السودان: آفة التطرف اتخذت منعطفًا غير متوقع للطلاب

بعد عودتها إلى السودان من بريطانيا لدراسة الصيدلة ارتدت تسنيم النقاب وتوجهت للالتحاق بـ«داعش»

السودان: آفة التطرف اتخذت منعطفًا غير متوقع للطلاب
TT

السودان: آفة التطرف اتخذت منعطفًا غير متوقع للطلاب

السودان: آفة التطرف اتخذت منعطفًا غير متوقع للطلاب

كانت تسنيم حسين طالبة جامعية هادئة في الخرطوم عندما بدأ التحول يحدث رويدا رويدا، بعد عودتها إلى السودان من بريطانيا لدراسة الصيدلة خلعت البنطال الجينز، وارتدت النقاب، لكن أحدا لم يتوقع أن يسمع تقارير عن تخليها عن دراستها وحياتها المميزة لمساعدة تنظيم داعش على الجهاد في سوريا.
وفي الأسبوع الماضي، أبلغت الطالبة البالغة من العمر 23 عاما أهلها بأنها ستمضي الليلة مع أقاربها.
ووفقا لشخص مقرب من الأسرة طلب عدم نشر اسمه بسبب حساسية الموضوع، فقد بعثت تسنيم رسالة في اليوم التالي عن طريق برنامج «واتساب» تقول فيها إنها تدرس لامتحان الماجستير في مكتبة الجامعة. لكن في واقع الأمر توجهت تسنيم إلى تركيا مع مجموعة من طلاب الطب البريطانيين السودانيين في طريقهم إلى سوريا لمساعدة تنظيم داعش.
وبالنسبة للكثيرين، فإن التنظيم الذي سيطر على مناطق واسعة من العراق وسوريا معروف بذبح الأسرى الغربيين وحرق طيار أردني حيا. ويطبق التنظيم تفسيرا متشددا للإسلام، ويقمع النساء، لكن بالنسبة لبعض الشبان والشابات مثل تسنيم فإن الأمر ربما كان له إغراؤه.
وقال أحد الجيران شاهد تسنيم يوم غادرت إلى تركيا ولم يرصد أي شيء غير طبيعي: «كانت تشارك في الحفلات ومناسبات الجيران وكان من العادي أن تلبس البنطال الجينز، ولكن قبل عامين حدث تحول كبير في شخصيتها وأصبحت ترتدي النقاب».
وعلى النقيض من البريطانيين الذين يتعرضون للفكر المتشدد في مساجد بالمملكة المتحدة، فقد تعرفت تسنيم ورفاقها على الفكر الأصولي من خلال محاضرات دينية في جامعتهم.
وتسلط رحلتهم إلى سوريا التحديات المعقدة التي تواجهها دول غربية وعربية، في محاولة احتواء بريق تنظيم داعش الذي نجح في اجتذاب الشباب المسلم المولود في أوروبا لأفكاره عن «دولة الخلافة».
وهذه المجموعة التي تضم طلابا من كلية الطب وخريجين جددا بعيدة كل البعد عن النمط الذي ينتمي له كثير من المتشددين، الذين عادة ما يكونون من الشبان الفقراء الساخطين.
وينتمي معظمهم لأسر ميسورة الحال لا صلة لها بدوائر متطرفة في الخرطوم.
ووالد تسنيم شخصية معروفة في المجتمع السوداني، وهو مدير أحد أكبر المستشفيات الحكومية في السودان. ويقول جيران إن الأسرة تعيش في حي الرياض الراقي في فيلا مؤلفة من 3 طوابق بها حديقة كبيرة وطريق تصطف على جانبيه الأشجار وتقف عليه سيارات فاخرة.
وقال الصديق المقرب من الأسرة: «تسنيم قبل هذا التحول كانت فتاة منفتحة ومتدينة بصورة معتدلة مثل بقية أسرتها».
وعندما ارتدت النقاب، تساءل والداها فيما يبدو عن قرارها لكنهما لم يدركا أنها وضعت قدميها على بداية طريق محفوف بالخطر.
