ميونيخ.. صاحبة الألقاب الكثيرة ومقصد ملايين السياح

فيها التاريخ والحضارة وحتى التسوق

ساحة مارين بلاتس قلب المدينة النابض
ساحة مارين بلاتس قلب المدينة النابض
TT

ميونيخ.. صاحبة الألقاب الكثيرة ومقصد ملايين السياح

ساحة مارين بلاتس قلب المدينة النابض
ساحة مارين بلاتس قلب المدينة النابض

سمها ما شئت! «عروس الجنوب الألماني» أو «عاصمة ألمانيا الخفية».. ألقاب كثيرة تليق بميونيخ عاصمة ولاية بافاريا الألمانية الراقدة على مقربة من جبال الألب البهية. فتلك المدينة المستريحة عند منحدرات الجبال وعلى ضفاف نهر ايسار الذي يترقرق في وسطها، نجحت بوضع نفسها على قائمة أهم المدن السياحية في أوروبا. وميونيخ هي مقصد الملايين سنويا، وقد استقطبت العام الماضي أكثر من 6 ملايين زائر خلال مهرجان «اوكتوبرفست» السنوي الذي يقام لـ3 أسابيع بين أواخر سبتمبر (أيلول) وبداية أكتوبر (تشرين الأول). في ربوعها يختال التاريخ ويتغلغل في زواياها العتيقة، ليرسم مدينة مشبعة بالجمال وعابقة بسحر الماضي وأسراره.

* الساحة الشهيرة!
تعد ساحة «مارين بلاتس»Marienplatz المنصة التي منها يبدأ أكثرية السياح رحلتهم في عباب المدينة.
هنا نحتت أنامل أمهر النحاتين الألمان لوحات دقت بالحجر على مبانيها التي لكل منها حكاية قديمة لا تزال تسرد على مسامع السياح حتى يومنا هذا. لا تتوقف أسراب الزوار من التوافد إلى الساحة، ولكن تلك الحركة تتزايد عند الحادية عشرة، والثانية عشرة ظهرا، والخامسة عصرا. فخلال تلك الأوقات تطل على الجماهير من أعلى برج دار البلدية الجديد تماثيل صغيرة لتقدم رقصات فنية تستمر لدقائق قليلة على إيقاع نغمات موسيقية هادئة. في وسط الساحة عمود طويل يربض في أعلاه تمثال ذهبي للسيدة العذراء شفيعة المدينة، وعند زواياه 4 تماثيل صغيرة ترمز إلى المحن التي تغلبت عليها المدينة. يقود رواق صغير في أسفل برج دار البلدية الجديد إلى بهو فسيح تظلله خيمة السماء، سيستقبلكم عند جهته اليمنى باب قديم يحمل في أعلاه اسم «راتسكيلير»Ratskeller. إنه أقدم مطاعم المدينة الذي افتتح أبوابه عام 1874 ليقدم الأطباق البافارية الشهية. والمطعم عبارة عن مكان فسيح يتسع لأكثر من ألف شخص، ويتميز بديكوره التقليدي المزين بالقناطر، ورسومه التي ترتاح على جدرانه، إلى جانب مفروشاته التي تنقلكم إلى أجواء الريف الألماني بكامل تفاصيله. ومن ساحات ميونيخ التاريخية، ومطاعمها الكثيرة، ينتقل الزائر عبر طرقاتها الفسيحة إلى أحد أهم فنادقها، فندق «بايريشرهوف» Hotel Bayerischer Hof الرابض على مقربة من ساحة مارين بلاتس. تكتمل معايير الراحة والرفاهية في ذلك الصرح التاريخي المشيد عام 1841. في بهوه الفسيح تتألق قبة زجاجية ضخمة يتسلل منها النور ليغمر المكان بالدفء والجمال. في ظلال تلك القبة تنتشر مجموعة من المقاعد المريحة حيث تطيب الاستراحة ومراقبة الحياة وهي تدب في ذلك المكان الذي احتضن في الآونة الأخيرة مؤتمر ميونيخ للأمن في دورته الحادية والخمسين التي شارك فيها زعماء دول ووزراء دفاع وخارجية وقادة رأي عام من مختلف أنحاء العالم. فجميعهم استمتعوا بخدمات الفندق المترفة، وأقام بعضهم في ربوعه. كثيرة هي الغرف والأجنحة التي تتوزع في «بايريشرهوف»، فإذا كنتم من محبي الديكور البافاري، فجناح 759 سيكون مطلبكم. في ذلك الجناح تلتقي عوارض السقف الخشبية مع قطع الأثاث الكلاسيكية لتنقل النزلاء إلى أجواء بيوت الريف بطابعها المميز. ومع إشراقة يوم جديد ستجدون أنفسكم في طابقه العلوي وفي المطعم المعروف باسم «روف غاردن» Roof Garden حيث يقدم الإفطار سواء في الداخل أو على شرفته المطلة على منظر شامل للمدينة ومبانيها المعتمرة القرميد الملون.

