محمد بخاري.. أمل نيجيريا

بعد اختياره رئيسًا.. يواجه تحديات «بوكو حرام» وانفصاليي الشمال.. والفساد المستشري

محمد بخاري.. أمل نيجيريا
TT

محمد بخاري.. أمل نيجيريا

محمد بخاري.. أمل نيجيريا

بابتسامته الأفريقية الطيبة والواثقة، جلس محمد بخاري، وهو يتابع نتائج الانتخابات الرئاسية التي ستحمله إلى هرم السلطة في نيجيريا، أكبر دولة في القارة الأفريقية من حيث تعداد السكان والنمو الاقتصادي؛ حملت ابتسامته مسحة من الأمل وشيئًا من القلق وهو يستعد لقيادة بلد ينخره الفساد وتهدده «بوكو حرام»، ذلك التنظيم الإرهابي الذي أصبح رمزًا للرعب في القارة السمراء.

في صورة تداولتها الوكالات واطلع عليها كثير من النيجيريين، كان بخاري يجلس في غرفة لا توحي بثراء فاحش تأكيدًا لما اشتهر به من التقشف على الأقل مقارنة بمن يتصدرون المشهد السياسي في بلاده، الذين لا يظهرون إلا نادرًا ويسكنون في قصور كبيرة ويتحركون على متن طائراتهم الخاصة.
كان يجلس إلى جانب بخاري أحد كبار أئمة المسلمين في شمال نيجيريا وواحد من أشهر الأساقفة المسيحيين في الجنوب، رسالة مررها بخاري بذكاء عبر صورة حرص على أن تصل إلى الصحافيين وتكون مادة دسمة لهم، وهو يريد أن يؤكد للنيجيريين رغبته الجامحة في تحقيق الوحدة الوطنية وإنهاء سنوات من الاقتتال سالت فيها الكثير من الدماء.
وفي نفس الغرفة كان يقف رجل خلف بخاري وهو يوزع ابتساماته بسخاء كبير، إنه أليكو دانجوتي أغنى أغنياء القارة الأفريقية وأشهر رجال الأعمال وأصحاب النفوذ في نيجيريا؛ بدت على ملامح دانجوتي علامات الاطمئنان والراحة، ما اعتبره مراقبون رسالة موجهة إلى المستثمرين بأن نيجيريا بخاري تختلف عن سابقاتها، وأن رأس المال الجبان سيكون في أمان.
ولكن في مقابل هذه الصورة التي أمر بخاري بالتقاطها لتظهره كما يريد وبكثير من الوردية، هنالك صورة أخرى قاتمة وغامضة، صورة تلخص ما يواجه الرجل من تحديات لن يكون من السهل التعامل معها، فبالإضافة إلى الملف الأمني وتزايد خطر جماعة بوكو حرام التي تحولت إلى تهديد إقليمي يقترب أكثر فأكثر من أن يكون ملفًا دوليًا، تنتظر بخاري حربا أخرى لا تقل أهمية عن سابقتها، ألا وهي الحرب على الفساد في بلد تستأثر فيه نسبة قليلة من مواطنيه بالثروات فيما تعيش الأغلبية الساحقة تحت خط الفقر ولا تتوفر على أبسط مقومات الحياة؛ فهل ينجح بخاري في رفع التحدي؟
بخاري البالغ من العمر 72 عامًا، هو أحد مواليد دولة كاتسينا في شمال نيجيريا الفيدرالية، ينحدر من قبائل «الفلان» ذات الشهرة الواسعة في القارة السمراء؛ ينتمي لأسرة مسلمة محافظة يصل عدد إخوته إلى 23 هو الأصغر من بينهم، حظي بتعليم متوسط قبل أن يدخل الجيش على غرار أقرانه من المراهقين الطامحين لمستوى معيشي أفضل، قد لا توفره سوى المؤسسة العسكرية في ذلك الوقت.
استفاد بخاري وهو شاب يحركه الحماس من تكوينات عسكرية في سلوفينيا والمملكة المتحدة، ليصل إلى رتبة ضابط في الجيش النيجيري، حيث شارك في انقلاب ناجح عام 1966، وتقلد بعد ذلك عدة مناصب مهمة، قبل أن يقود انقلابًا أوصله إلى السلطة يوم 31 ديسمبر (كانون الأول) 1983، فأحكم قبضته الحديدية على البلاد في واحد من أقسى الأحكام الديكتاتورية التي حكمت نيجيريا.
