قبل نحو 65 سنة جاء (واصف أباظة) من مدينة نابلس بفلسطين وهو الذي ينتمي لعائلة فلسطينية معروفة بتحضير (الكنافة النابلسية) ذات المذاق اللذيذ في مدينة نابلس منذ أكثر من قرن من الزمن، ليشارك في معرض دمشق الدولي السنوي بقسم الحلويات والمواد الغذائية في المعرض، أعجبته دمشق كما أُعْجب الدمشقيون بما يعرضه وهم الذين يعشقون الحلويات بمختلف أنواعها وأصنافها، فقرر واصف البقاء في دمشق ليطلق الكنافة النابلسية وليقوم الشوام بتقديم خيوط الكنافة المتقنة التحضير في ورش انتشرت في منطقة باب الجابية بدمشق القديمة، كما جاء بالجبنة من ورش تحضيرها في غوطة دمشق وريفها وليقوم الحلاونجية الدمشقيون بافتتاح عشرات المحلات التي تحضّر وتبيع الكنافة النابلسية حيث لاقت إقبالا كبيرا من الناس وصار المتجول في أسواق دمشق الراقية والشعبية يشاهد أناسا واقفين أمام محلات بيعها يتناولونها وهم يمشون على الأرصفة بتلذذ في صحون من الكرتون.
لطفي أباظة (65 عاما) الذي ورث مهنة تحضير الكنافة النابلسية عن أسرته ما زال يقوم بهذا العمل منذ 40 عاما قال لـ«الشرق الأوسط»: «لقد وجدت الكنافة النابلسية اهتمام الناس هنا في دمشق عندما جئنا بها من فلسطين وعرض علينا أحد الدمشقيين المشاركة معنا حيث يقدّم هو المحل ونحن نحضّرها وهذا ما حصل بالفعل واستمررنا بها حتى الآن»، وعن كيفية تحضير الكنافة النابلسية وخصوصيتها يوضح أباظة: «نأتي بخيوط الكنافة من باب الجابية ونقوم بطحنها وتحميصها ومن ثم نضعها في صينية واسعة(صدر الكنافة) بعد طليه بالسمنة ونضع الجبنة عليها ونخضعها لمرحلة القلي على نار هادئة ومن ثم نقلبها وهي بالصينية ليظهر الجانب السفلي منها المحمص بلونه البني المحمّر مع خيوط الكنافة المطحونة الناعمة وتكون الجبنة في الأسفل ونضيف لها قطر السكر، وتسمى بهذه الحالة (كنافة نابلسية ناعمة) وهناك (النابلسية الخشنة) وتختلف عن الأولى بخيوط الكنافة فقط حيث نتركها خشنة ولا نطحنها ناعمة، كذلك هناك (الأقراص) وهي مرغوبة من المتذوقين حيث نقدّم النابلسية على شكل أقراص دائرية وبخيوط خشنة ويرش عليها الفستق الحلبي المبشور حيث يعطيها مذاقا ألذ».
على الضفة الأخرى ما زالت ورش تحضير خيوط الكنافة في سوق باب الجابية القديم وسط دمشق، تقدّمها بشكلها الذهبي والتي تدخل في تحضير ليس فقط الكنافة النابلسية وإنما أنواع أخرى من الحلويات الشرقية المعروفة بدمشق والتي تأخذ شهرة ويقبل الناس عليها لمذاقها اللذيذ، ومن أشهر ورش تحضير خيوط الكنافة وأعرقها في باب الجابية هناك «عائلة شيخ الحارة» المستمرة بالعمل جيلا بعد جيل.
«الشرق الأوسط» زارت ورشة تحضير الكنافة حيث شرح مؤيد شيخ الحارة كيفية العمل بالكنافة قائلا: «تدخل خيوط الكنافة في تحضير حلويات شرقية كثيرة ومنها الاستانبولية وعش البلبل والمبرومة وأم النارين وبالتأكيد الكنافة النابلسية»، ويوضح مؤيد كيفية ومراحل التحضير «التي تبدأ من إعداد المادة الأولية وهي دقيق القمح يضاف إليه مجفف الحليب الناعم والقطر الإفرنجي والسكر حيث توضع جميعها في خلّاط وبعد ذلك تأتي مرحلة العجن والدق وبعدها يتم تحويل الخليط إلى خيوط من خلال آلات خاصة وسابقا كان والدي - يتابع مؤيد - ينفذ تلك المرحلة بشكل يدوي حيث يستخدم وعاء يشبه الجوزة من النحاس وهو ثابت غير متحرك ويدوّرها بيده حتى تتحول لخيوط ناعمة، يتم لفّها بشكل دائري ومن ثم تقطّع وترسل عادة لمحضّري الحلويات الشرقية ليحضّروا منها حلوياتهم وحتى نصدّرها ومنذ سنوات لبلدان عربية كالعراق والإمارات العربية المتحدة والسعودية».