* معالم سياحية
أينما اتجهت في ميونيخ فستكون أمام معالم سياحية مهيبة تركتها وراءها سلالة «فيتلسباخ» الملكية التي حكمت مملكة بافاريا على مدى 700 عام، أي لغاية تاريخ انضمام بافاريا رسميا لجمهورية ألمانيا الاتحادية عام 1918. في قصر «نيمفنبورغ» Nymphenburg Palace الذي كان المقر الصيفي لملوك بافاريا يبرز الفن الباروكي، ليترك بصماته على القسم الرئيسي فيه وما يتشابك معه من أجنحة ضخمة وصالات تظهر فيها مظاهر الثراء والترف على الجدران والنوافذ والأبواب والأسقف المشغولة بنقوشات لافتة للنظر. يحتضن القصر الصالة المعروفة بـ«صالة الجميلات»، وفيها 38 لوحة زيتية لصبايا في منتهى الجمال، تم اختيارهن من قبل الملك «لودفيغ الأول»، وبجوارها غرفة الملكة وفيها السرير الذي ولد فيه الملك «لودفيغ الثاني» عام 1845. في الطابق العلوي ستجدون أكبر مجموعة قديمة من بورسلين «نيمفنبورغ»، فأسرة «فيتلسباخ» كانت تفضل اقتناء ذلك النوع من البورسلين الفاخر. ومآثر «فيتلسباخ» المعمارية تمتد إلى قصر «ميونيخ ريزيدانس» Munich Residenz الذي يسرد الكثير من التفاصيل الدقيقة عن حياة تلك الأسرة العريقة التي عشقت مظاهر الثراء، والتي سيلمسها الزوار من خلال باحاته الـ10 وغرفه التي يصل عددها إلى 130 غرفة. ومن قصور ميونيخ العريقة ينتقل السائح إلى كاتدرائية السيدة العذراء «فراونكيرشه» Frauenkirche التي طبعت صورتها على الكثيرة من البطاقات البريدية المقبلة من ميونيخ. ترقد تلك الكاتدرائية بين ساحتي «مارين بلاتس» و«أوديون بلاتس» وتشتهر ببرجيها ذوي الشكل البصلي، اللذين يقفان بكل شموخ ليداعبا سماء ميونيخ الصافية. خلال جولتكم في المدينة سيخطف نظركم تمثال «ملك السلام» الجاثم على عمود بطول 38 مترا. ولذلك النصب التذكاري مكانة مرموقة لدى أهل المدينة لأنه شيد عام 1899 للاحتفال بمرور 25 عاما من السلام بعد الحرب الألمانية الفرنسية. وبعد جولة على تلك المعالم التي تحكي عن تاريخ المدينة تطيب النزهة إلى الحديقة الإنجليزية Englischer Garten المصممة على غرار الحدائق الإنجليزية. فتلك الحديقة لا تزال تجذب الناس إلى حضنها الأخضر منذ عام 1789. ففي ذلك التاريخ سمح الأمير «كارل تيودور» لعامة الناس بالتنزه في أرجائها التي تترامى على مساحة 375 هكتارا من المروج الخضراء. فبين تلك المروج والسهول المترامية على مد النظر ستكونون أمام البرج الصيني الشبيه بمعابد الباغودا الآسيوية. في أغلب الأوقات تقوم إحدى الفرق الموسيقية المحلية بعزف مقاطع من الموسيقى العالمية لتضفي على المكان الفرح والحبور. ولأن ميونيخ هي مدينة الفن، فبإمكانكم الاستمتاع بأمسية فنية في أوبرا ولاية بافاريا التي تقدم أكثر من 350 عرضا سنويا، يتم خلالها تقديم أهم الأعمال الموسيقية لعباقرة الموسيقى، أمثال «موتسارت»، و«فاغنر»، و«هاندل»، و«مونتيفيردي» يشارك فيها أشهر النجوم العالميين.

* رحلة حول ميونيخ
تحاصر ميونيخ قرى وبلدات غاية في السحر والجمال. فبعد قطع مسافة 12 كيلومترا، إلى جنوب غربي المدينة، ستصلون إلى بلدة غرونفالد Grünwald التي تقع وسط غابة خضراء مرتاحة على الضفة اليمنى من نهر «ايسار». تشتهر البلدة بقلعتها المشيدة في القرون الوسطى، وتضم فرعا من متحف بافاريا للآثار. ولا ننسى أن «غرونفالد» تمتلك استوديوهات بافاريا لإنتاج الأفلام السينمائية، وهي أيضا المكان الذي تترامى على تلاله ومنحدراته الساحرة منازل فخمة وقصور للأثرياء والمشاهير بينهم كثير من لاعبي كرة القدم في نادي بايرن ميونيخ. وفي حال استكملتم الرحلة في الاتجاه نفسه ستجدون أنفسكم في رحاب بلدة «ستارنبيرغير زي» Starnberger See المميزة بطبيعتها الخلابة المشرفة على بحيرة واسعة المدى، ومزنرة بمجموعة من القلاع، منها القلعة التي سجن فيها الملك «لودفيع الثاني» عندما تم إقصاؤه عن عرشه بسبب عدم مقدرته على القيام بمهامه بصورة جيدة.
وإذا كان منظر الماء يغريكم، فهناك بلدة «تيغيرنزي» Tegernsee التي تضم بحيرة يقال إنها من أجمل بحيرات بافاريا، نظرا لما يحيط بها من جبال شاهقة تصل أعلى قممها إلى نحو 1900 متر، وتنتشر في ظلال أشجارها الوارفة أرقى الفنادق لتستقطب الطبقة المخملية. وسط مناظر بانورامية خلابة، يصل السائح إلى بلدة «ميتسينغن» Metzingen الواقعة في منطقة الألب الزاخرة بالمناظر الطبيعية المتناثرة بين كروم العنب وبساتين الفاكهة الخلابة. سترحب بكم البلدة ببيوتها النصف خشبية وبأجوائها الودودة. و«ميتسينغن» هي بلدة الماركات العالمية التي تباع بأسعار مغرية جدا، وفيها عشرات المصانع لإنتاج تلك الماركات المعروفة التي تؤمن بدورها فرص عمل لأكثر من 10 آلاف شخص من مجمل سكان البلدة الذين يصل عددهم إلى 22 ألفا. و«ميتسينغن» هي ملاذ غني لمحبي التسوق. فما من شخص يقصد البلدة إلا وينتهي في مركز «اوتليت ستيي ميتسينغن»Outlet City Metzingen الذي هو موطن العلامة التجارية الشهيرة لـ«هوغو بوس»، وبجواره تلتقي 60 علامة تجارية أخرى، عالية الجودة، فاخرة النوعية، وتتمتع بحسومات تصل أحيانا إلى نحو 70 في المائة. فهنا لا تتم محاكاة التسوق على مشارف المدينة، أو في الشوارع التجارية داخل المدن، بلا خلاف لذلك، فإنكم تستطيعون خوض تجربة تسوق حقيقية في المركز الرابض على المروج الخضراء بين البلدة التاريخية والهندسة المعمارية العصرية الحائزة على جوائز كثيرة. من هنا يمكنكم ختام رحلتكم إلى ولاية بافاريا بعدما تكونون قد اكتشفتم قرى وبلدات لكل منها مسحة جمالية خاصة بها، ومدينة طبعت اسمها عاليا، كإحدى أهم الوجهات السياحية في العالم.
للمزيد من المعلومات يمكنكم زيارة المواقع التالية: www.bayerischerhof.de، www.outletcity.com، www.muenchen.de.



سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)
TT

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)

«إن أعدنا لك المقاهي القديمة، فمن يُعِد لك الرفاق؟» بهذه العبارة التي تحمل في طياتها حنيناً عميقاً لماضٍ تليد، استهل محمود النامليتي، مالك أحد أقدم المقاهي الشعبية في قلب سوق المنامة، حديثه عن شغف البحرينيين بتراثهم العريق وارتباطهم العاطفي بجذورهم.

فور دخولك بوابة البحرين، والتجول في أزقة السوق العتيقة، حيث تمتزج رائحة القهوة بنكهة الذكريات، تبدو حكايات الأجداد حاضرة في كل زاوية، ويتأكد لك أن الموروث الثقافي ليس مجرد معلم من بين المعالم القديمة، بل روح متجددة تتوارثها الأجيال على مدى عقود.

«مقهى النامليتي» يُعدُّ أيقونة تاريخية ومعلماً شعبياً يُجسّد أصالة البحرين، حيث يقع في قلب سوق المنامة القديمة، نابضاً بروح الماضي وعراقة المكان، مالكه، محمود النامليتي، يحرص على الوجود يومياً، مرحباً بالزبائن بابتسامة دافئة وأسلوب يفيض بكرم الضيافة البحرينية التي تُدهش الزوار بحفاوتها وتميّزها.

مجموعة من الزوار قدموا من دولة الكويت حرصوا على زيارة مقهى النامليتي في سوق المنامة القديمة (الشرق الأوسط)

يؤكد النامليتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن سوق المنامة القديمة، الذي يمتد عمره لأكثر من 150 عاماً، يُعد شاهداً حيّاً على تاريخ البحرين وإرثها العريق، حيث تحتضن أزقته العديد من المقاهي الشعبية التي تروي حكايات الأجيال وتُبقي على جذور الهوية البحرينية متأصلة، ويُدلل على أهمية هذا الإرث بالمقولة الشعبية «اللي ما له أول ما له تالي».

عندما سألناه عن المقهى وبداياته، ارتسمت على وجهه ابتسامة وأجاب قائلاً: «مقهى النامليتي تأسس قبل نحو 85 عاماً، وخلال تلك المسيرة أُغلق وأُعيد فتحه 3 مرات تقريباً».

محمود النامليتي مالك المقهى يوجد باستمرار للترحيب بالزبائن بكل بشاشة (الشرق الأوسط)

وأضاف: «في الستينات، كان المقهى مركزاً ثقافياً واجتماعياً، تُوزع فيه المناهج الدراسية القادمة من العراق، والكويت، ومصر، وكان يشكل ملتقى للسكان من مختلف مناطق البلاد، كما أتذكر كيف كان الزبائن يشترون جريدة واحدة فقط، ويتناوبون على قراءتها واحداً تلو الآخر، لم تكن هناك إمكانية لأن يشتري كل شخص جريدة خاصة به، فكانوا يتشاركونها».

وتضم سوق المنامة القديمة، التي تعد واحدة من أقدم الأسواق في الخليج عدة مقاه ومطاعم وأسواق مخصصة قديمة مثل: مثل سوق الطووايش، والبهارات، والحلويات، والأغنام، والطيور، واللحوم، والذهب، والفضة، والساعات وغيرها.

وبينما كان صوت كوكب الشرق أم كلثوم يصدح في أرجاء المكان، استرسل النامليتي بقوله: «الناس تأتي إلى هنا لترتاح، واحتساء استكانة شاي، أو لتجربة أكلات شعبية مثل البليلة والخبيصة وغيرها، الزوار الذين يأتون إلى البحرين غالباً لا يبحثون عن الأماكن الحديثة، فهي موجودة في كل مكان، بل يتوقون لاكتشاف الأماكن الشعبية، تلك التي تحمل روح البلد، مثل المقاهي القديمة، والمطاعم البسيطة، والجلسات التراثية، والمحلات التقليدية».

جانب من السوق القديم (الشرق الاوسط)

في الماضي، كانت المقاهي الشعبية - كما يروي محمود النامليتي - تشكل متنفساً رئيسياً لأهل الخليج والبحرين على وجه الخصوص، في زمن خالٍ من السينما والتلفزيون والإنترنت والهواتف المحمولة. وأضاف: «كانت تلك المقاهي مركزاً للقاء الشعراء والمثقفين والأدباء، حيث يملأون المكان بحواراتهم ونقاشاتهم حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية».

عندما سألناه عن سر تمسكه بالمقهى العتيق، رغم اتجاه الكثيرين للتخلي عن مقاهي آبائهم لصالح محلات حديثة تواكب متطلبات العصر، أجاب بثقة: «تمسكنا بالمقهى هو حفاظ على ماضينا وماضي آبائنا وأجدادنا، ولإبراز هذه الجوانب للآخرين، الناس اليوم يشتاقون للمقاهي والمجالس القديمة، للسيارات الكلاسيكية، المباني التراثية، الأنتيك، وحتى الأشرطة القديمة، هذه الأشياء ليست مجرد ذكريات، بل هي هوية نحرص على إبقائها حية للأجيال المقبلة».

يحرص العديد من الزوار والدبلوماسيين على زيارة الأماكن التراثية والشعبية في البحرين (الشرق الأوسط)

اليوم، يشهد الإقبال على المقاهي الشعبية ازدياداً لافتاً من الشباب من الجنسين، كما يوضح محمود النامليتي، مشيراً إلى أن بعضهم يتخذ من هذه الأماكن العريقة موضوعاً لأبحاثهم الجامعية، مما يعكس اهتمامهم بالتراث وتوثيقه أكاديمياً.

وأضاف: «كما يحرص العديد من السفراء المعتمدين لدى المنامة على زيارة المقهى باستمرار، للتعرف عن قرب على تراث البحرين العريق وأسواقها الشعبية».