فرسان.. أرخبيل من الجزر المتناثرة وسط البحر يقطنه الإنسان والنوارس والغزلان

طقس سنوي راقص بمشاركة العرسان والأسماك والطيور المهاجرة

قرى فرسان تشهر بمنازلها الحجرية وبوفرة النخيل فيها
قرى فرسان تشهر بمنازلها الحجرية وبوفرة النخيل فيها
TT

فرسان.. أرخبيل من الجزر المتناثرة وسط البحر يقطنه الإنسان والنوارس والغزلان

قرى فرسان تشهر بمنازلها الحجرية وبوفرة النخيل فيها
قرى فرسان تشهر بمنازلها الحجرية وبوفرة النخيل فيها

فرسان هذا الأرخبيل بجزره الـ262 المتناثرة في الجنوب الشرقي من البحر الأحمر.. خليط عجيب ومدهش من التضاريس المتباينة، والغابات المتنوعة، وأسراب الطيور المختلفة المستوطنة والمهاجرة، وفي طليعتها طيور النورس، والشعب المرجانية ذات التراكيب والألوان المتعددة فيما يمكن تسميته لوحة ربانية بديعة وغاية في الجمال، ليكملها الإنسان ببنائه بيوتا حجرية عتيقة يأوي إليها السكان في مواسم الصيف ملتحفين السماء ومتوسدين أرواق الأشجار الساحلية، وسعف النخيل والأصداف البحرية، ثم يستظل بشجيرات النخيل، ويمسح بسعفها عرق البحارة من القادمين للاسترخاء تحت ظلالها، بعد رحلة بحث عن اللؤلؤ والأسماك، ثم تنطلق الرقصات في الطقس الفرائحي السنوي، وتعانق عراجين النجيل من على رؤوس العرسان، أسماك الحريد في موسمها، وتنطلق الرقصات مع صيد أول طائر في موسم الطيور المهاجرة.
تشكل محافظة فرسان الواقعة في الجزء الجنوبي الشرقي للبحر الأحمر وعلى بعد 84 ميلا بحريا من مدينة جازان (جنوب غربي السعودية) أرخبيلا واسعا من الجزر المتناثرة التي يصل تعدادها إلى 262 جزيرة تأتي فرسان أكبرها بمساحة تلامس 400 كيلومتر مربع، وتتبع فرسان قرى أهمها: صير، التي تتميز بالكثير من شواطئها الغنية بصيد الأسماك، وقرية المحرق التي تكثر فيها مزارع النخيل، ويشتهر أهلها بصيد أسماك السيجان، وصناعة شباك الأسماك، وبقربها توجد منطقة وادي مطر الأثرية، وجزيرة القصار، التي تعد مصيفا للسكان، وتشتهر بموسم الشدة لجني محصول النخيل كما تشتهر بعذوبة مياه آبارها، ووفرت نخيلها، وبها منطقة الكدمي الأثرية، وقرية المسيلة التي يقطنها الكثير من أبناء البادية، وتشتهر بأن مبانيها من سعف النخيل، وقرية الحسين التي اشتهرت قديما بتجارة اللؤلؤ وحاليا بصيد الأسماك، وهناك جزر مأهولة بالسكان وهي: جزيرة السقيد التي ترتبط بفرسان بجسر بحري طوله 560 مترا مربعا، وتزين سواحلها أشجار النخيل وتحتضن الجزيرة قطعانا من الغزلان، وجزيرة قماح التي يعمل أهلها بصيد الأسماك، وتشكل موقعا استراتيجيا، إذ تشرف على الممر الدولي للبحر الأحمر، كما أن هناك جزرا أخرى غير مأهولة بالسكان وهي جزر أبكر، وزفاف، ودمسك، التي تحتضن أكواخا أقامها صيادو الأسماك، وبها مشروع سياحي.
وتشتهر فرسان بعادات وتقاليد حافظ السكان عليها منذ عقود، لعل أهمها موسم الحريد الذي دخل مرحلة العالمية، بعد أن كانت هذه العادة مقصورة محليا، ويحتفل بها أبناء الجزيرة والقرى التابعة لها، ويحتفل الأهالي بذلك من خلال صيد نوع من الأسماك يطلق عليه سمك الببغاء ولا يظهر هذا النوع إلا في فترة واحدة من العام، ويستمر من 3 إلى 7 أيام وتظهر أسماك الحريد في منطقة تمتاز بانتشار نوع نادر من الشعب المرجانية، وتسبق ظهور سمك الحريد رائحة مميزة في الشواطئ كدليل على قرب تجمعه، كما أن هناك موسما يحتفل فيه الأهالي وهو موسم الطيور المهاجرة المسمى محليا «الجراجيح» حيث يحتفل الأهالي بالطيور المهاجرة القادمة من أوروبا، حيث تقام الألعاب الشعبية وتنطلق الرقصات فور صيدهم أول طائر مهاجر والذي يسمى باليعقوبي أو الأكحل أو الأخرش إذ يحمل أحدهم الطائر بعد صيده على عصا طويلة يدور بها الشوارع والمنازل وحوله يجتمع الناس معلنين به الموسم الراقص.
ويحتفل أهالي فرسان بموسم «الشدة» الذي يأتي مباشرة عقب موسمي الحريد والطيور المهاجرة، وجاءت تسمية الشدة من شد الرحال بانتقال أهالي فرسان إلى قرى النخيل في قرى القصار والسقيد والمحرق، ويمتد هذا الموسم إلى 3 أشهر خلال موسم الصيف، وطقوس هذا الموسم الفرائحي تأتي في منتهى الروعة والجمال خاصة عندما تشارك العروس التي لم يمض على زواجها عام، ويصاحب ذلك عادات وتقاليد، إذ تظهر العروس على ظهر الجمل، ومعها بعض صويحباتها وقد ارتدين أجمل الثياب، فيما يحمل الجمل والجمال الأخرى الزاد والمتاع، ويواكبه الغناء والرقص المحموم بالشجن، وهناك مواسم أخرى مثل الشعبانية والمراشة بما يمكن القول معه إن فرسان تعيش مواسم فرائحية متعددة.
وتحتضن جزر فرسان أعلى كثافة للغزلان على أراضي السعودية إضافة إلى الطيور المتنوعة خصوصا طيور النورس، إضافة لطيور العقاب النساري، وأبي ملعقة والبجع الوردي الظهر، والأطيش البني، والطائر النادر هازجة الغاب الذي يعشش على أشجار الشورة والقندل السياحية وهما ما تشتهر بهما الجزيرة، كما تحتضن فرسان أكبر مجموعة تكاثرية لطيور العقاب النساري، وطيور الصقور السحماء.
وتنقسم أهم بيئات النباتات البرية في جزر فرسان إلى غابات الشورة والقندل الساحلية، وبعض تجمعات النباتات الملحية في المناطق القريبة من البحر، كما تسود أشجار السلم والبشام والسدر والأراك، التي تختلط مع صبارات ونباتات الإيفوريبا، ومع كثرة الغزلان التي تشتهر بها جزر فرسان فهناك أنواع من الثديات كالنمس الهندي والفار الشوكي، وأنواع من الخفافيش أحدها نادر، وسجل أول مرة في الجزيرة خارج القارة الأفريقية كما أن هناك قائمة من الزواحف والثعابين.



سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)
TT

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)

«إن أعدنا لك المقاهي القديمة، فمن يُعِد لك الرفاق؟» بهذه العبارة التي تحمل في طياتها حنيناً عميقاً لماضٍ تليد، استهل محمود النامليتي، مالك أحد أقدم المقاهي الشعبية في قلب سوق المنامة، حديثه عن شغف البحرينيين بتراثهم العريق وارتباطهم العاطفي بجذورهم.

فور دخولك بوابة البحرين، والتجول في أزقة السوق العتيقة، حيث تمتزج رائحة القهوة بنكهة الذكريات، تبدو حكايات الأجداد حاضرة في كل زاوية، ويتأكد لك أن الموروث الثقافي ليس مجرد معلم من بين المعالم القديمة، بل روح متجددة تتوارثها الأجيال على مدى عقود.

«مقهى النامليتي» يُعدُّ أيقونة تاريخية ومعلماً شعبياً يُجسّد أصالة البحرين، حيث يقع في قلب سوق المنامة القديمة، نابضاً بروح الماضي وعراقة المكان، مالكه، محمود النامليتي، يحرص على الوجود يومياً، مرحباً بالزبائن بابتسامة دافئة وأسلوب يفيض بكرم الضيافة البحرينية التي تُدهش الزوار بحفاوتها وتميّزها.

