على جانب كتفه شارة الجيش الوطني الليبي الذي يحارب المتطرفين منذ عدة أشهر.. يرسم الضابط عبد السلام الفزاني بأصابعه ذات اللون الخمري، ما يشبه الكماشة وهو يصف العمليات التي تجري ضد ميليشيات المتشددين المتحصنة في عدة مدن كبرى. ترتكز الكماشة على مدينة سبها في الجنوب، ومن المفترض أن تطبق بكفيها على بنغازي من الشرق وطرابلس من الغرب.. «هذا كان حلما، وبدأ يتحقق».
وبينما فر مئات الدواعش الأجانب، خاصة من مدينتي درنة وصبراتة، إلى دول مجاورة منها تونس وجنوب الجزائر والنيجر، تجرى محاولات من السلطات الشرعية لاستقطاب قوات الأمازيغ الليبيين، بعد أن أغرت جماعة الإخوان هذه الأقليات العرقية بالقتال في صفوفها مقابل «امتيازات دستورية».
ينتمي الضابط عبد السلام إلى واحدة من القبائل الليبية التي يتركز وجودها في الجنوب وبعض مناطق الشرق، لكن أصبح لها ضباط وجنود يقاتلون مع باقي أفرع الجيش في أهم منطقتين تجري فيهما عمليات مطاردة المتطرفين في محيط كل من سبها وطرابلس. أما بنغازي فـ«الحسم مسألة أيام.. بعض جيوب الإرهابيين، ويجري التعامل معهم»، حسبما يؤكد، مشيرا إلى أن تقدم «عاصفة الحزم» التي تقودها السعودية ضد الانقلابيين الحوثيين في اليمن رفعت معنويات الجيش الليبي.
وللضابط عبد السلام، صديق من قبيلته نفسها يدعى عيسى، ويشغل حاليا موقع مستشار كبير في السلطة الليبية الجديدة. وقرر عيسى إنهاء إجراءات زواجه من ابنة عمه وخطيبته، وهي نائبة في البرلمان، بعد أن كان يؤجله إلى حين استتباب الأمن في بلاده. وظهر، وهو يقف مبتسما في بدلة بيضاء ورابطة عنق حمراء، أنه أصبح على ثقة من انتصار الدولة على المتطرفين.
على جبهات أخرى من عمليات القتال التي لا تتوقف في هذا البلد شاسع المساحة، يوصي قادة من الجيش الوطني الذي يقوده الفريق خليفة حفتر، بعدم ذكر أسماء ضباط النخبة الذين انضموا أخيرا للقوات المسلحة، خشية من «الحساسيات»، رغم أنهم قادوا في الأيام الأخيرة معارك فارقة وناجحة، وتسببوا في تغيير موازين القوة ضد المتطرفين في الجبال الواقعة غرب طرابلس.
تتعلق هذه «الحساسيات» بالماضي الذي كان يمثله قطاع من هؤلاء الضباط المتمرسين، ممن ظلوا يقاتلون في صفوف الجيش في عهد القذافي حتى مصرعه في خريف عام 2011، واضطروا للفرار للخارج أو الاختباء بالداخل.
يذكر أحد كبار قادة القوات المسلحة الليبية: «هؤلاء الضباط كانوا يؤدون واجبهم في الجيش. لم يكونوا يدافعون عن شخص القذافي، ولكن عن ليبيا.. ثم إنهم، وهذا أبسط قواعد الجندية، كانوا ينفذون أوامر قادتهم في ذلك الوقت، واليوم نرحب بعودتهم للجيش».
واختفى بمصر وتونس والجزائر وفي داخل ليبيا أيضا، المئات من الضباط وألوف من جنودهم، بعد أن خسروا الحرب التي دارت رحاها لمدة 8 أشهر بين المسلحين الليبيين المدعومين من حلف الناتو من جانب، وقوات القذافي من الجانب الآخر. ينتمي هؤلاء الضباط والجنود لعدة قبائل كبيرة في ليبيا، وغالبيتها لم يؤيد الثوار، وبعضها لم يكن يؤيد القذافي أيضا.
في الأسابيع الأخيرة شارك قطاع من العسكريين المحسوبين على تلك القبائل في دعم الجيش وخوض الحرب ضد المتطرفين تحت راية الدولة والسلطات الشرعية. يقول مسؤول في الجيش إنه كلما علم المتطرفون باسم أحد ضباط الجيش الكبار ممن انضم حديثا للقوات المسلحة، أشاعوا أخبارا عن أن هذا الضابط أو ذاك كان يصدر الأوامر بقتال «الثوار» أيام القذافي.. «نحن تجاوزنا هذه المرحلة. ومن يعودون للخدمة في صفوف الجيش، يعودون لإنقاذ ليبيا من الفوضى».
