أثارت صور مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين الواقع على أطراف العاصمة السورية دمشق، التي جرى تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي في العالم، والتي أظهرت مدى تردي الأوضاع الإنسانية لسكانه، موجة غضب وتنديد دولية.
وجاء ذلك بعدما شهد المخيم، الذي ما زال يقطنه نحو 18000 شخص، خلال الأسبوع الماضي، تطوّرًا مأساويًا آخر تمثل بسيطرة شبه كاملة عليه من قبل تنظيم «داعش» المتطرّف.
وكالة «سيريا ديراكت» السورية كانت قد أوردت أخيرا نقلاً عن الناشط «أبو مطر»، من داخل مخيم اليرموك، أن «داعش» يسيطر على 95 في المائة من المخيم الذي يقطنه ما يزيد عن 100000 شخص من الجنسيتين السورية والفلسطينية والمحاصر منذ عام 2012 من قوات النظام السوري، في حين انحسر بشكل كبير وجود كتائب «أكناف بيت المقدس» - التابعة حسب زعم جريدة «الأخبار» اللبنانية المؤيدة لحزب الله وإيران - إلى حركة حماس والمكوّنة من أبناء المخيم، وكانت منذ مدة تتصدى للجماعات الإرهابية. وفي هذا السياق، ذكرت مواقع إخبارية عدة أن المعركة بدأت بين «داعش» و«أكناف بيت المقدس» في مطلع أبريل (نيسان) عندما اقتحم مسلّحو «داعش» المخيم، ومن ثم، قصف نظام الأسد المخيم بالبراميل المتفجرة أثناء الاشتباكات بين الجانبين.
الكثير من الناشطين، منهم «أبو عبيدة الشامي» يشككون بهذه الرواية، ويعتبر «أبو عبيدة» في حديث مع «الشرق الأوسط» أن الاستيلاء على المخيم سهّلته الفصائل الفلسطينية المحلية نظرًا للانقسام الحاصل في ما بينها، شارحًا أن «ثمة اختلافات كبيرة في صفوف (أكناف بيت المقدس) حول مسألة المصالحة مع النظام السوري التي كانت قيد المناقشة، ولذلك التحق بعض المقاتلين الذين لا يريدون هدنة مع النظام بتنظيم داعش».
الجدير بالذكر، أن عددا كبيرا من المسلّحين الذين عارضوا الاتفاق بين الفصائل الفلسطينية والحكومة تعرّضوا للتصفية، وهو ما سمح للتنظيم الإرهابي من دخول المخيم. ويكمل أبو عبيدة الشامي قائلا إن «الشرارة الأساسية انطلقت مع اغتيال يحيى الحوراني (أبو صهيب)، وهو مسؤول من حماس موجود في سوريا كان يقيم في المخيم. ولقد تعددت الروايات حول المسؤول عن مقتله، إذ اعتبر البعض أنه عناصر من داعش اغتالته، بينما يرى البعض الآخر أنه لم يكن يحبّذ الصلح مع النظام».
في حال، إن انضمام أعضاء من «أكناف بيت المقدس» إلى «داعش» تطوّر سهّل دخول التنظيم إلى المخيم والاستيلاء عليه، كما لعبت «جبهة النصرة» أيضا دورا في ذلك، وفق «أبو عبيدة الشامي»، بما أنها أرادت الانتقام من كتائب «أكناف بيت المقدس» و«لواء شام الرسول» اللذين ساهما في دحرها من بلدة بيت سحم، بجنوب شرق دمشق، في وقت سابق. وفي هذا السياق يقول الحج ماهر عويض، رئيس تنظيم «أنصار الله» في مخيم عين الحلوة قرب مدينة صيدا بجنوب لبنان لـ«الشرق الأوسط» إنه «ليس من المستغرب أبدا أن تتعاون جبهة النصرة مع (داعش)، بما أنهما وجهان لعملة واحدة».
وفي سياق متصل، يعتبر الباحث حسن حسن، الذي يعمل مع معهد دلما في أبوظبي، والذي شارك في تأليف كتابISIS: Inside the army of terror، في حديث مع «الشرق الأوسط»، أن «نتيجة المعارك في مخيم اليرموك ستشكل نقطة تحوّل بالنسبة للمناطق المحيطة بدمشق. فلمدة عامين، سعى تنظيم «داعش» لإنشاء معقل لنفسه هناك، غير أن محاولاته كلها باءت بالفشل. وبخلاف حي حجر الأسود، حاولت التنظيمات الثائرة وبالأخص «جيش الإسلام» منع «داعش» من إيجاد معقل له، أما اليوم فقد بات المخيم بغالبيته تحت سيطرته.
ويضيف حسن أن لضواحي دمشق «أهمية رمزية واستراتيجية كبرى لمختلف المجموعات المتقاتلة، بما أن مخيم اليرموك يشكل منفذا مؤديا إلى وسط دمشق، وأيضا إلى الغوطة (محيط العاصمة وضواحيها) التي ذُكرت في الآثار الإسلامية (بأنها ستكون خير منازل المسلمين). وهذا وفق «أبو عبيدة الشامي» قد يجعلها هدفا على المدى الطويل لـ«داعش»، ويتابع أبو عبيدة، فيقول إن التنظيم قد يسعى إلى تأمين ممرّ له من حمص إلى المناطق التي يسيطر عليها في جبال القلمون على الحدود مع لبنان، من أجل الضغط على الغوطة، معتمدا، كما فعل في مخيم اليرموك، على كسب ثقة المجموعات المتمردة والمعارضة. ويستطرد: «إذا طال وجود (داعش) بالقرب من دمشق، فمن المرجّح أن ينجح بجذب مزيد من الموالين الذين سينضمون إليه، خصوصا من أولئك الذين يعارضون سياسات القوى المهيمنة الحالية في المنطقة التي ترزح تحت نير التجاذبات والتوترات المحلية نتيجة تكتيكات كل مجموعة وحساباتها الخاصة تجاه نظام الأسد». وهنا يقول حسن: «قد يجد كثير من الذين ينفرون من هذه القوات في داعش ملجأ لهم». وفضلاً عن ذلك، فإن زيادة الضغط على الغوطة سيسمح لـ«داعش» بالتقدّم في المنطقة الجنوبية، التي تسيطر عليها قوات «الجيش السوري الحر» ومعها «جبهة النصرة». وحتى اليوم لم يتمكن «داعش» من ضمان وجود له إلا في القلمون، وبالتالي، قد تقوم استراتيجيته التالية على ربط المنطقتين الواحدة بالأخرى. وإلى ذلك، يعتقد حسن أن تعزيز «داعش» وجوده في مناطق القلمون على الحدود اللبنانية سيساعده على مهاجمة باقي التنظيمات الثائرة.
وبما أن وجود داعش في جنوب سوريا لا يتمتع بتركيبة قوية، كما هو الحال في المناطق الشمالية الشرقية، حيث يعمد إلى شراء ولاء السكان وإلى إنشاء خلايا نائمة واستغلال العداوات المحلية، فقد يختار التعاون مع غيره من المجموعات في جنوب سوريا مثل «جبهة النصرة»، وهذا تكتيك سبق له أن اعتمده مرات عدة في السابق.
وبالعودة إلى مخيم اليرموك، برز قبل بضعة أيام تطوّر غير متوقع آخر حين أعلن علي حيدر، وزير المصالحة الوطنية بحكومة النظام السوري، أن الوضع الراهن في مخيم اليرموك في جنوب دمشق بات يستدعي «حلاً عسكريًا». ونقل عنه قوله بعد اجتماعه مع عضو اللجنة المركزية في منظمة التحرير أحمد مجدلاني، في دمشق، إن «الأولوية الآن لإخراج المسلحين والإرهابيين من المخيم ودحرهم. وفي المعطيات الحالية لا بد من حل عسكري ليست الدولة هي من يختاره، لكن من داخل المخيم وكسر كل ما قد توصلنا إليه». وأوضح حيدر: «كنا قبل أيام نقول إن المصالحة على الأبواب، ومن قلب الطاولة هو من يتحمل المسؤولية. وفي الأيام المقبلة لا بد منه»، في إشارة إلى الحل العسكري.
كما أصدرت منظمة التحرير الفلسطينية، على الأثر، بيانًا رفضت فيه تصريحات مجدلاني المتجاوبة مع كلام حيدر «محذّرة من الانجرار إلى أي حملة مسلحة، مهما كانت طبيعتها أو غطاؤها، داعية إلى اللجوء إلى وسائل أخرى حقنا لدماء الشعب ومنعا لمزيد من الدمار والتشريد في المخيم».
وعليه، يشير هذا البيان إلى أن المشهد على الساحة العسكرية في اليرموك لا يزال مبهمًا، وأن «سيناريو» الانقسام لا يزال ممكنًا، ومن ثم فمصير المخيم لا يزال موضع نقاش في الشارع الفلسطيني، حيث يرى البعض أن الهدنة مع نظام الأسد ليست خيارًا محبّذًا.
هل يستخدم «داعش» مخيم اليرموك منطلقًا إلى مناطق الجنوب السوري
وسط الانقسامات السياسية وتناقض التكتيكات
هل يستخدم «داعش» مخيم اليرموك منطلقًا إلى مناطق الجنوب السوري
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة