المشهد

كل ما هو أول مضى..

المشهد
TT

المشهد

المشهد

* كيف يمكن لناقد سينمائي أن يكتب
عن أن فيلما معينا هو «أول فيلم» من نوعه، أو أن فلانا هو «أول مخرج يقدم على هذه التجربة»؟.. وهل صحيح أنها «المرة الأولى التي نشاهد فيها
فيلما ينصف العرب»؟
* الجواب عن هذه الأسئلة وما يجاورها هو أن كل ما هو أول مضى. هناك رتل من الأوائل في كل نوع وصنف. أي فيلم تراه هو ملحق لأكثر من فيلم سابق. ليس هناك أول له أو فيه، وليس هو آخر ما سيرد منه. كل شيء على الشاشة سبق تحقيقه سواء
في الموقف أو في الموضوع أو في كنه اللغة التعبيرية التي يستخدمها.
* في موضوع الفيلم الأول الذي ينصف العرب.. أين ذهب «معركة الجزائر»؟ أين ذهب «هانا ك»؟ أميركيا: أين ذهب «صقر البحر».. «المحارب الثالث عشر».. «قبلة مساء الجمعة الطويلة».. «جريمة تامة».. «بولوورث»؟ وهناك أخرى عديدة..
* على هذا الأمر هناك الكثير من الأعمال الجيدة تم هدرها لأنها لم تلتق وثوابت «صاحب الرأي»، والكثير جدا من الأعمال الركيكة (في أفضل تعبير) هي التي نالت الإعجاب لكونها تمثّل للكاتب
شيئا يعتقد أنه صحيح.
* المسألة يمكن لها أن تتبلور
جيّدا على النحو التالي:
- من لا يعرف الممثل سلِم بيكنز فاته السبب وراء اختياره لدور مساند في رائعة ستانلي كوبريك «دكتور سترانغلوف: أو كيف توقفت عن القلق وأحببت القنبلة؟».
- من لم يعرف جنرال كستر لا يعرف المقصود كليا بالكولونيل الذي يقف في وسط القذائف المتساقطة ويقول «أحب رائحة النابالم في الصباح» وذلك في فيلم «سفر الرؤيا الآن».
- من لم يمعن في بعض أفلام ديفيد لينش (مثل «مولهولاند درايف») لا يمكن له أن يعرف قرب (أو بعد) المخرج عن بريخت.
* أستطيع أن أكتب صفحة كاملة عن هذا الموضوع لأن هناك ألوف العناصر والمعلومات التي تكوّن المادة النقدية الصحيحة والتي تغيب عن بال كتاب اليوم سواء أكانوا من العرب أو من الأجانب. السبب في أن أحدا لا يهتم بالبحث يكمن في أن هم الجميع هو أن يكتبوا. وهناك العديد ممن يكتبون عندنا جيّدون، لكن أكثر منهم من يعتقدون أن السينما وُلدت معهم،
وأن الفيلم هو مثل المصعد الكهربائي عليه أن يصعد أو يهبط إليك ليكون جاهزا لرؤيتك أنت.
* في المرة المقبلة التي تقرأ فيها عبارة «المرة الأولى» أوقن بأن هناك مغالاة شديدة إلا إذا كان
الفيلم من إخراج حيوان البطريق أو أن
ممثليه وقفوا على أيديهم طوال الوقت.



8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.