وبالإضافة إلى سقوط عشرات القيادات من المتطرفين في «عملية الكماشة» غرب طرابلس وفي بنغازي، فإن عددا من القادة الليبيين الذين شاركوا في القمة العربية بمنتجع شرم الشيخ، ومن بينهم عقيلة صالح رئيس البرلمان، وعبد الله الثني، رئيس الحكومة، حصلوا على تطمينات بأن الدول العربية لن تترك ليبيا للفوضى.
يقول مسؤولون مصريون إن القاهرة لعبت دورا غير معلن، منذ عدة أسابيع، في تسهيل التواصل بين صالح والثني من جانب، ورموز قبلية وعسكرية ليبية كانت مهمشة بسبب اتهامها بأنها محسوبة على نظام القذافي.
ويضيف: «أسفر هذا عن انضمام ضباط وجنود من أبناء هذه القبائل للجيش.. يشاركون في العمليات العسكرية.. أنت ترى النتيجة على الأرض».
عموما؛ بدت حالة من الانشراح على وجوه أعضاء الوفد الليبي عقب عودته من المشاركة في القمة العربية. و«مثل هذا الانشراح لم يحدث منذ شهور طويلة»، كما يقول الضابط عبد السلام، وهو يشارك المهنئين في عُرس المستشار عيسى، مضيفا أن الجيش قادر على الحصول على أسلحة جديدة رغم استمرار الحظر الدولي على تسليحه. وعما إذا كانت هناك دول عربية تدعم في هذا الاتجاه، كما يتردد في أوساط العسكريين هنا، رفع أصبعيه بعلامة النصر وهو يهز رأسه بالتأكيد.
رجع من مصر أكثر من 150 من كبار الضباط الليبيين السابقين، وعاد من تونس والجزائر عدة عشرات آخرين. ويعتقد أن عدد الضباط فقط يبلغ المئات. تمكن هؤلاء الضباط من إصدار أوامر لألوف من جنودهم بالعودة إلى الخدمة بعد أن كانوا قد تركوا وحداتهم أثناء أحداث 2011 ومكثوا في بيوتهم.. «التحقوا بقاعدة الوطية في شمال غربي طرابلس، وانضموا لمعسكرات الزنتان جنوب غربي العاصمة، والتحقوا بالعمليات في بنغازي»، كما يقول أحد القادة العسكريين في قيادة الجيش.
ويوضح صلاح الدين عبد الكريم، المستشار في الجيش الليبي، قائلا إن قاعدة الوطية العسكرية «أصبحت تحت السيطرة بالكامل، ولم يعد يوجد حولها حصار من المتطرفين. وما يشيعونه عن محاصرتها وما يقال عنها، مجرد دعاية سوداء.. كانت فيها قبل أيام طائرة رئيس الوزراء؛ الثني، ووكيل وزارة الدفاع العميد مسعود ارحومة.. نحن الآن قرب منطقة الزاوية».
وأصدر الفريق حفتر عدة قرارات رسمية بضم قيادات عسكرية سابقة للخدمة، لكن مسألة الكشف عن الأسماء أمر سابق لأوانه. لكن «الشرق الأوسط» كانت أولى الصحف التي تكشف عن بعض من الأسماء العسكرية المعروفة بخبراتها ومكانتها القبلية، التي انضمت بالفعل للجيش، ومن بينهم القائد محمد بن نايل.
وعمل بن نايل من الجنوب في «عملية الكماشة». وحقق تحالف الجيش والعسكريين الذين انضموا له أخيرا، انتصارات غير مسبوقة لاستعادة المطارات والقواعد التي استولى عليها المتطرفون في السابق.
في الجنوب أيضا، جرى حصار قاعدة تمنهند في سبها بعد أن خرجت القوات العسكرية من الشاطئ واتجهت جنوبا إلى سبها. يكشف المستشار عبد الكريم عن أن الفريق حفتر أصدر قرارا بإلحاق بن نايل بالقوات المسلحة.. ويضيف: «الآن بن نايل وجنوده يحاصرون القوة الثالثة التابعة للمتطرفين في قاعدة تمنهند، وقوات الجيش تحيط بهذه القاعدة من جميع الجهات. أما دخول سبها فلم يتحدد بعد. العمل كله يتركز على طرابلس في الوقت الراهن».
ويضغط الجيش وحلفاؤه من القادة العسكريين الجدد، بقوة على الكماشة لتخليص طرابلس من الميليشيات.. «الآن، نحن في انتظار قرار من القيادة العامة للجيش للدخول إلى العاصمة»، كما يقول المستشار عبد الكريم، ويضيف موضحا أن ما يجري الآن هو «تهيئة الأمر على الأرض، على أساس أن المجموعات الموالية للجيش الموجودة داخل طرابلس تكون جاهزة، وكذا من أجل العمل على تضييق الخناق على الميليشيات المتطرفة وجرها خارج المدينة».
القتال يجري في الوقت الراهن على مشارف العاصمة.. تعرضت ميليشيات المتطرفين لضربات قاصمة في منطقة الحشان ومنطقة الركاريك جنوب منطقة الجميل بنحو 5 كيلومترات، أي إلى الغرب قليلا من طرابلس. هذه المعارك الجديدة هي استمرار لعمليات تمكن فيها الجيش من قص ريش الميليشيات في منطقة الجبل الغربي والزنتان وورشفانة. جرى القضاء على 10 على الأقل من كبار قيادات الميليشيات في تلك المناطق طوال الأسبوعين الماضيين، وحتى الآن.
يؤكد أحد قادة القبائل الذي يعمل بالقرب من القوات المسلحة، أن قوات الجيش تقدمت بدعم من أبناء القبائل تقدما كبيرا في المنطقة الغربية.. يحدث هذا منذ يوم السبت الماضي. «جيش تابع لحفتر، وأبناؤنا معه، سيطروا على منطقة تمركز ميليشيا المتطرفين في موقع بئر الغنم، وهي تقع في سفح الجبل.. أسفل منطقة غريان».
وفي الوقت الراهن بدأ وسطاء من الجيش والقبائل فتح قنوات اتصال مع قوات الأمازيغ «التي تورطت في القتال مع المتطرفين». ولو كانت منطقة الجبل، والمقصود بها الأمازيغ في منطقة جبل نفوسة والبلدات القريبة منه، انضمت للجيش لكان قد جرى حسم الحرب ضد المتطرفين في طرابلس منذ وقت مبكر، وفقا للمصادر.
وللأمازيغ شروط للمشاركة في الحرب. وتمكنت جماعة الإخوان، منذ عدة أشهر، من استمالة هؤلاء المقاتلين لصالحها بعد أن منحتهم وعودا بتضمين الاعتراف باللغة الأمازيغية في الدستور. هكذا تقول لـ«الشرق الأوسط» أماني الوشاحي، مستشار رئيس «منظمة الكونغرس العالمي الأمازيغي».
يمثل الأمازيغ نسبة صغيرة مقارنة بعدد سكان ليبيا البالغ نحو 6 ملايين نسمة، إلا أن لديهم قوة لا يستهان بها. وتضيف الوشاحي أن إقصاء الاعتراف بالقوميات في الدستور الليبي، هو الذي دفع بالأمازيغ إلى القتال مع «فجر ليبيا».. الأمازيغ كانوا حتى أواخر أغسطس (آب) الماضي، يغلقون الحدود على الإقليم الذي يعيشون فيه.. كانوا يعزلون أنفسهم بعيدا عن الصراع، حتى وقعوا في كمين قام به الإخوان لجر أرجل الأمازيغ الليبيين للحرب معهم.
وفقا للوشاحي، فقد قدم قادة ميليشيات الإخوان، ومنها «فجر ليبيا»، وعودا للأمازيغ بأنه في حال تولى الإخوان الحكم، فإنهم سيعطون حقوقا للأمازيغ، وأنه سيكون في الدستور اعتراف بالهوية الأمازيغية.. «أنت تعلم أن الإخوان ليست لهم كلمة ولا عهد، لكن أنا ألتمس العذر للأمازيع لأنهم لم يجدوا من يقدم لهم الوعود حول هذا الأمر إلا الإخوان، بغض النظر عما إذا كانوا سيحققونها لهم أم لا».
يقول مصدر عسكري إن الوسطاء تحدثوا مع قادة من الأمازيغ للتخلي عن الإخوان والميليشيات المتطرفة، والانضمام للقوات المسلحة، والمشاركة في «(عملية الكماشة) لتحرير المدن الكبرى من المتطرفين، على أن يجري بحث مطالب الأمازيغ في الدستور مستقبلا».