يبتسم مؤيد وهو يتحدث عن جودة خيوط الكنافة والمهارة في إعدادها مستشهدا بمثل شعبي معروف وهو: «ليس كل من صف الصواني حلواني»، فالأساس هنا خبرة الحرفي واختياره للمواد الجيدة ذات النوعية العالية. وأسأل مؤيد عن طول الخيط الواحد ودقتّه فيجيب: «طول الخيط نحو متر ونصف المتر يدوّر ويكون بقطر دقيق جدا نحو ميلليمتر ونصف فقط وكلما كان دقيقا كان أكثر جودة بينما الخيط السميك غير مستحب من قبل الحلاونجية».
حاليا هناك 7 ورش تحضّر خيوط الكنافة بدمشق ولكن أؤكد لك - يقول مؤيد - «جميع أصحاب هذه الورش والعاملين فيها تتلمذوا على تحضيرها في ورشتنا هذه بباب الجابية وعلّمهم والدي كيفية صناعتها».
في ساحة المرجة الدمشقية العريقة حيث تنتشر معظم محلات بيع الحلويات الشرقية يوجد محل لعائلة شيخ الحارة تبيع الحلويات الشرقية التي تحضّر من خيوط الكنافة المصنّعة في ورشتهم بباب الجابية يشرح مدير المحل (محمد تيسير نابلسي - أبو كمال -) ومعددا الأنواع المحضرة من خيوط الكنافة: «هناك حلوى (المبرومة) التي تتكون من الفستق الحلبي والسمن البلدي وتحتاج لجهد كبير من قبل محضّرها وهي تنقسم لنوعين: الشعبية والممتازة وتختلفان بالجودة وبسماكة خيوط الكنافة الداخلة فيها وكمية الفستق الحلبي وتحضّر على الشكل التالي: نأتي بخيوط الكنافة نلّفها بشكل جيد وتترك لتجف ومن ثم تقلى بالسمنة وبعدها تغطّس بالقطر وتجفف مرة ثانية لتغلّف بالنايلون وتعرض للبيع، النوع الثاني هو (البلورية) وتحضر بتفتيت خيوط الكنافة بواسطة آلة خاصة وتوضع الخيوط المنتوفة في وعاء واسع مدهون بالسمن وتكبس بشكل جيد ليضاف بعدها الفستق الحلبي المخلوط بالسمن البلدي والقطر والسكر ويوضع الخليط على طبقة الخيوط بشكل متقن ليتم بعدها وضع طبقة ثانية من خيوط الكنافة ويشوى الخليط جميعه على النار بعدها تقطّر وتقطع وتصبح البلورية جاهزة للبيع وهناك من يضيف لها ماء الزهر لتأخذ نكهة مميزة وقد أخذت تسميتها من شكلها الشفّاف كالزجاج. النوع الثالث هو (عش البلبل) ويحضّر من خلال لف خيوط الكنافة على شكل فنجان قهوة توضع داخله حبات الفستق الحلبي.هناك أيضا (الفيصلية) وهي على شكل مثلث متساوي الأضلاع وتحضّر من خيوط الكنافة مع نوعين من الحشوة: إما حبات الجوز أو القشطة وتقلى بالسمن وتقطّر كحال بقية الحلويات المحضّرة من خيوط الكنافة.النوع الخامس يسمى (البصمة) وتحضّر من خيوط الكنافة الخشنة مع حشوة فستق حلبي وتوضع بالفرن لتشوى بنار حامية وممكن أن تشوى على البارد ولكنها تحضّر بهذه الطريقة من القشطة. هناك النوع السادس وهو (أم النارين) وتحضّر من طبقتي خيوط كنافة وبينهما طبقة حليب أو القشطة، النوع السابع هو (المدلوقة) وتحضّر من خيوط كنافة مهروسة ومطبوخة بالقشطة والقطر».
الكنافة النابلسية سفيرة الحلوى الفلسطينية في دمشق
عائلة أباظة جلبتها عام 1950 وأهالي الشام أضافوا عليها خيوطها الذهبية
الكنافة النابلسية سفيرة الحلوى الفلسطينية في دمشق
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة