من يدفع الأميركيين إلى حروب جديدة في الشرق الأوسط والعالم العربي؟

«صدام المتطرفين».. «دابق» في مواجهة «هرمجدون»

مقاتلون متطرفون على ظهر دبابة في مدينة إدلب السورية (أ. ف. ب)
مقاتلون متطرفون على ظهر دبابة في مدينة إدلب السورية (أ. ف. ب)
TT

من يدفع الأميركيين إلى حروب جديدة في الشرق الأوسط والعالم العربي؟

مقاتلون متطرفون على ظهر دبابة في مدينة إدلب السورية (أ. ف. ب)
مقاتلون متطرفون على ظهر دبابة في مدينة إدلب السورية (أ. ف. ب)

هل جاء تنظيم «داعش» ليثير من جديد موجة من موجات الأصولية اليمينية المسيحية، لا سيما، في الولايات المتحدة الأميركية؟
وإذا كان ذلك صحيحا، فإلي أي حد ومدى تتطابق الدعوات المتطرفة هذه التي ترفع ألوية الدين، بل وتتصادم على الأرض؟
المؤكد قبل كل شيء أن التطرف الديني أساسا ليس سوى ضرب من ضروب الإيمان بالمطلقات. والمطلقات لا بد أن تتنازع فيما بينها إلى أن يقضي أحدها على الآخر. فهي لا تؤمن بالفكر النسبي، ولا بالمواءمات، بل إن كل فكرة متطرفة تحمل في داخلها درجة من الجموح «القصووي»، الذي يرى أن لنا «الصدارة دون العالمين أو القبر»..
ما الذي أعاد هذا الحديث من جديد؟
المؤكد أن ما بدأ يتسرب من داخل الولايات المتحدة عن توجّه عناصر أميركية، سبق لها أن خدمت في القوات المسلحة، للقتال ضد «داعش» في سوريا والعراق، تحت ذرائع دوغمائية إيمانية، هو السبب المباشر. ولعل هذا آخر ما ينقص الشرق الأوسط، بل العالم برمته من صراعات. فالصراع الديني والعقدي هو الأشد مرارة، ولا يكفي أن المشهد اليوم بات مواجهة سنية - شيعية، فإذا بنا نرى أن هناك من يحاول إحياء المواجهات الإسلامية - المسيحية، والتذكير بمرارات الحروب الدينية من جديد.
في الفترة الأخيرة أخذت عدة صحف أميركية في مقدمتها «الواشنطن بوست» تتحدث عن دعوات فردية، لم تنفك أن تضحى عما قليل جماعية، في صفوف عسكريين أميركيين من الذين أدوا الخدمة العسكرية في مواضع مختلفة حول العالم، مفادها حتمية الذهاب إلى العراق وسوريا، ومقاتلة «داعش»، ذلك «الوحش الذي قتل مسيحيّي الشرق وهدم كنائسهم وخرب صوامعهم».
وبالفعل بدأ العشرات ينضمون إلى القوات الكردية في الشمال، بل وتشكّلت جماعات بعضها يعرف بـ«دوينخ نوشا»، وهذه كلمة آرامية تعني «التضحية بالنفس». وحاليا، تتمركز هذه الوحدات المسيحية، سواء من الأشوريين العراقيين، أم من الأجانب المنضمين إليهم حديثا، وسط مناطق سيطرة الأكراد، وبالأخص، في مناطق «وحدات حماية الشعب» (واي بي جي)، وهي المجموعة الكردية شبه العسكرية، التي تقاتل «داعش» وتتبع حزب العمال الكردستاني. وهي بالمناسبة مصنفة كمنظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة الأميركية.
.. هل من دافع ديني أو أصولي عميق يدعو بعض الشباب الأميركي، وبالأخص، من بين صفوف التيارات الإنجيلية البروتستانتية للانضمام إلى المعارك الدائرة في الشرق الأوسط؟
