الأسرى ذوو المؤبدات المتكررة يثقون بالحياة أكثر من غيرهم

يهربون نطفهم لزوجاتهم ويرتبطون بفتيات في الخارج

د. سالم يتفقد زوجة الأسير فادي مطر بعد إنجابها مجد وجنی الشهر الماضي (صفحة مركز رزان على «فيسبوك»)
د. سالم يتفقد زوجة الأسير فادي مطر بعد إنجابها مجد وجنی الشهر الماضي (صفحة مركز رزان على «فيسبوك»)
TT

الأسرى ذوو المؤبدات المتكررة يثقون بالحياة أكثر من غيرهم

د. سالم يتفقد زوجة الأسير فادي مطر بعد إنجابها مجد وجنی الشهر الماضي (صفحة مركز رزان على «فيسبوك»)
د. سالم يتفقد زوجة الأسير فادي مطر بعد إنجابها مجد وجنی الشهر الماضي (صفحة مركز رزان على «فيسبوك»)

يتسلح الأسرى الفلسطينيون من ذوي الأحكام العالية، وذووهم، بما يتجاوز الأمل، ويؤمنون أكثر من غيرهم بحياة كالحياة، ولسان حالهم يردد ما كتبه يوما شاعرهم الكبير الراحل محمود درويش: «ونحن لم نحلُمْ بأكثر من.. حياةٍ كالحياة».
ويقبع في السجون الإسرائيلية الممتدة على طول الضفة الغربية وعرضها والقدس وإسرائيل اليوم، أكثر من 6 آلاف أسير فلسطيني بينهم 25 أسيرة، و205 أطفال، وذلك في 22 سجنا ومركز توقيف وتحقيق، إلى جانب معتقلي «عتصيون» و«حوارة» التابعين لقيادة جيش الاحتلال، بحسب تقرير رسمي.
والاعتقال في فلسطين هو طقس احتلالي يومي، إذ يعتقل الجيش الإسرائيلي يوميا فلسطينيين ويفرج عن آخرين بعد انتهاء محكومياتهم.
لكن نحو 480 أسيرا محكومين بمؤبدات، لا يختبرون هذه العملية منذ سنوات طويلة (الإفراج)، إذ يقضون أحكاما إسرائيلية عالية يفترض أن تجعل من تفكيرهم بالحرية مسألة «ترف»، لكنهم يظهرون عكس ذلك تماما، وهم يتمسكون بالحياة بكل تفاصيلها.
ومنذ أعوام قليلة فقط، نجح أسرى فلسطينيون مؤبدون في تهريب نطفهم من داخل السجون إلى زوجاتهم في الخارج، لتحقيق حلم كان يبدو مستحيلا، ونجحوا في ذلك، على أمل لقاء أبنائهم في قادم العمر، في حين ارتبطت فتيات فلسطينيات بأسرى يفترض أن يخرجوا بعد أجيال لاحقة.
وأعلن متخصصون وزوجات أسرى مرارا عن نجاح عمليات زرع نطف.
وقال سالم أبو خيزران، مدير علاج العقم وأطفال الأنابيب في مركز رزان التخصصي في الضفة الغربية، والذي أشرف على جميع عمليات نقل الحيوانات المنوية للأسرى، لـ«الشرق الأوسط»: «يوجد لدينا الآن 37 طفلا ولدوا لأسرى داخل السجون، و8 حوامل، وبعض العينات تحت الاختبار».
وبدأت محاولات إنجاب الأسرى لأطفال في العامين 2011 و2012. وتشجعت نساء بعض الأسرى بعد ولادة رفيقتهم دلال، زوجة الأسير عمار الزبن، في أغسطس (آب) 2011. ويقضي الزبن حكما بالسجن 33 عاما، ورزق بطفل سماه «مهند»، بعدما هرب نطفه مع زوجته في إحدى الزيارات.
وقال أبو خيزران: «هذه الولادة كانت نقطة تحول، وقد حسم كثير من نساء الأسرى أمرهن بعد ذلك، وقررن التوجه لزراعة أطفال أنابيب». لم تكن المسألة سهلة على الإطلاق.
وشرح أبو خيرزان كيف حصلوا بداية على فتوى من دار الإفتاء بأن هذا الإجراء لا يتعارض مع تعاليم الدين الإسلامي، وكيف كانوا قلقين من مشكلات قد يتعرضون لها في مجتمع محافظ لن يتقبل رؤية سيدة حامل وزوجها مسجون منذ 10 أو 15 عاما.
وأوضح: «أخذ ذلك منا وقتا طويلا، عدة سنوات منذ طرح الفكرة، كان علينا أن نشرح الأمر بداية للزوجات وللأهل وللمجتمع».
وتابع: «الطفل الذي رزقت به دلال ساهم في تقبل الفكرة».
ويتقيد أبو خيزران ورفاقه، باتفاق سابق مع دار الإفتاء، يشترط أن تكون فيه السيدة التي تنوي إنجاب طفل من زوجها الأسير، بحاجة ماسة إلى ذلك، أي لا أولاد ذكور لها، وزوجها محكوم لفترة طويلة جدا.
وتحضر زوجة الأسير العينة إلى المركز، برفقة اثنين من أهلها واثنين من أهل زوجها الأسير، وهذا شرط قبول العينة وإجراء الفحوص اللازمة.
واضطر الأسرى إلى ذلك لأن إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية تمنع عليهن الاختلاء بزوجاتهم، بينما تسمح للإسرائيليين بذلك.
وتمكن يغئال عامير، قاتل رئيس وزراء إسرائيل السابق إسحاق رابين، من إنجاب أول طفل له وهو داخل السجن بعدما سمح له بالاختلاء بزوجته.
ولا يفشي الأسرى أو زوجاتهم طريقة تهريب النطف. وقال أبو خيزران، إنهم لا يعرفون ولا يتدخلون في ذلك.
ويؤمن الفلسطينيون بأن جميع الأسرى سيخرجون مع اتفاق نهائي لإقامة الدولة الفلسطينية. والذين لا يؤمنون بإمكانية صنع السلام، يثقون بإمكانية إجراء تبادل أسرى عن طريق خطف جنود.
ونجح الرئيس الفلسطيني محمود عباس من جهة، وحركة حماس من جهة أخرى، في تحرير أسرى ذوي محكوميات عالية، كل على طريقته، عبر المفاوضات أو عبر خطف جنود.
وربما هذا هو الذي شجع ريم أبو وهدان (18 عاما) من قطاع غزة، على خطبة ابن عمها الأسير محمود أبو وهدان، المحكوم بـ3 مؤبدات و30 عاما.
وقالت ريم التي ارتبطت بمحمود الشهر الحالي، إن ثقتها بالله هي التي دفعتها على إتمام الخطوة. وأضافت لـ«الشرق الأوسط»: «أنا أنتظره بفارغ الصبر».
وتخطط ريم لارتداء «فستان العرس الأبيض» في 28 يوليو (تموز) المقبل، عقب عقد قرانها على محمود عندما تزوره والدته قبل ذلك بيوم واحد.
وتحدثت ريم عن «الفخر» الذي تشعر به وهي تزف إلى أسير، ولم تبدِ أي ندم، بل قالت إنها ستزوره بعد عقد القران بينهما، لتبلغه بأنها تنتظره على أحر من الجمر، وإن عليه أن يثق بذلك.
وقالت: «هذا أقل ما يمكن أن أقدمه للرجل الذي كان يناضل من أجلنا جميعا».
وقال عيد أبو وهدان والد ريم، إنه سعيد لهذا الارتباط. وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «لن نقول لا لمن قدم حياته لأجلنا».
وتابع: «أعرف أن باب السجن لن ينغلق على أحد للأبد.. ثقتنا بالله كبيرة».

