بعد هجوم باردو.. تونس تطأ الخط الفاصل بين الأمن والحريات

الحكومة تؤكد أن تأثير الهجوم على المتحف محدود على السياحة

بعد هجوم باردو.. تونس تطأ الخط الفاصل بين الأمن والحريات
TT

بعد هجوم باردو.. تونس تطأ الخط الفاصل بين الأمن والحريات

بعد هجوم باردو.. تونس تطأ الخط الفاصل بين الأمن والحريات

بعد قيام متشددين بقتل 21 سائحا أجنبيا في متحف باردو في تونس الشهر الماضي سارع كتاب الأعمدة في الصحف وضيوف البرامج الإذاعية ورجال السياسة بالمطالبة بشن حملة لا هوادة فيها لإنقاذ ديمقراطيتهم الوليدة.
لكن في المقاهي والمساجد التي يرتادها أبناء الطبقة الوسطى في تونس.. برزت الآن مخاوف من أن شن حملة ضد المتشددين قد تتحول إلى حملة قمع تشبه ما كان سائدا في تونس في حقبة الدولة البوليسية قبل أن يحصل الشعب على حرياته في ثورة عام 2011.
ومنذ ذلك التاريخ ظلت تونس نموذجًا للتحول الديمقراطي، حيث كان البلد الوحيد الذي لم تنته انتفاضته فيما عرف «بالربيع العربي» بموجة عنف واسعة النطاق أو حرب أهلية.
لكن الهجوم الذي حدث الشهر الماضي يمثل اختبارا دقيقا لتونس للموازنة بين متطلبات الأمن والحريات الجديدة منذ الثورة التي أطاحت بالرئيس الذي حكم لفترة طويلة زين العابدين بن علي.
ويقول محامون وزعماء معارضة ونشطاء حقوقيون إن هناك مزيدا من عمليات الاعتقال العشوائي وتجاوزات الشرطة ويخشون من أن يؤدي قانون الإرهاب المقترح إلى تقييد الحريات في ظل خضوع المشرعين لضغط الرأي العام.
وفي بعض مناطق تونس الفقيرة قال بعض الشبان المتدينين إنهم حلقوا لحاهم وحدوا من ترددهم على المساجد تجنبا لمضايقات الشرطة التي يخشون أن تقوم باعتقال أي أحد تبدو عليه مظاهر التشدد. وقال معز وهو بائع متدين ومحافظ: «الوضع تغير كثيرا. لقد حلقت لحيتي لأتفادى مراقبة الشرطة المستمرة.. لكني أنا ضد الإرهاب وأي تطرف يسيء لصورة الإسلام».
ولا تبدو تونس بعد 4 سنوات من ثورتها أنها تعود إلى أيام الدولة القمعية في عهد بن علي. فقد أجرت انتخابات حرة وأقرت دستورا جديدا ويسودها مناخ سياسي توافقي بين السياسيين العلمانيين والإسلاميين.
لكن هجوم باردو زاد من تعقيد الأسئلة الحرجة المعقدة أصلا بأن الحرية الدينية في واحدة من أكثر البلدان العربية علمانية، حيث تتعايش أنماط الحياة الليبرالية على مضض إلى جانب التصور السلفي المحافظ للإسلام.
وقالت النائبة بالبرلمان التونسي يمينة الزغلامي وهي قيادية في حركة النهضة الإسلامية: «هناك عدة مخاوف في مسألة الحقوق والحريات في مناخ الغضب الكبير بعد اعتداء باردو الوحشي».
وأضافت: «نعم تونس تلقت ضربة موجعة لكن لا شيء يبرر التعدي على الحقوق والحريات في تونس الجديدة».
ويشيد الغرب بتونس منذ تحولها إلى الديمقراطية بوصفها أنموذجا للأمل الديمقراطي في منطقة انزلقت فيها بلدان أخرى من دول (الربيع العربي) إلى وهدة الانقسام وأعمال العنف والحرب الأهلية».
لكن تونس تكافح أيضا من أجل تحديد دور الإسلام في السياسة، خاصة مع صعود المتشددين والجماعات التي طفت على السطح في ظل مناخ الحريات الجديدة. والأمن أساسي لصناعة السياحة الحيوية في تونس. وحتى الآن تقول الحكومة إن تأثير هجوم باردو على حجوزات الزائرين الأجانب ما زال محدودا على الرغم من أن موسم الصيف لم يبدأ بعد.
وقال رئيس وزراء تونس الحبيب الصيد أمام البرلمان هذا الأسبوع إن السلطات ستزيد من حملتها لاستعادة السيطرة على المساجد التي هيمن عليها المتشددون الذين تلقي عليهم الحكومة باللوم في تجنيد الشبان للانضمام إلى جماعات التشدد.
وقال الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي لصحيفة «لوموند» الفرنسية: «نحن نحترم الحريات ولا يمكن السقوط في دولة بوليسية».
وأضاف السبسي: «عندما يأتي شخص لقتلك وقتل جميع من حولك يجب أن تدافع عن نفسك. لكن ذلك لا يعني الخلط بين مكافحة الإرهاب والحريات المدنية وحرية التعبير لأنه بإمكاننا مكافحة الإرهاب واحترام الحقوق والحريات العامة». لكن الجماعات المدافعة عن حقوق الإنسان تشعر بالانزعاج.
تقول أمنة قلالي مديرة منظمة «هيومن رايتس ووتش» في تونس: «هناك بعض الأمور والتصريحات مثيرة للقلق فعلا.. قد تتوسع دائرة الاعتقالات العشوائية ولا يمكن أن نعرف إلى أي حد يمكن أن تصل».
ومن بين بواعث القلق الحالية قانون مكافحة الإرهاب الجديد المقترح الذي سيبحثه البرلمان التونسي. ويوسع مشروع القانون بعض سلطات الشرطة مثل مدة الاحتجاز قبل المحاكمة ويرفع حظرا على عقوبة الإعدام.
وحثت منظمة «هيومن رايتس ووتش» الحكومة على تعديل مشروع القانون. وقالت المنظمة إن التشريع يسمح للشرطة باحتجاز الأشخاص لمدة تصل إلى 15 يوما قبل تقديمهم للقضاء. كما يتضمن تعريفا فضفاضا للنشاط «الإرهابي» مما يفتح الطريق أمام الانتهاكات.
وتتركز المخاوف من القمع غالبا على السلفيين المحافظين والإسلاميين الذين عانوا طويلا من القمع في حكم بن علي وسلفه الحبيب بورقيبة الذي يعتبر مؤسس الكثير من التقاليد العلمانية في تونس.
وبينما يشترك السلفيون مع المتشددين في بعض الأفكار الدينية إلا أن غالبيتهم يرفضون عنفهم. لكن سعيهم من أجل دور أوسع للدين في الحياة العامة يزعج غالبا العلمانيين التونسيين الذين يخشون من أن ذلك قد يؤدي إلى تقويض الحريات الشخصية وحقوق المرأة.
وكان متشددون قد قاموا في خضم الأيام المضطربة بعد انتفاضة 2011 بمهاجمة مسارح ومعارض فنية ورموزا أخرى يعتبرونها غير إسلامية وسيطر وعاظ متشددون على مساجد وأنشأوا مدارس دينية.
وحتى قبل هجوم متحف باردو كانت الحكومة قد بدأت بالفعل حملة واسعة على المتشددين المشتبه بهم وأعادت سيطرة وزارة الشؤون الدينية على المساجد. ويقول محامون ونشطاء حقوقيون إن هذا العملية اتسعت.
ويقول أنور أولاد علي وهو محامي كثير من المتشددين لـ«رويترز»: «الآن نحن نرى أشخاصا يعتقلون فقط بسبب مظهرهم ولباسهم.. هناك حالة من الذعر.. هذا أمر خاطئ تماما.. هذا تشجيع وخلق لبؤر إرهاب جديد وليس محاربة له».
وقال رضا بلحاج زعيم حزب التحرير ذي الخلفية الإسلامية والحاصل على ترخيص: «إن شن حملة قد تؤدي إلى مزيد من التطرف». وأضاف: «هذا كله تهديد لمبادئ الثورة وعودة لأساليب الماضي الأسود.. الخطر الحقيقي (يكمن) في مواصلة حملات القمع واستهداف الشباب المتدين واستهداف المساجد لأن ضرب مظاهر الإسلام سيخلق مزيدا من الاحتقان ورد الفعل لدى شبابنا المسلم».
لكن الانزلاق إلى عهد قمع على غرار حكم بن علي ما زال أمرا غير مرجح. ويحكم حزب نداء تونس ضمن ائتلاف يشمل حركة النهضة وهو الحزب الإسلامي الذي فاز بأول انتخابات بعد الانتفاضة. ويمكن أن يحد هذا التوافق من اندفاع أولئك الداعين إلى مزيد من الإجراءات القمعية.
وقال مسؤول أمني رفيع لـ«رويترز»: «لن نعود للماضي ولما كنا عليه مع بن علي.. لا يمكننا فعل ذلك.. الديمقراطية وجدت هنا لتبقى وهي الآن أقوى من أي وقت مضى».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.