كثيرا ما أشرنا إلى «الرؤية التوراتية» التي تحكم الفكر اليميني المسيحي في الولايات المتحدة، والمتعلقة بـ«المعركة النهائية» التي لا بد لها من أن تحدث لكي تحين نهاية العالم، بالمفهوم الرويؤي المسيحاني، ونعني بها هنا معركة «هرمجدون» Armageddon التي تستمد اسمها من وادي مجدو، في أرض فلسطين. ومضمون هذه «الرؤية التوراتية» أنه ستتكالب ممالك العالم على يهود الأرض، قبل أن يقدّر لهم الظفر في معركة دموية لم يشهد العالم لها مثيلا من قبل، تكون المقدمة الطبيعية لنهاية الأيام وختاما للأزمنة، أي «قيام الساعة» بالمفهوم الإسلامي، الذي يقابله ما يعرف بمفهوم «الإسكاتولوجيا» عند دعاة اليمين المسيحي الأميركي الموصوف خطأ بتيار «المسيحية – الصهيونية»، إذ ما أبعد الإيمان المسيحي الحقيقي عن الفكر الفاشي أو الشمولي الصهيوني.
هذا المفهوم، هو الذي دعا الكاتب والصحافي الأميركي جاي مايكلسون لأن يثير عبر الموقع الإخباري الأميركي «ديلي بيست» إمكانية حدوث مواجهة حقيقية بين أنصار هذا التيار وبين الدواعش في العراق وسوريا. وهنا تجدر الإشارة إلى أن أنصار «داعش» يسعون إلى دولة الخلافة التي تسبق نهاية الأزمنة، والدليل على ذلك تمسكهم بمدينة دابق السورية، التي تمثل بالنسبة لهم الموقع والموضع الذي ستحدث فيه المعركة النهائية مع جيوش الروم. وعلى الرغم من الهزيمة المنكرة التي سيلقاها جيش الخلافة هناك، فإن عيسى (عليه السلام) سيظهر من القدس لينقذ الخلافة من مصيرها، بحسب مفهومهم.
وثمة بعد آخر لا يقلّ إثارة في المشهد يخلط ما هو ديني بما هو سياسي.
إذ تؤمن «داعش» بأن شخص «المسيح الدجال» سيظهر من بلاد فارس، وسيكون الأداة الرئيسية في هزيمة الخلافة، قبل أن يقوم عيسى (عليه السلام) بدوره. وفي هذا التصوّر إقحام لإيران الفارسية التي سيظهر منها «الأعور الدجال» بشكلٍ قبيح، مما يجعل النيران والدماء تشتعل في أثواب المنطقة بكل أطيافها وأطرافها.
نحن إذن أمام «سيناريوهات» صِدامية تتزيّا زي الدين، وجدت، ومن أسف، بفعل ما اقترفته «داعش»، المبرّر والحافز لأن تمضي قدما. ولم تعد المعركة هنا قاصرة على بضعة أصوات عشوائية في الداخل الأميركي، بل يبدو أن المعركة قد تطوّرت عقائديا، وهي مرشحة لما هو أكثر سخونة، خاصةً حال اقتراب الرئيس الأميركي باراك أوباما، وبرغبة منفردة منه، في التوقيع على صفقة ما مع إيران تخصّ قضية برنامجها النووي.
هل أوباما، بشكل خاص، غدا حجر عثرة وأداة من بين أدوات غلاة اليمينيين المسيحيين الأميركيين في إلهاب سعير هذه المعركة؟
الشاهد أن الأصوات تتصاعد في الداخل الأميركي، لا سيما من قبل الجمهوريين، متهمة أوباما بأنه لا يفهم حجم التهديد الذي يمثله الإسلام الراديكالي. ومع أن أوباما حاول في أكثر من موضع وموقع، كما جرى في قمة واشنطن الأخيرة التي عقدت تحت عنوان «مواجهة التطرف العنيف» أن يبين أن الغرب ليس في «حالة حرب» مع الإسلام، وأن مقولة كهذه تمثل كذبة كبرى، بلغ الأمر في بعض الأوساط حد التشكيك في مصداقية أوباما، بل وبولائه للولايات المتحدة، هكذا دفعة واحدة.
إذ نقل موقع «بوليتيكو» الأميركي الشهير عن رئيس بلدية نيويورك السابق رودي جولياني، خلال حفل استقبال خاص لجمع التبرعات للمرشح للبيت الأبيض سكوت ووكر، قوله: «أعرف أن ما سأقوله رهيب، لكنني لا أعتقد أن الرئيس يحب أميركا»، مضيفا «إنه لا يحبكم ولا يحبني فهو لم ينشأ مثلكم ومثلي في حب هذا البلد». والقول هنا لا يحتاج لتوضيح، إذ يحمل إسقاطات واضحة على نشأة أوباما في إندونيسيا وفي مجتمع إسلامي، حتى سن السادسة عشرة من عمره، الأمر الذي جعل خيال «الإسلاموفوبيا» يطارد جولياني في النوم واليقظة.