وأظهرت جولة في حرم الجامعة أن معظم الطلاب يرتدون الزي الغربي، وهو أمر غير معتاد في البلد المحافظ. لكن الجامعة أيضا تستضيف شيوخا متشددين مثل الشيخ محمد علي الجزولي الذي كان يلقي خطبا يؤيد فيها «داعش»، ويدعو فيها الناس إلى ترك المدرجات والذهاب لنيل الشهادة.
واعتقل الجزولي قبل بضعة أشهر ولم يتسن على الفور التحقق مما إذا كان أي من أفراد المجموعة قد استمع إلى خطبه، لكن هذا أمر مرجح.
وقال أحمد بابكر عميد شؤون الطلاب بالجامعة إن المجموعة تجمعت في شقة سكنية بمنطقة راقية بالخرطوم، وقام بتجنيدهم محمد فخري، وهو بريطاني من أصول فلسطينية توجه إلى بريطانيا بعد تخرجه في جامعة العلوم الطبية والتكنولوجيا، ومن هناك ذهب إلى سوريا وانضم لـ«داعش». وبدا أن الجيران والأصدقاء الذين تحدثت «رويترز» معهم يلقون بعض المسؤولية على الأقل على جمعية الحضارة الإسلامية الطلابية التي كانت تأتي برجال دين مثل الجزولي لإلقاء خطب تدعو للتشدد.
وقال بابكر بعد سفر اثنين من الطلاب لدولة مالي للانضمام للجماعات الدينية: «قمنا بمنع نشاط رجال الدين». لكن ربما يكون الأوان قد فات، لأن رجال الدين بات لهم تأثير عميق على الطلاب.
وقالت طالبة منتقبة لـ«رويترز»: «في البداية، كنت غير محجبة أو منتقبة، وكانت المحاضرات في جمعية الحضارة الإسلامية في الجامعة ترشدنا للطريقة الصحيحة للصلاة وضرورة لبس الحجاب والنقاب، ويقومون بإعطائنا دروسا في الفقه. هذا في المرحلة الأولى».
وصعدت الحركات الجهادية في السودان، وعبر المنطقة، منذ انتفاضات الربيع العربي عام 2011، التي أطاحت بحكام مستبدين، وأطلقت العنان للجماعات المتشددة التي كان هؤلاء الحكام يقمعونها.
وفي السودان، ظهرت هذه الجماعات في حرم الجامعات دون رقابة من الحكومة التي يقودها الإسلاميون.
وقال المحلل السوداني الهادي محمد الأمين إن أنشطة الجماعات تتزايد، وإنها تقوم بعمليات تجنيد.
وتابع قوله: «هذه الظاهرة في تزايد مستمر، والحكومة السودانية غير مشغولة بمسألة التطرف، لأنهم لا يمثلون خطرا على الحكومة».
وأضاف الأمين أن الحكومة مشغولة بالحروب التي تخوضها مع جماعات متمردة في البلاد.
وسافر عدد من أهالي الطلاب إلى منطقة الحدود التركية السورية في محاولة للعثور على أبنائهم وبناتهم.
وقال بعض الطلاب الذين كانوا يعرفون المجموعة إن انضمام المجموعة لـ«داعش» أمر يصعب تصديق.
وقال طلاب كانوا يعرفون بعض أفراد المجموعة، بعضهم ذكروا لأسرهم عبر «واتساب» بعد مغادرتهم السودان إنهم لن ينخرطوا في الجهاد مع داعش، ولكنهم ذهبوا لتقديم الخدمات الصحية للمتطرفين.
وقال عضو في البرلمان التركي الأسبوع الماضي إن المجموعة سافرت إلى سوريا للعمل في مستشفيات يسيطر عليها «داعش».
وعبرت أسر الطلاب عن ذهولها من انضمام المجموعة إلى التنظيم المتشدد.
وعبرت الأسر في بيان عن اعتقادها بأن أبناءها وصلوا إلى تركيا واختفوا ولم يعرف لهم أثر مشددة على أن نوايا أبنائهم حسنة.



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».