رواد التشكيل العراقي تحت عنوان «555» بأعمال تعرض للمرة الأولى

مبنى قديم للمطافئ في الدوحة يتحول إلى مركز فني للإقامة والإبداع

وجه خشبي الملامح لضياء العزاوي و منحوتة لإسماعيل فتاح
وجه خشبي الملامح لضياء العزاوي و منحوتة لإسماعيل فتاح
TT

رواد التشكيل العراقي تحت عنوان «555» بأعمال تعرض للمرة الأولى

وجه خشبي الملامح لضياء العزاوي و منحوتة لإسماعيل فتاح
وجه خشبي الملامح لضياء العزاوي و منحوتة لإسماعيل فتاح

معرض تشكيلي مؤثر للغاية ومثير للشجن، افتتح في الدوحة منتصف الشهر الماضي ويستمر حتى منتصف يوليو (تموز) المقبل، يحمل عنوانا غريبا هو «555». المعرض مؤثر لأن غالبية أعماله هي لفنانين عراقيين رواد، غادروا بلدهم تحت وطأة الحروب والدمار، وحطوا رحالهم في الدوحة، في إقامات فنية طالت أو قصرت، وتركوا فيها مجموعات جميلة بينها ما تشعر برغبة في أن تقف أمامه طويلا لتتأمل عمق أصالته. ومثير للشجن لأنك تلحظ مدى تأثر هؤلاء الكبار بالمنحوتات والجداريات البابلية والآشورية التي نشأوا في ظلها واستمدوا جمالياتهم من روعتها، بينما تتعرض في العراق اليوم، لأسوأ أنواع التنكيل والتدمير.
الفنان العراقي الشهير ضياء العزاوي أحد الذين واكبوا هذه الإقامات التي بدأت عام 1995 واستمرت حتى 2005، وساهم في تشجيع زملائه الفنانين الآخرين على خوض التجربة، وكان شاهدا على ولادة عدد كبير من هذه الأعمال. عقد إذن لجأ خلاله عراقيون إلى ما سمي حينها «مركز الفن»، أقاموا، رسموا، نحتوا، وبعضهم كان قد بلغ سنا متقدمة واحتاج لمن يعينه على العمل مثل شاكر حسن، أو يمر بضائقة نفسية مثل إسماعيل فتاح بعد أن توفيت زوجته وهاجر أولاده إلى أوروبا. ومن بين المعروضات ما يزيد على 15 قطعة للبديع إسماعيل فتاح الذي توفي عام 2004 تاركا منحوتات رخامية، وجوها مكتملة من البرونز، وأخرى مربعة ضخمة من الجص غارت عيونها، أو منحوتات لقامات بشرية ذات بنى غرائبية، من بينها تلك التي تنتصب إلى جانب بعضها البعض كأنها شخصيات عملاقة، بألوان مختلفة، وبملامح ضبابية محاها الزمن من الوجود، إحدى هذه القامات كأنه تابوت لإحدى المومياءات المصرية التي يرسم عليها صورة صاحب الجثة. هناك أيضا لإسماعيل فتاح لوحات ضخمة لا تختلف كثيرا في روحها عن المنحوتات، لكنها تجسدت بالألوان في زيتيات داكنة. ومن بين أعمال هذا المبدع جدارية آشورية الطابع مخلوقاتها نصفها العلوي بشري والسفلي حيواني، وأخرى من الجص مستوحاة من منحوتات آثار العراق القديم. ولعل أجمل أعمال فتاح في المعرض هي منحوتة ضخمة لكائنين بشريين ذاب جسداهما في نصفهما السفلي فيما بدا الوجهان مفزوعين إلى حد يجعل من الصعب تحديد جنسيهما، إن كانا من الإناث أم من الذكور.
العراق القديم أصيل ومتجذر عند هؤلاء الفنانين، ولسعدي الكعبي جداريتان رائعتان في المعرض، هما امتداد لأسلوبه الذي يمزج بين التكعيبات الهندسية، والأجساد ذات المنحى التكعيبي والكتابات التي لا تعرف إن كانت عربية أم مسمارية، كلها تتوالى في تكرار تناغمي متقن، ومدهش. يزداد إحساسك بجمالية هذا الرسم المنمنم مع ألوان تطلى بها الجدارية بتدريجات متهادية حتى لا تعرف تماما كيف وأين يبدأ الأزرق وينتهي إلى السكري العابق السمرة.
هذه المجموعة كما أعمال أخرى لفنانين عرب غالبيتهم من العراقيين، تخرج للمرة الأولى إلى الجمهور، وهي تعرض فيما بات يعرف «مطافئ: إقامة الفنانين». فقد تمت إعادة تأهيل مبنى الدفاع المدني القديم في الدوحة، وتحول إلى مركز فني، فيه قاعات للعرض، ومكان حديث مؤهل لاستقبال 24 فنانا، لكل منهم الأتليه الخاص به، رغبة في استعادة تجربة الإقامات الفنية، ولكن على مستوى أكثر انفتاحا وتنظيما. ويبدو أن 150 طلبا من فنانين قدمت لغاية اللحظة، وستعلن أسماء الذين تم اختيارهم هذا الشهر. ومعرض «555» هو الأول في هذا المركز، وجاء اسمه هذا استيحاء من رقم تليفون المطافئ 999 التي يستخدمها السكان عند الضرورة، وتحية لخدمات الدفاع المدني طوال 30 عاما.
من الفنانين الذين تعرض أعمالهم نزار يحيي الذي تقاطعت إقامته في الدوحة مع إسماعيل فتاح، وله في المعرض لوحة زيتية تجريدية ضخمة وجداريات معدنية عدة. العراقي علاء بشير حاضر هو الآخر، بوجوهه التي تشبه الأقنعة. هناك لوحة لعلاء بشير يمكن القول إنها أنجزت بالأبعاد الثلاثية حتى قبل أن تصبح هذه الموضة ابتكارا إلكترونيا شائعا. من اللوحة يبرز وجه إنسان بحجم ضخم وغراب يختلس إليه النظر من وراء سور منحدر نزولا. الوجوه هي سمة هذه الأعمال العراقية الطالعة من أتون الحرب والانكسار. لوحة كبيرة، هي مجرد وجه لـ«الملك الأخير» كما سماه محمود العبيدي، بعد أن أخفى عينيه وجعل رأسه كأنما نبت فيه ريش كالهندي الأحمر، ضياء العزاوي يعرض هو الآخر في «555» وجوها، لكنها إما غائبة الملامح، أو نافرتها، كما هو حال الوجه الضخم الذي ملأ جدارا وركبت فيه العينان والأنف والفم، كما يفعل الأطفال في الألعاب الخشبية. عراقي آخر لا يقل شهرة ولا مهارة هو علاء بشير وله لوحة عنونها «ليلة سقوط بغداد» 2007 تبدو فيها كائنات سوداء الأجساد ذات وجوه حيوانية مفترسة تتحلق حول كرسي خشبي وضع عليه رأس مقطوع في كيس شفاف خرج منه شعرها المتدلي. أحد المخلوقات التي تحيط بالكرسي له مخالب طويلة ويحمل سيفا، وآخر علق نياشين على الجهة الخلفية من كتفه. ما بين السخرية والدراماتيكية يقدم علاء بشير عملا ممهورا بالألم العراقي المديد.
شاكر حسن وسالم الدباغ لهما 3 لوحات «بدون عنوان» كأنما هي نفذت بتواطؤ فني بينهما، الأول، يفرغ لوحة طليت بألوان داكنة من منتصفها تاركا دائرة كبيرة بيضاء خاوية، وعملان للثاني، بقربها هما دائرتان مطليتان بلون لوحة الأول تحار إن كانا كوكبين متجاورين، أو هما امتلاء لذاك الفراغ الذي تركه شاكر حسن في لوحته.
معرض «555» يثير الشجن ويذكر بالمهارات الفنية التشكيلية العراقية الرائدة التي لم تهزمها الحرب بقدر ما شحذتها وأضرمت نيران إبداعها.



الشاعر السوري أدونيس يدعو إلى «تغيير المجتمع» وعدم الاكتفاء بتغيير النظام

أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
TT

الشاعر السوري أدونيس يدعو إلى «تغيير المجتمع» وعدم الاكتفاء بتغيير النظام

أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)

دعا الشاعر السوري أدونيس من منفاه في فرنسا الأربعاء إلى "تغيير المجتمع" في بلده وعدم الاكتفاء بتغيير النظام السياسي فيه بعد سقوط الرئيس بشار الأسد.

وقال أدونيس (94 عاما) خلال مؤتمر صحافي في باريس قبيل تسلّمه جائزة أدبية "أودّ أولا أن أبدي تحفّظات: لقد غادرتُ سوريا منذ العام 1956. لذلك أنا لا أعرف سوريا إذا ما تحدّثنا بعمق". وأضاف "لقد كنت ضدّ، كنت دوما ضدّ هذا النظام" الذي سقط فجر الأحد عندما دخلت الفصائل المسلّحة المعارضة إلى دمشق بعد فرار الأسد إلى موسكو وانتهاء سنوات حكمه التي استمرت 24 عاما تخلّلتها منذ 2011 حرب أهلية طاحنة.

لكنّ أدونيس الذي يقيم قرب باريس تساءل خلال المؤتمر الصحافي عن حقيقة التغيير الذي سيحدث في سوريا الآن. وقال "أولئك الذين حلّوا محلّه (الأسد)، ماذا سيفعلون؟ المسألة ليست تغيير النظام، بل تغيير المجتمع". وأوضح أنّ التغيير المطلوب هو "تحرير المرأة. تأسيس المجتمع على الحقوق والحريات، وعلى الانفتاح، وعلى الاستقلال الداخلي".

واعتبر أدونيس أنّ "العرب - ليس العرب فحسب، لكنّني هنا أتحدّث عن العرب - لا يغيّرون المجتمع. إنّهم يغيّرون النظام والسلطة. إذا لم نغيّر المجتمع، فلن نحقّق شيئا. استبدال نظام بآخر هو مجرد أمر سطحي". وأدلى الشاعر السوري بتصريحه هذا على هامش تسلّمه جائزة عن مجمل أعماله المكتوبة باللغتين العربية والفرنسية.

ونال أدونيس جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس وتحمل اسم شاعر كتب باللغتين الكتالونية والإسبانية.