والشاهد أنه إذا كان التيار اليميني المسيحي في الولايات المتحدة قد توارى عن الأنظار بعد انتهاء سيطرة الجمهوريين على البيت الأبيض عام 2008، وغداة انتهاء ولاية جورج بوش الابن، فإن وجود أوباما في البيت الأبيض، عطفا على أفعال «داعش» غير الإنسانية بحق مسيحيي العالم العربي، وما جرى في ليبيا بنوع خاص من إعدام المصريين الأقباط قد دفع لصحوة تتنامى من جديد. ويرى هذا التيار الآن أن هناك «عاصفة إسلامية تتقدم نحو أميركا» على حد تعبير القس فرانكلن غراهام، الابن الأكبر لواعظ أميركا ورؤسائها الإنجيلي الأشهر بيلي غراهام، صاحب التأثير الأكبر في تاريخ أميركا المعاصر دينيا.
لم يكن غراهام (الابن) وحده «بوق القرن» الصارخ ضد أوباما، فثمّة أصوات كثيرة ترى أن الرئيس الأميركي مستمر في دعم المسلمون، وأنه «يفعل ضد كل ما يؤمن به المسيحيون حول العالم واليهود أيضا، والمجموعة الوحيدة التي تستطيع أن تتيقّن من دعمه لها هي المسلمين، وفق القس المعمداني السابق وحاكم ولاية آركنساس مايك هاكابي، الذي كان ذات يوم مرشحا للرئاسة الأميركية.
في تصريحات غراهام السابقة تأكيد على ما أشرنا إليه من أن «صدام المتطرفين» بين «داعش» واليمينيين المسيحيين الأميركيين، يمكن أن يقود العالم برمته إلى مواجهة عالمية، لا سيما أن إيران وإسرائيل لن تكونا بعيدتين عن المعركة فهما في القلب منها. والدليل على ذلك قوله: «إن شر تنظيم داعش لا يجب أن يكون صدمة للمسيحيين، إن كلمة الله تخبرنا أنه ستكون هناك معركة نهائية في يوم من الأيام، ولكن ستكون نتيجتها هزيمة الشيطان وكل حلفائه».
هل بدأت هذه التجاذبات الفكرية المتطرّفة تؤتي أُكلها بالفعل في الداخل الأميركي؟ بحسب صحيفة «يو إس إيه توداي» فإن أكثر من ربع الأميركيين، باتوا يعتقدون أن «داعش» تعدّ تمثيلا حقيقيا للمجتمع الإسلامي، وذلك وفقا لاثنين من الدراسات الاستقصائية الجديدة الصادرة عن مؤسسة «لايف واي» Life Way للأبحاث. وهنا يقول إد سيتنزر، المدير التنفيذي للبحوث في المؤسسة: «أصبح الناس عدائيين على نحو متزايد، والقادة الدينيون باتوا عدائيين بشكل خاص تجاه الإسلام».
لم تعد دعوات الحروب في واشنطن اليوم تخرج على لسان المسيحيين «التبشيريين» – أو التنصيريين – فحسب، بل باتت النخبة من «صقور» الجمهوريين تدعو للتدخل العسكري ضد «داعش»، وحال أخذنا في حساباتنا أن 77 في المائة من الإنجيليين الأميركيين يعتقدون بأننا نعيش حقا حقبة «نهاية الزمان»، ومثلهم 40 في المائة من جموع الأميركيين الذين لا يبشرون بإنقاذ البقية منا من الخطيئة، وإنما إنقاذنا من المحن الوشيكة أيضا، يتيقن المرء من أن الأيام المقبلة قد تحمل ثمنا باهظا لصدام الجهالات التي يتلاعب بها حكام العالم الحقيقي للوصول إلى لحظة بعينها يريدونها منذ بدء الأزمنة.



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.