الوشاحي توضح أن المشكلة تكمن في أن «الطرف الآخر (برلمان طبرق والسلطات المنبثقة عنه) أغلق الباب نهائيا في وجه الأمازيغ منذ البداية، وهذا كان خطأ من الحكومة الشرعية ومن قوات حفتر. كان يمكن لهم أخذ قوات الأمازيغ في صفهم. الأمازيغ قوة لا يستهان بها، ولديهم تسليح كبير.. أنت تخوض حربا على الإرهاب، ومع ذلك لا تريد أن تتنازل قليلا للأمازيغ الذين هم أصلا ضد الفكر المتطرف».
مصادر عسكرية توضح أن قادة الأمازيغ لديهم إمكانات ضخمة، وأنهم إذا انضموا لقوات الجيش، فسيشكلون قوة ضاربة إضافية للقوات المسلحة والسلطات الشرعية.. «الأمازيغ تمكنوا من تطوير مطار مدينة زوارة من مجرد مطار محلي إلى مطار دولي، وتجهيزه لاستضافة المؤتمر السابع للكونغرس العالمي الأمازيغي الذي كان من المفترض أن ينعقد في المدينة، أواخر العام الماضي، وجرى تأجيله بسبب حدة الاقتتال في تلك المناطق. هذا مؤشر على قوتهم وتمسك الإخوان بهم، ولذلك نحن نعمل لفك ارتباط الأمازيغ بالمتطرفين».
ومع ذلك، لا تتوقف عمليات الجيش، سواء انضم له الأمازيغ أم لم ينضموا.. يضيف مصدر عسكري آخر أن القوات المسلحة تحركت على مشارف الزاوية القريبة من جبل نفوسة، بعد أن قطعت مسافة كبيرة جدا في مناطق تمركزات ميليشيا «فجر ليبيا»، وقضت قوة الجيش على هذه التمركزات. ويزيد قائلا إن عدد القتلى كبير جدا في صفوف قوات «فجر ليبيا».. «ثم توجهت القوة إلى منطقة العجيلات القريبة من قاعدة الوطية العسكرية التي كانت (فجر ليبيا) تهدد باقتحامها وكانت تحاصرها لعدة أسابيع. المسافة بين العجيلات وقاعدة الوطية نحو 100 كيلومتر. (فجر ليبيا) التي كانت تهدد الوطية أصبحت مهددة في العجيلات وفي رأس اجدير على الحدود الليبية - التونسية».
ليست طرابلس ومحيطها فقط التي تجري فيها ملاحقة المتطرفين، في الحقيقة، بل معها عمليات مستمرة في بنغازي. يقول أحد القادة العسكريين في عمليات المنطقة الشرقية من البلاد: «في الوقت الحالي، الدواعش في منطقة أم مبروكة في جنوب القوارشة ببنغازي، هم محاصرون.. تمكن الجيش أخيرا من تطهير عدة مواقع كانت عصية عليه في المدينة، منها منطقة الجوردينا ومنطقة الهواري.. كان يوجد هنا مقاتلون أجانب من (داعش)، وهربوا خارج ليبيا.. الحياة بدأت تعود لطبيعتها في الشوارع المجاورة خاصة شارع (عشرين)».
تمكن الجيش من تطهير منطقة سوق الحوت وميناء بنغازي ومحيط المنارة من الدواعش.. «كل هذه المواقع أصبحت تحت سلطة قوات الجيش.. وكذا ضاحية بوعطني، يجري فيها قتال مستمر، وكان المتطرفون يوجدون في كتيبة المعسكر 109 التابعة للجيش، واستعادها منهم، وأخذ أسرى من جماعة (أنصار الشريعة) المتحالفة مع تنظيم داعش».
في السابق لم يكن الجيش قادرا على الوصول إلى داخل بوعطني التي يتحصن فيها المتشددون، وبعد أن تعرضت لقصف شديد، بدت أكثر هدوءا اليوم.. الدكاكين كذلك بدأت تفتح أبوابها هنا، وفي عدة مناطق أخرى داخل بنغازي. وفي جنوب المدينة، على طريق اجدابيا، ما زال هناك بعض القتال في المنطقة.. أي بعد منطقة المزارع بقليل.