حقائق وأرقام حول الأسرى

> على مدار 6 عقود، اعتقلت إسرائيل أكثر من ثلث الشعب الفلسطيني، ويقدر عدد حالات الاعتقال في صفوف أبناء الشعب الفلسطيني منذ عام 1948 بـ800.000 حالة اعتقال.
يوجد الآن في السجون الإسرائيلية 6 آلاف معتقل.
> من بين المعتقلين 30 أسيرا قديما معتقلون منذ قبل اتفاق أوسلو 1993، أقدمهم كريم يونس المعتقل منذ يناير (كانون الثاني) 1983.
> وصل عدد الأسيرات الفلسطينيات إلى 25 أسيرة في سجون الاحتلال، من بينهن النائب خالدة جرار، وأقدمهن الأسيرة لينا الجربوني من الأراضي المحتلة عام 1948.
> وصل عدد الأسرى القاصرين في سجون الاحتلال (أدنى من عمر 18 عامًا) إلى 205 أطفال، موزعين على ثلاثة سجون وهي «مجدو» و«عوفر» و«هشارون». في سجن «عوفر» 100 قاصر، وفي «مجدو» 63 قاصرًا، وفي «هشارون» 42 قاصرًا.
> بلغ عدد الأسرى الإداريين في سجون الاحتلال ما يقارب 450 أسيرًا إداريا، ويعتبر الاعتقال الإداري العدو المجهول الذي يواجه الأسرى الفلسطينيين، وهو عقوبة بلا تهمة.
> يوجد 13 نائبا في السجون الإسرائيلية أعلاهم حكما الأسير مروان البرغوثي القيادي في حركة فتح بـ5 مؤبدات.
> يقدر عدد الأسرى المرضى بـ600 أسير، بينهم 160 أسيرًا، يعانون من أمراض مزمنة ويحتاجون للرعاية الصحية الدائمة.
> قضى داخل السجون الإسرائيلية 209 أسرى.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.