لم يكن 23 من طلبة الصف الثاني الابتدائي في صف المعلمة بيتي بوركون في مدرسة «جورج ديفيس» الابتدائية في نيو روتشيل الأميركية، يعلمون أن النشاط الذي كانوا يقومون فيه بتمثيل حركات سلاحف الصحراء، وأشجار متحركة، ونجمة بحر ملتصقة بالأرض، داخل الصف الدراسي ليس مجرد وقت للعب. وفي الوقت الذي كان فيه أطفال تتراوح أعمارهم بين السابعة والثامنة يجلسون بتراخٍ، ويقومون بحركات غير منتظمة، ويقطعون الهواء بأيديهم بحماس كبير، كانت بوركون تتخذ خطوة متسللة نحو الأمام في إطار سعيها لمساعدتهم في تحقيق متطلبات فنون اللغة الإنجليزية طبقا للمعايير الأكاديمية التي تُعرف باسم المنهج الأساسي المشترك.
قالت بوركون: «لقد أدرك الأطفال هذا الصباح أنه لا يجب عليهم الحديث دائما، وأنهم قادرون على استخدام الإيماءات والحركات للتعبير عن أنفسهم بفعالية». ولأنه كان من المنتظر أن تروي السلاحف، والأشجار، ونجمة البحر، قصصا بدون كلام، بدأ الأطفال يدركون كيف تتفاعل الشخصيات مع الأحداث الكبرى والتحديات. وهذا الفهم هو أحد متطلبات المنهج الأساسي المشترك الذي يجب على المناطق التعليمية غرسه في عقول طلاب الصف الثاني الابتدائي من أجل إجادة القراءة والكتابة.
وجاءت عملية تحول الصف الدراسي إلى عالم من الحركات المسرحية في إطار مبادرة جديدة أطلقها برنامج الفنون في التعليم التابع لـ«بيرتشيز كوليدج» الذي قد يعد بمثابة برنامج تحضيري لطلبة المرحلة الابتدائية والإعدادية قبل خروجهم في رحلات ميدانية إلى مركز فنون الأداء في الجامعة.
ومنذ عقد، كان المعلمون يصطحبون الطلبة إلى المسرح حتى ينفتحوا على الفنون، ويمنحونهم يوم عطلة بعيدا عن طريقة التدريس التقليدية، لكن تغير المشهد، حيث بات هناك تركيز أكبر على تحسين درجات الاختبارات في اللغة، والرياضيات، وأصبح المعلمون يترددون في تخصيص وقت لفنون الأداء. وقال سيث سولواي، مدير برامج الفنون في التعليم: «لقد كنا نسمع أنه إذا لم يتم ربط أي برنامج بدليل دراسة المنهج الأساسي المشترك، فلن يكون لدى المعلمين وقت لدمجه وتطبيقه».
وتبنى سولواي وزملاؤه في «بيرتشيز» مقاربة جديدة مبتكرة، حيث دمجوا دروسا تمثل أهداف المنهج الأساسي المشترك، مثل درس موجه لطلبة الصف السادس الابتدائي، يطلب منهم المقارنة بين تجربة قراءة قصة والاستماع له أو رؤيتها بصريًا، أو مشاهدتها كعرض مباشر. وقد تكون فترات التعلم التي تسبق تنظيم رحلات فعلية إلى المسرح جزءا من تلك الدروس. وقال سولواي: «لقد أردنا مساعدة المعلمين في الوصول إلى ما يحتاجونه من أجل تحقيق متطلبات المنهج الأساسي المشترك. لذا لا يعد الذهاب إلى المسرح وقتا يحتاج المعلمون إلى تعويضه في الحجرة الدراسية». ويحمل البرنامج اسم «برنامج سلسلة أوقات في المدرسة للفنان المعلم» ويتم تمويله بمنحة قدرها 15 ألف دولار مقدمة من منظمة «آرتس ويستشستر»، التي لا تهدف للربح، وبدأ تطبيقه العام الحالي.
ومن المقرر أن تشارك ست مدارس ابتدائية وإعدادية في ويستشستر في هذا البرنامج قبل نهاية العام الدراسي.
