أبريل.. أجمل الشهور لدى صدام أصبح أقساها

فيه وُلد وتأسس حزبه.. لكن فيه أيضًا سقط تمثاله ونظامه وفقد قبره

تمثال صدام حسين في ساحة الفردوس ببغداد لدى إسقاطه في 9 أبريل 2003 (رويترز)
تمثال صدام حسين في ساحة الفردوس ببغداد لدى إسقاطه في 9 أبريل 2003 (رويترز)
TT

أبريل.. أجمل الشهور لدى صدام أصبح أقساها

تمثال صدام حسين في ساحة الفردوس ببغداد لدى إسقاطه في 9 أبريل 2003 (رويترز)
تمثال صدام حسين في ساحة الفردوس ببغداد لدى إسقاطه في 9 أبريل 2003 (رويترز)

في أبريل (نيسان) نفسه، الشهر الذي كان وصفه الشاعر الإنجليزي توماس إليوت بأنه «أقسى الشهور.. يخرج الليلك من الأرض الموات»، شاهد صدام حسين في التاسع منه عام 2003 على شاشة التلفاز في مكان ما من مدينة الأعظمية ببغداد دبابة أميركية عملاقة وهي تسقط تمثاله الضخم من ساحة الفردوس إيذانا بنهاية نظامه وحقبة البعث معا التي استمرت 35 عاما.
وبعد 12 عاما وفي شهر أبريل أيضا أزيل قبر صدام حسين من مكانه في مسقط رأسه، قرية العوجة جنوب مدينة تكريت وسوي بالأرض تماما.
في المرة الأولى وطبقا لشاهد عيان اسمه أبو لؤي الأعظمي، تحدث لـ«الشرق الأوسط»، فإن صدام كان «في ظُهر التاسع من أبريل 2003 يتجول في الأعظمية بصورة بدت طبيعية حتى تجمّع عدد كبير من المواطنين وقام بتحيتهم كعادته وكأن كل شيء طبيعي، وقد تم تصوير الفيلم التلفزيوني الخاص بذلك». ويضيف الأعظمي: «بعد هذه الجولة بالأعظمية اختفى الموكب ويقال إنه ذهب ليلا إلى تكريت عبر الثرثار والرمادي، علما بأنه لا صدام ولا وزير إعلامه محمد سعيد الصحاف كانا يعلمان نهار ذلك اليوم بأن طلائع القوات الأميركية دخلت بغداد».
بعد نحو 4 أيام من سقوط بغداد بثت فضائية أبوظبي الفيلم الخاص بآخر جولة لصدام حسين في بغداد يوم سقوطها. وهنا يروي الإعلامي العراقي شاكر حامد، الذي كان وقتذاك مديرا لمكتب فضائية أبوظبي ومراسلها في بغداد، لـ«الشرق الأوسط» تفاصيل وصول الفيلم قائلا: «بعد انتهاء الجولة تسلم الفنيون الفيلم وذهبوا به إلى الاستوديو البديل لتلفزيون بغداد على كورنيش الأعظمية لغرض بثه لكنهم وجدوا البث معطلا، غير أن الموظف الموجود في الاستوديو تسلم الفيلم». ويضيف حامد: «في هذه الأثناء وعند إسقاط التمثال ودخول الجيوش الأميركية إلى قلب بغداد انتهى كل شيء باستثناء هذا الفيلم اليتيم الذي يصور آخر جولة لصدام، وأخبرني بعض الأصدقاء أن بإمكانهم تزويدي بالفيلم وكذلك بآخر خطاب صوتي، لا تلفزيوني، لصدام الذي، بعد أن تيقن أن نظامه سقط، طالب الشعب والجيش والحزب بحمل السلاح والبدء بمرحلة المقاومة المسلحة».
ويستطرد حامد قائلا: «بالنسبة لنا كان الفيلم نادرا ورغبنا في بثه وبدأت مفاوضات سريعة مع من انتهى الفيلم عندهم، وبعد أن أدركوا أنه لم يعد هناك من يسائلهم اشترينا منهم الفيلم بـ22 ألف دولار أميركي ومعه الخطاب الصوتي وتم بثهما».
في عام 2003 كان صدام قد شاهد تمثاله يسقط في شارع السعدون كما شاهد جولته الأخيرة قبل أن يختفي حتى موعد إلقاء القبض عليه أواخر عام 2003 ومن ثم بدء محاكمته وإعدامه عام 2006.
وفي المرة الثانية، أي في أبريل الحالي، يقول شهود العيان الكثر إن قائد فيلق القدس الإيراني الجنرال قاسم سليماني وقف على قبر صدام الذي يقال إن رفاته نقل منه قبل ذلك بأشهر إلى مكان سري لا يعرفه إلا عدد محدود من أقربائه، لكنه بعد تحرير تكريت تمت تسوية قبره بالأرض.
ويبدو أن قسوة شهر أبريل بالنسبة لصدام تكاد لا تنتهي، ففي السابع منه ولد حزب البعث الذي انتمى إليه منذ نعومة أظفاره. وفي الثامن والعشرين منه عيد ميلاده الذي كان يجري الاحتفال به بصورة مبالغ فيها حتى في ظروف الحرب والحصار. وطوال سنوات حكمه الطويلة كان أبريل أجمل شهور صدام بعكس تشاؤم إليوت الذي تحقق بعد 35 سنة من حكم صدام على نحو بدت فيه القسوة مفردة خفيفة الظل طبقا لما وقع للرئيس السابق وحزبه ونظامه وعائلته.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.