لم يدم حكمه أكثر من عشرين شهرًا فقط، اشتهر خلالها بصرامته في محاربة الفساد وعدم تهاونه مع من يخرجون على القانون؛ فقد أمر بإعدام ثلاثة أشخاص متهمين بالمتاجرة بالمخدرات، علنًا على أحد شواطئ العاصمة لاغوس؛ كما أصدر قانونًا يحرم التظاهر في الشارع، ويسمح بالعقوبة من دون محاكمة في حق أي شخص يهدد «الأمن الوطني»، وأعطى سلطات واسعة لأجهزة المخابرات.
في مارس (آذار) من عام 1984 بدأ بخاري حربًا ضد ما كان يسميه «عدم الانضباط»، وخصوصًا في صفوف موظفي الدولة الذين فصل منهم 200 ألف موظف، وخضع من أصبحوا يوصفون بـ«الكسل» لعقوبات مذلة تحمل الكثير من الإهانة.
سقط نظام الجنرال بخاري بانقلاب عسكري شهر أغسطس (آب) 1985 ليشرب من نفس الكأس التي سقى منها النيجيريين، فخضع للسجن لعدة أشهر، واختفى بعد ذلك بشكل تام من الساحة السياسية قبل أن يظهر بعد ذلك بأعوام على رأس وكالة حكومية مكلفة تمويل مشروعات تنموية عن طريق عائدات النفط.
ومع وصول الديمقراطية التعددية إلى البلاد عام 1999، ظهر بخاري كواحد من وجوه المشهد السياسي في نيجيريا، فأسس حزبًا سياسيًا ترشح من خلاله ثلاث مرات للانتخابات الرئاسية من دون أن ينجح، قبل أن يتحقق حلمه بالعودة إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع في ترشحه الرابع هذا العام، وذلك نتيجة عدة عوامل من أبرزها نجاحه في توحيد صفوف المعارضة خلفه، والاستفادة من أخطاء الرئيس السابق غودلاك جوناثان، الذي عصفت به التحديات الأمنية وملفات الفساد، نفس التحديات التي ستحدد مصير الجنرال العائد إلى السلطة بعد ثلاثة عقود.
يقول آدم تيام، رئيس تحرير صحيفة «الجمهورية» التي تصدر في عاصمة مالي باماكو، إن بخاري يتمتع بصفات مهمة قد تخدمه كثيرًا خلال إدارته لدفة الحكم في نيجيريا، ولكن تاريخه السياسي والعسكري لا يخلو من نقاط سلبية؛ ويشير تيام في حديث مع «الشرق الأوسط» إلى أن بخاري «ينحدر من الطائفة المسلمة السنية في الشمال، ولا تنقصه الحكمة والتجربة، حيث سبق أن حكم البلاد لعشرين شهرًا خلال ثمانينات القرن الماضي، لذا من خلال تقييم ماضيه يمكننا أن نستشرف مستقبله».
وأضاف تيام: «كونه انقلابيًا سابقًا فتلك ليست نقطة مضيئة في تاريخه السياسي والعسكري؛ هذا بالإضافة إلى أن اسمه ظهر قبل عقود في عدة قضايا فساد من أبرزها اختفاء قرابة 3 مليارات دولار من شركة نفطية كان يديرها، كل ذلك يضاف إلى مشاركته في التخطيط لانقلاب عسكري عام 1966 حمل مورتالا محمد إلى السلطة؛ غير أن شهرة بخاري أخذها من التضييق على الحريات العامة خلال حكمه؛ كل ما سبق يجعلنا نتساءل إن كان النيجيريون لم يختاروا بخاري، وإنما صوتوا ضد جوناثان؟ من دون أدنى شك هنالك شيء من ذلك؛ ولكن يجب ألا ننسى أن النيجيريين انجرفوا وراء الخطاب القوي للجنرال السابق».
في مقابل الانتقادات التي توجه لتاريخ الرجل، يقول عليون إنجاي، وهو باحث سنغالي مختص في العلاقات الدولية، إنه «من الضروري أن نواجه حديث البعض عن ماضي بخاري الديكتاتوري، بالقول إن الأمور تبقى نسبية ومحكومة بالظروف، ففي ثمانينات القرن الماضي لم يكن في نيجيريا طريقة أخرى لممارسة السلطة».
ويضيف إنجاي في حديث مع «الشرق الأوسط»، أن «هنالك نقاطًا إيجابية يجب التوقف عندها في مسيرة الرجل، خاصة خلال حكمه القصير للبلاد، مثل الحرب الشرسة التي خاضها ضد الفساد، وإطلاقه لنداء واضح وصريح يدعو فيه المواطنين النيجيريين من أصحاب الخبرة والكفاءة الموجودين في الخارج إلى العودة ومساعدته في إنعاش الاقتصاد، إنها دعوة كانت ثورية آنذاك».
ولكن إنجاي في سياق حديثه عن القبضة الحديدة التي حكم بها بخاري البلاد في السابق، يقول: «صحيح، إن مصادرة الحريات كانت حاضرة بقوة في ممارسته للسلطة، ولكن نيجيريا تغيرت وتقدمت كثيرًا في هذا الطريق، وبالتالي استحضار الماضي الديكتاتوري للرجل في هذا الوقت غير موضوعي».
وبالنظر إلى التحديات التي تواجه بخاري في المستقبل، يبرز الملف الأمني إلى الواجهة، ذلك ما يؤكده الخبير السنغالي في العلاقات الدولية، حيث يقول: «التحديات التي تواجه بخاري هي في المقام الأول تحديات أمنية؛ فمن واجبه إعادة الاستقرار إلى شمال نيجيريا، وخلال الحملة أكد أنه سيحقق هذا الهدف خلال شهر فقط، إنه وعد في غاية الطموح، ولكنه ليس مستحيلاً».
وتعهد بخاري في مواجهته لجماعة بوكو حرام التي تسيطر على مناطق واسعة من شمال نيجيريا، على خطة لا تكتفي بالجانب الأمني والعسكري فقط، وإنما تعتمد بالإضافة إلى ذلك على جانب تنموي موازٍ، حيث أكد بخاري خلال حملته الانتخابية سعيه إلى القضاء على الفقر وإقامة مشاريع تنموية في الشمال، من أجل محاصرة الجماعة الإرهابية التي تستفيد بشكل كبير من جيوب الفقر والجهل لاكتتاب أكبر قدر من المقاتلين؛ غير أن المراقبين للوضع في نيجيريا يؤكدون صعوبة القضاء على جماعة بوكو حرام، خصوصا أن بخاري يرث جيشًا منهكًا ينخره الفساد، ولكنهم في نفس الوقت لا يستبعدون نجاح الجنرال السابق في الحد من خطورة الجماعة الإرهابية.
وبالإضافة إلى الملف الأمني وتهديد «بوكو حرام»، يواجه الرئيس النيجيري الجديد تحديًا من نوع آخر؛ إنه الحرب على الفساد والخروج بنيجيريا من الوضع الاقتصادي المتردي، وكان بخاري قد أعلن في حملته الانتخابية، أنه «إذا لم تقتل نيجيريا الفساد، فسيقتل الفساد نيجيريا».
وبالنظر إلى لغة الأرقام نجد أن الوضع الاقتصادي في البلاد غير متوازن، فخلال السنوات الست الماضية (ما بين 2007 و2013) ارتفع عدد المليونيرات النيجيريين بنسبة 44 في المائة، في حين تشير الإحصائيات إلى أن نسبة 80 في المائة من سكان الشمال لا يزيد دخلهم اليومي على دولار ونصف الدولار.
ويشير عليون إنجاي إلى أن «بخاري يرث وضعية اقتصادية ليست سهلة، خاصة في ظل الهبوط الحاد في أسعار النفط عالميًا، فيما لا يتجاوز مخزون نيجيريا من العملة الصعبة في صندوق عائدات النفط حاجز الثلاثين مليار دولار أميركي».
أمام هذه الوضعية يواجه بخاري تحد جديد يتمثل في تنويع الاقتصاد في بلاده التي تعتمد بشكل كبير على المحروقات ومشتقاتها، حيث تمثل نحو 80 في المائة من عائدات الدولة، خاصة في ظل التخطيط لاستغلال النفط الصخري من طرف الولايات المتحدة الأميركية، أكبر زبون لنيجيريا.
ولا تتوقف التحديات الاقتصادية عند هذا الحد، خاصة في ظل الوعود الكبيرة التي قطعها بخاري على نفسه، ولعل من أبرز هذه الوعود تعهده بمحارة البطالة في صفوف الشباب، وهي معركة أخرى لن تكون سهلة في بلد تشير الأرقام إلى أن 70 في المائة من سكانه تحت سن الأربعين، و400 ألف شاب تدخل سنويًا سوق العمل يبقى أزيد من 60 في المائة منهم دون عمل؛ فهل ينجح بخاري في تحقيق وعده بخلق 720 ألف فرصة عمل سنويًا، ولعل هذا هو الأسهل من بين وعوده الانتخابية الكبيرة لشعب ذاق للمرة الأولى حلاوة التغيير عبر صناديق الاقتراع.



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.