مجموعة من الزوار قدموا من دولة الكويت حرصوا على زيارة مقهى النامليتي في سوق المنامة القديمة (الشرق الأوسط)

يؤكد النامليتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن سوق المنامة القديمة، الذي يمتد عمره لأكثر من 150 عاماً، يُعد شاهداً حيّاً على تاريخ البحرين وإرثها العريق، حيث تحتضن أزقته العديد من المقاهي الشعبية التي تروي حكايات الأجيال وتُبقي على جذور الهوية البحرينية متأصلة، ويُدلل على أهمية هذا الإرث بالمقولة الشعبية «اللي ما له أول ما له تالي».

عندما سألناه عن المقهى وبداياته، ارتسمت على وجهه ابتسامة وأجاب قائلاً: «مقهى النامليتي تأسس قبل نحو 85 عاماً، وخلال تلك المسيرة أُغلق وأُعيد فتحه 3 مرات تقريباً».

محمود النامليتي مالك المقهى يوجد باستمرار للترحيب بالزبائن بكل بشاشة (الشرق الأوسط)

وأضاف: «في الستينات، كان المقهى مركزاً ثقافياً واجتماعياً، تُوزع فيه المناهج الدراسية القادمة من العراق، والكويت، ومصر، وكان يشكل ملتقى للسكان من مختلف مناطق البلاد، كما أتذكر كيف كان الزبائن يشترون جريدة واحدة فقط، ويتناوبون على قراءتها واحداً تلو الآخر، لم تكن هناك إمكانية لأن يشتري كل شخص جريدة خاصة به، فكانوا يتشاركونها».

وتضم سوق المنامة القديمة، التي تعد واحدة من أقدم الأسواق في الخليج عدة مقاه ومطاعم وأسواق مخصصة قديمة مثل: مثل سوق الطووايش، والبهارات، والحلويات، والأغنام، والطيور، واللحوم، والذهب، والفضة، والساعات وغيرها.

وبينما كان صوت كوكب الشرق أم كلثوم يصدح في أرجاء المكان، استرسل النامليتي بقوله: «الناس تأتي إلى هنا لترتاح، واحتساء استكانة شاي، أو لتجربة أكلات شعبية مثل البليلة والخبيصة وغيرها، الزوار الذين يأتون إلى البحرين غالباً لا يبحثون عن الأماكن الحديثة، فهي موجودة في كل مكان، بل يتوقون لاكتشاف الأماكن الشعبية، تلك التي تحمل روح البلد، مثل المقاهي القديمة، والمطاعم البسيطة، والجلسات التراثية، والمحلات التقليدية».

جانب من السوق القديم (الشرق الاوسط)

في الماضي، كانت المقاهي الشعبية - كما يروي محمود النامليتي - تشكل متنفساً رئيسياً لأهل الخليج والبحرين على وجه الخصوص، في زمن خالٍ من السينما والتلفزيون والإنترنت والهواتف المحمولة. وأضاف: «كانت تلك المقاهي مركزاً للقاء الشعراء والمثقفين والأدباء، حيث يملأون المكان بحواراتهم ونقاشاتهم حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية».

عندما سألناه عن سر تمسكه بالمقهى العتيق، رغم اتجاه الكثيرين للتخلي عن مقاهي آبائهم لصالح محلات حديثة تواكب متطلبات العصر، أجاب بثقة: «تمسكنا بالمقهى هو حفاظ على ماضينا وماضي آبائنا وأجدادنا، ولإبراز هذه الجوانب للآخرين، الناس اليوم يشتاقون للمقاهي والمجالس القديمة، للسيارات الكلاسيكية، المباني التراثية، الأنتيك، وحتى الأشرطة القديمة، هذه الأشياء ليست مجرد ذكريات، بل هي هوية نحرص على إبقائها حية للأجيال المقبلة».

يحرص العديد من الزوار والدبلوماسيين على زيارة الأماكن التراثية والشعبية في البحرين (الشرق الأوسط)

اليوم، يشهد الإقبال على المقاهي الشعبية ازدياداً لافتاً من الشباب من الجنسين، كما يوضح محمود النامليتي، مشيراً إلى أن بعضهم يتخذ من هذه الأماكن العريقة موضوعاً لأبحاثهم الجامعية، مما يعكس اهتمامهم بالتراث وتوثيقه أكاديمياً.

وأضاف: «كما يحرص العديد من السفراء المعتمدين لدى المنامة على زيارة المقهى باستمرار، للتعرف عن قرب على تراث البحرين العريق وأسواقها الشعبية».