والأطفال وأمراض النساء والتوليد ‏والطب النفسي. كما يقدم المركز الطبي خدمات الرعاية الصحية المتكاملة في كثير من مجالات الاختصاص، وبرامج للتدريب على التمريض وغيرها ‏من المهن المرتبطة بالطب.

اعتمادات دولية

منذ عام 1902، دأب المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت على توفير أعلى معايير الرعاية للمرضى في مختلف أنحاء لبنان والمنطقة. وهو أيضاً المركز الطبي التعليمي التابع لكلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت التي درّبت أجيالاً من طلاب الطب وخريجيها المنتشرين في المؤسسات الرائدة في كل أنحاء العالم. المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت هو المؤسسة الطبية الوحيدة في الشرق الأوسط التي حازت على خمس شهادات اعتماد دولية وهي JCI)، وMagnet، وCAP، وACGME - I و(JACIE مما يشكّل دليلاً على اعتماد المركز أعلى معايير الرعاية الصحية المتمحورة حول المريض والتمريض وعلم الأمراض والخدمات المخبرية والتعليم الطبي والدراسات العليا. وقد خرَّجَت كلية الطب أكثر من أربعة آلاف طالب وطبيب. وتقدم مدرسة رفيق الحريري للتمريض تعليماً متميزاً للعاملين في مجال التمريض، ويلبي المركز الطبي احتياجات الرعاية الصحية لأكثر من 360 ألف مريض سنوياً.
ويتألف المركز من عدد من مراكز الامتياز كمركز سرطان الأطفال التابع لمستشفى «سانت جود» البحثي في ولايتي ممفيس وتينيسي. كما تتضمن برنامج باسيل لأورام البالغين وفيه وحدة لزرع نخاع العظام، إضافة إلى مراكز طب الأعصاب المختلفة وأمراض القلب والأوعية الدموية ومركز للرعاية الصحية للنساء.
«هناك استثمارات تلامس نحو 400 مليون دولار رصدت من أجل بناء البنية التحتية اللازمة للمركز الطبي مع مشروع افتتاح عدة مبانٍ وأقسام جديدة خاصة بأمراض السرطان وأخرى تتعلق بالأطفال، إضافة إلى نقلة نوعية من خلال زيادة عدد الأسرة لتلبية الحاجات الصحية المختلفة لمرضانا»، كما أوضح د. صايغ في سياق حديثه.

تبرعات للمحتاجين

يعمل المركز الطبي على تأمين العلاج المجاني لأمراض مستعصية من خلال تأسيس صناديق تبرُّع للمحتاجين، هدفها تأمين العلاج لذوي الدخل المحدود. وهي تخصص سنوياً مبلغ 10 ملايين دولار لمساعدة هذه الشريحة من الناس التي تفتقر إلى الإمكانيات المادية اللازمة للعلاج.
وينظم المركز الطبي مؤتمراً سنوياً ودورات وورش عمل (MEMA) تتناول مواضيع مختلفة كطب الصراعات ومواضيع أخرى كصحة المرأة، والصحة العقلية، وعبء السرطان وغسل الكلى أثناء الصراع وتدريب وتثقيف المهنيين الصحيين للتعامل مع تحديات العناية بأفراد المجتمع.
تُعدّ كلية الطب في الجامعة الأميركية السباقة إلى تأمين برنامج تعليمي أكاديمي مباشر لطلابها، بحيث يطبقون ما يدرسونه مباشرة على الأرض في أروقة المركز الطبي التابع لها.
ويرى الدكتور محمد صايغ أن عودة نحو 180 طبيباً لبنانياً عالمياً من خريجيها إلى أحضانها بعد مسيرة غنية لهم في جامعات ومراكز علاج ومستشفيات عالمية هو إنجاز بحد ذاته. «ليس هناك من مؤسسة في لبنان استطاعت أن تقوم بهذا الإنجاز من قبل بحيث أعدنا هذا العدد من الأطباء إلى حرم الكلية وأنا من بينهم، إذ عملت نحو 25 عاماً في جامعة (هارفرد)، ولم أتردد في العودة إلى وطني للمشاركة في نهضته في عالم الطب». يوضح دكتور محمد صايغ لـ«الشرق الأوسط».

رائدة في المنطقة

أبهرت كلية الطب في الجامعة الأميركية العالم بإنجازاتها على الصعيدين التعليمي والعلاجي، ففي عام 1925. تخرجت فيها أول امرأة في علم الصيدلة (سارة ليفي) في العالم العربي، وبعد سنوات قليلة (1931) كان موعدها مع تخريج أول امرأة في عالم الطب (ادما أبو شديد). وبين عامي 1975 و1991 لعبت دوراً أساسياً في معالجة ضحايا الحرب اللبنانية فعالج قسم الطوارئ لديها في ظرف عام واحد (1976 - 1977) أكثر من 8000 جريح. وفي عام 2014 تلقت إحدى أضخم التبرعات المالية (32 مليون دولار) لدعم المركز الطبي فيها وتوسيعه.
كما لمع اسمها في إنجازات طبية كثيرة، لا سيما في أمراض القلب، فكان أحد أطبائها (دكتور إبراهيم داغر) أول من قام بعملية القلب المفتوح في العالم العربي، في عام 1958. وفي عام 2009، أجرت أولى عمليات زرع قلب اصطناعي في لبنان، وفي عام 2017 أحرز فريقها الطبي أول إنجاز من نوعه عربياً في أمراض القلب للأطفال، عندما نجح في زرع قلب طبيعي لطفل.
كما تصدرت المركز الأول عربياً في عالم الطب لثلاث سنوات متتالية (2014 - 2017) وحازت على جوائز كثيرة بينها «الجائزة الدولية في طب الطوارئ» و«جائزة عبد الحميد شومان» عن الأبحاث العربية، و«جائزة حمدان لأفضل كلية طبية في العالم العربي» لدورها في التعليم الطبي لعامي 2001 – 2002.