المستشار عبد الكريم يقول: «الآن توجد مجموعات صغيرة، عبارة عن خلايا وأفراد، يقومون بعمليات بسيطة مثل القنص وخلافه. القتال الشديد موجود فقط بعد منطقة بوعطني بقليل».
أخبار الانتصار على فرق من الميليشيات التي أصبحت إما مشتتة في الصحراء أو متحصنة في بعض المدن، وهروب عناصر من الدواعش، لا تعني أن كل ما يصل من أنباء يسعد السامعين.
قوة «فجر ليبيا» ليست لديها المقدرة ولا الإمكانية لكي تحارب على 5 جبهات. في الوقت الحالي يوجد قتال في الجبهات الغربية والجنوبية والوسطى، (سرت والنوفلية) وفي الجبهة الشرقية قتال مستعر أيضا، وتريد «فجر ليبيا» بعد كل هذا أن تحمي نفسها في مدينة مصراتة وفي طرابلس.. «هذا من سابع المستحيلات»، كما يقول الضابط عبد السلام.
ويضيف: «كل مناطق ليبيا في الوقت الحالي مشتعلة بالكامل. حتى لو كان لدى (فجر ليبيا) جيش الصين، لا يمكنها أن تغطي كل هذه المساحات وكل هذه الجبهات القتالية. أما بالنسبة لحلفائهم من (أنصار الشريعة) ومجالس الثوار التي ينخرط فيها المتطرفون في بنغازي وطرابلس، فقد دبت الخلافات بينهم، وبدأ المقاتلون الأجانب يفرون من الجبهات أمام ضربات الجيش، أما المقاتلون الليبيون فيقومون بعمليات انتقامية».
عمليات الانتقام البشعة التي يقوم بها المتطرفون تدمي القلوب.. «انظر ماذا فعلوا في أسرة العقيد بوعجيلة»؛ هكذا يقول المستشار عبد الكريم. تتلخص حكاية هذا العقيد، واسمه الكامل هو: «بوعجيلة الحبشي»، وكان رئيسا للمجلس العسكري بمدينة ترهونة (88 كيلومترا جنوب شرقي طرابلس)، في أنه تعرض للاختطاف على أيدي الميليشيات المسلحة منذ عامين في العاصمة، ولا أحد يعرف إن كان ما زال على قيد الحياة أم إنه جرى قتله.
على أي حال.. حين تمكن الجيش الوطني من قتل قادة من تلك الميليشيات، توجهت عناصر متطرفة مسلحة للانتقام، وقامت بتصفية أسرة العقيد بوعجيلة في منزله في ترهونة.. قتلوا الأطفال والنساء العزل في بيتهم.
ويقول المستشار عبد الكريم عن سير العمليات إن الجهة التي قامت بتنفيذ هذه المذبحة بحق أسرة بوعجيلة هي ميليشيات رجل متطرف ومهرب مخدرات سابق يدعى المرغني.. ارتكبت هذه الميليشيا المجزرة بحق أسرة العقيد الحبشي التابع للجيش، والمختطف في طرابلس على يد ميليشيات مصراتة، منذ نحو سنتين.. «هذه واحدة من نكبات الإخوان والدواعش وخريجي السجون».
ويضيف المستشار عبد الكريم أن قائد الميليشيا المدعو «المرغني» معروف أنه من المحكومين في قضايا جنائية، وممن فروا من سجون القذافي أيام أحداث 2011؛ حيث كان محكوما عليه بالسجن لمدة 25 سنة في قضية تهريب وتجارة مخدرات.
«عملية الكماشة»، كما يصفها ضباط في الجيش، يبدو أنها قادرة على حسم الصراع بعيدا عن محاولات الحوار التي «تريد إنقاذ المتطرفين من الهزيمة». ولهذا تشير مصادر أمنية ليبية ومصرية إلى أن قادة المتطرفين الذين يديرون «فجر ليبيا» وما يسمى «المؤتمر الوطني» و«حكومة الحاسي» التابعة للإخوان في طرابلس، حاولوا الضرب في جميع الاتجاهات لإنقاذ ما يمكن إنقاذه أمام تصميم الجيش على بسط شرعية البرلمان وحكومة الثني في عموم البلاد.