وبحلول العام الدراسي 2016 - 2017، يأمل كل من سولواي، وإيان درايفر، مدير الفنون في التعليم، أن يصل البرنامج إلى 15 مدرسة على الأقل تقع على مسافة ساعة بالحافلة من «بيرتشيز». وفي الوقت الذي يقوم فيه طلبة الصف الثاني الابتدائي بتمثيل الأدوار، تتنحى بوركون جانبًا للسماح لهم بالقيام بحركاتهم وإيماءاتهم بإرشاد من غاليت سبيرلينغ، وهي واحدة من بين خمسة «فنانين معلمين» متخصصين في الفنون البصرية، أو المسرح، أو الرقص، أو تحريك العرائس، أو الموسيقى، وفي بعض الحالات يجمعون بين أكثر من تخصص.
وساعدت سبيرلينغ، التي تقيم في مانهاتن، الفتية والفتيات في فهم ما يمكن لهم توقعه في ذلك اليوم الذي شاهدوا فيه «مغامرات هارولد واللون الأرجواني»، وهو عرض حي مباشر لقصة «كروكيت جونسون» الكلاسيكية، وما يفترض أن يخرجوا به من التجربة. بعد عرض سبيرلينغ، قال جاستين كوهين، طالب في الثامنة من العمر: «كان هذا الصباح ممتعا لأننا كنا نمثل من دون كلام. لقد تعلمت أن هذا جزء من الفن، والمسرح جزء من الفن». وكان عرض «مغامرات هارولد واللون الأرجواني» واحدا من سبعة عروض تقدم «بيرتشيز» لها عرضا تحضيريا خلال العام الحالي. ومن بين العروض الموجهة إلى طلبة أكبر سنا عرض «روميو وجولييت»، و«من أجل الحرية»، و«قضبان قطار الأنفاق».
أما بالنسبة إلى الطلبة الأكبر سنا، فهناك توقعات أخرى يتطلبها المنهج الأساسي المشترك. على سبيل المثال، مؤهلات إجادة القراءة والكتابة لطلبة الصف الأول الثانوي، وتحليل مشهد رئيسي تم تقديمه من خلال وسيطين فنيين، كمسرحية أو ككتاب. ويجب على طلبة الصف الثاني الإعدادي المقارنة بين تصوير روائي للزمان، أو المكان، أو الشخصيات، ورواية تاريخية.
وفي درس من دروس المنهج الأساسي المشترك الخاص بصف بوركون، بشأن إدراك كيفية استجابة الشخصيات للتحديات، اعتمدت سبيرلينغ على مصدر طبيعي هو خيال الأطفال الخصب.
وقالت لصبي حوّل نفسه إلى حيوان في غابة يواجه خطر فقدان كنز: «تجمد داخل شخصيتك، وفكر فيما يمكن أن يحدث. لقد دخلت إلى هذا العالم بدفع نفسك إليه. والآن هل يمكنك الخروج؟» وكان جوابه: «يمكنني أتسلق شجرة خيالية».
وعملت كارول كيلي في برنامج فنون الأداء في مدرسة «جورج ديفيس» الابتدائية، مع سولواي ودرايفر من أجل تطبيق البرنامج في المدرسة. ووصفت صف سبيرلينغ مع طلبة الصف الثاني الابتدائي بأنه مرسل من السماء. وقالت كيلي: «عندما سمعت بهذا البرنامج، لم أتحمل انتظار أن أصبح جزء منه. ولم يكن لدى كثير من هؤلاء الأطفال الفرصة لمشاهدة عرض مسرحي، وهذا أمر يتم في إطار تعلم تجريبي من خلال تفاعل حقيقي مع الواقع. ولا يوجد شيء أهم من ذلك حاليًا». وكان لدى جاستين تجربة مع المسرح، فقد ذهب إلى «بيرتشيز» من أجل حضور عرض عندما كان في مرحلة الحضانة. وقال: «لم أفهم ما الذي كنا نقوم به وقتها». والآن بعد أن أصبح في الصف الثاني الابتدائي، ويحق له حضور عروض تحضيرية، شعر بأنه أكثر استعدادًا لفهم ما سيراه في هذه الرحلة الميدانية.
وأوضح قائلا: «أعتقد أن هذه المرة سأستمتع بشكل أكبر».
* خدمة «نيويورك تايمز»