وتكشف هذه المصادر عن قيام حكومة الحاسي الإخوانية بتعيين مندوب مصري لها في القاهرة، إلا أن مصر رفضت التعامل معه رسميا، ويدعى «و.ش»، ومع ذلك، علمت «الشرق الأوسط» أن هذا المندوب يقوم في الوقت الحالي بتنظيم رحلات مدفوعة الأجر لعدد من وسائل الإعلام المصرية للترويج لحكم الإخوان في طرابلس باعتبارهم «السلطة الشرعية»، رغم عدم اعتراف المجتمع الدولي بهذه الحكومة.
وتضيف المصادر الأمنية أن جماعة الإخوان و«قوة فجر ليبيا» تريدان إقناع العالم بأنهما قادرتان على محاربة تنظيم داعش في البلاد، وأن «داعش» يسعى لمحاربة «فجر ليبيا». وتقول إن موضوع محاربة مصراتة لـ«داعش» قرب مدينة سرت وقرب منطقة النوفلية «أمر مثير للسخرية، لأن المعركة التي جرت هناك كانت أساسا بسبب خلافات بين ميليشيات متطرفة حول الحق في الاستيلاء على سيارات عسكرية بالمنطقة».وتشير إلى أن «الاشتباكات التي كانت في النوفلية جنوب سرت وعلى مشارف السدرة، قرب الحقول النفطية.. من المعروف أن السدرة والنوفلية بعيدة عن نفوذ (داعش).. حقيقة الاقتتال الذي وقع هناك، ومزاعم (قوات فجر ليبيا) أنه كان مع تنظيم داعش، كان في الحقيقة معركة حول غنائم عسكرية، وتكبدت مصراتة (فجر ليبيا) خسائر فادحة على يد ميليشيا منافسة لها، بينما أخذت (مصراتة)، بعد هذه المعركة، تسوق لوسائل الإعلام أنها كانت تحارب (داعش)».
ويقول مصدر عسكري من قبيلة ورفلة، إحدى كبرى القبائل الليبية ولها خلافات تاريخية مع قبائل مصراتة، إن «(قوات فجر ليبيا) لم يعد أمامها إلا أن تحتمي بالغرب بحجة أنها تحارب الإرهاب.. كما أنها تسوق للقول بأن (داعش) يستهدفها بحيث يمكن للغرب أن يقوم بقصف جوي لصالح مصراتة، أو أن يقوم بتدخل عسكري لحمايتها من الجيش الليبي وقوات القبائل التي ستحاسبها على ما قام به قادتها من الإخوان في حق الليبيين طوال السنوات الثلاث الأخيرة».
ويكشف عن هروب مئات المقاتلين الأجانب؛ بمن في ذلك مقاتلون من تنظيم (داعش)، من ليبيا إلى دول الجوار، خاصة تونس وجنوب الجزائر والنيجر، مشيرا إلى أن «داعش» موجود تحت عباءة «أنصار الشريعة»، وأنهم يتركزون في درنة وسرت وصبراتة. ويقول إن عناصر من «داعش» ما زالوا يتحصنون في سرت في مجمع الأمانات، ومجمع الوزارات، ومحطة التوليد البخارية للطاقة، وفي مبنى الإذاعة المحلية، وفي مقر التلفزيون الليبي القديم، وفي «بوابة الثلاثين» على بعد 30 كلم غرب سرت.
ويضيف أن «الدواعش الليبيين موجودون وينفذون عمليات انتقامية بين وقت وآخر، لكن بالنسبة للأجانب، فقد بدأوا في الهروب، خاصة من درنة ومن صبراتة.. من درنة يتجهون جنوبا بعد إغلاق الجيش الطرق الواقعة غرب درنة.. وفي صبراتة يفرون عبر الحدود القريبة إلى داخل تونس».
8:17 دقيقة
«عملية الكماشة» الليبية تشتت المتطرفين وتقضي على عشرات القادة
https://aawsat.com/home/article/326891/%C2%AB%D8%B9%D9%85%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%85%D8%A7%D8%B4%D8%A9%C2%BB-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%8A%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D8%B4%D8%AA%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AA%D8%B7%D8%B1%D9%81%D9%8A%D9%86-%D9%88%D8%AA%D9%82%D8%B6%D9%8A-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%B9%D8%B4%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%AF%D8%A9
«عملية الكماشة» الليبية تشتت المتطرفين وتقضي على عشرات القادة
فرار مئات المقاتلين اﻷجانب من صفوف «داعش» إلى تونس وجنوب الجزائر والنيجر
- طبرق: عبد الستار حتيتة
- طبرق: عبد الستار حتيتة
«عملية الكماشة» الليبية تشتت المتطرفين وتقضي على عشرات القادة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة